جوى للانتاج الفني
الرئيسيةنقد تلفزيونيعرفتها الدراما السورية منذُ قديمها.. عن "اللازمة" كحامل للكثير من الأعمال الدرامية

عرفتها الدراما السورية منذُ قديمها.. عن “اللازمة” كحامل للكثير من الأعمال الدرامية

يذكر قاموس المعاني – قاموس عربي انجليزي- عن معنى “اللازمة” بأنها: ِبَارَةٌ يُرَدّدُها شَخْصٌ بِاسْتِمْرار، ومن تعاريف معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي- للازمة: لاَزِمَةُ نَشِيدٍ: كَلِمَةٌ أَوْ مَقْطَعٌ يُعَادُ تَرْدِيدُهُ وَتَكْرَارُهُ مِرَار، ويذكر أيضاً: اللازِمَةُ: عادة فعلية أو قولية تَلزم المرءَ فيأتيها دون إرادة منه ولا شعور.

تكرار في أكثر من إبداع

هذه اللازمة التي تعني التكرار لعبارة ما، قد لا تكون كلاماً وحسب، في الموسيقا على سبيل المثال؛ كثيراً ما يتحدث الباحثون الموسيقيون عن “لازمة موسيقية” تُعطى الأغنية طابعاً خاصاً وتجعلها ملازمة لإذن المستمع مدى الحياة.. في اللوحة التشكيلية أيضاً تبرز اللازمة في المفردة اللونية التي سيُشكل تكرارها لغنائية لونية تُميز العمل الفني برمته، وتعطيه الكثير من القيم الجمالية والهوية الخاصة به.

في القصيدة أيضاً؛ تحدّث النقّاد عن دور “اللازمة” في الكثير من القصائد، وهي هنا غير القافية في الشعر التقليدي الموزون. بل هي التقسيم الذي يعني تكرار كلمة أو عبارة في ختام كل مقطوعة من القصيدة.. والغرض الأساسي من هذا الصنف من التكرار أن يقوم بعمل النقطة في ختام المقطوعة الشعرية، ويوّحد القصيدة في اتجاهٍ مُعين. أو هي بمثابة اللازمة الشعرية التي تضبط إيقاع حركة الدلالات وما تبثه من كمونٍ عاطفيّ، لشحن عواطف المتلقِّي، وتوجيهها نحو الاندماج في موقف الشاعر ورؤياه للعالم الخارجيّ المحيط على ما يرى نقاد آخرون، أو هي اللازمة التي تأتي كالقفل في ختام مقاطع الموشح على سبيل المثال.

في الدراما أيضاً

غير أنّ أشد “اللازمات” تأثيراً وعلى أكثر من اتجاه، بمعنى التأثير في المتلقي من جهة، أو التأثير على العمل الفني نفسه سواء كان سلباً أم إيجاباً، ونُشير هنا إلى أنه نادراً ما كان تأثير اللازمة سلبياً، تلك “اللازمة” التي تُرددها أحدى شخصيات المسلسل التلفزيوني، حتى تكاد تكون حاملا إبداعيا أساسيا لهذا الدراما، وأحياناً يكون في المسلسل الواحد أكثر من شخصية لها لازمتها الخاصة. هذه اللازمة لا تطغى على الشخصية وحسب، بل وتصير إحدى ملامحها حتى يُمسي الممثل يُعرف من خلالها، وسيحتاج لزمنٍ طويل، وأعمال كثيرة ليتخلص منها. بل أيضاً يصبح المسلسل كله يُعرف بتلك اللازمة حتى تطغى على اسم المسلسل كله.

أكثر ما يلفتني في أداء الشخصية، هي حالة “الكارتر”، التي يتلبسها الفنان، من حركات معينة سيكون حريصاً على تكرارها بما يُشبه التحدي على مدى ثلاثين حلقة، وهناك من الفنانين من يعتمد على “اللازمة” التي تُميز الشخصية لاسيما في حواراته مع الشخصيات الأخرى في المسلسل..

ونادراً ما يمر موسم درامي، لا تلفت شخصية درامية ب”لازمتها” الفارقة التي غالباً ما تُمسي تقليداً لدى الكثير من المتابعين يرددونها في أحاديثهم اليومية.. وإذا ما عُدنا بحركة (خطف خلفاً)، ستحضر إلى مسرح الذاكرة عشرات (اللازمات)، التي كانت علامة فارقة في أداء الكثير من الممثلين.

 الله يحن عليك!!

هنا ماتزال في الذاكرة (لازمة) “الله يحن عليك” للفنانة كاريس بشّار في شخصية (مريم) المرأة السورية النازحة إلى لبنان، في مسلسل (النار بالنار) – محمد عبد العزيز ورامي كوسا – “مريم” التي خُطف زوجها على يد تنظيم إرهابي، ومن ثمّ قُتل، فتتعرض لمختلف ظروف شظف العيش، وكل مساوئ الدنيا، بمعنى أنّ تردادها ل(اللازمة)، لم ياتِ من فراغ، فهي مثل مئات السوريين الذين نكبوا خلال هذه الحرب الطويلة، ومن ثمّ بمخلفاتها، من غللاء ومفقودين، ومخطوفين، ودمار على مختلف المستويات والصعد.. فهذه المرأة وككل السوريين، تحتاج إلى شيءٍ من”الحنية”، سواء داخل الوطن، أم في بلاد الاغتراب، شيءٌ من الحنان يُعيد للروح دفئها، وتوهجها، ومن ثمَّ فإنَّ عبارة “الله يحن عليك”، هي التمني الداخلي المُشتهى لروحها الضائعة في هذه الأزقة الموحشة وغير الآمنة.. “الله يحن عليك”، التي تكررها مع كل فعل جميل يُقدّم إليها مهما بدا ضحلاً وبسيطاً، تقولها (مريم) دون استعراض، أو مبالغة، تقولها تماماً كصلاة ورجاء.. وتقولها مع كل (لوازمها) الأخرى من حركات تعبيرية – من وجهة نظري _ أبدعت كاريس بشّار في أدائها، لاسيما في مشيتها، وترقبها وحذرها، وفي لباسها، وحتى في خوفها على كل سوري تلتقي فيه في أماكن تشردها.

شخصية “مريم”

وهنا من المُفيد الإشارة لأكثر من لازمة كانت لصيقة ببعض شخصيات مسلسل (النار بالنار)، على شاكلة (خالوه)، التي يرددها (بارود – تيم عزيز) والذي لم تسعفه (اللازمة) في مسلسل (نقطة انتهى)، والتي كان يُرددها أيحاناً بشكلٍ مبالغ به، ربما بسبب اطمئنانه لنجاحه في اللازمة الأولى. أما الفنان جمال العلي، فقد دخل في “كاريكتر” خاص منذ زمن طويل، يكرره في كلِّ مسلسل، تماماً كياسين بقوش معاصر.

ولاد بديعة

في تاريخ الدراما السورية، عُرف الكثير من الممثلين بإحدى تلك اللوازم التي كان يُرددها خلال تجسيده لشخصية لها ملامحها المُفارقة والتي تتميز أكثر ما تتميز بتلك اللازمة التي يُرددها الممثل صاحب الشخصية عند موقفٍ مُعيّن، وهنا يكون عند الضرورة، لإنقاذه من مأزق ما، أو التخلص منه، وهنا نّذكر أيضاً بأحد معاني “اللوازم” التي تعني الحاجات الضرورية، أي التي تأتي عند الضرورة.

وقد شهدت أعمال موسم الدراما السابق الكثير من “اللازمات”، حتى أنّ مسلسل مثل (ولاد بديعة)؛ عُمدَ إلى حشد عشرات (اللازمات) في تفاصيل حواراته، التي كانت ترددها شخصياته، من “مابيشغلني” التي شغلت بها الفنانة سلافة معمار متابعيها، إلى “زبون دويّم – أبو الهول” للفنان محمد حداقي، أو لازمة (ياسين – يامن الحجلي): “شر مالك يفتح الله عليك”، أو لازمة (السّيكي – حسام رضا): “يا برنس” مع صفرة، التي صارت لازمة المراهقين، وغيرها من (لازمات) كثيرة كانت تُردد على ألسنة شخصيّات (ولاد بديعة)، حتى (بديعة – إمارات رزق) نفسها، والذي حمل المسلسل اسمها اكتفت بترديد اللازمة طوال ظهورها ب”يا كريم”، مستغنية عن أي حوارٍ آخر.

بوستر مسلسل “ولاد بديعة”

أبو جانتي

وربما لايزال الكثيرون إلى اليوم “لازمة” الفنان أيمن رضا في مسلسل “أبو جانتي” الذي انتزع الانتباه إليه رغم كل محاولات ممثل آخر أن يضع المسلسل كله باسم الشخصية التي يُجسدها – سامر المصري- وتحمل اسم المسلسل كله، وذلك بتكرره لعبارة “مين سمير؟!” التي أكسبت المسلسل قيماً جمالية وفنية كثيرة، حتى بات المُتلقي ينتظر الموقف الذي سيدفع “أبو ليلى – أيمن رضا” للجوء لعبارته المُنقذة “صحيح سمير تزوج أختي؟؟ ” ليُجيب “مين سمير؟؟”. ومن ثمّ يتم تمييع الموقف المُتأزم والذهاب به صوب الملهاة.

شخصية “أبو جانتي”

ما تهكليه للهم

تيم حسن بدوره في مسلسل الهيبة لاسيما في جزئه الأول شغل الناس ليس بقصة شعره وتشبيحه، بل بتلك العبارة المُنقذة التي كان يُرددها “ما تهكليه للهم” والتي قلل من ترديدها في الجزء الثاني، وهو الأمر الذي رافق خفوت بريق هذا الجزء عن جزئه الأول، حتى كادت “لا تهكليه للهم” أن تتحول إلى مقياس لشعبية المسلسل الذي لاقى حفاوة واسعة في الجزء الأول، مع خفوت كبير بتلك الحفاوة في الجزء الثاني.

شخصية “جبل”

تيم حسن شغل متابعيه لاحقا ب”يستر على شيتاتك”، في مسلسل (تاج).. وقبلها: “يقول نيتشه” في مسلسل (الزند – ذئب العاصي) في موسم دراما 2022.س

شخصية “تاج”

وإذا ما عدنا قليلاً إلى قديم الدراما السورية، إلى دراما البيئة الدمشقية قبل عصور “باب الحارة” سيئة الذكر، فربما يتذكر الكثيرون اليوم الفنان عبد الفتاح المزيّن ولازمته الشهيرة “ولذا” في مسلسل “أيام الخوالي” إن لم تخني الذاكرة، والذي كان بطولة الفنان أسعد فضة.. إلى لازمة(حسني البورظان -) في مسلسل (حمام الهنا) : “إذا أردت أن تعرف ماذا في إيطاليا، عليك ان تعرف ماذا في البرازيل)، ، خلال محاولة كتابة مقاله، والذي انتهى المسلسل، ولم يبدأ بكتابة المقال.

شخصية “حسني البورظان”

حكاية العصب الوركي

في مسلسلي “ضيعة ضايعة والخربة” للمخرج الليث حجو والسيناريست ممدوح حمادة، عرفت الكثير من شخصيات المسلسلين بالعديد من اللوازم.. منها لازمة المختار في ضيعة ضايعة زهير رمضان، حيث كان يُقسم كنوع من التهديد “الله يبريني عن ديني” حتى صارت ابنته نفسها عفوفة أو عفاف – رواد عليو تُقلد أباها بذات القسم والتهديد. بل أن جل الشخصيات في هذا المسلسل كانت تُعرف بلازماتها التي كانت تأتي كمخلص من موقف أو مأزق مُعين، وهنا نتذكر الفنان ناصر مُرقبي – الدكنجي صالح أو صويلح حسب مناداة المختار له، وحكايته مع “العصب الوركي” الذي كان يأتي للتذكير بذلك المرض المزمن عند المواقف المُفاجئة. أو جودة- باسم ياخور خلال عمليات نصبه على أسعد – نضال سيجري وعبارته التي كان يصرخ بها مُتحدياً أسعد: “بتشارط؟؟” وحتى أسعد نفسه – نضال سيجري وعبارته الحزينة والمؤسفة المُعبرة عن خيبته: ” ماحا لحا وماحا بيحب حا” التي ذهبت مُفردة أثيرة للشارع، ولسان حاله، والتي طالما رددها الكثيرون بعد رحيل جودة.

شخصية “صالح”

الله يرحمك يا نعمان

في مسلسل الخربة، ينطبق الأمر ذاته على الكثير من الشخصيات، ابتداءً ب”بطارية سماعة أذن أبو نايف” – رشيد عساف التي كانت “تتعطل” عند كل موقف حرج، أو حجة دامغة لا يُريد أن يسمعها،أو حتى عندما كان يشطح في الحديث عن بطولاته الوهمية التي ليس من شاهد على تأكيدها سوى صديق قديم في حسباته أنه مُهاجر، أو إنه لن يعود أبداً، وربما هو أمسى ميّتاً؛ فيترحم على (نعمان) الغائب الذي بتقدير السامعين لو كان موجوداً لشهد على تلك البطولات التي يستعرض من خلالها. أو علامات الترقيم الشهيرة التي اشتهر بها توفيق – باسم ياخور، والذي أكثر وبجدارة مُقنعة من فتح الأقواس ووضع علامات التعجب، والفواصل المنقوطة، وربما الفنان باسم ياخور قد يكون من أكثر الفنانين السوريين الذين يفاجئون الجمهور باللازمة الجديدة التي ستكون أو تُشكل العلامة الفارقة للمسلسل حتى تكاد تحمله بنسبة قد تفوق النصف أحياناً بكثير.

شخصية “أبو نايف”

فاصلة منقوطة

في مسلسلي “فوضى” إخراج سمير حسين و”واق الواق” إخراج الليث حجو، حيث أبدع كل من الفنانين فادي صبيح وحسين عباس بلازمات طغت على ما عداها من جماليات العمل الدرامي، وفادي صبيح الذي لفت الانتباه إليه، وعلى أكثر من ثلاثة مواسم درامية سابقة، كفنان وصل لمرحلة الفنان النجم وهو اليوم يأخذ مكانه اللائق في الصف الأول بين نجوم الدراما السورية بشغله الأصيل والمُقنع رغم كل محاولات حصره في أدوار الصف الثاني أو دور “السنيّد”،، غير أن الفنان صبيح استطاع وبحرفية عالية أن ينقل الدور الثاني ليكون أولاً، وبدون استعراضٍ أو إدعاء. فادي صبيح “عمنّا” الكلمة السحرية التي طالما رددها في مسلسل (فوضى) حتى كادت تطغى على اسم العمل كله، وبات السؤال “هل حضرت عمنّا اليوم؟؟” معروفاً خلال حديث الناس في دراما 2018. “عمنّا” الكلمة التصالحية التي تأتي من إنسان نبيل يُريد الخير للجميع العاشق برومانسية عالية وشفيفة رغم الإمكانات المتواضعة, وهنا أيضاً نذكّر بلازمته “ساعة من ساعاتو” في (ولاد بديعة)، وأما حسين عباس الفنان القادم من محافظة اللاذقية للعمل في دراما دمشق رغم مشقة المهمة، فنحن نعرف حجم المُعاناة لفناني المحافظات في إيجاد أدوار لهم في أعمال مُحتكرة تقريباً في العاصمة، حسين عباس “الرقيب شرطة” في مخفر “ضيعة ضايعة”، الذي لفت إليه الانتباه أيضاً في أكثر من تفصيل وفي أكثر من لازمة حينها، غير أنه استطاع في مسلسل “واق الواق” أن يتصدر صفوة النجوم في هذا العمل وبذات الدرجة إن لم يتقدم عنهم أكثر من خطوة، حسين عباس صاحب مُفردة “تقريبا” الإنقاذية التي لا يلبس أن يُرددها عند الكثير من المواقف التوضيحية أو المُحرجة وحتى الساخرة والتهكمية، وهنا نُلفت الانتباه إلى الكثير من اللوازم على لسان العديد من الشخصيات في مسلسل “واق الواق”، ولا أكون مُبالغاُ لو قلت إن مثل هذه اللوازم؛ كانت رافعة للكثير من الممثلين حتى غير المعروفين منهم لأن تضعهم في الواجهة وعلى تماس مع ذائقة الناس وحديث الشارع.

وانتهينا بلا سؤال ولا جواب

ألفت الانتباه على الممثل شادي الصفدي والفنانة سوزانا الوز في بعض اللازمات التي ردداها في “واق الواق” ولفتت الانتباه لممثلين يحثان الخُطى صعوداً، وهنا وأذكر بلازمة الكابتن باسم ياخور: “كثف” التي كانت جديده لذلك الموسم من المسلسلات الدرامية، أما رشيد عساف – الماريشال في “واق الواق”؛ فكانت خلال استعراضاته أمام سكان الجزيرة من كتابه الذائع الصيت الذي لا يمل من التذكير به “مجموعة المشاة في كل الوضعيّات”.

أختم أخيراً بالإشارة ل”لازمات” طالما عرفنا بها أشخاصاً في الحارة أو الضيعة والحي، لازمات كانت علامة فارقة لأصدقاء ومعارف وأقرباء.

ذات حينٍ ليس بعيدٍاً كان “زجّال” ضيعتنا المُغرم بمواويل العتابا، غالباً ما تكون “عقدة النجار” عنده في قفلة الموّال، موال العتابا الذي وكما هو معروف يتشكّل من ثلاثة أشطر تنتهي بالسجع، أي بذات الكلمة لكنها المُختلفة في المعنى حسب تركيبها في نهاية الشطر. ولأنّ “زجال” ضيعتنا وشاعرها الشعبي كان ينتهي بالأسطر الثلاثة بسلاسة، ويعجز عن إيجاد القفلة التي يجب أن تنهي بالباء الساكن حسب شروط وقواعد موّال العتابا، فقد اقترح قفلة لكل مواويله التي كان يختمها ب”وانتهينا بلا سؤال ولا جواب”.

علي الراعي – صحفي وناقد فني

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة