جوى للانتاج الفني
الرئيسيةفي الصالاتحياة الماعز .. نموذج الفن الثاري

حياة الماعز .. نموذج الفن الثاري

هل يستقيم الفن مع النزعة الثأرية لصناعه؟

أجزم أن الجواب بالنفي، لأن الفن قائم على الرحابة وتفهم دوافع الجميع بمن فيهم الشخصصيات السلبية، أما النزعة الثأرية فتعني أحكام إدانة مسبقة وجاهزة، قد تدفع بالمبدع للي ذراع المنطق.. وما الحاجة إليه طالما أن المتلقين يريدون إشباع الغريزة لا إرواء العطش المعرفي، والرقص حول نار تلتهم، لا نار تضيء وتنير.

قيل إن الفيلم الهندي “حياة الماعز” مستوحى من قصة واقعية انتشرت أولا كرواية راجت إلى درجة أعيد معها طباعتها 250 مرة، وكذلك الفيلم، الذي استطاع أن يحقق أرباحا ونجاحات تجارية استثنائية.

يدين الفيلم نظام الكفيل في السعودية، وهو نظام لا يمكن لأحد أن يدافع عنه، لأنه يتيح مصادرة حرية الوافد حتى درجة الاستعباد، بما يتنافى مع شرعة حقوق الإنسان.. وهذا نظام استقدام عمالة لم يكن يحتاج إلى بهارات إضافية ليضمن مناهضة المشاهدين، لكنها ( أي المنكهات والبهارات) تصبح ضرورية بل وأساسية، إن كان هدف الإدانة العنصرية يريد أن يتمدد ليشمل مجتمعا بأكمله.

منذ المشاهد الأولى، أي لحظات وصول نجيب وصديقه حكيم إلى أرض الجزيرة العربية سنسمع تأففهما من رائحة الكفيل النفاذة لأن العرب يدورون البول في استخدامات غريبة..

الكفيل الذي كان يفترض أن يسكنهما معا في شقة مكيفة يفرقهما في الصحراء في مزرعتين متباعدتين لرعي الماعز.. وهنا سيبرز سؤال منطقي لن يكلف صناع العمل أنفسهم عناء الإجابة عليه .. أين وكيف يتم الرعي في منطقة صحراوية نائية، كلما وصلت إلى قمة كثيب رملي أطللت منه على بحر من رمال الصحراء الممتدة إلى اللانهاية .. ومع ذلك يسوق نجيب القطيع كل يوم للرعي، حيث لا رعي، فقط ليواجه وحوش الصحراء الضارية وشمسها الحارقة، لضمان موقف المتلقي.. لكن عبثية المعنى موه عليها عنصران، الأول المشهدية الجميلة لرمال الصحراء وألوان الشروق والمغيب الباهرة.. أما الثاني فتمثل في استعادة نجيب لذكرياته في الهند، حيث الكرنفالات الملونة والاحتفالات البهيجة والمياة الرقراقة والأمطار الغزيرة في نسيج مجتمعي يكاد أن يكون فردوسيا، لا علاقة له بالأرض وحساباتها واعتباراتها، حتى أنه يرمي زوجته إلى النهر، لتتالى مشاهد حميمة بين الزوجين، تحت الماء وعلى المركب وفي الطمي.. دون أن يشوش عليهما اتصالهما ووصالهما فرد، كبير أو صغير، رغم اكتظاظ الهند.

لن نعود إلى الهند مع تفاقم معاناة نجيب لنقف على موقف عائلته، إن بادروا بإجراء معين بحثا عن ابنهم المفقود، فالتصوير في الديار مرصود للجمال والمتع البسيطة لكن العميقة.

سنمضي أكثر من ثلث العمل ونحن نشهد اضمحلال هوية نجيب الإنسانية باتجاه التوحد مع قطيعه، يأكل من معلفهم ويشرب من مائهم، لكنه يتدنى عنهم مرتبة بأنه يتعرض للضرب والتعذيب من قبل سادته السعوديين، فيما يبدو أنه درب آلام لا نهائية ، لولا أنه يصادف صديقه حكيم وقد انبثق فجأة من مغارة، فيخططان للهروب بمعية خادم أفريقي يعرف أسرار الصحراء.

الهروب في مجاهل الصحراء سيأخذ وقتا طويلا لإبراز المعاناة، من العطش والتيه إلى العاصفة الرملية التي ستدفن حكيم ، وعندما يصل نجيب إلى طريق معبد سنجد وحشية أخرى من السائقين السعوديين الذين يؤنبون الرجل ويتركونه على قارعة الطريق دون شربة ماء إلى أن يصل رجل متحضر يقله إلى العاصمة، وهناك سينبذه سعوديون آخرون لأنه اقترب من سيارتهم النظيفة ..

تحتوي نجيب الجالية الهندية وتؤمن له اتصالا بعائلته ثم تسلمه للشرطة لترحيله، وفي المخفر سيتم التعامل معه بفظاظة قبل أن يحشر مع عمال آخرين قروا من الظلم ليعرضوا على كفلاء هرب من جورهم عمالهم فيعيدونهم إلى جظيرة الطاعة بالرفس والضرب تحت أنظار الجنود.. هنا سيلتقي نجيب بالكفيل ليكتشف أنه كان مختطفا لديه، لذلك لن يتمكن الرجل من اعادته إلى الصحراء، في إشارة مضاعفة لنذالته، وإن ظل السؤال معلقا لم أتى إلى الحجز طالما أنه يعرف أن لا سلطة قانونية لديه تمكنه من استعادة نجيب الهارب.. ببساطة لقد جعلوه يأتي ليحكموا طوق الإدانة عليه، فهو إلى وحشيته لص مختطف.

حياة الماعز، ركيك، فقد انتهى من حيث بدأ دون أن يطرأ على فهمنا ومداركنا تغير يذكر.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة