جوى للانتاج الفني
الرئيسيةقضيةالأطفال في الدراما السورية.. نجومية مبكرة أم تسليع للطفولة؟

الأطفال في الدراما السورية.. نجومية مبكرة أم تسليع للطفولة؟

لنعد في ذاكرتنا معاً إلى الحاج هاشم في الخوالي، وأركيلة من ألو جميل الو هناء، وهدية من باب الحارة، وغيرهم، هم أطفال كانوا شخصيات أساسية في المسلسلات السورية، لك أن تتخيل أنه مضى أكثر من عشرين عاماً على هذه المسلسلات دون أن يذكر العامة أسماء الأطفال الذين شاركوا سابقاً في تلك الأعمال، وإن حجز بعضهم مكاناً له في مستقبل الدراما مثل روعة السعدي، سليمان رزق، مؤيد الخراط وفادي الشامي. أمّا الآن -وللأسف- فجميع أطفال الدراما سيعيشون بقية حياتهم على أمجاد شخصيات لعبوها في سن مبكرة من حياتهم، لتقحم الدراما النجومية عند الأطفال دون وعي لما سيحدث لاحقاً.

الدراما أم المجتمع؟

من وجهة نظرة صنّاع الدراما، دخول الطفل بأحد الأدوار الرئيسية في أي مسلسل، يكمل القصة، أو يضيف عليها لمسة من الواقعية أو لمسة من العاطفة والفكاهة، ولكنها لا تتحمل كيفية تعاطي المجتمع مع الموضوع.

يعتبر الطفل مادة مستهلكة في الدراما، وهنا يجب أن نضع عدة أسئلة: هل يتم تقديمه بطريقة صحيحة؟ هل يتم دعم الطفل نفسياً وتهيئته من قبل الأهل؟ هل يوجد أخصائي نفسي في موقع التصوير؟

من موقع تصوير مسلسل ولاد بديعة

يبيّن الصحفي والناقد الفني عامر فؤاد عامر أنه في الماضي ورغم الإنتاج القليل، إلا أن تجربة دراما الأطفال ومسلسلاتهم مستمرة، بل إن بعضها حقق تفوقاً وتقييماً وتكريماً في أهم الفعاليات التي تعنى بدراما الطفل على مستوى العالم (كمسلسل كان ياما كان الجزء الثاني)، كما كنا نلاحظ وجود الأطفال في دراما الكبار ونجد منهم المجتهد والعفوي والجيد وغير الجيد أمام الكاميرا. لكننا لم نلحظ أبداً تجارب شائكة كما في العامين الأخيرين حيث تعامل البعض من كتاب ومخرجين ومنتجين مع الطفل كسلعة ومتكئ إعلامي إعلاني بهدف لفت النظر والتسويق والبيع.

الصحفي عامر فؤاد عامر

يضيف عامر في حديثه لمجلة “فن وناس”: “هنا يكمن الجواب للسؤال هل كان لزاماً على الحكاية أن تطرح الطفل بهذا الشكل الذي اقترب من درجة الرعب في بعض جوانبه؟! وما هو الهدف النبيل من لصق تاريخ الشخصيات الرئيسة بماضيها واستحضار شخصيات الأطفال؟! أم أنه ضيق أفق في الحلول الإخراجية؟ وعدم اهتمام بالطفل أساساً واستخدامه وسيلة نحلّي به الحكاية؟!”

من جانبه يوضح الأخصائي النفسي في شؤون الأطفال الدكتور أحمد يوسف أن الطفل الذي يكون تحت أضواء الشهرة هو حتماً طفل اجتماعي وحصل على جرعات كبيرة من الثقة والأمان من عائلته.

الدكتور أحمد يوسف

ويضيف د. يوسف في حديثه لمجلة “فن وناس” أن وجود الطفل تحت أضواء النجومية يعرضنا لنقيض بين اثنين، أولاً قد يظن الأضواء سترافقه في الفن ومع العائلة أو في المدرسة من حيث الاهتمام والتمجيد، وفي حال لم يحصل على هذا الاحتواء تتشكل عنده صدمة.

الاحتمال الآخر أنه قد يحصل على تمجيد من الأشخاص حوله فيؤدي إلى إعطائه ثقة كبيرة تصل لحد التعظيم ما يمنعه عن التفريق بين نفسه كطفل وبين دوره كنجم أو شخص مشهور أمام الكاميرا.

من موقع تصوير مسلسل ولاد بديعة

ويؤكد د. يوسف على أهمية وجود الأهل في مواقع التصوير، لافتاً إلى أنه لا يجب ترك طفل بمتناول أشخاص في مكان هدفه الأول تجاري، فلن يتم التعامل معه كما تعامله العائلة، موضحاً أنه عندما يكرر الطفل الخطأ في المنزل، نقدم له نصائح ونرشده للصواب، بينما إذا تلعثم أو ارتبك في موقع التصوير أو على المسرح فقد يتعرض للصراخ بسبب الضغط وطبيعة العمل. فهل من ضمانة في حال كان الطفل هو أساس المشروع أن يتم التعامل معه كما في المنزل؟

يوجه الأخصائي أحمد يوسف نصيحته للأهل قائلاً، “تذكر، هذا طفل وليس أداة أو نجم، حتى لو شعر أنه أهم من غيره أعامله كطفل وأتعامل معه بلغته وليس لغة الفن، فيجب التوضيح للطفل أن ما يقدمه ويقوله هو دور مؤقت وتمثيل وليس واقعا، ولا يجوز أن يتقمصه في حياته الشخصية. كما يجب الانتباه للمقارنة مع أقرانه، والتوضيح أن كل أصدقائه يشبهونه فعندما يكبرون سيحصل كل منهم على مهنة مهمة وليس فقط هو المهم، أمّا إذا زُرعت فكرة النجومية ومنعه الأهل من ممارسة مراحله بشكل صحيح فقد يحرقون براءة الطفولة فيه”.

سلعة رابحة

من جهة الدراما، صحيح أن أجور الأطفال لا تذكر، لكن الاستثمار التجاري يتم لاحقا وفي المنصات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي بسبب صدى الدور في المجتمع.

تعامل واستثمار في الأطفال شبيه نوعاً ما بالتعامل مع أصحاب الاحتياجات الخاصة في الأعمال الدرامية كسلعة تزيد رواج العمل.

عمالة غير مباشرة

هل يجوز تشغيل الأطفال؟ غالباً سيكون الجواب لا، وهل يمكن استشارة الأهل لتشغيل أطفالهم؟ غالباً سيكون الجواب لا أيضاً، ولكن بالنسبة للدراما السورية فصناعة النجوم الصغار قد تكون مغرية للأهل، كمثال إظهار أطفال رضّع أو بأعمار صغيرة جداً في الأعمال مقابل أجور بسيطة أو لمجرد الظهور كونه يعني قيمة معنوية بالنسبة للأهل. وفي جميع الأحوال، يبذل الأطفال جهدا في هذه الأعمال، لنكون أمام عمالة شبه مغلفة للأطفال، كون الطفل يستخدم كأداء ربحية وليس للضرورة الدرامية فقط.

ماذا عن القانون؟

من الناحية القانونية، لا يوجد ما يمنع من توظيف الأطفال في إعلانات أو أدوار تمثيلية على صعيد الدراما والسينما، يؤكد المحامي رامي هاني الخير لمجلة “فن وناس” أنه طالما استجمع هذا التوظيف  الشروط المطلوبة في القانون فلا مانع من وجود الأطفال أمام الكاميرا، والتي يأتي في مقدمتها موافقة ولي أمر الطفل، أو وصي الطفل.

المحامي رامي هاني الخير

ويضيف الخيّر في حديثه أن يوجد شروط أخرى، منصوص عليها في قانون الطفل السوري رقم 21 لعام 2021. حيث أن هذا القانون يمنع إساءة توظيف واستخدام الأطفال بشكل يضر بالطفولة وبراءة الاطفال ومصلحتهم.

لقد نص القانون المذكور في المادة الثانية منه تكون الأولوية لمصلحة الطفل الفضلى في جميع القرارات والإجراءات المتعلقة به، أيّاً كانت الجهة التي تصدرها أو تقوم بها.

أطفال

التأثير المتبادل بين الأطفال والدراما

يؤكد الناقد الفني والدرامي عامر فؤاد عامر في حديثه لمجلة “فن وناس” على ضرورة وجود الأطفال كعنصر حي وحقيقي في الدراما (سواء دراما الكبار أم الصغار أو المخصصة للأطفال الصغار) خاصة في الدراما التي تحمل تراكما في تجاربها وتصبح علامة فارقة في نتاجها مع مرور الوقت، كما في الدراما السورية، ولكن في السنوات التي تدنت فيها نوعية النتاج الفني، لاحظنا غياب الطفل بمستواه الدرامي الفني عن تكوين المشهد الذي يمثل هذه الدراما، وبالتالي هناك سلسلة تم قطعها عدد ليس بالقليل من السنوات، وعندما تلزمنا عودة للتعافي الدرامي علينا ألا نهمل هذا الجانب على الإطلاق ويتوجب العمل على دراسات تخص الأطفال وتحيط بهم وهواجسهم وهمومهم وما أصابهم في سنوات الغياب وما حل بهم من تغييرات جعلتهم أبناء مرحلة استثنائية قاسية وماذا أنتجت من خلالهم؟ فهل ازدادوا وعياً؟ أم ينقصهم العاطفة والاهتمام؟ أم ازدادوا عمراً لا يتناسب وعمرهم الزمني الحقيقي؟ وكيف يتوجب علينا طرح نموذج الطفولة ضمن دراما الكبار؟ كل هذه الأسئلة وأكثر يتوجب معرفتها قبل اقتحام التجربة وارتكاب مصائب لا يمكن معالجتها لاحقاً ويصعب الاعتراف بها من قبل مقترفيها بحق عالم الأطفال.

ولفت عامر إلى أنه في أحد المسلسلات التي عُرضت الموسم الفائت سنجد مراعاة لحدود الطفل بين دراما الكبار لكنها مساحة خطرة وقاسية على الطفل الممثل في حكاية العمل… لا تفاصيل محددة عن تعامل الأطفال ضمن لوكيشنات الدراما المخصصة للكبار (في كل المسلسلات طبعاً) موضحاً أن الأقاويل كثيرة وما يدور في الكواليس ربما يحتاج مهارة وخبرات واعية تعمل على الراحة النفسية والجسدية للطفل. ويضيف: “لا أعلم إن كان صنّاع الدراما يسعون لمزيد من التكاليف الإنتاجية لذلك كله، أجد أن المسألة أخطر من فكرة صنع مسلسل من ٣٠ حلقة بصورة جيدة ومشوقة كثيراً ومسوّقة بمهارة، فالأطفال كالصفحات البيضاء يظهر عليها كل ما تتعرض له ويلتصق في الذاكرة لينمو مع مرور الوقت وينتج عنه فعل ورد فعل، فإن كان سلبياً (وهو الأكثر اليوم) سينتج عنه شخصيات ونفسيات وأفعال سلبية وإن كان إيجابياً سيزهر عنه شخصيات مثقفة وقائدة ومتماسكة وواثقة من نفسها وقادرة على تجاوز الصعوبات”.

تحديد المستقبل المبكر

يمكن أن يكمل الطفل حياة طبيعية عندما يمثل دوراً كمالياً في أي عمل درامي، ولكن عندما تكون شخصية الطفل رئيسية، سيكون عالم الدراما بمدخل واحد فقط ولا خروج منه، حتى وإن حاول الطفل لاحقاً الخروج من هذا العالم، إلّا أن المجتمع لن يذكره إلا بشخصيته التي لعبها.

قد يبدو الأمر ممتعاً بالنسبة للطفل غير المدرك للواقع، ولكنها ستغير حياة كاملة وتحددها، تماماً مثلما تغير حياة النجوم الكبار حتى، فغالب العامة يذكر بعض النجوم بأسماء شخصيات لعبوها بصفاتها وليس بشخصياتهم. فهل نحن مدركون ما الذي ينتظر النجوم الصغار؟

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة