جوى للانتاج الفني
الرئيسيةعلى الخشبة"لقاءات" تنتهي بتخرج طلاب من مدرسة الفن المسرحي

“لقاءات” تنتهي بتخرج طلاب من مدرسة الفن المسرحي

في مكان صغير ينزوي بمدينة جرمانا بريف دمشق أسس الدكتور سمير عثمان الباش مشروعه الخاص بانياً فيه بأسعار رمزية جيلاً جديداً متجدداً من الفنانين الشباب الذين ينطلقون بقوة إلى عالم التمثيل بشكل لا يقل أهمية عن باقي الأكاديميات في سوريا، تستمر الدراسة لمدة أربع سنوات وينطلق بعدها الفنانون للبحث عن فرصة في بلاد ليس فيها فرص للأسف، لكن يستمر الحلم من هذا المكان الصغير، عله يجد مكانته بين الناس والجمهور

مؤخراً قامت المدرسة وبإشراف الدكتور سمير بتقديم عرض تحت عنوان “لقاءات”، وذلك لتخريج الدفعة السادسة منها، والخريجون : “ميلاد السهوي، كاترين بشارة، علي الشربجي، ميخائيل مخول، رغد عزقول، اسماعيل هابيل، هازار أحمد، رنيم علي”

العرض المسرحي كان مكوناً من أربع فرضيات تضم كل منها شاباً وصبية، ومدة كل فرضية تقارب النصف ساعة. قبل البدء بالحديث عن كل لقاء يمكننا القول إن الشباب الثمانية كانوا جيدين ويستحقون صفة “الممثل” رغم التفاوت في الأداء “وهذا الطبيعي”، واستطاعوا أن يعبروا عن أدواتهم بطريقة سلسة ممتعة ومحترفة لكنها لم تخلُ من الارتباك الواضح لدى بعضهم إما بتلعثم الحروف حيناً أو رجفة الأيادي حيناً آخر.

اللقاء الأول “طعام، صلاة، حب” للممثلَين رغد عزقول وهازار أحمد

يحدث هذا اللقاء بين رجل “الأستاذ شفيق” وامرأة “كوثر” قرب إحدى بسطات بيع الكتب، كلٌّ منهما كان يبحث عن كتابه المفضل الذي يبغي شراءه، وهنا يدور الحديث بينهما عن الذكورية والنسوية، بين رجل شرقي تعرض لخيبة أمل من زوجته التي خانته وهجرته مع ابنة صغيرة وامرأة مطلقة تركها زوجها فجأة دون مبرر منطقي سوى أنها لا تنجب الأولاد.

يحتد النقاش فترة ويخفت فترة، كلاهما يتحدث عن وجهة نظره وما آلت إليه الحال وما الذي دفع الرجل لذكوريته المفرطة والمرأة للوقوف مع النساء.

بدا الحوار بسيطاً عفوياً، وظهرت رغد بمظهر مقنع جداً وشبيه بكثير من نساء سوريا، بينما كان الشكل لا يخلو من النمطية المعتادة كأزياء ومكياج بالنسبة لهازار، فهو الشكل التقليدي المتعارف عليه لمعلمي المدارس وكان من الأفضل تغييره كي لا يكون نمطياً ومكرراً هكذا، لكن على صعيد الأداء استطاع هازار أن يثبت جديته في أدوته عبر تنقله من حالة إلى حالة بشكل جيد، وكان تهدج صوت رغد مناسباً جداً للشخصية، لكن تكمن مشكلة الاثنين بالمبالغة في قسَمات الوجه وبعض التعابير دون الحاجة لذلك، فكان من الممكن طرح الموضوع بطريقة أقل توتراً ولا تجنح للمبالغة في الارتجاف والتوتر، خصوصاً أنه عرض يقترب بقصته إلى الواقعية كما عادة الدكتور سمير في أعماله.

المشكلة الثانية كانت في نهاية القصة، حيث بدت كأنها مبتورة بشكل مفاجئ وغير منطقي، حيث تحول الحديث من حياتي واقعي لمشكلات الإنترنت والخوف من التجسس على النساء والذكاء الاصطناعي ومن ثم هروب المرأة من الرجل بعد أن كانت تحاول اصطياده كعريس، فكانت الحكاية غريبة في انقطاعها ولم تنتهِ بذات السلاسة التي بدأت بها

اللقاء الثاني “منصة” للممثلَين الشابَّين علي الشربجي وميخائيل مخول

اجتمع في اللقاء الثاني علي الشربجي “بدور إيهاب” وميخائيل بدور “ريان”، تحدث الاثنان في قصتهما وهي قضية مهمة تمس الإعلام، فنحن نشاهد طالبَي إعلام تخرجا من الجامعة للتّو وبدأا بالتفكير معاً والبحث عن كيفية التقاط فرص العمل، وبينما كان ريان شخصا يسعى لتزويد المشاهد بالثقافة من خلال التفكير بالبرامج النخبوية لطرحها عبر التلفزيون، كان إيهاب “واقعياً” أكثر ويعرف أن الجمهور الحالي يرغب بالتسلية والسخافة والأخبار الترند لتحصيل المشاهدات والشهرة والأرباح، فليس هناك مجالاً للوصول عن طريق البرامج التي يفكر صديقه بطرحها فيختلقان معاً فكرة إنشاء منصة عبر السوشال ميديا.

قدم ميخائيل شخصية ريان بطريقة مميزة جداً، فهو الشاب البسيطة المتزن صاحب الأفكار التقليدية، بدا ذلك بكل جد وثبات على شخصيته، حتى حين تنقلَ لحالات تمثيلية قام بها عندما قررا تصوير مشاهد مقالب أو مشكلات اجتماعية لتقديمها في المنصة استطاع أن ينتقل ميخائيل لحالات شعورية درب جسده عليها بشكل ممتاز، هذه الشخصية طغت في تفاصيلها وأدائها على الشخصية التي أداها علي، فلم يبرز الأخير كثيراً مقابل ميخائيل باستثناء الدقائق الأخيرة من الفرضية حين مثلا معاً كاركترين مختلفين لرجل وامرأة أمام شاشة الجوال كي يختبرا نفسيهما بمنصة افتراضية إعلامية للتجارب الاجتماعية لتوضح هذه الدقائق أن علي أيضاً شاب موهوب ويمتلك الأداء الجيد بالإضافة لوسامة وحضور مميز يستطيع استثمارهما بذكاء لا سيما في المراحل القادمة من حياته.

اللقاء الثالث “فلفل” للممثلَين كاترين بشارة واسماعيل هابيل

تحدث اللقاء الثالث عن شابة “نور” تركض هاربة من شاب “نزار العبد الله” في الشارع ظنت أنه يتحرش بها فترُشّ عليه “بخاخ الفلفل” كي تنقذ نفسها منه، يحترق وجهه ويبدأ بالصراخ وهو يؤكد لها أنه جاء فقط لمساعدتها في حمل الأمتعة فقط، لكنها خافت وهربت ورشته بالفلفل.

تشعر نور بالذنب فتتجه نحوه وتعطيه المال فيقول لها إنه ليس متسولاً، بل هو مجرد رجل شهم حاول مساعدة فتاة وحيدة.

أضاء النص على فكرتين مهمتين الأولى قد تكون مكررة لكنها عولجت بأسلوب جيد وهي تخوف الناس من بعضهم البعض في هذه الظروف، ما يجعل أي موقف شهامة “مستغرَب” لأن تعامل الناس مع بعضهم بات مليئاً بالمصالح الشخصية والمنفعة، ولا أحد يخدم الآخر “لوجه الله” إلا أن اللقاء هذا جعل المشاهد يتفكر بضرورة وجود الأخلاقيات والمحافظة عليها وتقديم العون حتى في المواقف البسيطة ولو بدون مقابل.

الفكرة الثانية كانت مهمة جداً ويندر التحدث عنها في الحقيقة وهي الشعور بالضغط النفسي نتيجة العمارات والأبنية والمنشآت التي تملأ البلد بشكل مزعج يضغط على بعضه البعض هو وسكانه، ما يستبيح الخصوصية ويزيد عوامل التوتر، وقد طرحت ذلك شخصية نور التي أدتها كاترين على اعتبار أن الشخصية مهندسة عمارة، فكان الحوار يتركز على كيفية بناء أبنية راقية ومحيط بناء يتمتع بالمساحة كي ترتاح عين النفس البشرية، ما وضح أننا نعاني من سوء تخطيط للمدن ومحيطها، وشوارعها.

على صعيد الأداء كان اسماعيل وكاترين متناغمَين جداً مع بعضهما، حيث قدم الممثل الشاب كاركترا بسيطا بطريقة ذكية، لم يجنح للمبالغة فيه ولم يُشعِرنا أنه يقدم “نمطاً”، فكانت الشخصية طبيعية وحقيقية جداً أضاف لها “إيفيه” لطيف، بينما ظهرت كاترين بحالة سلسة بسيطة لا مبالغة فيها ولا استعراض، واستطاعت التماهي مع الحالة بشكل مقبول جداً

اللقاء الرابع “موزاييك”، للممثلَين ميلاد السهوي ورنيم علي

في هذا اللقاء كانت الحكاية تدور حول فتاة “إلين” قادمة من لندن في إجازة إلى دمشق، تربَّت في بلاد أجنبية فاستقت منها كل عاداتها، من ملابس وتصرفات وأفكار، وحين جاءت لبيت عمها الدمشقي القديم “منير” الذي يعمل ليلاً نهاراً لتأمين قوت عائلته، حاولتْ أن تعيد الحياة للبيت كما كان سابقاً، ليدور الحديث حول إمكانية تغيير الديكور فيه لإعادته للشكل القديم الذي كان أبوها المتوفى يعيش فيه.

الفرضية بسيطة، وأقل زخماً من اللقاءات الثلاث التي سبقوها، ما جعلها الأقل وهجاً على صعيد الحكاية، إلا أنها كانت الأجرأ من ناحية الحوار الذي تحدثت به شخصية منير حول وضع البلاد وما جرى له ولأخيه الراحل بسبب اعتقاله نتيجة مواقفه السياسية، لكن الحوار جاء مباشراً وفورياً ليشرح في جمل طويلة كل ما جرى ولماذا وصل حال العم منير لهذه المرحلة، فلم يكن هناك مواربة أو محاولة لعدم طرح الحكاية بشكل غير مباشر لهذه الدرجة.

بدا ميلاد ورنيم بسيطَين بشخصيتين غير مركبتَين، وأديا دورَيهما بشكل جيد، لكن لم تمنحهما الحكاية الوهج الكافي لتوضيح أدواتهما التمثيلية أكثر، إنما بالعموم استطاعا لفت الأنظار فاستخدم ميلاد حجم جسده وقسَمات وجهه لخدمة الدور، كذلك فعلت رنيم التي لعبت على نبرة صوتها لتخدم الشخصية ذات الطابع السريع النشط.

في نهاية هذه اللقاءات ومع الختام على أنغام أغنية لا تهملني للسيدة فيروز صفق جميع الحضور في مسرح المدرسة الضيق والذي يحتاج لدعم أكبر كي يتسع لشرائح أكثر لمدرسة الفن المسرحي التي ترفد منذ سنوات حركة الفن داخل سوريا بشكل فعال من خلال كوادر وطاقات جديدة مهمة، ما يجعل الاهتمام بها من قبل المعنيين واجباً ضرورياً.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة