جوى للانتاج الفني
الرئيسيةالمكتبةنظرة على "السينما المستقلة".. جهد بحثي ينجح في إثارة شهية السؤال

نظرة على “السينما المستقلة”.. جهد بحثي ينجح في إثارة شهية السؤال

خواطر عدة تتبادر إلى الذهن مع قراءة كتاب “السينما المستقلة.. نظرة على العالمية والعربية والسعودية”، لمؤلفه خالد ربيع السيد، أولها أن هذا الانبعاث الكرنفالي للحياة الفنية والثقافية السعودية، لا يمكن أن يتحقق فقط لأن إرادة سياسية أعطت إشارة انطلافه، فهناك دون شك، كمون وتراكم سنوات أنتظر على أهبة الاستعداد شارة بدء سباق ماراتوني محموم.

الأمر الثاني، أن أي اسهامات فنية، ومهما كانت نوايا أصحابها طيبة، ستتحول في أحسن الأحوال إلى نبت عشوائي، إن لم نقل طفيلي، ما لم تواكبه حركة نقدية، تضع الأمور في نصابها وتعطيها أحجامها الحقيقية. . ولنا في درامانا السورية خير مثال، فقد كان صناعها ينؤون بأنفسهم عن الاستسهال أو الابتذال، عندما كانت لدينا حركة نقدية رصينة تقدر المنجز المتميز، وتوجع أصحاب الأعمال المتهالكة، على خلاف حالنا الآن حيث بات الجميع أضاح على مقصلة السوشال ميديا، لا يتميز أحدهم عن الآخر إلا في الترند والانتشار..من هنا يصبح مفهوما أن يزامن المؤلف إصدار كتابه مع انعقاد الدورة العاشرة لمهرجان أفلام السعودية، فلا تبقى التظاهرة في إطارها الاحتفالي بل تجذرها الحركة النقدية.

واقع واحد بمرايا متعددة

عشاق السينما الخالصة النقية، غالبا ما يجدون ضالتهم في السينما المستقلة، لتحررها من توابل السوق، فإن كنا نتلقى المنتج السينمائي في الزمن المعاصر فنحن على الأغلب بمنجاة من الألاعيب والخدع البصرية، كما أن رواد هذه السينما في الماضي قدموا منتجا  متعففا عن المبالغات الميلودرامية وسواها مما يستجيب للحالة التجارية واشتراطات الاستديوهات الكبيرة.

ما تقدم لا يعني أن هذه السيننما منزهة عن العثرات، بل إن مساحة التجريب والتجديد والانعتاق كثيرا ما تؤدي إلى نتائج تعتورها أخطاء وهفوات، لكن المؤلف يشير هنا إلى أن انعدام الكمال هذا هو بالتحديد ما جذبه في البداية للسينما المستقلة، فعدم الكمال أسقط الإيهام، أو ما أسماه بريخت في المسرح بالجدار الرابع، ما صوب العلاقة بين الناقد وفن السينما (أم الحياة كفن بالعموم)،إذ جعلته هذه الصدمات الأسلوبية يعيد النظر في تكلس الذائقة الفنية التي تنبذ المختلف وتكتفي باستهلاك المألوف.

على نسق هذا التناول النقدي الذي يحرض السؤال ويدعو لتحريك المرآة، حتى نقترب من الحقيقة أكثر كلما رأينا انعكاسات ووجوها أكثر للواقع نفسه، تتجمع لدينا فصول الكتاب المؤلف من أكثر ثلاثمائة صفحة من القطع الكبير.

المشهيات على التساؤل والتحريض على التفكير النقدي تتسلل عبر الكتاب بتساؤلات وإشارات استفهام، مثل استغراب المؤلف، أو بالأحرى إشارته النابهة إلى مبالغة الشركات الكبرى للترويج للموازنة المتقشفة عند تسويق فيلم مستقل.

ستحرضنا الإشارة إلى البحث عن إجابة. هل تهدف هذه المبالقة (وهي أقرب للتزوير)، إلى تحويل النجاح من فعل صعب ومكلف إلى فعل بسيط ومتاح ، ما سينعكس في النهاية رغبة أكبر بمشاهدة هذه المعجزة، أي عوائد أكبر على الشركة الموزعة.

في مكان آخر يلفت خالد ربيع السيد النظر إلى ضبط تعاون الشركات الكبرى مع المنتجين المستقلين بما لا يتجاوز ثلث الموازنة.. معطى يثير الاستغراب. لم لا يتاح للمنتج المستقل أن يغطي كامل التكاليف من شركات الإنتاج؟ ربما لأن زيادة التمويل قد تصادر الخيارات الحرة لصناع السينما المستقلة، وإن جفت ينابيع التجديد المبدع عن هذه الصناعة الترفيهية، انتهى بها الأمر إلى الكساد والتآكل والتلاشي، أي أن هذا التقنين في الوقود لا يعطل أو يكبح الحركة بقدر ما يدفعها ويضمن استمرار تقدم قاطرتها.

إحاطة تاريخية

عالبا ما يتم الربط بين السينما السمتقلة وسينما المؤلف أو الموجة الجديدة، كتدشين فعلي لهذه السينما، لكن خالد ربيع السيد يرجع انطلاقتها الأولى لمبدعين كبار اشتهروا من هولييود وشاكسوا السينما الأمريكية ، مثل شارلي شابلن، وميشو المنتج الأفريقي الأصل.

بعد أن يستفيض في تجربة الأفراد، يتمعن المؤلف بنظره في المدارس، ويجمل سمات كل منها، بدءا من سينما المؤلف والموجة الجديدة إلى جماعة الدوغما..

فيما يخص التجربة العربية وقبل أن يخوض المؤلف في السينما المستقلة لكل قطر، يجمل أهم سماتها الجامعة، فعلى الصعيد الفكري، شكل الفرد أهم شواغلها الموضوعية، حيث التفتت إلى الهوامش على حساب القضايا الكبرى.  على الصعيد الاجتماعي اعتنت بمعالجة سيكولوجية المجتمعات العربية. أسلوبيا كان الانحياز إلى الواقع والحقيقة غالبا، فلا تصنع ولا اكسسوارات ولا تصوير في الاستديوهات. ماليا، هي سينما قليلة التكاليف ، ربما لهذا السبب اختار فرسانها التصوير بكاميرات صغيرة واستغنوا في أحيان كثيرة عن التأليف الموسيقي، واكتفوا بالمؤثرات الحية.. وهذا ما يوصلنا إلى السمة الأسلوبية الأهم، ليس فقط عربيا بل وعالمبا، أي غلبة الرؤية الذاتية في مختلف تفاصيل الفيلم..

لاشك أن الكتاب يشكل إضافة هامة للمكتبة السينمائية العربية، لكن الرغبة في توسيع بيكار التغطية، جعل الؤلف يقدم في مرات إحصاءات أو جداول آنية، شخصيا لم ألتقط سر إنتخابها واعتمادها، مثل إدراج جوائز مهرجان ساندانس للعام 2023.. لماذا الاكتفاء بهذه الدورة، وهل هو المهرجان الوحيد المعتبر الذي يعنى بالسينما المستقلة..؟

مؤلف الكتاب خالد ربيع السيد

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة