تجلس أسيل “سلاف معمار” في مقعدٍ من الدرجة الأولى في طائرة وبيدها كأس الشمبانيا تشربه احتفالا بانتصارها على زوجها الخائن، هكذا انتصرت الحلقة الأخيرة من مسلسل “الخائن” للزوجة التي فضلت كرامتها على أسرتها، نعم الدراما التركية المأخوذ عنها مسلسل “خائن” متحيزة للمرأة وهي لا تجد تحرجاً في نصرها على الأسرة، لكن هل كانت “أسيل” سوف تنجو من اللوم لو أنها ردت خيانة زوجها وسلبته أمواله و عمله وعائلته في مسلسل عربي الكتابة والإخراج؟
أحب الجمهور العربي الدراما المُعربة سواء أكانت مأخوذة عن قصص تركية وأمريكية أو حتى كورية، فقد حققت مسلسلات مثل: “الخائن”، “بين السطور” و”مفترق طرق” جماهيرية واسعة، وكناشطة نسوية أكثر ما أعجبني في هذه المسلسلات هو أنها مكنّت صناع العمل من طرح قضايا نسوية بجرأة أشك أنهم كانوا سيتمكنون من مقاربتها لو أن العمل كان عربياً خالصاً، لأنه ورغم كون المسلسل عربي اللغة والتمثيل إلا أن كونه “معرباً” أتاح لصنّاعه التخفي وراء ضمير “هم”، بمعنى أن صنّاع العمل ومشاهديه وقعوا على اتفاق ضمني ينص على أن “هذا يحدث عندهم هم، في مجتمعهم هم، وليس عندنا”.
ولكن هل يعني ذلك أن هذا الطرح النسوي المُعرب لن يساعد على فتح أبواب أكثر جرأة ونسوية في الدراما العربية؟
بين السطور: نجاة المرأة ونجاحها في حقل الإعلام الشائك
في مسلسل “بين السطور” المأخوذ عن المسلسل الكوري (MISTY) تعرض الإعلامية النجمة هند سالم “صبا مبارك” تفاصيل الصراع الذي تعيشه العديد من النساء خاصة العاملات في المجال العام بين خيار الأمومة أو العمل، لكن كما أن اختيارها للأمومة لم يغيب نجوميتها كذلك تعرضها لفضيحة لم يجعلها تعيش وصمة العار، تاهت “هند” بين شبح حبيبها السابق وزوجها الحالي لكنها وبدعم من الأخير استعادت نفسها وحياتها.
طرح العمل كذلك شخصية حاتم “أحمد فهمي” الرجل النسوي والداعم لزوجته، وهنا لابد من الإشارة إلى أن شخصية حاتم تمتعت بالجاذبية والكاريزما التي عادة ما تُضفى في الأعمال العربية على شخصية “السي سيد”.
مفترق طرق: بين العائلة والحب.. الخيارات الصعبة
في مسلسل “مفترق طرق” المأخوذ عن المسلسل الأمريكي “الزوجة الجيدة” تقف أميرة “هند صبري” حائرة بين العائلة والعمل والحب والكرامة، هل تترك عملها وتتفرغ لعائلتها ؟ هل تترك حبيبها وتعود إلى زوجها الخائن؟
يؤكد العمل في العديد من مشاهده على أن الخيانة ليس نزوة عابرة في حياة كل رجل ويجب على المرأة التغاضي عنها، كما نشاهد النساء وهن يدعمن بعضهن، دون أن يقع المسلسل في فخ تسطيح العلاقات النسائية أو علاقات الحب والخيانة، فكتّاب العمل كانوا واعيين تماماً إلى عمق الطبقات التي تحكم العلاقات الإنسانية بكافة مستوياتها.
يُحسب للعمل أن الاقتباس هنا لم يكن مجرد نقلاً وتعريباً للمسلسل الأجنبي بل كان تطويعاً للأحداث والدراما لتتناسب مع السياق الاجتماعي والثقافي العربي دون أن يخسر العمل شيئاً من مقولاته النسوية.
هل الاقتباسات الأجنبية ضرورية؟
من الواضح أن الاقتباسات الأجنبية قد منحت الدراما العربية دفعة قوية نحو جرأة الطرح والتعمق في القضايا النسوية ومع ذلك، يثار التساؤل حول مدى ضرورة هذه الأعمال؟
هل يعكس نجاح هذه الأعمال فشلًا ضمنيًا في صناعة دراما محلية قادرة على معالجة القضايا النسوية بنفس الجرأة؟ أم أن الاقتباس هو ببساطة جزء من عملية الإبداع المستمر الذي يسعى لمواكبة التطورات العالمية في الدراما؟ وهل المنتج العربي يوافق على الجرأة فقط عندما يكون العمل معرباً؟
للإجابة على هذه التساؤلات لابد من ملاحظة أنه يبدو بأن الدراما المحلية بحاجة إلى الاقتباسات الأجنبية لتحفيزها على تقديم محتوى أكثر جدة و جرأة، هذه الاقتباسات توفر نموذجًا ناجحًا يمكن اتباعه أو تطويره. ولكن من جهة أخرى، لا يمكن تجاهل القدرة الإبداعية الهائلة التي يمتلكها الكتّاب والكاتبات والمخرجون والمخرجات العرب الذين يجدون أن الدراما مرآة الواقع وعلى اعتبار أن واقعنا ذكوري فمن الصعب الخروج منه بعمل نسوي مشرق، ولذلك تدور الأعمال العربية النسوية حول شقاء المرأة وصعوباتها ومنها على سبيل الذكر “ فاتن أمل حربي”و “تحت الوصاية” وغيرها ، فقسوة الواقع تفرض نفسها على قالب السرد القصصي.
مستقبل الدراما النسوية في العالم العربي
في نهاية المطاف، قد تكون الدراما المعربة قد فتحت الباب أمام دراما عربية أكثر جرأة، ولكن التحدي الحقيقي يكمن في قدرة هذه الدراما على الاستمرار في طرح قضايا نسوية هامة بدون الاعتماد على الاقتباسات، ولا شك أن لدينا في العالم العربي قصصا وتجارب غنية تستحق أن تُروى بطريقة تعكس هويتنا وثقافتنا، دون الحاجة إلى استيراد الأفكار من الخارج.
إن النجاح الذي حققته مسلسلات مثل “بين السطور”، “الخائن”، و”مفترق طرق” يجب أن يكون دافعًا للدراما المحلية للاستمرار في هذه المسيرة، مع الحفاظ على الأصالة والابتكار، فنحن بحاجة إلى رؤية إبداعية محلية تتجاوز حدود الاقتباس، وتقدم دراما تشويقية وهادفة وتسلط الضوء على نجاحات المرأة وليس على سقوطها فقط.
آلاء عامر: صحفية وناقدة فنية سورية