عمار أحمد حامد
“حكايات وبدايات”: نحو سينما عربية مختلفة
يهدف مهرجان عمان السينمائي الدولي ـ أول فيلم،
إلى إحداث حراك إبداعي بين المخرجين والمشاهير وعشاق السينما على اختلافاتهم،
من خلال “تقديم أفلام عالية الجودة بغض النظر عن عائدات شبّاك التذاكر.
سواء أكانوا صنّاع أفلام عرب مبتدئين أو محترفين دوليين، ممثلين أو نقادا، عاملين في المجال أو مجرد مشاهدين .”
ضمن هذا الهدف أقيمت فعاليات هذا المهرجان في العاصمة الأردنية عمان في الفترة الواقعة بين 15 ـ 22 من شهر آب الماضي، والذي كان شعاره لهذه الدورة “حكايات وبدايات“.
ضم برنامج المهرجان 56 فيلما من إنتاج عامي 2022 و 2023، حيث اشتمل البرنامج على أفلام روائية ووثائقية طويلة عربية ودولية وأفلام عربية قصيرة من 19 دولة. والأفلام الداخلة في المسابقة الرسمية تم عرضها للمرة الأولى في الأردن، وهي11 فيلمًا عربياً من بلدان مختلفة.
تنافست الأفلام على جائزة “السوسنة السوداء” في أقسامها التنافسية الأربعة،
ثلاثة منها تمنحها لجان التحكيم وهي:
أفضل فيلم عربي روائي طويل (ثمانية أفلام)،
وأفضل فيلم عربي وثائقي طويل (ثمانية أفلام)،
وأفضل فيلم عربي قصير (١٨ فيلما)..
بالإضافة إلى جائزة الجمهور المخصصة لقسم “الأفلام غير العربية” (ثمانية أفلام)،
ومن الجدير بالذكر لهذا العام، أن الأفلام العربية الوثائقية الطويلة تنافست أيضا على جائزة فيبريسكي.
واستضاف المهرجان للسنة الرابعة على التوالي قسماً خاصاً خارج المنافسة وهو “موعد مع السينما الفرنسية ــ العربية” حيث عرضت سبعة أفلام طويلة إما فرنسية أو من إنتاج مشترك مع فرنسا.
أفلام الهم الواحد
رغم حرارة الطقس المرتفعة جدا التي لم يسبق للبلد أن شهدها منذ مائة عام، إلا أن الحضور الشاب كان كثيفاً في الندوات واللقاءات وغيرها. ويبدو أن حرارة الأحداث في المنطقة العربية كانت مؤثرة على مواضيع الأفلام العربية. وهذا ما نراه في فيلم “جحر الفئران” لمخرجه المصري محمد السمان ( إنتاج مصري)، الذي تدور أحداثه ضمن موقع تصوير واحد هو (غرفة سنترال) لجمع تبرعات وهمية لمرضى وهميين من متبرعين يتصلون بهم عبر الهاتف. وحتى لا يكون هناك انقطاع لخط الفعل المتصل في الأداء، فقد خصص المخرج لبطلة الفيلم خلود، (الممثلة رنا خطاب)، ثلاث كاميرات من جهة اليمين وجهة اليسار والأمام، حتى تكون ردود أفعالها كاملة غير متقطعة، إذا انتقل المخرج لأخذ لقطة ثانية لنفس المشهد من جهة أخرى.
وتخوض رنا خطاب تجربتها السينمائية الأولى بعد قدومها من المسرح. وأدت دورها بمصداقية رائعة وإتقان شديد.
وتدور أحداث الفيلم في يوم واحد ومكان واحد، فتاة فقيرة تدعى خلود، تعمل بمكتب للتبرعات الخيرية، تضطر لمخالفة مبادئها للحصول على سبعة آلاف جنيه يتوقف عليها مصير استقرار أسرتها بالكامل.
يقول السمان حول التعامل مع ممثل واحد لفيلم سينمائي طويل: “عندما تصنع فيلما روائيا طويلا يعتمد على ممثل واحد طوال الأحداث عليك أن تختاره بعناية، لأن الممثل في تلك الحالة سيعبر بالفيلم إلى بر الأمان، أو سنفقد مجهودنا جميعا إن لم يوفق في أداء الشخصية”.
أما التونسي لطفي ناثان فقدم فيلمه “حرقة”، وقام ببطولته آدم بيسة ( أبوعلي) وهو ممثل متمكن من أدواته وتعابيره. ويكون الفقر أيضاً هو المحرك لأحداث الشخصيات، فالبطل وأسرته يعانون من فقر مدقع ومن الخوف من أن يفقدوا منزلهم بسبب عدم دفع الأقساط والفوائد التي اقترضوها من أحد المصارف. لا يوفر بطل الفيلم جهداً في محاولة الحصول على الأموال اللازمة. ويصطدم مع “السلطة” فيقرر الانتقام منها ومن المجتمع ومن نفسه ومن الفقر بأن يذهب إلى دار البلدية “رمز السلطة” آخذاً معه حاوية صغيرة من البنزين، وعندما يصل إلى دار البلدية يسكب البنزين على جسده ويحرق نفسه (تذكير بـ بوعزيزي)! وينتهي الفيلم بحريق.. ويبقى البطل صامدا رغم أنه يحترق، لكنه ينهار في النهاية ويموت.
الفقر ـ الحرمان بين نهايتين. إما التسليم بقضاء الله وقدره ثم يأتي الفرج من السماء (تماماً هذه هي رسالة فيلم السمان)، أم أن كل شيء يحيط بك هو ضدك فتقرر أن توقف مصيرك بيدك، وتنهي هذا العذاب من الحرمان، لعدم وجود أي حلول لا في الأرض ولا في السماء (هذه هي رسالة ناثان).
لا يرى المخرج اللبناني زكريا جابر أي مخرج لأزمة بلده ( لبنان)، في فيلمه الوثائقي (قلق في لبنان). فقد حمل كاميرته مدة ثلاث سنوات وراح يصور مجريات ما وقع من أحداث في أنحاء بلده الصغير، متنقلاً بين عدة أحياء وقعت فيها الأحداث التي أدت منذ سنوات لاستقالة الحكومة ثم إلى انفجار مرفأ بيروت. ولازالت الأحداث تثور وتغلي دون أي نتيجة. وحدهم الشباب في الواقع وفي فيلم جابر هم من يدفعون الثمن. أما الكبار، أمثال والده الصحفي الشهير (يحيى جابر)، فيفضلون البقاء في المنزل ومتابعة الأحداث على شاشة التلفاز والانفعال والتعبير عما يجري في الشارع بتعابير الوجه التي تتراوح بين الغضب، والحزن، والسرور.
محاضرات ونقاشات
بعد حضور معظم الندوات والنقاشات التي دارت على هامش المهرجان فأنت تخرج منها بفكرة واحدة، بل بكلمة واحدة: التمويل.
كل صاحب فيلم على الورق يبحث عمن يتبنى له فيلمه ويخرج الأحرف من فضاء الورق إلى الفضاء الأوسع. الكل يبحث عن ممول، عن المال!. لم يناقش أحد مشكلة (الكتابة) خاصة أن معظمهم، إن لم نقل كلهم، يكتب نص فيلمه السينمائي لأول مرة. وكأن الأمر تحصيل حاصل للمخرج الذي سيدخل عالم السينما بفيلمه الأول.
لم تقم ندوة حول (صناعة السيناريو)، مثلاً، وبالتالي أزمة السينما هي أزمة تمويل، قبل أن تكون أزمة نص. هذه هي النتيجة التي تخرج منها بعد حضور الندوات.
يقول المخرج زكريا جابر أنه وجد من تبنى له فيلمه الوثائقي (قلق في بيروت)، وموله بالتعاون مع الجزيرة الوثائقية، هذا ما قاله في ندوة صناع الفيلم/ أول فيلم، لولا أن زلة لسانه قادته إلى أن يقول: “كانت الجزيرة الوثائقية تريد فيلما وثائقياً مدته قصيرة، فأعطيت لهم ما يريدون، لكني أعطيت لنفسي مأ اريد أنا أن أقوله فكان نسخة أخرى طويلة من فيلمي (90دقيقة!!)”.
وسألته بعد مداخلته: “إذاً، كما قلت، فأنت خضعت لما أرادته القناة الممولة! وأعطيت لهم ما يناسبهم! وأخذت أنت ما تبقى من فيلمك.. ما تريد أنت قوله؟!”
فأجابتني المنتجة، وكانت تجلس إلى جانبي: “لكل مخرج أستاذ Director Cut”.
قلت لها: “صح. بس مو لأغير المعنى والمقولة!”.
لم أر نسخة الجزيرة لأحكم حكماً قاطعاً. بل استعرضت ما جرى.
وكذلك لم يناقش أحد مشكلة التوزيع. لا أعرف لماذا! يبدو أنهم لم يعانوا من ذلك لأن هذه الشركات الإنتاجية القوية هي من تتكفل بتوزيع أفلامهم وتوصلها حتى إلى المهرجانات وصالات العروض العالمية.
إذاً، لماذا لا نرى لصناع الأفلام (أول فيلم) أفلاماً أخرى؟! ولماذا لا يتم الاهتمام بصناعة وتكريس مخرج سينمائي متميز، بدل مساعدة شاب في إنتاج أول فيلم له وحسب، ثم ليبحث من بعد فيلمه الأول عن ممول آخر، أو ممولين آخرين، لأن شركة واحدة لم تعد قادرة، مع هذا التضخم الموجود في العالم، أن تنتج فيلما لوحدها، لابد من وجود “كارتلات” / تجمعات.
حتى هذا المهرجان كان تحت رعاية 22 شركة ( سينمائية/مهرجانات/ إنتاج.. إلخ).
الجوائز بعد سبعة أيام
بعد سبعة أيام من أيام المهرجان، وُزعت الجوائز على الأفلام الــ 11 المتنافسة، ففاز المخرج التونسي يوسف الشابي بالجائزة الأولى في المهرجان، وهي جائزة “السوسنة السوداء”، (وهي السوسنة التي تعتبر “رمز الأردن” وهي سوداء فعلاً)، عن فيلمه الروائي الطويل ( أشكال). بينما في الوثائقي الطويل فاز، بجدارة، فيلم “لد” للمخرجين رامي يونس وسارة غريد لاند، بجائزتين هما: جائزة الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين (FIPRESCI)، وجائزة لجنة التحكيم لأفضل فيلم وثائقي عربي طويل، وتدور احداث الفيلم حول مدينة اللد الفلسطينية، قبل أن تُحتل وتصبح تابعة لدولة الاحتلال الإسرائيلي في 1948 ويذبح المئات وينفى الآلاف من أهلها، وتحكي المدينة عمق التأثير والصدمة المدمرين للمجازر والتهجير، ويكشف ساكنو المدينة في الفيلم حكاياتهم عن اللد، ويطرح الفيلم منظورا افتراضيا لمستقبل المدينة لو لم تحتلها إسرائيل.
أما من الأفلام العالمية ففاز المخرج الإسباني أليكس ساردا بجائزة السوسنة السوداء لأفضل فيلم دولي عن فيلمه “حفريات”.
كما أحرز فيلما “حمزة: أطارد شبحاً يطاردني” للمخرج الفلسطيني ورد كيال، و”ترينو” للمخرج التونسي نجيب كثير، جائزة لجنة التحكيم لأفضل فيلم عربي قصير، وذهبت جائزة السوسنة السوداء لأفضل فيلم عربي قصير لفيلم “صاحبتي” للمخرجة المصرية كوثر يونس.
وفاز بجائزة السوسنة السوداء لأفضل فيلم عربي وثائقي طويل فيلم “شظايا السماء” للمخرج المغربي عدنان بركة.
وحاز زكريا جابر على جائزة خاصة لأفضل “مونتير” عن فيلمه “قلق في بيروت”.
كما منحت لجنة التحكيم جائزة أفضل ممثل أو ممثلة في العمل الروائي الطويل الأول مناصفة لمارلين نعمان من لبنان ورنا خطاب من مصر (أعتقد أن الجائزة كان يجب أن تذهب إليها وحدها).
وتُمنح أربع جوائز نقدية في الحفل الختامي لمهرجان عمّان السينمائيّ الدولي – أول فيلم، وهي السَّوسنة السَّوداء لأفضل فيلم عربي روائي طويل (15 ألف دولار)، وجائزة لجنة التحكيم (5 آلاف دولار).
وكذلك السوسنة السَّوداء لأفضل فيلم عربي وثائقي طويل (10 آلاف دولار)، وجائزة لجنة التحكيم (5 آلاف دولار)، والسَّوسنة السَّوداء لأفضل فيلم عربي قصير (4 آلاف دولار)، وجائزة لجنة التحكيم (ألف دولار)، والسَّوسنة السَّوداء لأفضل فيلم أجنبي (5 آلاف دولار).
على الهامش
ـــ فيلم الافتتاح كان “أسبوع غزاوي” لمخرجه الفلسطيني باسل خليل.
ـــ لم يخل المهرجان من ضيوفه العرب: جورج خباز، سامر المصري، يسري نصر الله، بشرى رزة، ريتا حرب، كارلوس عزار، مي المصري.
ـــ أقيم حوار خاص مع يسري نصرالله، وندوة مع جورج خباز ـــ كان الحضور كثيفاً في جميع عروض المهرجان، وخاصة النقاشات.