جوى للانتاج الفني
الرئيسيةعلى الخشبةالحكي أبو المسرح.. ورشة مع حسن الجريتلي في دمشق

الحكي أبو المسرح.. ورشة مع حسن الجريتلي في دمشق

لا تزال الحكاية تشكّل مجمل ثقافتنا وتاريخنا وجزءاً من تاريخ المجتمعات، على الرغم من تراجع ظاهرة السرد والحكواتي الذي ارتبط وجوده وحضوره قديماً بالمقاهي وليالي السمر، وأهمية دوره في المجتمع عندما كان مٌحرّكاً للتغيير ومُعززاً للقيم المثلى، تراجعت المكانة الوظيفية للحكّاء، ولم يعد هذا الفن رائداً وحاضراً في الحياة، إذ تأثر فن الحكي بعدة عوامل أدّت إلى تراجع حضوره، لعل أبرزها موجة الحداثة وما بعدها، وتسارع دخول التكنولوجيا في الحياة اليومية المعاصرة، بدءاً بالراديو والتلفزيون والفضائيات والسينما، ثم الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وبذلك لم يبق للحكي ذات المكانة وبدا وكأن عصر الحكاية وزمن تبادل القصص في تراجع مستمر … من هنا سعت (شبكة حكايا) من خلال الشركاء المؤمنين بأهمية الحكاية ودور الحكّاء، إلى إعادة إطلاق هذه الظاهرة من خلال المهرجانات والأمسيات والندوات ولقاءات الحكي الدورية، لتعود لفن الحكي أهميته، وليكون فاعلاً في الحاضر، لاسيما ما يقدمه الحكّاؤون الفلسطينيون، من جهود لتعزيز التمسّك بالهوية الفلسطينية، ليغدو فعل الحكي عملاً مقاوماً من شأنه صون التراث الشفهي، وترميم الذاكرة وتحصينها من الاندثار.

الحكي

ورشة فن الحكي

إنطلاقاً من أهمية فن الحكي، يعود المخرج المصري حسن الجريتلي إلى دمشق بعد غياب سنوات، لا ليقدم عرضاً مسرحياً هذه المرة، بل لاستئناف المرحلة الثانية من ورشة عمل بعنوان (ورشة حكي) وذلك بالتعاون بين (فرقة الورشة المسرحية) و (تجمّع مراية المسرحي) بدمشق. وكانت فرقة الورشة قد قدمت سابقاً، وبدعوة من وزارة الثقافة السورية عرضين، الأول مزيج من (الدراما والغناء والحكي) على مسرح الحمراء 1995، والثاني (لوحات من السيرة الهلالية) في رحاب المعهد العالي للفنون المسرحية 1998.

عن فرقة الورشة المسرحية

تُعتبر أول فرقة مستقلة في مصر أسسها عام 1987 المخرج المسرحي حسن الجريتلي، وتركت تأثيراً كبيراً على العمل المسرحي المستقل، قدمت الفرقة أعمالها داخل مصر ومن خلال جولاتها العربية والعالمية، وشاركت في العديد من المهرجانات الدولية وأسهمت في تكوين عدد كبير من النجوم على الساحة الفنية في مصر. وتهتم فرقة الورشة بتدريب الفنانين على مختلف فنون المسرح، آخذة على عاتقها إعادة تقديم التراث الشعبي المصري في قوالب معاصرة، وقد حرصت الفرقة على إدخال الحكي ضمن العناصر الأساسية لإبداعها المسرحي وبصقلها لمواهب أجيال من الموهوبين الراغبين في الاحتراف، كما تقوم الفرقة بإنتاج أعمال مسرحية معاصرة بعد فترات طويلة من البحث والتدريب، وتعرضها محلياً ودولياً، وما زالت حتى يومنا هذا تقدم أجيالاً جديدة من الفنانين بدأب وإصرار، وقد امتازت الفرقة بمنهج تدريبي وتكويني تكاملي يهدف إلى إعداد الممثل الشامل، وقدمت للمتفرج المصري والعربي العديد من المعارف المسرحية الدرامية والتراثية في مجال الدراما والغناء والحكي. ناهيك عن الأعمال المقدمة من ريبرتوار المسرح المعاصر، فمن “هارولد بنتر” إلى “بيتر هاندكه” و”داريو فو” و”ألفريد جاري” مروراً ب “توفيق الحكيم” وتأريخ الحياة اليومية في مصر، إلى التراث العربي والحكايات الشعبية والمولد والسيرة الهلالية وخيال الظل والمهرجين الحكائين، وذلك بالاهتمام بتحليل النصوص، ثم إعادة صياغتها على مختلف أنواعها، من خلال قراءة دراماتورجية معاصرة، قدّمها حسن الجريتلي ضمن ما أطلق عليه “الكتابة لخشبة المسرح”. ومن أعمال الفرقة الأخيرة، تقديم ورشة بودكاست بعنوان (عن بلدي احكيلي) لسوريين في الغربة، تضمنت خمس حكّاءات وحكّاء، تمكنوا من كتابة قصصهم مع مدرّب وكاتب فرقة الورشة شادي عاطف، وكانت مرحلة الأداء أونلاين.

ورشة الحكي

تميّزت الورشة بأنها مفتوحة لجميع المستويات والأعمار ويفترض بالمشارك أن يكون لديه خبرة في مجال المسرح. وإرسال حكايتين الأولى ذاتية والثانية حكاية من حكايات الجدّات (التراث الشفوي).

وتم اختيارعشرة مشاركين من المختصين بالمسرح والفنون في دمشق وهم : أحمدية النعسان- أنس عبيدو- حسام حميدو – جوليان هنيدي- رغد شجاع- ريم شالاتي -عروب المصري- علي ياغي- فيحاء جبارة – لميا سيدا.

وتم تقسيم التدريب إلى مرحلتين، المرحلة الأولى : تدريب أونلاين على بناء الحكاية مكوّن من عدة جلسات موزّعة على شهرين بدءاً من 15 آذار ولغاية 15 أيار وجلستان جماعيتان في بداية التدريب، ثم ثلاث جلسات فردية مع كل مشارك على حدة، ثم جلستين جماعيتين في نهاية التدريب.

المرحلة الثانية: تشمل التدريب على الأداء مع المخرج حسن الجريتلي في دمشق لمدة عشرة أيام، في نهاية شهر حزيران بمعدل أربع ساعات يومياً، وقراءة النصوص المختارة ، ثم الانتقال من الحكي إلى التمثيل، والعلاقة بين الحكي والمسرح، ويتضمن ذلك عملاً فردياً مع كل مشارك على حدة، ثم مع المجموعة. تلا ذلك بروفة جنرال على مُخرجات الورشة، من خلال عرض مفتوح للجمهور.

مُخرجات الورشة

عمل المشاركون على إعادة صياغة حكاياتهم بإشراف حسن الجريتلي، وكانت حصيلة الورشة 22 حكاية، توزعت ما بين الذاتي والتراثي، وقد تدرّب المشاركون على صياغة حكاياتهم لفترة استمرت شهرين أونلاين،ومن ثم التدريب على أدائها وتقديمها بإشراف حسن الجريتلي في غاليري زوايا بدمشق، وتم عرض مخرجات الورشة من خلال تقديم عرض مفتوح للجمهور. وتميّز العرض بأهمية وقدرة المشارك على العمل ضمن فريق، كما كان واضحاً تطوّر مهارات الأداء والتعبير الشفهي، واستكشاف شخصية الحكّاء داخل المشارك، والمهارات الأخرى التي تعلّمها المشاركون، ومنها اختيار الحكاية المناسبة، وتحليل عناصرها والشخصيات خاصة، و فهم وتعلّم كيفية بناء قصة جذّابة، وإتقان فن الحكي وأساسياته وأهميتها في التواصل، واكتساب المهارات الأساسية للحكواتي المحترف، واستخدام التأثير الصوتي واللغوي لتعزيز الحكاية، و التفاعل مع الجمهور وإثارة اهتمامه.

الحكاية الأمثولة

تنوعت الحكايات التي قدمها المشاركون، واتسمت بالعمل على التكثيف والتركيز على الجانب الدرامي في الحكاية، والحرص على أن فن الحكي يقوم بشكل أساسي على التفاعل بين الحكّاء والجمهور، قدمت عروب المصري حكاية (ثلاث بنات غزّالات) عن جدتها “زاهية” وكفاحها، وهي التي عملت في غزل الحرير والصوف لتعيل العائلة، وجرأتها وشجاعتها في مؤازرة الثوّار في معركة ميسلون والثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي . وتختم عروب المصري بأنها ستتابع غزل الحكاية لإبنتها، التي كبرت ولا تزال تحب قصص “زاهية” .

بينما قدمت رغد شجاع حكاية معاناتها مع عائلتها أثناء الحرب، ونجاتها أكثر من مرة من القذائف، واضطرارها لتغيير إقامتها إلى مكان أكثر أمناً وطمأنينة، لتكتشف أن هناك أحداث أخرى تُميت الإنسان، وليس فقط الحرب، من ذلك مواجهتها لخطر الموت عند ولادة إبنها الثاني، وصولاً إلى الإحساس بالرضا والسعادة لنجاتها، ولتعتبر أن هذه المرحلة كانت بمثابة ميلاد جديد لها وليس فقط للطفل، وأنها عندما تسرد حكايتها الآن دون بكاء، معنى ذلك أنها تجاوزتها إلى عالم أفضل وأرحب.

وبالانتقال إلى التراث قدمت أحمدية النعسان حكاية (العنزة العنوزية) وهي حكاية شيقة أخذتنا في رحلة إلى عالم العنزة وصغارها الأربعة، والمغامرة التي ستحصل مع الغول الذي يخطّط لأمر سيء.

وقدم حسام حميدو حكاية معاناته الأسرية مع الأب، ثم توصله في النهاية لفكرة “قتل الأب” بالمعنى الرمزي للكلمة.

د. ميسون علي مع المخرج حسن الجريتلي

أما حكاية (أبو كاترينا) قدمتها ريم شالاتي، التي سمعتها عن جدتها ووالدتها، وتروي كيف يؤدي الطمع بالإنسان إلى الهاوية، وغلبة الطباع السيئة وإصراره على السلوك السلبي تجاه الآخرين، دون أن يفكّر بإعادة النظر بنفسه وتجاوز الأنانية والجشع.

كما قدم علي ياغي حكايته الخداع كوسيلة للعيش، خداع النفس والأم والأحباء، الخداع كوسيلة للعيش كحتمية إنسانية، لكنه اكتشف في النهاية أن الخيبة هي الحتمية الإنسانية لا الخداع.

الحكي

أما فيحاء جبارة فقدمت حكاية (السرير العلوي)،عن مجيئها من الريف إلى المدينة لإكمال دراستها، وإحساسها بالغربة والضياع في فضاء المدينة، وإقامتها في السكن الجامعي وصداقتها مع زميلتها التي تشاركها السكن وتنام في السرير العلوي، وفقدان الصديقة، وما خلّفه ذلك من ألم.

ويمكننا القول إنه رغم تنوّع الحكايات ما بين الذاتي والتراثي، كان لا بد من أن تنتهي كل حكاية بعبرة أو أمثولة، بحسب برتولد بريشت.

الحكي

فن الحكي وعلاقته بالمسرح

تخلّل الورشة حوار بعنوان (فن الحكي وعلاقته بالمسرح) مع المخرج ومشرف الورشة حسن الجريتلي تحدث فيه عن العلاقة مع الجمهور، التي تغيّر من طبيعة السرد، و أهمية النقلة ما بين الكتابة وإعادة الصياغة للكتابة، بمعنى أن الصياغة للحكي هي لحظة فارقة، وأشار إلى المستوى الثاني من العمل حيث تزيد فيه مسؤولية الحكائين في اختيار حكاياتهم وتعميق الشغل مع خاصية الحكي. والمستوى الثالث المتعلّق بالأداء والعلاقة مع المسرح، حيث العمل بين الإيحاء والإيهام، وأكد بالقول :”أنا أرفض الإيهام هناك مسرحة والإيهام مكسور دائماً”. وتساءل الجريتلي : “إذا كان المسرح أبو الفنون، فمن هو أبو المسرح ؟ إنه الحكي، الشعوب تحب التواصل، وأفضل شيء للتواصل هو الحكي” وأكّد أن “الحكي وُجد قبل المسرح، الذي نشأ في الغرب منذ القرن الخامس قبل الميلاد”. بهذه المقولة يختصر الجريتلي أهمية الحكّاء ومكانة فن الحكي بين الفنون الأدائية المختلفة، فالحكي وسرد القصص كما يقول “من أهم وسائل التواصل الإنساني ، فمن خلال الحكي نُعبّر عن الوجدان ونصون الذاكرة وننقل التجارب ونتشارك المعرفة، ونعطي للأشياء لوناً وشكلاً ومعنىً وطعماً”.

 

 

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة