جوان ملا
انتظر العديد من الناس الفنان باسل خياط في عمل اجتماعي سوري أو مشترك ذي صبغة سورية بعد تجربة مجهَضة في “النحات” أوقفتها جائحة كورونا،
ليعود في هذا الموسم وتقف بجانبه الممثلة اللبنانية كارمن بصيبص في عمل رومانسي آكشن كتب نصه رافي وهبي، وأخرجه المخرج المصري حسام علي
لهفة البدايات
رغم أن عنوان العمل “كليشيه”، إلا أن المسلسل بدأ مشوقا، وقد فرد عضلاته الدرامية والفنية والبيئية في حلقاته السبع الأولى وحتى العاشرة ربما،
فاستحق الإشادة على الحالة التي بشر بها من خلال تقديم باسل خياط بدور ابن الحي الشعبي وحاميه والذي يعيش مع عائلته ووالدته المقعدة في حي بسيط في لبنان.
برز باسل بأدوات مميزة أبعدَته عن شخصيات “الستايل أو الكلاس” التي نمطَته لسنوات،
ليدخل بشخصية بحر بعفوية مطلقة، يمكن تصديقها،
كما أفسح العمل المجال للتعرف على أبطال الحكاية من طرفي العائلة “عائلة بحر” ومن ثم “عائلة قمر” فبدا العمل هادئاً رغم أنه تشويقي طرح فيه المخرج حسام علي صورة البيئة الشعبية محاولاً اقتباسها من مصر
مع شخصيات عائلة بحر التي منحت العمل دفئاً مضاعفاً مع حضور جمال العلي، آمال سعد الدين، رندة كعدي، والشباب طيف ابراهيم، سارة بركة، مرح حسن، حسام دلال، جاد بوعلي وآية أبي حيدر.
ورغم أن صلة القرابة بين العائلة لم تكن واضحة بشدة في البدايات لكن استطاع المشاهد كشفها بالتدريج وبمتعة حاضرة بدا فيها الممثلون مرتاحون ويؤدون أدوارهم بشكل جيد متناسب مع التمهيد للقصة ومتصاعد بشكل منطقي،
وهذا ما جعل المتلقي متحمسا بعد أن قدمت له الحكاية خلطة بسيطة ممتعة تنبئ عن شيء ما مختلف عن الأعمال المشتركة،
لكن ما لبث أن ذهب كل هذا أدراج الرياح مع تقدم الحلقات بالتدريج.
رتابة وملل واختفاء شخصيات
الحكاية تتعلق بوقوع بحر في ورطة بعد أن أنقذ شابة من حادث سير،
عندما كان يقود “الموتور الخاص به” قريباً منه فتقع بينهما نظرة خاطفة أثناء غيابها عن الوعي بعد أن أخرجها من السيارة المقلوبة،
ومن وقتها تبدأ حكاية نظرة الحب هذه.
يضطر بحر للهروب بعد أن لفق أهل تلك الفتاة “قمر” وهم “بيير داغر وميشيل حوراني” تهمة محاولة قتلها وذلك للوصول لمآرب سياسية تساعد والدها في النجاح بالانتخابات وتستقطب الاستعطاف وتكيد للأعداء، لتدور الحكاية كلها بعد هذا المفصل وهروب بحر من الحي بعد اقتحام القوى الأمنية له ببطء شديد لدرجة الإزعاج،
فنحن نتابع بحر وماذا يجري معه وكيف يحاول الهروب خارج البلاد،
وكيف سينجح والد قمر في الانتخابات، ومتى سيلتقي بحر وقمر،
وكل ذلك لا يأتي، لتكون كل الحلقات تقريباً عبارة عن حوارات فارغة تعاد قولبتها بمشهد جديد وأحداث لا تشد المشاهد ومتوقعة في الحقيقة.
عدا عن ذلك فقد اختفت شخصيات الحي بشكل شبه كلي،
لم نعد نشاهد ماذا يفعلون وكيف يعيشون في ظل هذه الأزمة التي وقع فيها بحر والتي حكت فيها وسائل الإعلام كافة إلا فيما ندر،
بل كانت تتنقل الكاميرا بين باسل خياط ومحاولات هربه إلى سوريا من لبنان والذي لا يمكن أن يكون هناك أسهل منه في الواقع مع كثرة التهريب بين الحدود السورية اللبنانية بمبالغ معينة،
لكن الكاتب كان مصراً على إيهامنا أن هذه الحدود وكأنها بين أمريكا والمكسيك،
وبين دخول كارمن بصيبص المصح نتيجة فقدانها التوازن وجعلها “مجنونة بالغصب” لمنعها من قول الحقيقة عن بحر الذي أنقذ حياتها وأنها لم تكن ضحية عملية اغتيال كما يُروج والدها لها،
لنجد باسل يحاول الهرب في الغابات تارة وكارمن تبكي وتنوح وتحاول التخلص من جَور أهلها تارةً أخرى،
لتضيع المشاهد بين هنا وهناك مع دخول خطوط جديدة مقحَمة على الحكاية مثل خط الضيعة التي التجأ إليها بطل الحكاية بحر لعدة أيام وحدثت معه مجموعة أحداث لم يكن هو بطلها بل كان على هامشها حيث برزت جفرا يونس وسعيد سرحان بشخصيتين رابحتين بأدائهما معاً، رغم قصتهما المقحَمة على الحكاية.
أما شخصيات الحي فظلت تترقب كما المُشاهد دون تحركات فاعلة على الأرض إذا ما استثنينا شخصيتي رندة كعدي والدة البطل وسارة بركة أخته،
في حين كان وجود الباقي عبارة عن تجميع شخصيات أكثر من كونه يحمل حكاية ذات قيمة فاعلة للقصة لا سيما شخصيات طلال مارديني ومازن عباس وريموندا عبود وآمال سعد الدين ويوسف المقبل وجمال العلي ورانيا عيسى التي لم تضف شيئاً للحكاية رغم الأداء الجيد لهم.
في حين خفُت أداء باسل خياط بعد خروجه من الحي حتى وصوله للنهاية وبقي يتحرك بنفس التعابير والصوت تقريباً بعد أن كان بطل اللحظات الأولى،
لكنه استعاد نفسه قليلاً ببعض مشاهد الماستر في الحلقات الأخيرة،
أما بصيبص فكانت جيدة في أدائها ومناسبة للدور كشكل،
لكن من الواضح أن لديها برود عالي ولا تعرف كيف تتصرف في المشاهد القوية التي تحتاج لانفعالات عالية ذات حضور وأثر فظهرت ضعيفة أومرت مرور الكرام.
“مَنطَقة” فرضية العمل وفوز الأداء الفردي
راهن العمل على فرضية “توأم الشعلة” التي تعني وجود علاقة روحية حميمية تجمع بين شخصين في الحياة خُلقا لبعضهما تماماً وهما مثاليَّين للارتباط،
مع إسقاط هذه الفرضية على قصة قمر وبحر بطلا الحكاية،
وإذا ما اعتبرنا أن الفرضية منطقية إلا أن “الكيميا” بين شخصيتي باسل خياط وكارمن بصيبص لم تكُن في أوجِها،
فكانت العلاقة مهددة بتوأم شعلة منطفئ لا حقيقي على اعتبار أنها لا تؤثر في نفس المتلقي لا سيما أن لقاء بحر وقمر ببعضهما لم يتجاوز الثلاث مرات،
ما جعل فرضية العمل مبنية على مشاعر هشة لا يمكن “منطَقتها” أو أن يحبها المشاهد ويتفاعل معها كثيراً في ظل كل هذا البطء في الأحداث والابتعاد عن جمع البطلين في مشاهد عدة لم يفلح كلاهما بتأجيج نارها بل كانت قصص الحب الجانبية هي الأبرز رغم محدوديتها وبدا الاثنان كأنهما يبحثان عن توأم شعلة غير موجود.
أما عن الانتخابات التي دارت حولها حكاية عائلة قمر،
فقد شعرنا أننا نتابع انتخابات أمريكية أو لبلد عظمى ديمقراطية وليس لبنان الغارق في الفساد والمحسوبيات والمعرفة المسبقة بمن سيفوز في تلك الانتخابات للأسف، لذا كانت هذه القصة بمثابة “خيال مبالغ به” أكثر من كونه واقعيا،
ولا يحتاج لكل هذا الاقتتال للوصول لكرسي النيابة،
خصوصاً أن الحكاية انتهت ولم نعرف ما نتيجة هذه الانتخابات التي تكالب الجميع للحصول عليها.
وقد سمح النص لشخصيات العمل الأخرى في الحي الشعبي بالتحديد بالتنفس قليلاً مع اقتراب الحكاية من نهايتها، فاستطعنا أن نتابعهم ونتعرف عليهم وكأننا نراهم لأول مرة بعد انقطاع عن حضورهم الواضح منذ مشاهد الحلقات الأولى،
لكن لم يستطع الجمهور أن يبني معهم جسراً يتفاعل معهم من خلاله،
أو يتعلق بهم، بل انتهى العمل فجأة تاركاً الناس غير متمسكين بشخصياته أو يرغبون بمعرفة ماذا يريدون أو يحبون حتى قمر وبحر نفسيهما،
ما خلق حالة من الفجوة بين الفنانين والجمهور الذي يريد أن تنتهي الحكاية بسلام فقط علماً أنها معروفة النهايات ويتبدى ذلك من خلال العنوان فقط “نظرة حب” أي أن الحب سينتصر ويعيش البطلان في “ثبات ونبات” وهذا ما حصل فعلاً.
وإذا ابتعدنا عن فرضية العمل التي قد لا تقنع أحدًا إلا أننا نشاهد أداء جيداً لهبة نور بدور مميز برزت فيه ولعبته بكل إتقان،
كذلك آمال سعد الدين وجمال العلي ورانيا عيسى الذين بدوا بوجوه بسيطة وتعابير خلت من أي تصنع،
بالإضافة لأدوار الشباب مثل سارة بركة التي برزت شخصيتها في الحلقات الأخيرة أكثر من الأولى فأدتها مع انفعالات متصاعدة داخلية بشكل جيد،
ومرح حسن التي برزت بهدوء وتعابير وجه متطورة عن الأدوار التي لعبَتها مسبقاً،
-وحسام دلال الذي بدا شاباً عفوياً بسيطاً ملائماً لتلك الحارة ومتماهياً معها،
وجاد بوعلي الذي كان تلقائياً دون تكلف،
وآية أبي حيدر التي خاضت بطولة مهمة تستحقها ويمكن التعويل عليها مع سمات وجه طبيعية بالإضافة لحضور خاص لطيف ابراهيم الذي أدى شخصيته بكل صدق، عدا عن والدة بحر التي لعبَتها القديرة رندة كعدي بإحساس عالي كان صوتها فيه هو البطل،
لكن المشكلة أن كل هؤلاء المذكورين غردوا لوحدهم ببعض المشاهد دون تناغم عال يجمعهم أو قصة تشدنا لهم ولحكايتهم أو ترتبط مع بطلي العمل بشكل أكثر جاذبية “مع استثناء دور آية أبي حيدر وثنائيتها مع ميشيل حوراني ودور سارة بركة لارتباطهم الوثيق بالقصة الأساسية” في حين بات الباقون وكأنهم على هامش الحكاية،
يدخلون ليقوموا بفعل بسيط ثم يذهبون، وكأن الغاية ملء وقت الثلاثين حلقة،
والدليل ماذا سيتغير إن حُذفت هذه الشخصيات من العمل؟ ببساطة لا شيء!.
يمكن اعتبار المسلسل تجربة مملة ومَلولة الصنع كونها تفتقر لعدة تفاصيل أساسية أبرزها نص مضبوط،
حكايته موزعة على شخصياته بشكل أكبر ليكون الجميع بطلاً،
إخراج يمنح الحركة والأكشن حقه دون تكلف ولا بهوت بنفس الوقت،
تشويق فعلي لا مجاني، وكيميا عالية تجمع بطلي الحكاية بـ “نظرة حب” حقيقية فعلاً لا يشعر الجمهور أنهم يحاولان اصطناعها