جوى للانتاج الفني
الرئيسيةتايم لاينوحيد حامد.. خمسون عاماً من الروائع

وحيد حامد.. خمسون عاماً من الروائع

سلمان عز الدين

هو أول كاتب يحظى بالنجومية، ويقف في مصاف أبطال أعماله، ولا سيما نجوم الشباك منهم.

عبر أجيالاً وأمزجة تبدلت خلال عقود من عمر السينما والتلفزيون المصريين.

“البريء” الذي صار “آخر الرجال المحترمين”

في مطلع الستينات من القرن الماضي، تقدم شاب إلى يوسف إدريس بمجموعة من القصص.
قرأها الأستاذ وأطال التأمل فيها، ثم قدم لكاتبها نصيحة واحدة: أن يتحول إلى كتابة الدراما.
قبل الشاب بلا تردد، وما هي إلا سنوات قليلة حتى تبين أن ملاحظة إدريس لم تكن مجرد نصيحة. لقد كانت نبوءة، إذ سرعان ما صار الشاب وحيد حامد.

لعل وحيد حامد هو أول كاتب يحظى بالنجومية، ويقف في مصاف أبطال أعماله،
ولا سيما نجوم الشباك منهم. وقلائل هم كتاب الدراما العرب الذين حذوا حذوه في ذلك، وربما له نظير وحيد في الدراما التلفزيونية هو أسامة أنور عكاشة.

اسمه كفالة لأي فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني، فإذا لم يندرج العمل في خانة الروائع فهو، على الأقل، سيكون محط اهتمام ومثار جدل ونقاش.. ببساطة: لا بد أن يؤخذ على محمل الجد.

ولقد جمع الرجل، في شخصه وفي عمله، بين ثنائيات كانت تعتبر نقائض لا يمكن اجتماعها في كاتب أو في كتابة:
الاتقان الشديد والاهتمام الوسواسي بالتفاصيل، حتى ليبدو وكأنه جواهرجي يعكف بدأب مضن على صياغة تحفته، قطعة قطعة، بل ذرة ذرة.. وبالمقابل فثمة غزارة في الإنتاج وسرعة في التنفيذ، وكأننا أمام ورشة كبيرة متكاملة لا أمام كاتب واحد. والحصيلة تكاد لا تصدق: عشرات الأفلام السينمائية، وعشرات المسلسلات التلفزيونية والإذاعية، وعدد من المسرحيات والمجموعات القصصية وكتب النقد والمقالات..

وهناك الانشغال الدائم بما نسميها عادة “القضايا الكبرى”:
الديمقراطية، العدالة الاجتماعية، الفساد السياسي والاقتصادي، التغول الأمني البوليسي، انحسار الطبقة الوسطى، التطرف الديني.. وفي الوقت نفسه هناك الملاحقة الدائمة والشغوفة للشؤون الحياتية اليومية، في أدق تفاصيلها، وفي أصغر مسارحها وأكثرها نأياً عن الضوء والاهتمام العام..

وكذلك فثمة الجدية والعمق في الطرح، إلى جانب المرح والحس الساخر والنفس الكوميدي..

منذ بضع سنوات درجت محطات تلفزيونية مصرية على وضع فواصل بين برامجها،
هي جمل مميزة ومضيئة (جادة) من أفلام ومسلسلات،
كما اعتادت محطات أخرى على تخصيص هذه الفواصل لأشهر الإفيهات الكوميدية من الدراما السينمائية والتلفزيونية. واللافت أن وحيد حامد هو صاحب النصيب الأوفر في المكانين ــ النوعين.

يردد كثير من الناس عبارة وحيدة حامد، بلسان عادل إمام، في فيلم “طيور الظلام”:
“البلد دي اللي يشوفها من فوق غير اللي يشوفها من تحت”.
وذلك الحوار الرائع بين سناء جميل وأحمد زكي في “اضحك الصورة تطلع حلوة”:
“ـــ ده إحنا صغيرين أوي يا سيد..
ـــ لا يا أما إحنا مش صغيرين، إحنا كبار قوي بس مش عارفين نشوف نفسنا”.

وعبارة علي الشريف في فيلم “الإنسان يعيش مرة واحدة”:
“الدنيا يا ولدي لها وشين: أبيض وأسود. لما تبقى بيضا قدامك افتكر الأسود عشان تسلك، ولما تبقى سوده افتكر الأبيض عشان تقدر تعيش لبكرة”.

وقسم “معالي الوزير” أحمد زكي: “أقسم بالله العظيم أن أحترم هذه الصدفة.. أن أحترم هذه الغلطة التي جعلتني وزيراً، وأن أحسن استغلالها”.

وكذلك يرددون إفيه يسرا مخاطبة جميل راتب: “يوه يا خوي.. كده ينفع وكده ينفع”،
وهتاف المعتصمين في مجمع التحرير: “الكباب الكباب يا نخلي عيشتكو هباب”..
وحوار محمود عبد العزيز وأحمد راتب في “البريء”:
“ـمدير السجن: انت شيوعي يالا؟
ــ المعتقل: لأ يا بيه
ــ مدير السجن: أومال انت إيه؟
ــ المعتقل: أنا بتاع نسوان يا بيه”..

ومرافعة هاني رمزي في “محامي خلع”:
“فرق سرعات سيدي الرئيس.. فرق سرعات”..

ولد وحيد حامد عام 1944 في قرية بمحافظة الشرقية المصرية. وانتقل إلى القاهرة عام 1963
ليدرس في كلية الآداب (قسم علم الاجتماع)،
وقد عرف عنه، في تلك الأيام، ولعه بالقراءة وزيارته اليومية للمكتبات،
ومواكبته المثابرة للعروض المسرحية والأفلام السينمائية.

وإلى جانب أعماله الدرامية،
فقد ظل حريصاً على كتابة المقالات السياسية والاجتماعية في عدد من الصحف المرموقة،
كما عمل في المعهد العالي للسينما حيث أشرف على ورشة السيناريو التي خرجت عدداً كبيراً كتاب السيناريو اللامعين.

تزوج من الإعلامية المعروفة، زينب سويدان، التي كانت مديرة للتليفزيون المصري لعدد من السنوات،
وله ابن (مروان) هو اليوم واحد من مخرجي الصف الأول في مصر.

عبر حامد مفاهيم وأجيالاً وأمزجة تنوعت وتبدلت خلال عقود من عمر السينما والتلفزيون المصريين،
وظل اسمه الثابت الراسخ المتفق عليه.
شارك محمود مرسي ونور الشريف وسعاد حسني وأحمد زكي وعادل إمام ونبيلة عبيد ويسرا ومحمود عبد العزيز..
وصولاً إلى محمد فراج وآسر ياسين، مروراً بمنى زكي وهاني رمزي وعمرو واكد وهاني سلامة..

ولقد عرف كيف يجدد نفسه ونصوصه على الدوام،
فلم تتقادم نتاجاته رغم تغير الأزمنة وتعاقب الأجيال،
حتى قيل إنه كان يكتب بحبر خاص ما هو إلا أوكسير الشباب الدائم. وعندما خضع، ككل البشر،
لحكم البيولوجيا وتقدم بالعمر، فقد صار شيخ الفنانين الأكثر شباباً. 

امتلك حامد حساً سياسياً رفيعاً جعله يجيد استثمار الأزمنة الطيبة القصيرة والسريعة التي تجود بهوامش واسعة نسبياً لحرية القول.
هكذا كتب الفيلم الجريء “طائر الليل الحزين”، والذي يصور صراعاً بين القانون، متمثلاً بوكيل النيابة (محمود مرسي)، والأجهزة الأمنية متمثلة بضابط المخابرات (عادل أدهم)،
وانعكاس هذا الصراع على المجتمع ومستقبل البلاد.
كما كتب فيلم “البريء”، (بطولة أحمد زكي ومحمود عبد العزيز)، الذي يعرض لقضية بالغة الحساسية والخطورة وهي التعذيب في المعتقلات السياسية،
والطريقة التي تُغسل بها عقول المجندين ليتحولوا إلى جلادين.
وكذلك فيلم “كشف المستور”، (نبيلة عبيد ويوسف شعبان)، الذي يتحدث عن ارتباط الأجهزة الأمنية بشبكات الدعارة..

ولكنه لم يعول على الجرأة السياسية وحسب،
بل كان راصداً ممتازاً للحراك الاجتماعي وللتغيرات التي تطرأ على الناس وأخلاقهم.
هكذا كان في فيلم “آخر الرجال المحترمين”، (نور الشريف)، حيث رصد الأخلاق والسلوكيات المستجدة من خلال قصة طفلة ضاعت في القاهرة أثناء رحلة مدرسية قادمة من الأرياف.

وهكذا كان أيضاً في مسلسل “سفر الأحلام”، عندما استعرض شرائح مختلفة من المصريين من خلال نماذج معينة، هم سكان “بانسيون” في وسط القاهرة. وكذلك فيلم “ديل السمكة” حيث جعل بطله (عمرو واكد) موظفاً في مؤسسة الكهرباء (قارئ عداد) ما أهله ليجول على مختلف الأحياء السكنية، الغنية منها والفقيرة، فيكون راصداً لشرائح ونماذج بشرية مختلفة ومتنوعة.

هذا الحس السياسي، وهذه العناية بمراقبة الحراك الاجتماعي، دفعاه إلى الاهتمام بظاهرة أرقت (ولا تزال) المجتمع المصري وبقية المجتمعات العربية،
ألا وهي ظاهرة التطرف الديني، فكتب أفلاماً ومسلسلات عديدة في هذا الشأن،
بينها: مسلسل “العائلة”، ومسلسل “الجماعة” بجزأين،
وأفلام: “كشف المستور”، “دم الغزال”، “طيور الظلام”..

وقد اتهم الكاتب بأنه ينطق، في نقده للتيارات المتطرفة، باسم السلطة ويتبنى وجهة نظرها.
والواقع أن أعماله في هذا السياق تدحض هذا الاتهام ببساطة،
إذ كان يحرص على توزيع المسؤولية على كلا الطرفين، السلطة ومعارضيها المتطرفين.
في “دم الغزال” يتسبب الطرفان، وعلى قدم المساواة، في قتل الصبية البريئة (منى زكي)،
والتي ربما ترمز إلى مصر.
وفي “طيور الظلام”، في المشهد الختامي، يتسابق رجل السلطة والمتطرف على الوصول إلى الكرة ثم يركلانها معاً لتحطم زجاج الكاميرا، في دلالة لا تحتاج إلى شرح.

في  الدورة الـ 42 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (2020)،
تم تكريم وحيد حامد،
ومُنح جائزة الهرم الذهبي التقديرية لإنجاز العمر.
وقف أمام الجمهور وقال: “لقد أحببت أيامي بينكم”،
فرد الحضور بالقول: “ولقد أحببنا أيامنا معك”.
ولكن للأسف فإن أيامه التالية لم تكن كثيرة إذ توفي يوم 2 كنون الثاني / يناير 2021.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة