جوى للانتاج الفني
الرئيسيةفي الصالات"ڤوي ڤوي ڤوي".. مأزق الكوميديا على جسر الـ"أوسكار"

“ڤوي ڤوي ڤوي”.. مأزق الكوميديا على جسر الـ”أوسكار”

نـاهـد صـلاح

يستمر الهوس بالترشح للمنافسة على مسابقة أوسكار أفضل فيلم أجنبي، مع أن السينما المصرية لم تربح فيها ولو جائزة واحدة ذات مرة. إنها لم تصل في الأساس إلى القائمة القصيرة،
حسب ما صرح المؤرخ السينمائي فريد المزاوي في أكثر من موقع، متحدثا عن الأفلام القديمة ونافيا ما روجه البعض عن أفلام معينة بأنها شاركت في الـ “أوسكار”،
وحسب ما نعاصره نحن الآن من أفلام سابقة وراهنة لم تتجاوز ترشيح لجنة الاختيار المصرية إلى أي إنجاز آخر.

  لذا فإن الضجة المتأججة حول ترشيح الفيلم المصري ” ڤوي ڤوي ڤوي”،
تأليف وإخراج عمر هلال وإنتاج محمد حفظي (الذي يتنافس أيضا كشريك فى الإنتاج أو التوزيع بفيلمين آخرين هما:
العراقي “جنائن معلقة” إخراج أحمد ياسين دراجى والتونسي “بنات ألفة” إخراج كوثر بن هنية)،
أعتبرها نوعا من العبث والتشوش وكذلك هدر الوقت، ومزيد من النزق والتهافت صوب مسابقة لم تطالها أفلام مصرية من قبل،
لأن الجميع يفكرون في الأضواء والاحتفالات والمظاهر الشكلية دون التركيز على الجوهر،
أو بالأحرى على حال صناعة السينما والأفلام وعلاقتها بالتطور في السينما العالمية،
أو بطبيعة الموضوعات التي تتناولها الأفلام العالمية، أو اتجاهات الجوائز الكبرى عموما لنوعية من النجوم والأفلام.

لا يعني هذا أن الفيلم الذي قام ببطولته محمد فراج، نيللي كريم، بيومي فؤاد،حنان يوسف، طه دسوقي، أمجد الحجار، محمد عبد العظيم.. وآخرون،
وحقق الإيرادات العالية في مصر والسعودية، يمكن النظر إليه باعتباره فيلما رديئا لا يستحق المشاركة أو الاحتفاء به،
إنما الأمر يحتاج إلى تأمل وطرح الكثير من الأسئلة للوصول إلى إجابات،
ربما من خلالها يتغير اتجاه الدفة وقد نتعرف على حقيقة اللحظة التي نعيشها وتؤثر في صناعة السينما،
كما لا يحمل كلامي أية نظرة تشاؤمية نحو السينما المصرية،
فالغرض فقط إدراك حالها ومآلها في مرحلة صعبة من تاريخها وتاريخنا.

هل يستحق الفيلم فعلا الترشح في مسابقة الأوسكار؟

 هل يستحق “ڤوي ڤوي ڤوي” فعلا الترشح في مسابقة أوسكار؟..
السؤال بالنسبة لي هزلي وغير حصيف،
أولا لأن من حق أي عمل بذل فيه صانعوه جهدا أن يشارك في أي مسابقة أيا كانت،
ثانيا أن أصداء الاختلافات حول قيمة الفيلم لا تنفي حضوره كعمل سينمائي لاقى مصداقية ما لدى المتلقي،
ولا تؤكد تحرره من الطبخة التقليدية السائدة في الانتاج والتوزيع،
وكذلك الذوق السينمائي السائد، وكي ننجو من الأحكام السهلة فلابد من قراءته على خلفية أنه لا توجد تقييمات مستقرة.

فيلم-فوي-فوي-فوي
فيلم-فوي-فوي-فوي

 كوميديا الاختلاف

ثمة محوران أساسيان في الفيلم، فإنه من ناحية يقدم الكوميديا بصياغة تفلت من فخاخ السطحية،
صحيح أنها لا تفر ولا تتملص من تطلعات المنتج والمخرج والفنان إلى جذب الجماهير،
لكن هذا تم وفق أسلوب يجدد صناعة الضحكة دون الارتكان على “قفشات” مملة وساذجة،
ومن ناحية ثانية اعتمد موضوع الفيلم على حادث واقعي وحوله إلى حالة درامية مثيرة،
سواء في المضمون أو التوجهات أو الشكل الفني، وكذلك الأسلوب الخاص بالتمثيل الذي  حاول أن يعكس براعة في الأداء.

 يتعرض الفيلم لموضوع شديد الواقعية يتبين خلاله ولع الشباب بالهجرة،
لكنه هنا لا يحكي عن الهجرة السرية فقط التي يضطر إليها كثيرون أملا في الهرب من الفقر وقلة الحيلة،
بل يستعرض كيف كانت الحيلة أيضا وسيلتهم في الخروج من بلدهم إلى بلاد ظنوا أنها الفردوس المفقود، الحكاية على قدر جديتها، قدمها الفيلم في إطار كوميدي اتسع ليشمل قصة مشحونة بتفاصيل قاسية في مجتمع بائس،
ومهمشين مسلوبين بواقع العيش اليومي،
مكسورين عند الخط الفاصل بين إنسانيتهم ومتاهاتهم المفتوحة على خيبة الأمل..
الكوميديا لا تقلل من القضية العميقة ولا تهز هيبتها، بل تدعم الطرح الفني وإن لم يخل أحيانا من افتعال إلى حد كبير.

  ربما كبرت أزمة الكوميديا في السينما والدراما المصرية بغياب المخيلة والابتكار،
وفراغ في الساحة التي خلت من فنانين يلعبون دورا فاعلا في ضخ الجديد والمبتكر،
وربما كان هذا واحد من أسباب الترحاب بأي عمل يُظهر اختلافا ويُسطر خطا جديدا في الإبداع الكوميدي، وقد يكون الضحك علامة فارقة وركيزة حية في فيلم “ڤوي ڤوي ڤوي”،
يتسلل من هذه المنطقة الملتبسة بين السخرية والحزن، لكني أثناء المشاهدة وبعدها
وجدتني أتساءل: هل كان صناع الفيلم يقصدون اللجوء إلى الشكل الكوميدي، أو حتى إلى التهكم من تدهور مجتمعي ونفسي،
من خراب الضمائر وموت المشاعر، أم أن وقائع القصة الحقيقية هي التي فرضت هذا الشكل؟

  الحادثة التي جرت ونشرتها الصحف عن سفر فريق من الرياضيين المكفوفين للمشاركة في بطولة كرة القدم تقام في بولندا،
ثم مفاجأة اخنفاء عدد من لاعبي هذا الفريق،
كانت هي الحكاية التي استند عليها للفيلم وهي في حد ذاتها أشبه بالنكتة الثقيلة،
الطافحة بتفاصيل موجعة ورغم ذلك من يعرفها ويسمعها يضحك، شر البلية ما يضحك،
كما لو كان حدث عطب ما في المجتمع جعل واحد من قاع المدينة وناسها المهمشين،
أصحاب الوجوه المنسية الذين يعيشون على الكفاف، يحاول أن يجد متنفسا ليخرج من جدران الضيق والعتمة والاختناق في شوارع وبيوت أضيق من “خرم” الإبرة،
تشي بها الصور الملتقطة في زوايا المدينة وباطنها المجتمعي والإنساني من الشقاء والضنك الذي يضربه هو وأهله ورفاقه من كل حدب وصوب،
إلى الرغد والنعيم في فضاء مفتوح يراه في مخيلته، يبحث خلاله عن حياة طبيعية بلا قهر وفقر.

أنـا قـادم..

 “حسن السيد علي” رجل فذ وقذر كما يقول الإعلان الترويجي للفيلم، يلجأ للحيلة للخلاص من معيشته الضاغطة، يدعي أنه لاعب كرة قدم سابق فقد بصره وينضم إلى فريق المكفوفين،
من خلال تصاعد الأحداث نكتشف أن حسن ليس وحده المحتال وإنما هناك آخرون يمارسون الاحتيال بطرق مختلفة، يبدو حسن وأصحابه العاجزون عن الحياة السليمة مثالا صارخا،
وترجمة واضحة لحالة اجتماعية واقعية شديدة القسوة، حياتهم عبارة عن شرخ مفتوح على عالم معقد ومتشابك ومتداخل في متاهات لا عد لها ولا حصر،
لذا فمن البديهي أن يسعى حسن إلى الخلاص ولو بالخديعة والغش،
يفتش عن مخرج من الوضع المعيشي الفج الذي فُرض عليه مع والدته وفي بيئته التي افتقد فيه الرعاية وأنماط التربية الصحيحة.

  “ڤوي” كلمة إسبانية تعني “أنا قادم”،
يهتف بها عادة لاعب كرة القدم الكفيف عندما يلتقط الكرة ويتوجه إلى المرمى، حتى لا يصطدم بزملائه،
وهي التعبير الملائم لبطل هامشي يحاول أن يتوجه إلى العالم الأرحب،
بداخله دوافع شتى تنطقه “أنا قادم” وتبعده عن حافة الموت أو العيش على أطراف الحياة، إلى اغتراب آخر..
فهل حقق لهم انتصارا ما؟!  

عمر هلال، المخرج  القادم من عالم الإعلانات، امتلك مهارة واضحة في اشتغاله على السيناريو الذي كتبه بنفسه،
وإن كان ثمة نقاط ضعف في بعض مناطق السيناريو،
كادت أن تحوله من كوميديا الموقف إلى ميلودراما،
وكاد في أجزاء أخرى أن يظهر كمناد للخلاص عن طريق الهجرة السرية،
كما أن الشخصيات افتقدت أحيانا بعض العمق، وهو ما انعكس على الأداء التمثيلي،
إضافة إلى حضور زائد ومصطنع لشخصية الصحفية التي جسدتها نيللي كريم في كثير من مشاهدها وحواراتها،
لكنه إجمالا فيلم بسيط مصنوع بغرض التسلية، وهذا جزء مهم في صناعة السينما عموما.

هناك خيط رفيع جدا، في الفيلم، فصل الكوميدي عن الميلودرامي

  بهذا المعنى، يمكن القول إن خيطا رفيعا جدا فصل الكوميدي عن الميلودرامي،
ولعل حيوية الإيقاع أسهم فيها أسلوب المونتير أحمد حافظ، وكاميرا ايف صحناوي،
والموسيقى التصويرية المعبرة لـ ساري هاني، ديكور حسن بيضون وسالي الشامي،
وأزياء أمنية علي، جميعهم استطاعوا تقديم صورة بصرية تؤسس لفيلم سلس دون استعراض أو رغبة في فرد العضلات،
وعلى أية حال فإنه كتجربة روائية أولى لمخرجه يمثل نقطة انطلاق بارزة تفتح بابا واسعا للنقاش النقدي،
ويستحق المشاهدة الجماهيرية الواسعة.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة