جوى للانتاج الفني
الرئيسيةعلى الخشبةمسرحية "الباب".. نحو المستقبل لكن بخطى مسرحية مرتبكة

مسرحية “الباب”.. نحو المستقبل لكن بخطى مسرحية مرتبكة

حسن يوسف فخور

تشكل الأبواب جانبا مهما من حكايات الحضارات المتواترة برمزيتها المادية والمعنوية إلى جانب حضورها في ميثيولوجيا الأرياف ببحثهم عن الكنوز المرصودة خلف أبواب المغارات المنتشرة فيها.
الإيديولوجيا ذاتها حملتها مسرحية “الباب” على خشبة مسرح القباني في دمشق إلا أن الباب الذي رسم ملامحه الكاتب السعودي ياسر الحسن هو من تجرأ على اقتحام العقول المرصودة بالخوف. السمة الأساسية لأبطال المسرحية وإن اختبأوا خلف أقنعتهم.

تبدأ الحكاية المكَثفة بخروج السمسار مفتتحا مزادا ينتهي بفوز مخرج العمل غسان الدبس بباب القصر تاركا ثلاثة غرباءَ خارجا تتقاذفهم الأفكار والأوهام،
مطاوعا الديكور البسيط في عمق المسرح الذي صممه إياد ديوب مبرزا جوهر الحكاية دون تكلف مع لمسة “ماكياج” هادئة أضافتها شغاف الشريف للشخصيات دون ابتذال.

مسرحية-الباب
مسرحية-الباب

الانتظار الطويل الذي أوحاه الجو العام للمسرحية دفعهم للخوض في غمار خصوصياتهم محاولين إخفائها والتملص من أسبابها الحقيقية طوال خمسين دقيقة عاشها الحضور وكأنهم جزء من الحكاية نتيجة للتوليفة المسرحية التي اجتهد صناع العرض على تقديمها من الديكور والملابس والإضاءة إلى الموسيقا التصويرية للفنان أيمن زرقان والتي فتحت آفاقا للخيال نقلت عيون المشاهد إلى خلف الباب المرصود بالمغامرة حينا والمقامرة أحيانا.

بدأ حسونة الموظف سؤاله خائفا من عودته مع رسالته المكلف بتسليمها ليلا إلى صاحب القصر، ما يبرر ارتداءه ثياب النوم مع ربطة عنق أضفت حس الفكاهة على الشخصية التي لعبها علي عهد إبراهيم؛ لتبدأ رحلة الباب ذات الإيقاع المتصاعد وتلتقط الحسناء رغد سليم متفردة بمساحتها الأنثوية على خشبة المسرح سؤال حسونة، يتبعها تدخل فهمان العبيط المهرج الذي لعب دوره مجد مغامس مدعيا صداقته بصاحب القصر ومعرفته بسماته خلال حوار بدا مملا بداية إلى أن ظهر عاود حاتم بشخصية السمسار خلال مزاد آخر ممتلكا المسرح بتلقائيته، مشكلا بمشاهده البسيطة انتقالا سريعا من الحالة الدرامية التي رسمها زملاؤه إلى حالة الفكاهة مطاوعا ملامحه ولغة جسده غير أن مونولوجات السمسار على أهميتها كمفاصل رئيسية في الحدث الدرامي للعرض وتصاعده بدت حبكتها ضعيفة في افتتاح السمسار مزاداته التي أفرد بها الممثل الشاب مواهبه.

تصاعد إيقاع المسرحية مع بدء انهيار الغرباء الثلاثة أمام وحشة الانتظار، وبدأ كل منهم يكشف عن حقيقة آلامه من معاناة حسونة مع زوجته المتسلطة ومديره الأناني إلى استغلال مدير الفتاة لأنوثتها من أجل تسهيل أعماله مقابل تسديد ديونها المتوارثة عن والدها الراحل وإعانة أمها المريضة على مصاريف إخوتها السبعة انتهاء بتقمص فهمان العبيط شخصية مهرج الحفلات الفارهة رغم ثقافته الأكاديمية وقدراته المسرحية في رمزية إلى سيطرة الأموال على الفن الحقيقي وتحويله إلى سلعة تجارية بحتة.

يستمر الانتظار بحوارات متقاطعة تمخضت عنها العديد من الشخوص التي حاول الرفاق الثلاثة إخفاءها، تنقلت خلالها الحسناء من الفتاة الحائرة إلى الضعيفة فالمغامرة والعاشقة، وطرحت واحدة من أبرز مشاكل النساء العاملات في المجتمعات العربية؛ الرسالة التي كلفتها جهودا منهكة بدت واضحة على ملامحها إلى جانب فهمان العبيط الذي تنقل بمشاهده من الكذب والغرور إلى الصدق والضعف فالمغامرة بمصيره ودخوله باب القصر بحثا عن الحقيقة إلا أن حسونة البسيط حافظ أغلب العرض على شخصيته الخائفة متنقلا بشكل سريع في النهاية إلى الأنانية فالحب والشجاعة.

الإرهاق الذي بدا على تعري شخوص الغرباء أمام لغز الباب دفعهم للدخول في حالة من الانفصام، رسموا بخطاهم مشهدا جميلا عن حالة الجنون التي قد يصل إليها الإنسان لولا أن صراخهم ارتفع بشكل مبالغ به أضاع الإحساس مع الكلمات المبعثرة في طريقهم للمتلقي إلا أن الشبان الثلاثة استطاعوا بأدواتهم إعادة الجمهور إلى عمق الحكاية حتى قررت الفتاة الحسناء دخول باب القصر رفقة حسونة بعد علاقة حب تنشأ بينهم بشكل مفاجئ غير مبررة دراميا وإن كانت تحمل رسالة واضحة عن أهمية الحب في تجاوز المستحيل.

مسرحية-الباب
مسرحية-الباب

 

قدم العرض هوية بصرية متكاملة شكلت جزءا مهما من الحكاية بدت من خلال تناسق الأدوات الفنية مع حركة الممثلين المدروسة على خشبة المسرح إلى جانب الرقصات التي قدمتها فرقة ميرال،
إلا أن الحكاية التي اجتهد صناعها على تقديمها لم تخل من الهفوات التي كادت أن تضيع الحبكة أحيانا، فقد بالغت بالعبثية في مشهد تداخل خيالات الغرباء دون مبرر درامي أو علاقة سابقة تجمع شخوص المسرحية،
فتداخلت حكاياتهم الخاصة الأمر الذي أفقد الجمهور متعة المشاهدة نتيجة تشوش الأفكار الذي شاب العرض لدقائق معدودة.

أهمية القضايا التي طرحها العرض المسرحي لم تحمله فوق النقد،
فالأخطاء التي بدت واضحة في بعض المشاهد حالت دون ذلك مع أن الجهود المبذولة من قبل المخرج في تركيب توليفة مسرحية بدا واضحا الاهتمام فيها بتفاصيل العرض البصرية من ألف المسرح إلى يائه لمحاولة الخروج بعمل متكامل في ظل الظروف التي يقاسيها المسرح السوري تدعو للتفاؤل بمستقبله.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة