جوى للانتاج الفني
الرئيسيةنقد تلفزيونيمسلسل "الحجرة": دراما نفسية شيقة.. لكنها مليئة بالثغرات!

مسلسل “الحجرة”: دراما نفسية شيقة.. لكنها مليئة بالثغرات!

حبكة العمل اعتمدت استسهال مبدأ الجريمة والمصادفة

مع عرض حلقات مسلسل “الحجرة” على منصة ستارزبلاي، من إنتاج فالكون فيلمز، نشهد التجربة الثانية في مجال الدراما النفسية، بعد النجاح الذي حققه مسلسل “قيد مجهول” سابقاً.

يأتي المسلسل الثاني، “الحجرة”، في مجال الدراما النفسية كتحد يواجه صناع العمل، الذين قدموا مرض “الشيزوفرينيا” عبر شخصيتي مراد وواهم .. مراد الطبيب، الذي فقد ابنه على يد مجموعة من القتلة.

أما واهم فهو الشخصية التي تحرضه على الانتقام. ويؤدي محمد الأحمد الدورين مراد وقرينه واهم.

عملياً لا يمكنك وضع المسلسلين في المستوى نفسه رغم كل (“الشو الإخراجي “) في  “الحجرة” لما عاناه من ثغرات كثيرة على مستوى الحبكة وأداء الممثلين والاستعراض البصري الذي يفوق حاجة المشهد.

 امتلك الأحمد تفاصيل شخصية مراد الطبيب، من خوف وتردد وارتباك، لكنه لم يكن كذلك في شخصية نقيضه واهم، إذ غلب على أدائه  مفردات النمط الذي اعتاد تقديمه في معظم أدواره السابقة: الشاب العاشق، الجاد، حامل لواء قيم الخير والحق والعدالة..!

 في “الحجرة”، نحن مجدداً أمام الثنائية الشهيرة، التي وجدت تجسيدها الأشهر في شخصيتي هايد ودكتور جيكل والتي قدمت غير مرة في السينما والتلفزيون.. وهي ثنائية تنطوي على تعقيد وتحتاج براعة خاصة في الأداء .. وهو التحدي الذي نجح فيه  الأحمد حينا، لكنه بدا جامداً بعيداً عن شخصية واهم في أحيان أخرى، خاصة في مشاهد ردات فعل واهم على خوف مراد منه وتمرده عليه.

قد يكون التفاوت سمة أداء باقي أبطال العمل، فحضور الممثلة اللبنانية ريم خوري (تالين) يسجل الظهور الأول لموهبة بحاجة لمزيد من الصقل، كذلك هادي أبوعياش بدور ميار، وإن استطاع بين هؤلاء أن يتجول فؤاد يمين بعفوية مؤديا دور المحقق بيسر وبلا تصنع.

يلهث النص  خلف جريمة فردية تتحول إلى منحى الانتقام الجمعي بحثا عن الحق ضد مجموعة فاسدة ترتكب الجرائم وتتنصل منها بسهولة، كما يفعل القاضي مهران بشرائه صمت عماد، ذ الذي يحمل عن ابن القاضي ميار جريمته بيسر لقاء المال بعد أن يدهس طفل مراد ويقتله.. يسير العمل على حبكتين دراميتين ويربط  بين جريمتين: الأولى نرى خيوطها تتشعب بين الزوجة مرح (نور علي) وميار الذي يكون عشيقها ويساعدها على دفن زوجها الذي يكشف خيانتها، وفي الطريق وهما عائدان من مكان الجريمة يدهس ميار ابن مراد أيضاً..

حبكة العمل برمتها تسير على استسهال مبدأ الجريمة والمصادفة، فيمكنك ابتلاع الجريمة الأولى، لأن مرح تخون زوجها بسام بالمنزل ويعود فجأة ويكتشف وجود العشيق ميار ويكاد يقتله، وتنقذه مرح بضربة من هراوة على رأس بسام فتقتله، هنا يتدخل الإخراج ليكسب الوقت ويصنع تشويقا بتقطيع المشاهد بين الدماء التي تغطي أيدي ميار ومرح وبين مراد الذي لما يبدأ بعد سلسلة جرائمه الجهنمية للانتقام من الجميع ومن نزواتهم المقدسة.

هنا تأتي الجريمة الثانية التي يرتكبها ميار بدهس ابن الدكتور مراد (بالصدفة أيضاً للمرة الثانية)، ومراد مريض نفسي مصاب بانفصام شخصية، وهي الصدفة الثالثة التي يستحيل منطقيا أن تجتمع مع الجريمة الأولى (المتوقعة أقله كصدفة) ومع الجريمة الثانية، وكل ذلك خلال أقل من 24 ساعة!.

والمصادفة الرابعة هي إنقاذ الإعلامية تالين لمراد وابنه، والمصادفة الخامسة أن  أم بسام (الزوج القتيل)  لن تنتقي من بين كل الإعلاميين الموجودين في لبنان إلا تالين، حبيبة مراد ومنقذته، لتخبرها عن فقدها لابنها كي تتناوله في برنامجها عن المفقودين، مع أن الواقع والقانون يقولان أنه عندما يختفي شخص، وحصراً زوج، لابد من انتظار شهر قبل أن يتم إبلاغ الشرطة وعادة ما تكون الزوجة المشتبه فيه الأول في هذه الحالات ويتم التحقيق معها (على الأقل)، كل ذلك قفز النص فوقه في حدوتة اجتمعت فيها خمس مصادفات التقت وتنزهت مع بعضها على طول العمل!

رغم ذلك فإن بناء العمل دراميا مشدود بلا تطويل ( وهي ميزة المسلسلات القصيرة بالمجمل) ـ

في الأحداث والموسيقا التصويرية التي أضفت زخماً درامياً، أما إضافة مقاطع الأوبرا في مشاهد التعذيب فهي مجرد استنساخ وتقليد عربي لأعمال القتلة المتسلسلين، مثل ما شاهدناه في “صمت الحملان” حيث لعب أنتوني هوبكنز دور هانيبال ليكتر الشهير والمخيف، والذي كان يرتكب مجازره على وقع الموسيقا الغربية من أوبرا أو سيمفونيات خالدة، ليجعل من عملية القتل طقساً فنياً متكامل الأركان، أما القناع، الذي يخفي وجه مراد وخيباته، فيذكرنا بفيلم V for Vendeta  وشخصية “في” التي أداها باقتدار هيوغو ويفر بصوته قبل أدائه، كطبعة متفردة غير قابلة للتكرار والتقليد سينمائياً عالمياً فما بالك عربياً!.

أما الحوار فيختصر المعادلات التقليدية بنقلنا من مشهد لآخر بيسر مع تطور الحدث الدرامي، ويسعى السيناريو عبر الإخراج لتظهير شيطان الدكتور مراد أو شخصية واهم كنجم، لكن الأحمد بدا كمن يلجمه ولم يطلق العنان لشيطانه وجنونه حتى يسير إلى آخر الطريق كما يفترض في حالات الفصام، ففي بعض المشاهد كان بحاجة لأن يكون أكثر تحررا وانطلاقا .

اللغة البصرية للعمل وظفت ثنائية الشيطان والملاك وتناقضهما بإسقاط فج واضح في ملابس ونظارات واهم السوداء ونقيضه مراد؛ بخاصة في حضور دارينا الجندي (طبيبة مراد النفسية).

تصميم الديكور واللوحات الموجودة في العيادة يوحي بطبيعة العمل الذي تم تخطيط وتغطية كل جوانبه بما ينتهي إلى فكرة العمل وتيمته الدرامية المباشرة: الضوء والظلام والعزلة والظلم.. يسير النص نحو دائرة من الأحداث في سلسلة من الانتقامات التي تشكل كارما ترتد على مهران وميار ومرح..

العمل، الذي يعيدنا إلى أجواء الدراما البوليسية ودراما الجريمة والأمراض النفسية، نجح في نسج دراما شيقة نوعاً ما بهوية بصرية مركزة مكثفة وإخراج متماسك رغم ثغرات السناريو، ونجح في إعادة تقديم الممثل عمار شلق بدور القاضي مهران الذي شكل ثقلاً رئيساً في العمل يفرض حضوره حتى في لحظات صمته.

المسلسل لم يخل من أخطاء درامية كما في الحلقة السادسة، حيث كان مراد يتحدث مع نقيضه واهم فتدخل حبيبته تالين الغرفة، ممتطية كعبها العالي وتصل لنصف الغرفة تقريباً، وهو رغم تهيبه من حضورها والتلفت حوله حتى لا تسمعه وهو يتحدث عنها مع  واهم، ورغم كل فرقعة كعبها العالي.. إلا أنه يفاجئ بحضورها وهي تسأله: مع مين عم تحكي؟! بالنتيجة العمل الذي كتبه زهير الملا وأخرجه فادي وفائي ويتألف من 13 حلقة (على كل المآخذ السابقة يعد خطوة أولى في دراما الأكشن والدراما النفسية والسريالية والأنيميشن، في وقت لا نزال فيه ندور في فلك الدراما والكوميديا التقليدية, ومؤخراً: الاستتراك والاقتباس عن أعمال أخرى.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة