جوى للانتاج الفني
الرئيسيةتايم لاينفؤاد حميرة.. أن تحتفي بالموت فيختطفك

فؤاد حميرة.. أن تحتفي بالموت فيختطفك

لم يتوان عن مشاكسة التابوهات التاريخية والاجتماعية والسياسية.. فقدر له الجمهور جرأته وتابعوه بشغف

“أيوووه الموت ده حلو يا ولاد” كانت هذه آخر عبارات الكاتب فؤاد حميرة قبل رحيله في القاهرة إثر أزمة قلبية. ربما لم يسبق أن شاهدنا نعياً للذات قبل الوفاة بهذه الصورة، ولكن الرجل اعتاد التفرد في خطواته منذ البداية وحتى آخر دقة قلب. لينطفئ النبض عصر الجمعة، مختتماً مشواراً جعل اسمه رقماً صعباً في الدراما السورية.فقد تعرف الجمهور على فؤاد حميرة للمرة الأولى حين كتب “رجال تحت الطربوش”؛ ليخرجه للشاشة الراحل هشام شربتجي، بعد عقبات إنتاجية عديدة.

ولكن خلف هذا النص، كان هناك مشوار شاق لرجل بدأ من القاع، ليكمل رحلته في كلية الاعلام ويؤسس للمسرح الجامعي. فتتبلور تجاربه الأولى في الصياغة النصية للسيناريو، وهنا سيلقى دعماً من مخضرم في عالم الدراما، هو سليم صبري. فييضئ أكثر على الإيجابيات، ويرمم النقص تدريجياً. فنشهد التجربة الأولى له ككاتب درامي، ضمن عمل يطرق أبواباً مخفية عن نظرة المجتمع للمرأة، وحجم الذكورية التي تمارسها مختلف شرائح المجتمع وفئاته، مهما أخذت العناوين شكلا براقا، لكنها في المحصلة تتفق على دونية نصف المجتمع.

سيتجه بعدها فؤاد حميرة لرحلة أبعد وأكثر إثارة للجدل ضمن “غزلان في غابة الذئاب”، سنة 2006. يومها، كان ثمة توافق بينه وبين المخرجة رشا شربتجي على تقديم العمل، لكن الجهة الإنتاجية لم تتفق مع صاحبة “أشواك ناعمة” فقررت استبعادها. ليسحب فؤاد نصه كذلك، مطالباً بعودة شربتجي، وهو ما تم فعلاً، ليتسمر المشاهدون أمام أحد أكثر الأعمال في الدراما السورية إثارة للجدل عن الفساد المستشري و مدى تسلط أبناء المسؤولين ونفوذهم الذي يمتد لكل جهة، فتتدمر عائلات بأكلمها ويصل جبروته حد التدخل بمؤسسات الدولة. ليشكل العمل صدمة كبرى ويطالب البعض بوقف عرضه.ولن يكتفي حميرة بكتابة النص فحسب، سيقدم شخصية يؤديها بنفسه لموظف في مستشفى الأمراض العقلية يعتدي على المريضات كل ليلة. فتكون النتيجة انتحار إحداهن، وهي التي أوصلها ابن المسؤول المتنفذ للمصح العقلي انتقاماً من أسرتها.

مشاهد كانت حابسة للأنفاس، ورغم كل ما جرى، استمر المسلسل حتى الحلقة الأخيرة، ولا يزال المنتج الدرامي متصدراً لمنصات التواصل الاجتماعي حتى اليوم. أما في العام التالي فسيحضر الرجل بعملين، رغم القيمة الفنية العالية لهما، إلا أن الظلم الإعلامي وقلة منصات العرض كانت لهما بالمرصاد.

هكذا أنجز “ممرات ضيقة”، ليرصد للمرة الأولى عالم سجن النساء بأكثر من عشرين حكاية متشعبة لسيدات وجدت كل منهن نفسها في طريق أوصلها لخلف القضبان، لتدفع ثمن أخطائها فيرات وأخطاء من حولها في مرات كثيرة. يتناول العمل علاقة القائمين على السجن بالنزيلات، ووقائع يومياتهن. غير أن العمل الذي أخرجه محمد شيخ نجيب لم يحظ بفرصة العرض المثالية، بالتزامن مع موسم درامي شهد تراجعاً في إقبال الشاشات العربية على بث الإنتاج الدرامي السوري.

مسلسل ممرات ضيّقة

أما منتجه الثاني فكان أفضل حالاً، وإن بقي حبيس شاشة “أوربت” المشفرة، ولكنه سيتسرب لاحقاً للمشاهدين؛ ليتابع الناس نصّاً شاميّاً يقدم دمشق برواية مختلفة عن غالبية ما تم عرضه سابقاً ولاحقاً.

وسيعود الرجل إلى كتاب “حوادث الشام اليومية” لأحمد شهاب الدين الحلاق البديري، الذي يرصد أجواء دمشق بين زمن سليمان باشا وأسعد باشا العظم، فيتخذ منه مصدرًا لصياغة قصة عن صراع تجار المدينة ونفوذ الوزراء والقناصل الأجانب وتغيرات الناس، لتكون النتيجة “الحصرم الشامي”، ويخرجه سيف الدين سبييعي من إنتاج ريل فيلمز، التي كان يقودها المخرج هيثم حقي.

سيحقق العمل ضجة واسعة، ويقود كاتبه لجائزة أدونيا عن أفضل نص، وتقرر القناة المشفرة استكمال الرحلة بجزء ثان وثالث، أُنجز في سنة 2009، تحرر فيهما من التوثيق التاريخي لصياغة حكاية تدور في نفس الفلك الدمشقي، وإنما برواية أكثر تشويقاً عن حدوتة البيئة الشامية التي أخذت بالاتساع آنذاك.

سيعود فؤاد حميرة بعدها للدراما الاجتماعية المعاصرة في شتاء ساخن، ويقدم حكاية جديدة برفقة المخرج فراس دهني سنة 2009، ويدخل عالم الحبكة البوليسية بأسلوب مشوق للغاية، لكن هذا سيكون آخر ما يقدمه الرجل إذ تشاء الأقدار أن تتعثر معظم مشاريعه بعد ذلك.

مسلسل شتاء ساخن

 

ورغم الاتفاق مع جهة منتجة لتقدم نص “حياة مالحة”، إلا أن ظروف الحرب السورية ستعرقل المشروع قبل أن تظهر الأزمة للعلن سنة 2022 مع اتهام الكاتب الراحل للمنتج بالاتكاء على ما قدم لصالح مسلسلهم الجديد “كسر عظمم”.

كذلك استبشر متابعو الدراما السورية خيراً حين أعلن عن شراكة تجمعه بالمنتج صادق الصباح لتصوير مسلسل يحمل اسم “الزبال”، وهو مشروع بقي حبيس الأدراج.

وبالمقابل سعى حميرة لتعديلات في نص منتج الصباح الأشهر “الهيبة” ليعيد تفكيك خطوط الحكاية مستنداً على حياة أبناء القرى الحدودية بين لبنان وسوريا، غير أن حسابات المنتج لم تكن مطابقة لرؤى حميرة، فعاد النص لما كان عليه من قتال وحروب أبناء العشيرة الواحدة، وينطفئ مشروع الهيبة.

ويبقى فؤاد حميرة في القاهرة ساعياً لتقديم مشاريع جديدة قبل أن يقرر في دقائقه الأخيرة أن يغازل الموت، فيحسم الأخير اللحظة ويقرر اصطحابه معه إلى دار الخلود.

 

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة