جوى للانتاج الفني
الرئيسيةموسيقاأنغام.. صوت مصر النسوي والجارح

أنغام.. صوت مصر النسوي والجارح

ألبوم كامل في زمن الأغنية الواحدة

شيء من التدقيق في تفاصيل صناعة الألبوم الغنائي في زمن بات فيه أغلب الفنانين، يعتبرون أن إنتاج أغنية واحدة عملية أكثر من معقدة بسبب تغيرات سوق الإنتاج الغنائي والموسيقي، أوعدم قدرة الجيل القديم من شركات الانتاج على تفهم التغيرات المتسارعة في عالم التوزيع عبر الشبكة، فعزفت هذه الشركات ولأسباب ربحية بحته، عن طرح ألبومات غنائية كاملة، وكان أن عزفت هذه الشركات قبل ذلك، عن إنتاج الفيديو كليب بعد أن شكل حالة وحاجة فنية في مطلع الألفية الجديدة وخاصة في العالم العربي.. لكن بين هذا وذاك، تظهر النجمة المصرية أنغام بألبوم كامل مؤلف من اثنتي عشرة أغنية بعنوان (تيجي نسيب)!

فلينسحب الرجال حتى هدوء العاصفة!

العنوان بحد ذاته شكل صدمة للجمهور، وخاصة من الذكور لأنه صريح وواضح يحتوي الكثير من العاطفية والقوة باتخاذ القرار ممن يعتبرن الطرف الأضعف في اية علاقة وهن النساء، ولكن بعد الخوض في تفاصيل الألبوم بدأت تظهر صرخات متعددة حول الألبوم، وخاصة من مؤثرين على وسائل التواصل، تطلب من الرجال الانسحاب من المشهد – على سبيل النكتة – ريثما ينتهي أثر الألبوم/ العاصفة الذي أطلقته أنغام من إنتاجها الخاص عبر شركتها (صوت مصر).

“صوت مصر” الجدلي

وقبل أن ندخل في تفاصيل الألبوم، يمكن الملاحظة أن الألبوم أثار الشغف حوله منذ لحظة إعلان اسم الشركة لأن هذا المصطلح أي (صوت مصر) يشكل نقطة خلاف في زمن الألقاب فقد قيل إن شيرين عبد الوهاب المغنية – كثيرة الاضطرابات – كانت قد صرحت انه لقبها، وليس لقب أنغام، وأثار هذا بلبلة قبل عدة سنوات، ولكن شركة (صوت مصر) في حقيقة الأمر شركة مسجلة باسم أنغام منذ عام 2010 وقد حاولت أكثر من مرة أن تطلق أعمالها الغنائية عبرها، لأن أنغام كثيراً ما عانت من صراعات داخلية مع شركات الانتاج ومحاولة هذه الشركات فرض شروط فنية على أنغام التي تعتبر فنانة متحفظة وليس لديها نوايا “راقصة” كما تريد الشركات من جميع الفنانات اليوم، وقد خاضت حروب إنتاجية كثيرة كان أبرزها مع شركة “روتانا” السعودية، ولكنها كانت في أفضل عطائها مع مواطنها (محسن جابر) عبر شركة “عالم الفن”، ولكن على ما يبدو أن قناعة أنغام الآن باتت تتجه نحو الإنتاج على حسابها وهو ما فعلته في هذا الألبوم والذي طرحته عبر منصات الكترونية متعددة أبرزها قناتها على يوتيوب، والذي اتضح أنه وخلال أسبوع تقريباً بدأت الملايين الحقيقية تتراكم في عداد مشاهدات الأغنيات، وخاصة أنها قد خصصت ما يسمى ميني فيديو كليب لكل أغنية، تم تنفيذه باحترافية عالية جداً، وبشكل يتناسب مع موسيقى كل أغنية وكلماتها.

أنغام القيمة والالتزام الفني

يمكن القول ودون مواربة أن الفنانة أنغام كانت في هذا العمل تمثل فكرة القيمة والالتزام الفني والأخلاقي تجاه فنها، والتي تعتبر أنها دقيقة في تفاصيل عملها، وتمشي حسب مواعيد عسكرية في كل شيء، وهي تمثل بهذا تيار الفنانين الملتزمين أمثال فاتن حمامة ومحمد عبد الوهاب، خلافاً عن النوع الآخر من الفنانين البوهيميين الذين على رأس تيارهم العبقري بليغ حمدي، وربما هذا ما جلعها تحافظ على مكانة فنية تزداد قيمتها وأهميتها على خريطة الغناء العربي سنة بعد أخرى وخاصة أنها منذ حوالي خمسة وثلاثين سنة تحافظ على مكانتها في قائمة أهم الفنانات العربيات، وهي تعتمد على أسلوب تقديم محتوى جيد ضمن إطار ملتزم، وخاصة أنها مختصة جداً في أغاني الطرف الثالث والذي ركزت أيضاً مرة جديدة في هذا الألبوم عليه بشكل درامي، وعاطفي ولكنها كانت أكثر هجوماً على مشاعر الرجل وأفكاره لا بل أصرت في كلماتها على تحييده بشكل نهائي، وخاصة في أغنيتي “موافقة” و”كان بريء”.

تنوع موسيقي ولحني ببصمة أنغام

تعاونت أنغام في هذا الألبوم مع مجموعة من الشعراء والملحنين والموزعين الموسيقيين، كانت الحصة الأكبر من الأغنيات للشاعر أمير طعيمة، فقد جاءت خمسة أغنيات من تأليفه، وفي التلحين كانت حصة الأسد للملحن إيهاب عبد الواحد في خمسة أغنيات أيضاً، وأما التوزيع فيبدو أن خشية أنغام من قيام الموزعين بتكرار نفس الأجواء دفعتها إلى الاعتماد على ثمانية موزعين مختلفين، لكل منهم طقوسه وأدواته وأسلوبه في التوزيع الموسيقي، حيث يعتمد الألبوم أنماطاً مختلفة في التوزيع ويحاكي مدارس موسيقية مختلفة، وخاصة بعد تطويع عدة مقامات موسيقية تتناسب مع صوت أنغام وإمكانياته، وهو – اي صوتها –الذي يشكل مظلة كبيرة حمت الألبوم من رطوبة التشابه، وحافظت فيه على التنوع الشديد، ففي بعض الأغنيات كان واضحاً اعتمادها أكثر من مقام في الأغنية الواحدة وهو ما يندر وجوده في زمن الأغنية القصيرة أو السريعة، وقد جاءت الجمل اللحنية بالعموم منوعة وتحاكي معنى الكلمة وإحساس القصيدة ، وهو أسلوب شيخ الملحنين “رياض السنباطي” الذي كان له هذه المدرسة وبهذا الأسلوب فرض طريقته، حيث يأتي الابتعاد عن الألحان لعرض العضلات الموسيقي وإنما القيام بتلحين الكلمة بحد ذاتها ونقل روحها عبر الموسيقى.

اليمين النسوي

إن وجود عشرة أغنيات نسوية بامتياز، لا بل يمكن اعتبارها تنتمي إلى اليمين المتطرف لجهة النساء في القضايا العاطفية، ولكن هذا لم يمنع وجود أغنيتين عاطفيتين، متألقتين هما (هو انت مين، والقلوب أسرار)، وفيهما الكثير من حب امرأة لحبيبها وبوح صادق ومفاجئ أحياناً برقته، وخفره، مع أن الكثير من الفنانات اليوم تعتمد أغنيات بوح عاطفي صريح وربما فج لا يشبه الطريقة الشرقية في التعبير العاطفي.

 

أما الأغنيات العشر التي تعتبر قاسية، فهي أغنيات درامية بامتياز تحاكي العلاقة العاطفية والإنسانية، مع تحييد واضح للرجل أحياناً، مع حضور قوي لأثر المجتمع في المشهد العاطفي الذي يجمع أي حبيبين، مع الإشارة إلى خصوصية أغنية (بنعمل حاجات) التي يمكن تصنيفها من نوع أغنيات الخطاب النفسي والمونولوج الداخلي وتقريع الذات التي تخاطب أي إنسان، فيما يرتكبه من أخطاء بحق ذاته قبل الآخرين.

 

إن ألبوم “تيجي نسيب” نقلة فنية وموسيقية تبرز أهميته في دور أنغام الفني، الذي لا يريد أن ينخرط فيما تفعله بنات جيلها من الفنانات، بالاعتماد على التصابي والحضور الجمالي أكثر من الاعتماد ترك البصمة الموسيقي، وخاصة أن أنغام باجتهادها لا زالت تحافظ حتى اليوم على مساحة صوتها – المحدودة نسبياً – ولكنها في هذه الحدود تجتهد وتنجح ولا بل إنها تؤثر في الموسيقى ودور الأغنية كثقافة مجتمع، لا مجرد هز خصور.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة