جوى للانتاج الفني
الرئيسيةحكواتي"الحكي مو متل الشوف"

“الحكي مو متل الشوف”

يرحم أهل أول.. قالوا بأمثالهم هذه العبارة التي تنطبق على الفرق ما بين الإذاعة والتلفزيون: ” الحكي مو متل الشوف”…وعطفاً على ذلك.. “سأحدثكم عن زمن قد لا يمكن أن يعرفَه من هم دون سن العشرين…”

هذه الكلمات هي الترجمة الحرفية لمطلع أغنية فرنسية من أغاني “الزمن الجميل”، كما يسمونه، وكانت بعنوان “البوهيمية” للفنان الأرمني الفرنسي الشهير شارل أزنافور.

وقد سيطرت هذه الكلمات على مجمل تفكيري عندما قررت أن أحكي عن زمن إذاعي ذهبي اختفت أيامه إلى غير رجعة، لشديد الأسف.. إنه زمن الراديو الذي بدأ في مطلع القرن العشرين حينما اهتدى المخترع العبقري ماركوني، مع مجموعة من جهابذة الفيزياء، إلى طريقة إيصال الصوت عبر الموجات الأثيرية.

زمن الراديو حينذاك كان شديد الاختلاف عن زمن التلفزيون الذي جاء بعده، والذي كرّس هيمنة الصورة على العقول، وأيقظ غريزة إبراز الذات وحب الظهور.

سحر الراديو في مراحله الأولى جعل أن خيال المستمع بات هو السيد المطلق في عملية التلقي، وهنا بيت القصيد في حكاية اليوم.. فقد وقع كثيرون في فخ جاذبية صوت إذاعي لدرجة أن الأمر بات مرهقاً لمن لم يستطع مقاومة الحالة.

تقول “محسوبتكم” راوية الحكاية إنه من بين مئات، بل آلاف الرسائل الورقية التي كانت تصل إلى تلك الإذاعة الفرنسية الناطقة باللغة العربية، في سنوات الثمانينات، كانت هنالك نسبة كبيرة تطالب بالحصول على صورة شخصية للمذيعة “الفرفوشة” التي كانت تجيب على الهواء مباشرة بقفشة طريفة على طالب الصورة الذي غالبا ما يكون في الوقت ذاته “طالبا للقُرب”.

ومن هؤلاء حكاية ذلك الشاب المنتمي إلى البلد المشرقي الثري الكبير، شاب معجب قرر أن يتقدم بأسخى العروض لصاحبة الصوت الذي استولى على قلبه، وقد كتب حرفياً: “سوف تسكنين في البيت الفخم ضمن العمارة التي نمتلكها، وبأمرك الخدم والحشم، ولسوف تتولى أمي مسؤولية الطعام وشؤون المنزل، باختصار ستكونين أميرة المكان.. فقط أرسلي لي صورتك!!”

بالطبع.. لم تُرسل الصورة.. ولما لم تُرسل الصورة.. وصلها سيل من الرسائل المليئة بالتهديد والوعيد: “إذا لم ترسلي صورتك، سوف أتي إلى مقر الإذاعة وأحطم كل ما فيها!!!”

منعاً لكارثة محتملة بسبب جنون المعجب المولع، أذعنت “فرفوشتنا” للتهديد، وأرسلت المجموعة الكاملة لصور مذيعات ومذيعي المحطة، بحيث لا يبدو الأمر وكأنه موافقة على عرض الزواج.

ما حدث بعد ذلك يكاد لا يُصدَّق.. فبعودة البريد، تلقت المذيعة إياها رسالة من المذكور تحتوي على صورتها فقط وقد نُقشت على خلفيتها سلسلة من الشتائم النابية، أكثرها تهذيبا تلك التي تقول: “أيتها الغبية، هل تظنين بأني سأقبل الزواج من فتاة ترسل صورتها لشاب لا تعرفه؟”

بعد انحسار أثر صدمة الاستغراب الأولى، ضحك الجميع، المذيعة وزملاؤها، من النهاية السعيدة، لعرض الزواج الفاشل.. واستخلصنا أن الفارق كان شاسعاً بين خيال المستمع الولهان وبين الصورة التي وصلته بالبريد عن صاحبة الصوت الأخّاذ.. لكن الحكاية لم تنته هنا.

فقد روت يعد ذلك إحدى الزميلات “الحبّابات” هذه الواقعة لصحافي يعمل في مجلة واسعة الانتشار آنذاك من مجلات الصحافة الصفراء، فراق له أن يعمل “سكووب” (أو “ترند” بحسب مصطلحات اليوم) ونشر الحكاية مع تعليق مفاده أن المذيعة “الفرفوشة” ليست قبيحة إلى هذا الحد لكي تتعرض إلى مثل هذه الصدمات، وكان عليها أن لا تروي ما حصل معها لمن حولها لأن هذا يدل على أنها مصابة بعقدة نفسية تشير إلى الشعور بالنقص.

وقبل أن تطّلع صاحبتنا على ما جاء في المقال الصحفي، فوجئت باستلامها عشرات الرسائل يتقدم أصحابها بعروض زواج، مع تعليق لافت.. نحن مستعدون للزواج منك حتى وأنت قبيحة!!

ولمن يسأل: وماذا بعد؟

الجواب: اليوم الإذاعات تحولت إلى تلفزيون “نخب تاني”، والمستمع تحوّل إلى مُشاهد “مسترخص”!! انحسر دور الخيال وسحر الأحلام في الإعلام عند الاستماع لصوت إذاعي مريح.. وبطلة القصة اللي حكيناها ما زالت في عداد “السناغل” وتردد مع عمرو دياب في أغنيته العصرية “سينغل”: “اتاريكو مش شايلين هم، والنكد اتزاح واتلم، وصدقتوا على رأيكوا راحة أعصابنا أهم، حاجة غريبة لاحظتها، وانا برضو تعلمتها، بيقولوا على طول للسنغل أحسن حاجة عملتها”.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة