جوى للانتاج الفني
الرئيسيةعلى الخشبة"مع سبق الإصرار" أصرَّ على الدخول في حيثيات المجتمع السوري ومشاكله ونجح...

“مع سبق الإصرار” أصرَّ على الدخول في حيثيات المجتمع السوري ومشاكله ونجح في استعراضها بجرأة

يقول الدكتور صالح سعد في كتابه “الأنا والآخر” ضمن سلسلة عالم المعرفة: “المسرح فعل معرفة وتعرف وإدراك وفهم وتذكر ، وتخيل وانفعال وتهويم وإيهام واتصال واستشراف وتغيير وامتزاج بين شخصيات وحيوات وأفكار ومشاعر وصور، والمسرح فعل كينونة وحرية وتحرر ووجود وتداخل خصب بين أفعال الأداء والمتلقي”.

مسرحية ” مع سبق الإصرار” وقد أعدها عن النص العالمي ” المنتحر” كل من لوتس مسعود وكفاح الخوص، كانت عرض تخرج الدفعة الثالثة لدراما رود، بإشراف ومن إخراج كفاح الخوص.

العرض الذي تابعناه على مسرح القباني، هو عن شاب يُدعى “جابر السعيد”، قرر الانتحار هرباً من ظروفه المادية الصعبة، فبعد شجار نشب ليلاً بينه وبين زوجته منى، تغيرت حياة الرجل العاطل عن العمل ليصبح شخصية عامة، وليحاك على رغبته في الانتحار مصير شعب كامل من عمال وفلاحين وتجار ومثقفين ورجال دين ومخبرين وبنات ليل حاولوا استغلال رغبته بالانتحار لتحقيق مكاسبهم الضيقة وساهموا جميعاً بقتله في النهاية.

نص المسرحية عمل خلال 105 دقائق على تحميل هموم ومشاكل واضطرابات مجتمع بأكمله لشخص واحد يُمثل الشريحة الأكبر من مجتمعنا المنهك بطريقة رشيقة ودراماتيكية عبر عدة حوارات بين “جابر” وكل أطياف المجتمع، ابتداءاً من زوجته وانتهاءاً بمن قدم له المسدس الذي انتحر به في حفل جماهيري غفير، بدلالة على مساهمة الجميع بوصول “جابر” لهذه اللحظة، حيث كانت كل شخصية يشوبها لون أحمر بإشارة إلى تورط الجميع في هذا الفعل، عدا عن تركيز العمل في الديكور والإضاءة على اللونين الأبيض والأسود للدلالة على الخير والشر.

ولتظهير الفكرة بشكل أوضح اعتمد الفنان كفاح الخوص الأداء الجماعي، والخروج من قالب الأعمال الواقعية الصرفة في تجاربه السابقة إلى الاقتصاد في قطع الديكور وجعلها ذات توظيف رمزي بحت، حيث تم اختصارها في أبواب خشبية وسرير ومنصة وكرسيين للجلوس، وكلها باللون الأبيض وخلفية سوداء، وذلك إمعاناً في وضوح القضايا التي عرضها العمل، بالإضافة إلى وجود عنصر الموسيقا “عود وإيقاع” والذي أضفى واقعية وسرعة ورشاقة في الأداء غناصر أكملت فكرة العمل.

الفنان كفاح الخوص

مجلة فن وناس التقت مع المخرج الفنان كفاح الخوص على هامش العرض والذي أكد أن الحكاية هي التي تفرض كم القضايا والرسائل المطروحة في العمل وهي التي تفرض تلك الشمولية بالقضايا من معالجة الفساد الموجود في البلاد بجميع النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

وحول الألوان في العمل قال “الخوص”: موضوع الأبيض والأسود يرمز للخير والشر، بالإضافة إلى اللون الأحمر فكل شخصية تلطخت جزء من ملابسها بالأحمر وهناك من تلطخ حذاءه بالأحمر وآخر تلطخ جرابه بالأحمر وأحدهم تلطخت كرافته، لأن جميعهم سيشارك في قتله بالنهاية.

وحول النص أكد “الخوص” أن إعداد النص وأخذه من نص عالمي هي فكرة قديمة جداً وفيها صعوبة، ولكن مع شريكة مثل لوتس مسعود لا أجد أي صعوبة، لأن شراكتنا حقيقية، فنحن نتناقش ونبحث كثيراً لنجد المقابلات والمعادلات الموجودة بالنص، ما يجعل مهمتنا ممتعة، فيها بحث وشغف، وأتمنى أن تستمر.

بدورها تحدثت الكاتبة “لوتس مسعود” لمجلة “فن وناس” عن النص قائلةً: تحويل نص عالمي للبيئة السورية مهمة جداً معقدة حتى إنها أكثر تعقيداً من كتابة نص جديد، لأن هذا النص المأخوذ من بيئة مختلفة يحمل شروط وظروف هذه البيئة، وبالتالي جميع الظروف وشروط الشخصيات وطبيعتها ومنطقها هو تابع للبيئة التي خرجت منها تلك المسرحية وتابع لبيئة الكاتب بالدرجة الأولى.

الكاتبة لوتس مسعود

وتابعت: عملية تحويل النص وتكييفه لبيئتنا وظروفها وشروطها وشخصياتها هو أمر صعب ودقيق، ومن يتولى هذه المهمة عليه أن يكون حذرا جداً من جميع النقاط والتفاصيل، فمثلاً على سبيل الكوميديا ما يضحك المواطن الروسي ليس بالضرورة أن يضحك المواطن السوري، لذا يجب إيجاد تعديلات دائماً للظروف التي نضع فيها الشخصية.

وأردفت: كما أن الهموم التي يعاني منها المواطن الروسي حتماً ليست كالهموم التي يعاني منها المواطن السوري، الذي يحمل هموما وقضايا مختلفة عن هموم وقضايا العالم بأسره، لذا يجب علينا الحذر في طرح تلك القضايا بطريقة قريبة للمتفرج وتشبهه ولكن ليست سطحية، بل يجب أن تحمل تلك الطريقة رسالة معينة.

وقالت الكاتبة “لوتس مسعود”: لذا أعيد وأؤكد أن مهمة تحويل النص من بيئة إلى بيئة أصعب بكثير من خلق نص جديد، لكنها بالمقابل مهمة ممتعة عندما نرى العمل جاهزاً ونشاهد أننا استطعنا أن نخلق لنص روسي بمنطق روسي بهموم وشخصيات وظروف وشروط روسية، معادلا أصبح سورياً بالكامل لدرجة أنه لا يخطر لبال المشاهد أن أصل هذا النص روسي.

وقالت: أنا أؤمن بالنصوص الأصلية التي يخلقها الكاتب وأدافع عنها بشدة، فأنا بدأت في مرحلة عمرية مبكّرة بكتابة نصوصي الأصلية لأنني أؤمن بالنصوص الجديدة التي تحمل قضايانا وهمومنا اليوم ، وتحمل الرسالة التي يريد السوري إيصالها من خلال الفن الذي يقدمه، وأشجع على كتابة النصوص الشخصية التي تحكي عن حال المجتمع السوري والإنسان السوري اليوم.

من جهتها أكدت مديرة معهد “دراما رود” الدكتورة “رانيا الجبّان” أن هذه الدفعة من الخريجين هي الثالثة، ونبذل جهوداً كبيرة معهم لتخريجهم بهذا المستوى، وأنا خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية لذا فنحن نستعين بأساتذة المعهد وندرّس في دراما رود نفس مواد المعهد مثل الليونة ومادة الصوت والإلقاء، ونعمل على تكثيف المواد الرئيسية التي تُدرّس في المعهد ونعمل على تكثيف جهودنا مع الطلاب وإجراء امتحان كل شهرين لهم لتخريجهم بمستوى تعليمي ممتاز.

الدكتورة رانيا الجبان

وعن إعداد النصوص قال “الجبّان”: غالباً ما نعمل على النص الأجنبي وندمجه في مجتمعنا ونربطه بالظروف المعاصرة لبيئتنا، لأننا أصبحنا بعصر مختلف تماماً عن المسرحيات العالمية الأولى، ولكن ذلك لا يمنع أن المسرحيات الكلاسيكية هي امتحان للطلاب ففي المراحل الأولى نقدم مسرحيات شكسبير وتشيخوف للطلاب كامتحان أساسي، أما عند عرض مسرحية للمتفرج فالأفضل هو جلب المسرحيات الحديثة وإسقاطها على واقعنا وظروفنا وبيئتنا.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة