جوى للانتاج الفني
الرئيسيةقضيةالنقد الفني هل هو الطريق نحو الإبداع أم عائق أمامه؟

النقد الفني هل هو الطريق نحو الإبداع أم عائق أمامه؟

يعتبر النقد الفني جزءاً هاماً وضرورياً في عملية تطوير الفنون والإبداع، حيث يسهم في تقييم وتوجيه الأعمال الفنية من خلال تقديم ملاحظات بناءة تساعد على تحسين جودة الإنتاجات، وعلى الرغم من أهمية النقد حيث يتم تسليط الضوء على نقاط القوة والضعف في الأعمال الفنية إلا أن النقاد يواجهون صعوبة في التعامل مع بعض الفنانين والمخرجين والكتّاب بسبب عدم تقبلهم لهذا النقد. في هذا المقال سنستعرض نشأة النقد الفني ، أهمية وجوده وأسباب عدم تقبل البعض له؟ وكيف يمكن معالجته لتفادي الصدام مع بعض الشخصيات في الوسط الفني بما يحقق الفائدة للجميع.

النشأة

يعتبر النقد الفني قديما قدم الفن نفسه، فكان الفلاسفة الإغريق مثل أرسطو وأفلاطون يقدمون ملاحظاتهم حول الأدب والمسرح ويعتبر أرسطو من أوائل النقاد بوضعه لأسس النقد الفني في كتابه ” فن الشعر” .

وفي العصور الوسطى والنهضة تطور النقد ليشمل جميع الفنون البصرية حتى أصبح النقد أدة للتقييم والتحليل الفني من خلال المطبوعات ووسائل الإعلام.

الأهمية

 يساهم النقد في رفع مستوى الأعمال من خلال تسليط الضوء على الجوانب السلبية والإيجابية.

 يقدم النقد رؤية إبداعية موازية وموضوعية يمكن للفنانين الاستفادة منها للإتقاء بأعمالهم.

يساعد النقد في توعية الجمهور على فهم الأعمال الفنية من خلال تقديم تحليلات محايدة وموضوعية قيمة للأعمال الفنية.

يساهم النقد في تحفيز الفنانين على الإبداع، الابتكار و الأهم تشجيعهم على التفكير خارج الصندوق.

أسباب رفض النقد الفني

الارتباط الشخصي المبالغ فيه ، إذ يجد بعض الفنانين صعوبة الفصل بين أعمالهم الفنية و شخصيتهم في الواقع، لذلك يرون أن أي نقد يوجه لأعمالهم يعد هجوماً شخصياً عليهم، ويتعاملون مع النقد بشكل عاطفي بدلاً من تحليله بشكل أكثر عقلانية، وبالتالي يرفضون أي ملاحظات حتى لو كانت بناءةً.

عدم إدراك البعض لأهمية النقد وتفهمهم أن الهدف منه هو تحسين جودة المنتج وليس الهجوم عليه.

قد يكون لدى البعض ثقة زائدة بأعمالهم مما يجعلهم يرفضون أي نقد حتى لو كان نقدا بناء.

النقد الفني أحياناً يكون مرتبطاً بأذواق وآراء شخصية لذلك يراه البعض غير موضوعي بسبب الاختلاف في وجهات النظر.

نتائج عدم تقبل النقد الفني

رفض النقد يعني غياب التطور والتقدم والإبداع وتكرار الأخطاء نفسها وارتكاب أخطاء جديدة.

العزلة الفنية للفنانين الذين لا يتقبلون النقد فقد يجدون أنفسهم مبعدين عن الوسط الفني والجمهور.

 يؤدي عدم تقبل النقد إلى تجاهل توقعات الجمهور ورغباته مما يؤثر سلباً على شعبية الأعمال بسبب ضعف العلاقة مع الجمهور.

رفض النقد قد يؤدي إلى توتر العلاقات بين الفنانين والنقاد مما يؤثر على المناخ العام للإبداع.

رأي النقاد

سنستعرض بعض الآراء من المختصين في هذا المجال بعد أن طرحت عليهم السؤال التالي:

 “ماهي برأيك أكبر التحديات التي تواجه الصحفي أو الناقد الفني عند كتابة مقال نقدي عن الأعمال الفنية؟ وكيف يمكن تجاوز تلك التحديات من وجهة نظرك؟”

الصحفي حسام مقبل ( مصر)

المفترض دائما أن اختلاف وجهات النظر لا تفسد للود قضية، ولكنها كثيرا ما تفسد مع الأسف. يبقى السؤال المهم كيف يتم استقبال هذا الاختلاف؟

هناك مثل اقتصادي شائع جدا يقول “لو اتفقت الاذواق لبارت السلع” وهو مثل معبر جدا في حالتنا هنا، لأن أي عمل ابداعي لابد الا يتفق عليه الجميع، ولأن الابداع بشكل عام مجرد أن ينتهي المبدع منه فهو يكون ملك للمتلقى وعلى المبدع أن يستقبل الآراء بصدر رحب، سواء كانت الآراء من متخصصين أو من الجمهور العام.

العمل الفني ملك الجمهور والناقد عينه الثاقبة

هذا بالنسبة للمبدع ولكن أيضا على الكاتب أو الناقد أن يكون على دراية كافية بالعمل الإبداعي، دارسا للنقد أو لطبيعة الابداع الذي يتناوله، وان يبعد رأيه الشخصي تماما ويجتهد أن يكون حياديا، وهذه من أكبر التحديات، لأن الحياد عموما أمر صعب في حياتنا ولكننا نحاول أن نقترب منه قدر الإمكان.

ومع الأسف احيانا يبدأ الكاتب في كتابة مقاله قبل أن ينتهي من العمل كاملاً سواء مسلسل أو رواية مثلا، وهي من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها الكاتب، لأن تقييم العمل بدون الانتهاء منه مشكلة، فكيف يكتب عن عمل لم ينته منه، فهل يمكن أن أشاهد نصف لوحة دون النصف الآخر ثم اتحدث عن جمالها أو قبحها ؟

الدقة والشفافية مطلوبة جدا للكاتب قبل أن نطلب من المتلقى رحابة الصدر.

الموضوع كبير فعلاً ولا يمكن أن نختصره في فقرة أو عدة فقرات وهناك حالات عديدة شهدت خناقات كبيرة بسبب اختلاف الرؤى وعدم تحمل صاحب العمل للنقد، وايضا لتحيز الناقد ضد العمل في حالات أخرى، وسوف تستمر ولن تتوقف طالما الابداع مستمرا، ولكني اطلب من كل صاحب عمل ابداعي أن يتريث قليلا ويلتقط أنفاسه قبل أن يتهم الكاتب بأي اتهام لأن الكاتب أو الناقد من حقه أن يرى العمل من منظوره الخاص، وعلى صاحب العمل أن يستخرج ما يفيده من هذا الرأي أو يلقي به إلى سلة المهملات إذا لم يعجبه دون افتراض أن هناك مؤامرات تحاك ضده، فالأمر لا يتعدى دائما وجهة نظر ولكل طرف الحق في التعبير عن رأيه طالما يكتبه دون إهانة للطرف الآخر.

الصحفي حسام مقبل

 د. صائب غازي (العراق)

أكبر تحدي يمكن أن يواجهه الناقد هو عدم قبول رأيه المخالف أو نقده الفني اللاذع الذي يعمل على تفكيك جزيئات العمل الفني ويعيد تركيبها برؤية عميقة تنسجم مع رؤيته

ذلك الرفض للعملية النقدية لم يأتِ من الفراغ ، بل يأتى من طبيعة ونزعة الفرد والمجتمع العربي على حد سواء، والتي تتمحور حول رفض قبول الرأي الآخر ، وعدم تقبل للنقد بشكل عام، وللنقد الفني بشكل خاص وهذا جزء من الطبيعة التكوينية الرافضة للنقد

حتى الفنانين انفسهم وبمختلف التخصصات يرفضون المساس بأعمالهم الفنية من قبل النقاد لأنهم أعتادوا على سماع المديح والثناء فقط لذلك نجد الفنان يعرض على صفحاته في السوشيال ميديا نقد المداحين ولا يعرض كلمة من النقد البناء الذي يشخص السلبيات في منجزه الفني. حتى على مستوى الأكاديميين معظمهم يرفض تقبل النقد مهما كان مستوى النقد الفني الذي يكتبه الناقد.

 

نطالب الفنان برحابة الصدر، لكن المطلوب من الناقد الدقة والشفافية

 

يمكننا التغلب على تلك المعضلة من خلال السماح لأنفسنا بتقبل النقد الفني مهما كان لأنه يسهم في تجاوز السلبيات وتطوير الرؤية ورفع المستوى في الأعمال القادمة ، ذلك لأن النقد الفني هو عنصر فاعل في عملية التقويم وليس عنصر سلبي خاصة عندما يصدر من قبل مختصين في مجال التشريح والنقد والتحليل الفني.

الدكتور صائب غازي

الدكتورة لمى طيارة

لا اعرف حقيقية من يتقبل ومن لا يتقبل مقالاتي من الوسط الفني ..لاني اكتب للجمهور العادي وهو ما يهمني . لكن التحدي الحقيقي بالنسبه لي هو ان اكون قادره على متابعة كل ما هو جديد في عالم السينما والدراما ..فنحن نعيش في منطقه لا مهرجانات فيها وبالتالي لا يمكن ان نعرف ما هو جديد السينما العربيه والعالميه الا بجهودنا الفرديه ..اضف الى ذلك ان بعض المواقع الالكترونيه محجوبه في سوريا لاسباب باتت معروفه وهذا بحد ذاته يشكل عائق بالنسبه لي للوصول للانتاجات الجديده.

الدكتورة لمى طيارة

الصحفي عامر فؤاد عامر

شخصيا، أعتبر نفسي حذراً في استخدام أدوات النقد، وقلقاً لدرجة كبيرة في محاسبتها على كلّ كلمة أطلقها بحقّ مُنتَج فنّي يُعرض على الجمهور.

يأتي لاحقاً موضوع القراءة السلبيّة من قبل الطرف الآخر، والذي من الممكن أن يكون صاحب العلاقة المباشرة بالعمل الفنّي المنتقد أو غير المباشرة حيث يُفاجئني البعض بردود فعل سلبية قد تصل إلى عدائيّة غير مفهومة، ومع مرور الوقت أتصالح معها بإقناع نفسي أن ذلك الشخص قام بالدفاع عن شيء يحبه أو ممثل يعشقه أو يعتبر تلك المطربة من مقدساته التي لا يحق لأحد أن يناقش ما غنّته!

مهنة النقد تحمل مهامّ نبيلة جدّاً فالهدف فيها رفع السويّة الفنية والتي تصب في المحتوى الثقافي شئنا أم أبينا وهذا المحتوى هو الأكثر تأثيراً في الحياة اليومية الفاعلة.

لكن يحدث دائماً أن مجتمعنا العربي يكره التصويب ولا يتقبل إصلاح البنية، والنقد بالتحديد يبيّن العيوب كما يلقي الضوء على الإيجابيات، لكن للنقد السلبي صدى مختلف لدى السيكولوجية العربية عموماً، يهابها ويخاف منها ويتجاهلها في كثير من الأحيان، لكنها تؤثر في العمق شئنا أم أبينا.

ومن وجهة نظري يكون التغلب عليها بالاقتراب أكثر من الجمهور، حتّى يتفهم مهام هذه المهنة الراقية، وصولاً لمسافة من الأمان بين الناقد وصاحب العمل الفنّي، فعندها يكتسب النقد قيمته ووزنه في المجتمع، فيسمعنا المنتج والمخرج والفني والفنان والسيناريست وغيرهم.

أيضاً التصالح مع فكرة عدم تقبل صاحب العمل الفني للنقد ربما تكون فكرة ناجعة تُرضي الناقد، فأحياناً الغرور والأنانية لدى أولئك الأشخاص (فنانون وغيرهم) يجعلهم عمياناً عن فكرة أن ما عرضوه لم يعد ملكاً لهم بل هو ملك الجمهور والناقد عين الجمهور الثاقبة ولا بد من النظر داخل العمل وخلفه وحوله وصولاً للمعادلة التي يتكون منها وتجريدها بعرض نواقصها ووصف مكوناتها الإيجابية.

النقطة الأخيرة التي سأشير إليها هي ضرورة الاستمرار في ممارسة الفعل النقدي سواء بالكتابة أو عبر اللقاءات في شتى الوسائل الإعلامية، فالسكوت عن الخطأ مرفوض والإشارة للفعل الصحيح والمميز هو المطلوب في زماننا، كي يكون مثالاً يُحتذى به، فنزيد من دعم القيم الإيجابية في حياة الأفراد المتأثرين بالإنتاج الفني مهما كان نوعه.

الصحفي عامر فؤاد عامر

الصحفي عادل العوفي( المغرب)

هناك عدة تحديات منها ما هو مستمر منذ سنوات ومنها المستجد في الآونة الاخيرة وبالأخص في زمن سطوة مواقع التواصل الاجتماعي حيث اكتست فجأة بعض الاعمال الفنية سمة ” التقديس ” واضحى من المعيب انتقادها والا اصبحت في مرمى نيران المكلفين بحراستها والمجندين للنيل ممن يتحدث عنها مهما سعى جاهدا كي يكون موضوعيا في نقده.

وهؤلاء صاروا يصنفون في مصطلحات العصر الحالي “بالجيوش الالكترونية ” المعدة خصيصا لمهمة “جليلة ” وهي اكتساح واحتلال الترند ؛ بالإضافة الى مشكلة اخرى لا تقل اهمية تكمن في عدم التمييز بين العلاقات الشخصية و المهنية حيث سبق لي شخصيا ان تعرضت لمواقف عديدة تندرج ضمن هذه الخانة لاسيما خلال فترة اشرافي على فقرة رمضانية بعنوان ” يوميات الدراما العربية في رمضان ” حيث اهتز علاقتي الشخصية ببعض الاسماء الفنية التي لم تتقبل ارائي حول ادوارها ومسلسلات شاركت فيها لدرجة وصلت للقطيعة التامة دون ذكر الاسماء بالطبع.

مسألة التغلب على هذه التحديات مرتبطة بتغيير العقليات وبالأخص من لدن الفنانين المطالبين بالقليل من الاحترافية في التعاطي مع النقد الفني والتغاضي عن الاسطوانة المشروخة باتهام كل رأي مخالف بالحقد الشخصي وافتقار صاحبه لأساسيات الكتابة وغيرها من التهم الجاهزة.

الصحفي عادل العوافي

 

_ وفي النهاية لا بد من القول بأن النقد الفني ضرورة في عالم الفن ورفضه قد يكون له آثار سلبية على المشهد الفني بشكل عام، لكن يمكن تحقيق التوازن بين النقد الإيجابي وتقدير جهود الفنانين لخلق بيئة فنية متجددة.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة