جوى للانتاج الفني
الرئيسيةعلى الخشبة من جارور لجارور .. عرض مسرحي عن معاناة الشباب العربي  في رفوف...

 من جارور لجارور .. عرض مسرحي عن معاناة الشباب العربي  في رفوف مُهمَلة

جوان ملا

أن يطرح الشباب العربي مشكلاته بعمل فني فهذا يعني إمكانية طرح ملفات واسعة مليئة بالهموم التي لا تنتهي،
الزواج، البطالة، تكلفة الحياة، الإنجاب، الرياضة، الترفيه،
ومئات القصص التي تستمر منذ زمن وبدون حلول منطقية في عدد من الدول العربية،
فكيف إن جُمِعَت هذه الهموم كلها في عرض مسرحي من أربعين دقيقة؟

هذا ما حصل في العرض المسرحي اللبناني الشبابي “من جارور لجارور” الذي كتب نصه وأخرجه عصام بو خالد عن فكرة لجمعية مسار المشرفة على العرض،
وكان من بطولة مجموعة من الهواة الموهوبين،
أو خريجي المسرح أدوا أدوارهم على خشبة مسرح دوار الشمس في منطقة الطيونة ببيروت وهم:

جويل منصور، يارا زخّور، علي بليبل، طوني فرح، وسام بتديني، ميشيل فغالي، منير يحفوف، تالة محمود

 

أفكار مكثفة في دقائق

 ما يميز العرض أنه حمل أفكاراً مكثفة لمشكلات الشباب تم طرحها عبر شابتين تعملان في  جمعية مدنية مهتمة بالن

من جارور لجارور
من جارور لجارور

شاطات والقضايا الشبابية وتسعيان لإقناع الممولين “في حديثهما مع الجمهور” بضخ المال كي يتم إنجاز مشروعات جديدة عل أحدا يَسمع صوتهما، خصوصاً بعد أن فتحتا صناديق وخزانات مكاتب الجمعية ووجدتا فيها الشباب أبطال الحكاية “شابتان وأربعة شبان،
أحدهم مقعَد” مكدسين فوق بعضهم، ثم ظهرت من الرفوف كل المشروعات والخطط التي تصب في صالح الشباب ولم يُنَفذ منها شيء،
فيسعون من جديد لاستقطاب الأمل والممولين لمشروعات جديدة، وذلك من خلال قصص الشباب المطروحة،
فانصَبَّ الاهتمام حول زوجين شابين لا يستطيعان العيش مع بعضهما بسبب ظروف الحياة الصعبة وقلة العمل والمال، لذا عاش كل شخص فيهما في بيت أهله رغم زواجهما، وبعد أن شكك الجميع بحمْل المرأة قررت الجمعية أن تخاطب الممولين لمشروع يدعم الظرف الاقتصادي للشباب بالإضافة للصحة الجنسية والإنجابية،
وبعد فشل الخطة،  تحولت الرؤية إلى البطالة التي يعاني منها حَمَلة الشهادات وحتى الأمّيّين في دلالة على أن الجميع بحاجة العمل وأن الشهادات والتعليم العالي لم يُفِد الشبان بفرص عمل، وأيضاً كان الفشل مصير المشروع،
فقرر شباب الجمعية الحديث عن الهجرة، وإجراء ورشات تدريبية ليعرف الشبان كيف يهاجرون بدون فيزا داخل “شنطة سفر”،
بالإضافة للحديث عن الشباب الذين يعانون من الإعاقة “من خلال قصة الشب المشلول” الذي يحاول أن يتناغم مع مجتمعه لكنه لا يستطيع لأن الخدمات التي يجب أن تخَصَّص له  ليست موجودة مجتمعياً ولا حكومياً،
مع التعريج على أهمية دور الشباب في الانتخابات وبلوغهم السن القانوني في لبنان “21 عاماً” كي يقوموا بالتصويت لإحداث فرق..
وكل ذلك كان يمر بأسلوب كوميدي مضحك، بأداء عفوي سلس غير مؤذ،
ودون تصنع أو ابتذال أو تهريج، بل كانت الحكاية والشخصيات مضبوطين بعناية لإيصال الفكرة بطريقة مميزة جداً،
ففي أربعين دقيقة طُرِحت مشكلات الشباب اللبناني وحتى العربي “لأن الواقع متشابه جداً” من سفر وهجرة وزواج ووضع اقتصادي مرير وإنجاب وتعليم ومشكلات ذوي الإعاقة والمشاركة في الانتخابات..

من جارور لجارور
من جارور لجارور

ضربات موجعة للمنظمات غير الحكومية والجمعيات المدنية

في أثناء العرض، استطاع الكاتب عصام بو خالد  تمرير رسائل لا تخلو من “القصف” المبطن والموجه للجمعيات التي تعنى بالشباب أو حتى غيرها وذلك من خلال توضيح اهتمامهم بالمصطلحات أكثر من المضمون،
فمثلاً كانت الشابتان المسؤولتان في الجمعية “الممثلتان جويل ويارا” تهتمان بشدة بالحديث عن الشبان دون نسيان الإناث،
وإن أخطأت إحداهما أو أحد الشباب يتم تصحيح الموضوع،
فيجب أن يقولوا “الشبان والشابات” حرصاً على التوازن الجندري ودعم المرأة،
وحين طرح الشاب المُقعَد مشكلته وهمومه بعدم قدرته على إيجاد عمل رغم حصوله على شهادات عليا،
اهتمت الشابتان بعبارته “حاسس حالي شخص مُعاق” لتنبري الاثنتان ليس عطفاً بقدر ما هو تصحيحاً لعبارة الإعاقة وضرورة تسميتها بـ “ذوي الاحتياجات الخاصة”،
في دلالة على التركيز من قبل هذه الجمعيات على العبارات والمصطلحات أكثر من الجوهر والمضمون،
بالإضافة لمحاولة استعطاف الناس والممولين بقضايا ذوي الاحتياجات هؤلاء بغية استقطاب المال من خلالهم أكثر من ضرورة تحقيق مشاريع مناسبة لهم،
وفي نهاية العرض نعرف أن الشابتين المسؤولتَين نفسيهما تعيَّنتا في الجمعية “بالواسطة” من خلال معارف وأصدقاء وذلك بعد ورشات بسيطة قامتا بها دون مؤهلات حقيقية لهذَين المنصبَين،
في دلالة أخرى على تشتت الأفراد داخل الجمعية الواحدة ووجود واسطات ومحسوبيات أيضاً وفساد إداري

من جارور لجارور
من جارور لجارور

المجتمع المدني والمناصرة عن طريق الفن

يعتبر الفن من أهم الطرق التي توصل الأفكار المجتمعية والقضايا الشائكة للناس،
فالفن بمختلف أنواعه سواء أكان موسيقياً أم غنائياً أم درامياً يستطيع أن يؤثر أكثر من مئات الندوات والمحاضرات كونه يلامس الجمهور بشكل أكبر وعاطفي،
وقد حمل عرض من جارور لجارور نوعاً من المناصرة لقضايا الشباب عن طريق الفن،
وطرحه بأسلوب مبسط تمثيلي يصل للناس بسلاسة.

في لبنان يعتبر المجتمع المدني قوياً بشدة على الأرض،
وهو في غالب الأحيان من يدير الكثير من الأنشطة وينظم وينسق أنشطة الشباب بالتحديد بعيداً عن التحزبات السياسية أو الرؤية الواحدة،
ما عرضه لمحاولات تقويض داخلية وخارجية عديدة لكي تبقى البلاد على انقسامها، والشعب على تحيزه،
لكن ظلت الجمعيات والمنظمات تمنح الشباب والمقيمين في لبنان من سوريين وغيرهم،
ملاذاً آمناً عبر أفكارها واحتوائها لهم بأنشطة مختلفة مع سقف عال من حرية التعبير.

لعل التكاثر الكبير على الأرض لهذه الجمعيات التي يُعنى كلٌّ منها بشأن معين “النساء، الأقليات الجنسية والجندرية،
السياسة، اللاجئين/ات، الفنية” أعطى البلاد بيئة خصبة لدمج الفن بالمجتمع المدني بالشعب،
وهذا ما يعتبر مهماً بشكل كبير ومن القليل وجوده بهذه القوة في دول عربية أخرى.

بالمقارنةً، نجد أن هذه لنشاطات المدنية الفنية شبه نادرة في سورية،
وذلك لأن المجتمع المدني غير فاعل على الأرض بشكل كبير،
وكلما حاول أن يصل لخطة مهمة يصل لطرقات مسدودة أسبابها كثيرة أبرزها ضعف التمويل،
عراقيل قانونية، روتين وبيروقراطية كبيرة عند محاولة تأسيس أي نوع من الجمعيات المدنية في البلاد،
وهذا ما يجعل الفن الناشئ عن الجمعيات في سوريا غير فاعل على الأرض.

هناك حقل آخر للمقارنة بين بلدين متجاورين، يتمحور حول حرية الإبداع وسقف الرقابة،
ما يعيدنا لضرورة إعادة النظر بموضوع الرقابات على نصوص المسرح والسينما والتلفزيون وتعديل القوانين التي قد تعرقل من وجود جمعيات ومنظمات مدنية على الأرض تفيد الشباب السوري وتمنح المجتمع في البلاد قدرة على التعبير عن الذات بشكل أكبر لا سيما بعد الحرب الطاحنة فيها ومكوثها تحت وطأة حرب اقتصادية مرعبة اليوم تفوق حتى ما يحصل في لبنان من ناحية التضخم وسوء الوضع الخدمي والمعيشي.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة