السوريون في “جوي اوورد”
موفق عماد الدين
يحتفل السوريون أكثر من غيرهم بتكريم أي من مواطنيهم في أي من مناسبات العالم خارج حدودهم، يحتفلون بشعورهم أن النجاح – رغم كل ما حل بهم – ممكن وأن لعنة الحرب ها هي تفشل على الهواء مباشرة بالقضاء علينا جميعا، لقد تمكن أحدنا من فعلها
وبالتالي يمكنني أنا ذلك…
هو أحد المهرجانات التي يتابعها السوريون وهم يراقبون الحضور السوري، أزياء السوريات، بدل السوريين، كيف سلموا على بعضهم؟ هل قبل متخاصمان بعضهما؟ من بالغ بعمليات التجميل؟ كيف كانت ابتساماتهم أمام الكاميرا؟ بماذا أجابوا الصحفيين؟ وعلى من سنلقي عباءة “يقبرني” منهم؟
إلا أن هذا المهرجان تحديدا هو الأضخم على مستوى الشرق الأوسط بما يحظى به من رعاية خاصة “فوق العادة” من جهات رسمية سعودية تتقدمهم الهيئة العامة للترفيه، وبمتابعة المهرجان وردود أفعال السوريين حوله على وسائل التواصل الاجتماعي، يتبين لنا توق شعب كامل لعناق منى واصف التي نالت جائزة “الإنجاز مدى الحياة” تبعها بنيل الجوائز الفنانة أصالة عن فئة “الفنانة المفضلة” وبعدهما “الشامي” عن فئة “الأغنية المفضلة” وهو الذي أثار جدلا قبيل ترشيحه للجائزة ممن اعتقدوا أنه لا يصلح لنيل لقب “فنان”. وها هو اليوم، دون خوض معارك معهم، “صانع ترفيه” مكرم في الرياض!
لم يكن المكرمون السوريون وحدهم من صعدوا إلى مسرح “جائزة صناع الترفيه” من بلادنا، بل رافقهم مقدمو بعض الجوائز (غسان مسعود – أيمن زيدان – سلافة معمار وقيس الشيخ نجيب)..
وهم للأمانة التاريخية في تسجيل اللحظة، بعضهم كان شاحب الوجه، مرتبك التعبير، متصنع الظرافة.. والأفظع أنهم كانوا المتثاقفين الوحيدين في الفعالية التي ضمت مبدعين من كل أنحاء العالم.
أبطال مسلسل “الخائن” فشلوا فشلا ذريعا في تقديم (سكيتش) من جملتين، “أولاد المسرح السوري” الخريجان سلافة معمار وقيس الشيخ نجيب سقطا في أول امتحان يخضعان له خارج (اللوكيشن) التركي في مسلسلهما الأخير، ولا يُنكَر أن هذه السقطة الأدائية التي تجاهلها عموم المعلقين على مواقع التواصل الاجتماعي كانت كافية لإطفاء فرحتنا بتكريم واصف، لكننا أبينا إلا أن نعض على الفرح يوما آخر…
أتفهم ذلك، كل وجوه السوريين المنزعجة في (جوي اوورد) واضحة الأسباب، عبوسهم يشرح نفسه ويقول “هذا الإنجاز يجب أن يكون لي” لا شك لا شك أنه ما من مواطن سوري في القاعة إلا وقد راودته الغيرة والرغبة في أن تكون دمشق يوما ما ندا للرياض، ولا شك لا شك أنه في اللحظة التالية تماما، فكر في أن الكهرباء المصروفة في هذه القاعة كافية لتنير دمشق بأكملها ليلة أخرى فخاب وعبس.
طبعا كل ذلك ليس إلا أسبابا جانبية، أما السبب الرئيسي لامتعاض أي مبدع حاضر في القاعة – ليس السوريين وحسب – هو اختزال الثقافة بمعانيها الموسوعية، والمحيطة بكل ما له علاقة بصناعة الوجدان الإنساني من فن وأدب ورياضة، وطي خارطة الإبداع على مساحة العالم ومحاولة حشرها في جيب “الترفيه” والنيل من فكر جميع حاضري المهرجان بتعريفهم كـ “صناع ترفيه” وهو ما دعا بعضهم حين تحدث للتمتمة بما يزعجه على خجل، والهمس بالفكرة على حياء، خوفا من إثارة استياء الهيئة العامة للترفيه، ولكن…
تضع الهيئة العامة للترفيه ما يناسبها من مصطلحات وتعريفات،
وتقيم المهرجانات التي تراها مناسبة، بدعوة من تراهم مناسبين للتكريم، هذا ليس ذنبا، بل هو مذهب جديد في صناعة (الميديا) له من يتولاه ويخطط له وينفق عليه،
ومن حقهم أن تلتزم كـ “صانع ترفيه” بما هو مطلوب منك حين تلبيتك الدعوة،
ولا ينتقص من ثقافتك أو فنك أو إبداعك حصولك على جائزة من (جوي اوورد) بوصفها الجهة التي تعنى بتكريم صناع الترفيه في الشرق الأوسط، بل عليك أن تكون فخورا بذلك،
وإذا كان لديك أي تعريفات أخرى لمهنتك وشغفك ومنجزك يتجاوز”الترفيه” فله مهرجانات أخرى أقل بريقا من (جوي اوورد)
فاذهب وعاتب من ينفق عليها ويخطط لها ويتولاها، بدلا من التثاقف على خشبة صنعت للترفيه.
أخيرا.. أعزائي السوريين، السوريين العاديين ممن يحتفلون بتكريم أي من مواطنيهم في أي من المناسبات خارج حدودهم، أدعوكم للتخفيف من الاهتمام بمشاركة السوريين في أحداث كهذه،
يبدو أن من نحتفل بتكريمهم لا يدركون دورهم في حياتنا،
أو حجم ما هو مطلوب منهم كسوريين، أو كم شعبا سوريا علينا أن نجمع باستخدام الفنانين والمؤثرين..
سأروي لكم حكاية بسيطة تابعتموها البارحة:
من بين كل النجوم السوريين الذين صعدوا إلى مسرح (جوي اوورد) لاجئ سوري فقط هو من شكر بلده سوريا، كل من غادر سوريا بكرسي (فيرست كلاس) لم يشكر البلد التي غادرها متذمرا، الشامي فقط فعل ذلك.