جوى للانتاج الفني
الرئيسيةنقد تلفزيونيمسلسل "العرافة".. عثرات لا تفسد المتعة ..

مسلسل “العرافة”.. عثرات لا تفسد المتعة ..

لم يكن التوقيت مناسبا لمسلسل احتاج إنجازه قرابة العام كي يرى النور،
إذ يتزامن عرضه مع التطورات المأساوية في فلسطين والتي صرفت جزءا من الجمهور عن متابعة التجربة الأولى للكاتب والمخرج،
ولتقييم منجز للدراما السورية التي لا تزال تخطو ببطء في عالم المنصات الرقمية والمسلسلات القصيرة.

هكذا أفرجت منصة “تن تايم” أخيرا عن مسلسل “العرافة” للكاتب “حمزة اللحام” والمخرج “يزن هشام شربتجي” وإنتاج “دراما شيلف”، الشركة التي بدأت عملها في الإنتاج الدرامي مؤخرا.
ومن بطولة يزن السيد، جفرا يونس، حسين عباس، تولين البكري، ليليا الأطرش، مع مشاهد خاصة للقديرة صباح السالم وغسان عزب وحضور الراحل محمد قنوع.
ويقع العمل في عشر حلقات تم تصويرها قبل عام تقريبا، وتتناول بالخط العام فكرة الخطايا التي يرتكبها الإنسان فترتد عليه بمسار حياته وتفرض عليه وقائع جديدة وتحديات قد تنتهي بالموت،
ليدخل في تفاصيل عدة شخصيات تلتقي مصادفة، ولكل منها خطيئة قد قام بها تلاحقه وتغير من مجرى يومياته،
وذلك من خلال فتاة هاربة من مستشفى للأمراض النفسية، مصابة بالذهان وتتوهم وجود من يلقي عليها اللوم بشخصية عرافة تتهمها بالتحكم بمصائر طبيب ومحام تلتقي بهم مصادفة.
فتتوقع مصائر كل منهم قبل أن نجد أن كل ما يحدث هو تجسيد للخطايا التي يقع فيها كل منهم في مشواره المهني ولأبواب الخير والشر والتي يقوم كل منهم بفتحها أو إغلاقها،
فتنعكس على حاضره ومستقبله، بل قد تغير مصيره وتنهي حياته. وعلى الرغم من طرح الحكاية مسبقا،
إلا أن جملة من العوامل تدفع لمتابعة العمل، أولها طريقة المعالجة التي تتجه نحو الطب النفسي وعوالم المريض المصاب بالذهان، وهي خطوة تحسب للمؤلف في تجربته الأولى،
وهي كذلك التجربة الأولى للمخرج الذي انتظر طويلاً قبل أن يتصدى لقيادة عمل درامي بالكامل، بعد أن تتلمذ على يد والده، شيخ كار الدراما السورية الراحل هشام شربتجي.

لكن المعالجة الدرامية وقعت في مطبات عديدة
فجاءت خطوط العمل متفاوتة في التماسك والبناء الدرامي للشخصيات.
ففي الوقت الذي ظهرت شخصية المحامي مقنعة ومبنية بتسلسل منطقي لشاب طموح يتورط في قضايا تخص شخصيات هامة ويسعى للوقوف بجانب موكله،
حتى لو كان مذنبا بتهمة مثل التحرش، جاءت شخصية الطبيب الجراح مفككة وبعيدة عن الترابط. فقد غاب المبرر العقلاني والأخلاقي عن أب وطبيب يقوم بقطع جهاز التنفس الآلي عن نجله المصاب بشلل تام،
ليقوده للوفاة بما يشبه الموت الرحيم، ناهيك عن قدرته على مواصلة حياته بشكل طبيعي وكأن شيئا لم يكن. وبعد ذلك، يفصح لزوجته عما قام به، ليقضى على حياته بشكل غامض.

وتبدو الحبكة أكثر تفككاً عندما نجد ممرضا يتعاطى المواد المخدرة ولا يزال يعمل في المستشفى التي يديرها الطبيب ذاته قبل أن يُطرد منها.
في المقابل، جاء التسلسل الدرامي لشخصية الفتاة المتعرضة للتحرش من قبل ابن شخصية نافذة منطقيا،
مع إظهار لواقع الطلب المتكرر من الضحية أن تعيد سرد القصة، فتنتشر فضيحتها، ثم تتعرض للابتزاز قبل أن تنهي حياتها بالانتحار.
وهذه القضية التي ينحاز فيها المحامي لموكله ترتد عليه بتفكك أسرته وأذيته شخصيا، قبل أن يهرب خارج البلاد.

مسلسل-العرافة

الرؤية البصرية للنص حملت الكثير من الإيجابيات، على الرغم من بطء الأيقاع والمشاهد الطويلة في عمل يقتصر على عشر حلقات. ومع ذلك، تعاطي الكاميرا مع الحكاية جاء في ذروته بالنسبة لخط المريضة النفسية،
حيث حملت الجانب الأكبر من التشويق مقارنة بباقي الخطوط الدرامية، مع شد متواصل للأحداث حتى الحلقات الأخيرة، ونهاية كل شخصية بين الانتحار أو الموت أو الهروب أو العودة للمشفى النفسي بالنسبة للفتاة المصابة.

ويُحسب للمخرج جرأته في تصوير مشهد التحرش ومحاولة الاغتصاب، وهو أمر نادر للغاية في الدراما السورية والعربية أيضا. وقد يكون لمنصة العرض دورها في هذا السياق..

أما بالنسبة لأداء الممثلين، فقد جاء متفاوتا. يسجل لجفرا يونس أداؤها المتفرد في شخصية سراب،
الفتاة المصابة بالذهان، حيث استطاعت الإقناع بتعابير وجه وانفعالات مضبوطة في دور تقدمه للمرة الأولى، وكان لها حضور متزن.
ينسحب الحضور المتزن أيضا على يزن السيد، الذي يقدم دور المحامي الطموح، القادر على ضبط نفسه أمام شخصيات متمادية في الإجرام، ويحاول الحفاظ على عائلته.

الأمر ذاته ينطبق على ليليا الأطرش، التي تعود لتقدم شخصية هادئة ومضبوطة بعد مطبات عديدة في تجارب درامية سابقة.
وكان الأداء الأضعف من نصيب حسين عباس، الذي لم يقنع بشخصية الطبيب. بينما تعود هيما اسماعيل للدراما بدور العرافة، وهي الشخصية التي تقود وتتحكم بسراب.

على أن العمل يبقى فرصة استثنائية لمشاهدة الحضور الأخير للراحل محمد قنوع، بشخصية والد المتهم بالتحرش، حيث يظهر أداء هادئا وبتوازن واضح.

في المحصلة، لا يمكن اعتبار “العرافة” عملاً ضعيفا. ورغم التباينات في المعالجة النصية والإخراج،
فإن هناك عدة نقاط تحسب للعمل. أولها الشرط الإنتاجي للدراما القصيرة بالمقارنة مع ما يقدم في مصر ولبنان وفي الدراما المشتركة.
وثانيها التجربة الأولى للمؤلف والمخرج في التوغل في عالم الأمراض النفسية والتحكم بالخطوط الدرامية لتبدو النتيجة مقنعة. ويسجل لغالبية الممثلين أداء جيد،
مما يدفع للقول: أهلاً بحمزة اللحام ويزن شربتجي في عالم الدراما السورية، ومبارك البطولة الأولى ليزن السيد وجفرا يونس.

المادة السابقة
المقالة القادمة

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة