جوى للانتاج الفني
الرئيسيةموسيقاأفلام العبودية وموسيقى البلوز.. الشجن الذي يعتصر عشاقه

أفلام العبودية وموسيقى البلوز.. الشجن الذي يعتصر عشاقه

تأخذنا موسيقى وأغنيات البلوز. The blues music إلى أغوار سحيقة في انفسنا، أغوار لا نعلم عنها سوى أنها شجن شجن عميق لا نستوعبه بعقولنا الواعية، لكننا نستشعره بدفق جارف من الاحاسيس التي تنتابنا وتعتصر قلوبنا كلما استمعنا لهذه الموسيقى وأغنياتها.

 نجدنا وقد لاحت صور من رواية الجذور لأليكس هيلي تتراءى لنا، وكيف أن “كنتا كنتي” ذاق من العذاب أبشعه على أيدي البيض الأمريكان.

أفلام في الذاكرة والوجدان

تستحضر ذاكرتنا لقطات من فيلم “عبداً لاثني عشر عاماً”،  عندما واجه بطل الفيلم النجار وعازف الكمان “سولومون نورثوب”، أوسليمان، الذي كان يعيش مطمئناً مع زوجته وابنتيه في ساراتوغا سبرينغس، نيويورك، حتى جاء ذاك اليوم المشؤوم الذي عرض عليه رجلان عملا لمدة أسبوعين، لكنهما خدراه فإذا به يستيقظ وهو مقيد بالسلاسل ويتم بيعه كعبد ليبدأ بعدها رحلة كفاح وعذاب عند سيده المتعجرف، يحاول الهرب لكنه يخشى الموت

موسيقى البلوز
بوستر فيلم عبداً لاثني عشر عاماً

ثم تستعيد الذاكرة ما رواه المخرج كوينتن تارانتينو عن “جانغو فريمان” في فيلم “جانغو الحر”  وكيف سعى “جانجو” لإنقاذ زوجته “واشنطن” من أنياب رجل أبيض أمريكي متوحش (ليوناردو دي كابريو). وكذلك الفيلم الرائع سائق السيدة ديزي، بطولة مورجان فريمان وجيسيكا تاندي ودان أيكرويد، ومن أخراج بروس بيرسفورد

لقطة من فيلم جانغو الحر

وكذلك فيلم “أميستاد” من إخراج ستيفن سبيلبرج  وقصة “سفينة العبيد” في عام 1839م، حين تم اختطافها وبيع أهلها كعبيد، ليتم حل القضية في النهاية عن طريق المحكمة العليا في الولايات المتحدة عام 1841م.. أدوار خلاقة أداها مورجان فريمان ونايجل هورثون وأنتوني هوبكنز.

لقطة من فيلم أميستاد

ثم الفيلم التاريخي “لينكولن” الذي شاهدناه في عام 2012 وكان من إخراج ستيفين سبيلبرج، الذي يعلمنا الكثير عن الغاء قانون العبودية.

بوستر فيلم لينكولن

حكى الفيلم عن فترة حكم الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن الذي مرر قانون إلغاء العبودية وأنهى الحرب الأهلية الأمريكية وكانت فترة حكمه من أصعب فترات التاريخ الأمريكي، وشهدت اغتياله في النهاية

الفيلم عرف المشاهد بشخصية لينكولن وتطرق إلى موضوع الرق والعبودية.

“البلوز ليست سوى رجل طيب يشعر بالحزن” (ليون ريدبون)

في كل ذلك تأخذنا موسيقى وأغانيات البلوز التي انبثقت نتيجة اندماج الثقافتين الأفريقية والأمريكية، حيث الأثر الأفريقي صارخ فيها، ومتشعب خلالها، حال الأغنيات العذبة التي ضمنها المخرج مارتن سكورسيزي في فيلمه “صحبة طيبة””

كذلك لا يغيب عن البال فيلم “اللون الأرجواني” ‏ للمخرج ستيفن سبيلبرغ. وفيلم “فينسز”  لدينزل واشنطن. وكذلك فيلم “الأصابع الخفية” حيث العنصرية المقيتة ضد النساء السمراوات في أمريكا.

سيحضر أيضا فيلم “مالكوم إكس” وغيرها من الأفلام التي تناولت العنصرية

غير أننا لن نخوض الآن في هذه الأفلام، بل سنتأمل أغنيات وموسيقى البلوز التي تنطق برفض التمييز العنصري.

ماهي موسيقى البلوز؟

موسيقى البلوز قالب من قوالب الفن الأفريقي الأمريكي المتجذر في جنوب الولايات المتحدة والمنطلق منها. هي الجسر الذي يربط بين مدرستين من مدارس الموسيقى الأمريكية: الجاز، والروك آند رول وربما السول، أحيانا أو غالباً، بذلك الإيقاع الفريد مع توافقه للأنغام، ونبرة مميزة أو تغيير حدة صوت المغني للتعبير عن معنى وإحساس مختلف

أغنيات روبرت جاكسون، وبيسي سميث، وبوكا، جيمي رودجرز، و أيدي فيشر،  جون نيومان، إيدي ماني، وأبضاً شارلي باتون، روبرت جونسون، هاولين وولف، مادي واترز . جون مايال، وفرقة بول باترفيلد.. وفي مقدمة هؤلاء بي بي كينج طبعاً ،الذي سنتحدث عنه بعد قليل.

بقي أن أقول أن تلك الأغنيات منبعها ولاية ميسيسيبي، مسقط رأس موسيقى البلوز.

ستستحوذ علينا ترديدات الجوقة وراء المغني، او بجانبه، واستخدام الآلات المصاحبة التي تشبه الأصوات البشرية في مقاطع معينة من كلمات الأغنيات

إرث البلوز ممتع ومؤلم، لكنه لا يصل حد البكاء، فهو ألم نبيل يدوم تأثيره أكثر من البكاء اللحظي

موسيقى البلوز التقليدية التي تؤدى في شكل 12 فاصلة موسيقية، تنقسم إلى ثلاثة مقاطع، ويتكون كل مقطع من أربعة فواصل موسيقية غير أن الكثير منها يتضمن خليطاً من النغمات المرتجلة في بنيتها الكلامية الشعرية

عندما نتذكر موسيقى البلوز فإننا نغرق في المزاج الحزين المليء بالشجن لكثير من الأغانيات المترعة بالعواطف المؤججة، والمشاعر الصادقة، والآمال العريضة، والنحيب اللذيذ. مقاطع “السولو” الحميمة، تلك المعزوفات على إحدى الآلات لفترة زمنية مطولة وبطريقة تشعرنا بأحاسيس العازف المغني الذي يريد أن يوصل ويصل الى قصص وحكايات العذابات التي اختبرها أسلافه

مواسم البلوز.. مواسم النحيب والشجن

منذ سنوات قرأت كتاب (موسيقى الأمريكيين السود) لـ إلين سوثرن وأقتبس من كلامها ما يلي: إن هناك ثلاث حالات كان يغني فيها السود هذا النوع من الأغاني وهي أثناء المناسبات الدينية، وفي مواسم الحصاد، وفي أثناء عمل الرجال والنساء في الحقول

 حالات يصبح من المفهوم أن يصحب هذا الغناء التعبير عن الأحاسيس والمشاعر الذاتية،  بجرأة غير عادية في صورة صياحات وهمهمات تحمل معاني الحزن والأسى والمعاناة التي أثخنتهم بجراح الكآبة، معبرين بذلك عن واقعهم المرير في تلك الفترة.

لكننا ندرك أن موسيقى البلوز تعتمد على كلمات وأغانٍ وأناشيد وترانيم أفريقية روحانية، وتقاليد شعبية في الشدو. وعادة ما تدور كلماتها حول القصص المتعلقة بالفقر والفقد، والحب والعنف، والعلاقات الاجتماعية والعنصرية، وغيرها من معاني موازية، مثل المشكلات المتعلقة بالمجتمع الأمريكي.

ولو تأملنا معظم كلمات أغاني البلوز لوجدناها تتألف من مقاطع شعرية يتكون كل منها من ثلاث جمل، وتكون الجملة الثانية من كل مقطع تكراراً للجملة الأول، كما هو الحال في المذهب والكوبليه في الغناء العربي، وتأتي الجملة الثالثة لتعبّر عن جواب الجملتين الأولتين

 صحيح ان معظم الكلمات الشعرية لموسيقى البلوز تعكس الوحدة والحزن والشكوى، لكن يمكن أن يعكس البعض الآخر من الكلمات ردود الفعل الساخرة والتحدي لمشاكل الحياة.

التحرر من العبودية

 ينبغي ألا يغيب عن ادراكنا أن نشأة موسيقى البلوز تأثرت بعدة عوامل، أهمها التحرر من الاستعباد؛ لأن العبيد قبل التحرر لم يملكوا وقتاً لغير العمل الشاق والنوم العميق، كما لم يكن لهم وقتا لتعلم العزف أو إيجاد أسلوب غنائي فريد، ولم يمتلكوا آلات موسيقية أو القدرة على صنعها أو شرائها؛ ولكن بعد التحرر استطاعوا التنقل بين الولايات، وتحسنت نسبياً الحالة الاقتصادية لديهم، فحصلوا على آلات، وتعلموا العزف، ووجدوا سلم موسيقي فريد وخاص بهم.

ومن ثم حافظوا على طريقة الغناء القديمة أيام الاستعباد، فاستمرت الشكوى والآهات، واستمرت ذات الموضوعات في الكلمات وصياغتها وتلحينها.

من أوائل من غنى البلوز:

بي. بي. كينج B.B king،

وروبرت جانسون Robert Johnson،

وبيسي سميث Bessie smith،

 وبوكا وايت Bukka WhiteK،

 وميدي ووترز Muddy waters،

وجون لي هوكر John lee hooker،

 وألبرت كينج Albert king.

 و فرد باريس Fred Parris ،

 وفرقة The Moonglows.

لا يمكن ذكر موسيقى البلوز دون أن تقترن باسم بي بي كينج (1925 – 2015)، ذلك المزارع القادم من الميسيسيبي ليغير من مفاهيم البلوز على مدى 65 عاماً قضاها في تأليفها وتوثيقها. ففي ربيعه العشرين قرر العزف والانشاد بطريقة البلوز، ولتحقيق ذلك ارتحل إلى مدينة ممفيس عاصمة البلوز آنذاك، ليتلقى مبادئ الموسيقى الأولية على يد قريب له يدعى بوكر وايت.

النساء أيضاً يغنون البلوز

بالتأكيد أن النساء السود عانين من ويلات التفرقة عنصرية المزدوجة (سواد البشرة وكونهن نساء عبدات).

 لقد دفع إلغاء قانون الرق في أمريكا الأصوات النسائية لاحتراف غناء البلوز

ومع تطور موسيقى البلوز، أخذت النساء المقاعد الخلفية وراء الرجال في مجال غناء هذه النوعية من الموسيقى، ومع ذلك نجح بعضهن في كسر هذا الحاجز، وقفزن إلى الصفوف الأمامية، وكانت أول مغنية كبيرة في البلوز هي (ما ريني) التي ولدت في كولمبس بولاية جورجيا

تركت (ما ريني) المسرح عام 1934 لتفسح المجال لمغنية جديدة هي بيسي سميث، التي أحدثت تطوراً في موسيقى البلوز هدفت منه إلى ربط الجاز بتعقيداته، مع احتفاظ أدائها بحرارة موسيقى البلوز التقليدية وقوتها

البيض الأحرار أيضاً غنوا البلوز

في أواخر الستينيات ظهر موسيقيون بيض تجاوزوا موسيقي الروك آند رول إلى التخصص في موسيقى البلوز. وأول هذه المجموعة، وربما أفضلهم، هو جون مايال، وفرقة بول باترفيلد. وكذلك بول أنكا،  وفي إنجلترا انصرف عدد من الموسيقيين الشبان مثل إيريك كالبيتون إلى عزف موسيقى البلوز بطريقة استحوذت على إعجاب الموسيقيين السود في أمريكا، وأدركوا إن موسيقاهم بأكملها قد تجاوزت حدود أمريكا وأصبحت جزءاً مهماً من التراث الموسيقي الانساني.

Eric Clapton،

كانوا يغنون ليعزوا أنفسهم ويبثوا شكواهم، ولكنهم تركوا لنا إرثا فنيا ثريا، ممتعا ومؤلما، ليس الألم الموجع حد البكاء ولكنه الألم الساكن النبيل الذي يدوم تأثيره أكثر من البكاء اللحظي

الحديث عن البلوز طويل وبحث قد يصل الى كتاب ضخم.. لكنها إلتفاتات قد تهيج الذكريات ووتفجر اللواعج ويستحضر العقل والوجدان ما لم تفعله موسيقا أخرى في وجداننا.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة