جوى للانتاج الفني
الرئيسيةعلى الخشبةعن نص "البخيل" لموليير.. نسخةٌ سوريّةٌ بتوقيع رنا جمول

عن نص “البخيل” لموليير.. نسخةٌ سوريّةٌ بتوقيع رنا جمول

تتكئ رنا جمول في تجربتها المسرحية الأولى إعداداً وإخراجاً، على واحدٍ من أشهر نصوص الأديب الفرنسي موليير “البخيل”، مع اشتغالٍ على صبغةٍ سوريةٍ للعرض، الذي بدأ أول أمس على خشبة مسرح الحمراء بالاسم نفسه، والخطوط الرئيسية ذاتها منذ كُتِبت عام 1668، إلى أن استوحى منها مارون النقاش عام 1847 أول مسرحيةٍ عربية، مُضافاً إليها مئات العروض القائمة على النص الأصلي، بلغاتٍ وبيئاتٍ وميادين فنيّة مختلفة.

اختيار نصٍّ لموليير على ما تقوله جمول لم يكن رهين لحظة، إنما يستند إلى سنوات دراستها في المعهد العالي للفنون المسرحية، وما تختزنه ذاكرتها عن موليير أحد أهم أساتذة الهزليات في تاريخ الفن المسرحي الأوروبي، لذلك عندما فكّرت في الكتابة، كان “البخيل” خياراً أول، بما يتضمن من عبرة لم يستطع الزمن التقليل من أثرها، عدا عن أنه يتقاطع مع فكرتها عن المسرح، كمكانٍ قادرٍ على اجتذاب جمهورٍ واسع، بعيداً عن عروض النخبة، ومن ثم سعت لتقديم نسخةٍ محلية آنية، مع تعديل طال الأسماء والحوارات، وبطبيعة الحال الإشكاليات التي يجد البخيل توفيق نفسه مُضطراً لمواجهتها مع عائلته، تحديداً مع ابنه وسيم وحبيبته وصال، وإصراره على حرمان نفسه والجميع من أبسط أشكال السعادة رغم ثرائه.

في العرض ديكورٌ واحد يُوجز مُجمل الفكرة، عبر مجموعة كراتين موضوعة فوق بعضها، فيما يُفترض أنه البيت، حيث تغيب أية تفاصيل عن الحياة اليومية الاعتيادية، مقابل التخزين والتجميع والاحتفاظ بأي شيء، عوضاً عن استخدامه والاستمتاع به، حتى أن البخيل يستكثر على نفسه جلوساً مريحاً على أريكة، فيلجأ إلى تغطيتها بقماش شفاف، وهو ما ينسحب على ثيابه وطعامه وتفكيره، لِيتنازل في النهاية عن الحب والزواج، في سبيل توفير المال، وعندما تهتز الأرض فجأة، يهرب الجميع ويبقى البخيل مُتمسكاً بخزنة أمواله، أعز ما يملك، تقول جمول هنا “في النص الأصلي يتعرض البخيل للسرقة، لكنني فضلت الذهاب نحو ما نختبره هذه الأيام مع الهزات الأرضية وما سبقها في زلزال شباط المدمر، إشارة إلى المال الذي يخسره البخلاء في لحظات بعد أنحرموا أنفسهم منه لسنوات”.

 

من أحد تجليات تبييء النص أن جمول استبدلت بسرقة مال البخيل زلزالا مميتا لما يكتنزه الحدث من خبرة حياتية محلية

 

رغم التراجيديا التي تتبدى ملامحها في العرض، مع تخلي البخيل عن العائلة والأصدقاء والحب أمام جبروت الثروة، استطاعت جمول تقديم كوميديا بسيطة، والبساطة هنا لا تعني الاستسهال، حتى أن المُتفرج يجد نفسه ممشفقا على البخيل بانهزامه المتكرر، وسقوطه في فخ الاكتناز كيفما اتجه، من دون التعاطي معه كشخصٍ شرير أبداً، إنما كإنسان تهيأ له أن المال أهم مما سواه، لذلك يعيش مُرتاباً مشغولاً بصندوقه المُخبأ في الحديقة إلى مماته، بينما يُكتَب للآخرين فرصة جديدة للحياة، لأنهم فضلوا نجاتهم على الموجودات، تُضيف جمول “في التعبير الشعبي نُردد دائماً أننا لن نأخذ شيئاً معاً إلى القبر، لكن للبخلاء وجهة نظر تجعلهم موضع إدانة ورثاء”.

في شخصية البخيل توفيق، قدّم الفنان خالد مولوي أداءً لافتاً، مُحافظاً طيلة العرض على انحناءةٍ في الظهر وتقوسٍ في الرجلين، إضافةً إلى صوتٍ خشن وحركةٍ بطيئة، وهو ما تطلّب منه تدريباً طويلاً، ليتمكن من إقناع المُتفرجين بكاركتر البخيل كبير السن، مُستفيداً مما عايشه في طفولته مع والده الراحل زياد مولوي في التلفزيون والإذاعة إلى جانب تجربته في المسرحين الجامعي والقومي، ودراسته في معهد تياترو لفنون الأداء، يقول ” العام الماضي شاركت في مسرحية الغنمة للمخرج زين طيار، وقدمت فيها عدة شخصيات، إحداها لرجل مسن، وهو ما دفع المخرجة التي كانت تبحث عن حيوية الشباب والكهولة معاً لاختياري، فالبخيل رغم تقدّمه في السن، يؤدي خلال العرض بعض الحركات السريعة والقفزات”.

يتمنى مولوي أن تجد شخصية البخيل طريقها إلى الجمهور عبر الكوميديا الساخرة التي حرصت المخرجة على إظهارها، خلال إعداد النص وكتابته بما يُشبه واقعنا والبخلاء في مجتمعنا، وهو ما يوفره العمل على الخشبة عادةً، بمعنى أن ردة فعل الجمهور مباشرة وسريعة، بلا مجاملة أو ظلم، على أمل أن يكون عنده ما يستحق المُتابعة دائماً.

الفنانة آلاء عفاش، والتي شاركت في عدة مسلسلات تلفزيونية منها “أيام الدراسة” و”زمن العار”، أثارت انتباه الحضور بشخصية زهور، الوسيطة الساعية لتزويج توفيق البخيل من وصال، والتي تجتهد فيما بعد لإيقاف الزواج، عندما تعلم بمشاعرها تجاه ابنه الشاب وسيم، وجدت في نص البخيل خياراً جيداً في ظرفنا الحالي، لما فيه من قيم ومقولات، مكّنته من الحضور في مختلف الأزمنة والأمكنة، مشيرة إلى أن كتابة نصٍّ مسرحيٍّ تحتاج وقتاً وتعباً والتزاماً، وهو ما يصعب تقديمه في أيامنا هذه مع تدني الأجور، وكما هو معلوم المسرح لا يمنح أرباحاً مادية للعاملين فيه.

أما عن التوليفة بين المأساة والكوميديا التي أعطت العرض أبعاداً وتشعبات، قالت:”من الصعب تقديم الفواجع بشكلها الواقعي، لهذا يبدو اللجوء للكوميديا مقبولاً للتخفيف من ألمها وقسوتها، كما أننا بحاجة للضحك بسبب ما نعيشه من إحباطات ومصائب، الكوميديا أسلوبٌ للتغلب على المعاناة ومحاولةٌ للتأثير باتجاه التغيير”.

شارك في العرض أيضاً الممثلون: زينة المصري، علي حميدة، خوشناف ظاظا، أحمد الحميدي.

لبنى شاكر – صحفية من سورية 

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة