جوى للانتاج الفني

محمود نصر

الوسامة باب الى النجومية .. لكنه ضيق وسرعان ما يغلق

فنان قريب من القلب، دائم الابتسامة، ودود جدا، لا تخلو عيناه من الخجل أحيانا، ويستطيع من اللحظة الأولى أن يذيب الجليد الذي يمكن أن يفصل بينه وبين الآخر، وسوف تشعر بأنك تجلس قبالة ممثل وصل إلى النجومية بفضل ثقافته واجتهاده وذكائه، وكذلك حرصه على الالتزام بوعوده ومواعيده.

لمسنا عن قرب أنه لا يحب الظهور الإعلامي كثيرا ويفضل الابتعاد عن الأضواء خارج عمله كممثل، ولذلك كنا حريصين على التوغل بحثاً في نتاجه الفني عوضاً عن الدخول في تفاصيل تهم “الصحافة الصفراء”، فنحن هنا أمام ممثل محترف ونتاج فني محترم ونجومية لم تأت مصادفة، بل صُنعت بمرور الزمن وحملت اسم النجم: محمود نصر.

استرسلنا في الحديث عن الفن عموما والدراما خصوصا قبل بدء المقابلة، وساعدنا كثيرا في اختيار زاوية لتصوير هذا اللقاء من الناحية الفنية، ما يشي باحترامه لجمهوره، وحرصه على طريقة ظهوره أمام متابعيه ومحبيه.

 اخترت الفن على حساب دراسة الهندسة منذ البداية. إيمان الشخص بموهبته يجعله يتخذ قرارات مصيرية في حياته؟

لا أرى أن الأمر له علاقة بالإيمان بالموهبة وتحديداً المصير، في ذلك الوقت لم أكن أدرك هذه المفاهيم بشكل واضح، لن أذهب في إجابتي هذه لأقول لك أنني أحببت التمثيل منذ نعومة أظافري.

القصة بدأت بمسرحية قدمتها في الصف الأول الإعدادي طمعاً في الحصول على علامات في مادة اللغة الإنكليزية، ثم تابعت النشاط المسرحي في المرحلة الثانوية، إلى أن علمت وقتها بوجود المعهد العالي للفنون المسرحية، وبأن التمثيل فن يدرس، فأصبح الموضوع بالنسبة لي هدفاً واضحاً جزئياً، ولكن عند قبولي للدراسة في المعهد العالي تحول هذا الهدف إلى هدف واضح المعالم.

قد تكون هناك دوافع دفينة داخل كل شخص منا لا يستطع في مرحلة ما أن يدركها بشكل واع، فتقوده هذه الدوافع لطريق مصحوبة بكم هائل من التجارب، والأحداث ليكتشف هدفه، ويحدده بشكل واضح، أما الإيمان بالموهبة وحده فغير كاف وغير مهم إن كان موجوداً أو لا.

أعتقد أن تحديد الهدف بالدرجة الأولى، ومن ثم اجتهاد الشخص نفسه على ما اختاره كي يكون هدفاً هو الأهم.

لعبت في عدد متنوع من الأعمال الدرامية: التاريخية, الاجتماعية، البيئة الشامية, وكنت بعيدا عن الأعمال الكوميدية. لم تعرض عليك شخصية كوميدية لتلعبها أم أنك لم تجد ما يناسبك في المشاريع الكوميدية التي عرضت عليك؟

الحقيقة لم يُعرض علي من قبل مشاريع كوميدية بما تحمله كلمة مشروع من معنى لأستطيع أن أجيبك إن وجدت فيها ما يناسب أم لا. وفي كل الأحوال أنا لا أؤمن بأن الممثل يجب أن يلعب جميع الأدوار، والأكيد أن هنالك ممثلين يقومون بهذا وهؤلاء ترفع لهم القبعة. وأعتقد أيضا أن للكوميديا أنواعاً وأشكالاً عديدة.. وإذا توفر نص ذكي وورشة عمل حقيقية تتيح للممثل أن يكون خفيف الظل فلا مانع من التجربة.

يمكن القول إن تجربة الكوميديا لم تغرك؟

ليس إلى هذا الحد. لست ضد التجربة، ولكني لم أفكر فيها مسبقاً.

هل معرفة الممثل لذاته وإمكانياته وطبيعته وهويته تجعله ذكيا في الاختيار؟

لا شك في ذلك، إنما هذا بحث طويل يستدعي كماً هائلاً من التجارب ليعرف الشخص ذاته، وإمكانياته التي تجعله ذكياً في الاختيار.

“وتحسب نفسك جرماً صغيراً / وفيك انطوى العالم الاكبر”.

هل يظلم الممثل نفسه بخياراته أحيانا ويقوده هذا للفشل؟

ما رأيك أن نتخلص من  فكرة أن الممثل يجب أن يكون معقماً في خياراته. على الممثل أن يجرب ويجرب، وهذا التجريب يجب أن لا يكون عشوائياً بل أن ينطلق من معرفة،

وحينها إن فشل فسوف يتعلم، وإن نجح فيجب بالضرورة أن يتطور. ثم إن الفشل والنجاح بالمعيار التلفزيوني السائد منوط بعدة عوامل ومقومات لا يتحمل فشلها ونجاحها الممثل فقط. هي عملية كبيرة جداً، وتحتاج إلى تعاون من كل طاقم العمل، كل شخص باختصاصه للوصول الى ما يسمى النجاح، ونهايةً هو بحث يطول الحديث فيه كثيراً.

هل تؤيد فكرة أن يحيط بالممثل أو النجم فريق يساعده؟ وهل نمتلك هذه الثقافة في مجتمعنا؟

طبعا أنا مع هذه الفكرة ولكنها غير منتشرة لدينا. أصبحنا نرى مؤخرا في الأعمال الدرامية وجود مدرب للممثلين أو مهنة إدارة الممثل، وهي لا تعني تدريب الممثل بالمعنى الحرفي للكلمة، فهنالك ممثلون لديهم مساحة بسيطة وهم بحاجة للتوجيه. وبالنسبة للممثلين المحترفين فهي عين ثالثة تشاهد من خلالها أداءك بالإضافة إلى عينك وعين المخرج، وهي تعني وجود شخص آخر يفكر معك. ومنطق التشاركية هذا في بناء الشخصية الدرامية وجوانب الحياة الأخرى منطق صائب جدا.

طبعاً هذا مثال عما يجب أن يحيط بالممثل على سبيل المثال لا الحصر، وفريق العمل الخاص بالممثل يجب أن يشمل عناصر أخرى كثيرة أيضاً تعزز تركيزه على عمله.

الدراما المشتركة والدراما المعربة حجزا مكانين دائمين على ما يبدو في الدراما العربية. كيف تنظر إلى هذه التجارب وهل تحتاج الدراما المعربة أدوات مختلفة من الممثل على صعيد الأداء؟

وقد تكون دراما معربة ومشتركة في آن واحد. بناء الشخصية دراميا له علاقة بطبيعة الشخصية المكتوبة على الورق ولا علاقة له بتمييز الممثل لنوع النص، فالممثل يبني الشخصية حسب معطياتها فكل شخصية تمتلك خلفية وتاريخا خاصا فيها، وبناؤها له أسس واحدة إن كانت شخصية تاريخية أو معاصرة وما إلى ذلك، وهنا بالضرورة سوف تختلف طريقة تفكير كل ممثل بالشخصية التي يؤديها.

الدراما المعربة تنفذ كما نفذت إلى حد ما في النسخة الأصلية ولكن فكرة كيف يؤدي الممثل فيها وكيف يكون طبيعيا وحقيقيا في هذا النوع من الأعمال كي يكون قريبا من الناس تعود إلى كل ممثل في حد ذاته.

هل تستفزك فكرة أن ترى أداء الممثل لشخصيته في النسخة الأصلية حين تريد لعب الدور نفسه في النسخة المعربة؟

أبداً على العكس تماماً، أبتعد عن مشاهدته كي أتعامل مع التجربة كتجربة مستقلة في حد ذاتها في محاولة لأن أقدم شيئاً جديداً ضمن شرط الشخصية المكتوبة في النص.

 للدوبلاج حيز في مسيرتك الفنية. هل ينتقص فن الدوبلاج من أدوات الممثل أم أنه يضيف له فنيا؟

بالطبع لا ينتقص، أهم الممثلين العالميين وظفوا أصواتهم في الدوبلاج، حتى في أفلام الكرتون.

الصوت علم واسع في حد ذاته، غير أن الممثل يرى تجارب بلغات مختلفة، وبثقافات وموروث مختلف، كما أنه يتعرف من خلال النص والإخراج على طرق تفكير مختلفة، وفي النهاية لا بد لكل ممثل بما يمتلكه من مخزون أن يستفيد من شيء ما من هذه التجارب.

أنت مبتعد عن العمل في مجال الدوبلاج؟

حالياً نعم، إنما كفكرة لا.

هل أتعبتك عباءة “عروة” التي لبستها في مسلسل “الندم” وهل تعتبره أول دور تمثيلي قدم محمود نصر للجمهور بشكل واسع؟

عروة دور مفصلي لي دون أدنى شك، وعلامة فارقة، إلا أني لا أعلم كم أتعبني هذا الدور، فكل ما أعرفه أنني حاولت أن أبذل أقصى ما لدي لأحاول الارتقاء بالأداء إلى مستوى النص المنجز للكاتب الأستاذ حسن سامي يوسف، وتحت إدارة المخرج الأستاذ الليث حجو. صدقاً لم أفكر وقتها بحجم التعب بقدر ما انصب تركيزي على الدور والشخصية المكتوبة بماء الذهب كما يقال، وبالأخص لأن العمل كان يشبهنا كسوريين، ويلامسنا في الأعماق لذلك عنى لي هذا العمل كسوري في المقام الأول وكممثل في المقام الثاني.

هل أخافك الجانب السردي في الشخصية؟

في الحقيقة على العكس تماماً، فالجانب السردي كان جزءاً لا يتجزأ من الحكاية. عندما يكون النص محكماً ومتماسكاً فلا داع للخوف منه أو من إحدى جزئياته بقدر ما يكون هناك داع للتركيز على صناعته وتحويله إلى صورة تحكي حكايةً ممتعةً تدخل إلى قلب وعقل المشاهد دون استئذان.

هل يضايقك هذا الشيء رغم كل ما قدمته بعدها؟

أبداً، فأنا أراها من زاوية إيجابية تجعلك تدرك بأنك تركت أثراً عند الآخرين إلى درجة أنهم باتوا ينادونك باسم الشخصية، وليس باسمك الحقيقي، وهذا شيء من الجميل أن يحدث مع الممثل، ويلمس من خلاله مدى تأثر الآخر بما قدمه.

بعد عروة في الندم ظهر محمود نصر بشخصية السلطان سليم الأول، وأشاد المتابعون والمهتمون بالدور الذي قدمته. ما الذي اختلف عند محمود نصر بين “ممالك النار” والأعمال التاريخية التي شارك فيها سابقا؟

لم اختلف بمعنى الاختلاف، لكن يمكن القول أنه تحديث أو تطور في كثير من الجوانب كممثل، بدءاً من قراءة النص وتفكيكه وفهمه، إلى طريقة البحث والقراءات التي تساعد على فهم الشخصية وبنائها، إلى التعامل مع مساحة اللعب بشكل أنضج أمام الكاميرا.

أستطيع القول أن تجربة “ممالك النار” في حد ذاتها كانت تجربةً مختلفةً على عدة أصعدة، فقد حرص الصديق ياسر حارب مشكوراً على تأمين كافة ما يلزم العمل لتقديمه بأبهى صورة ممكنة.

هل كان هنالك “كاستنغ” لشخصية السلطان سليم؟

لا لم يكن هنالك كاستنغ، فقد اتصلوا بي، وقمت حينها بقراءة النص ونال الدور إعجابي جداً، ولاحقاً بدأنا بالنقاشات والتحضيرات التي دامت لفترة طويلة قبل بدء التصوير.

هل حمل العمل مع مخرج بريطاني صعوبات في التواصل من الناحية الفنية، وهل حملك هذا مسؤولية مضافة؟

أبدا، بالنسبة لي لم أشعر بأي صعوبات في التواصل. عناصر العمل كانت تصنع بعناية شديدة بما يلغي وجود معوقات لأي ممثل بما يتعلق بالتواصل مع المخرج وغيره من الفنيين، باختصار فقد حمل العمل في طياته مناخا احترافيا كي يستطيع الممثل أن يقدم فيه أفضل ما لديه.

أما فيما يخص المسؤولية فأنا أعتقد أنه يتوجب على الممثل أن يتعامل مع أي دور بمسؤولية تامة، وعليه أن يشحذ قواه لتحملها مع باقي شركائه في المشروع، وهذا بالضرورة ينسحب على فريق العمل الفني جميعا كل حسب اختصاصه.

 “ستين دقيقة” مسلسل مصري قصير لعبت فيه دور البطولة. هل تعتبر أن التواجد في الدراما المصرية إضافة للممثل؟

كل عمل يقوم به الممثل يجب أن يشكل له إضافة.

مصر بلد يعد من الأقدم في تاريخ هذه الصناعة، وهي الأكثر عراقة عربيا في هذه الصناعة بحكم الزمن طبعا، وبالتالي لا بد أن يشكل العمل في الدراما المصرية إضافة للممثل.

“ستين دقيقة” كانت تجربة ممتعة وجديدة، وكنت سعيدا بردود أفعال الناس وانطباعاتهم عن العمل وبالأخص من قبل أشقائنا المصريين فقد وصلتني منهم ردود أفعال تفرح القلب، فهم شعب محب وذواق للفن والدراما.

شخصيتك في مسلسل “ستين دقيقة” كانت مضطربة داخليا. كيف تم الاشتغال على الدور من هذا الجانب. هل قابلت أشخاصا حقيقيين يشبهونها وأطباء نفسيين؟

اشتغلت على هذه الشخصية كما يجب على الممثل أن يعمل على أي دور، بالأخص إذا كان دورا مكتوبا بطريقة تستدعي وتستفز الممثل للتفكير والبحث فيها من خلال القراءات والمشاهدات، أو حتى إعطاء حصة من الوقت للتفكير بترجمة الشخصية من حالة الورق الأولية الى شخصية واقعية من لحم ودم.

بالطبع قمت بمقابلات متكررة مع دكتور نفسي كان مرجعا لي في الأماكن التي يحتاج النص فيها استشارات علمية وطبية، فقد جلسنا مرات كثيرة وتحدثنا مطولا عن مهنة الطب النفسي بالعموم وعن تفاصيل كثيرة تساهم في فهم الشخصية ومن ثم بنائها.

هل الانشغال بطريقة تقديم اللهجة المصرية يمكن أن يسرق من تركيز الممثل؟

بالطبع، فالممثل بحاجة إلى تركيز عالي المستوى للإمساك بكافة التفاصيل خصوصا عندما يتكلم بلهجة مختلفة عن لهجته الأم، وهذا يتم عن طريق تكثيف التدريبات ورفع عتبة التركيز والمحاولة الجدية في تجاوز أي صعوبات قد تعيق الأداء، كالتفكير باللهجة المحكية أو الكلام المنطوق على حساب تركيزه كممثل للشخصية.

أغلب أدوارك في الدراما السورية تميل نحو الشخصية الخيرة والشهمة، بينما في مسلسلات “دفعة بيروت” و”ممالك النار” و”ستين دقيقة”، كأمثلة، كانت مختلفة. ما سبب هذا التمايز في نوعية الأدوار بين الدراما السورية والعربية؟

ليس تمايزا بقدر ما هو محاولة جادة لتقديم شخصيات مختلفة وهذا بالطبع حق مشروع لدى الممثل، وربما شاءت الأقدار أن تكون هذه التجارب، التي وصفتها بالمتمايزة عن تجاربي المحلية، تجارب عربية.

“رسائل الكرز” في تجربة إخراجية سينمائية يتيمة للفنانة سلاف فواخرجي، وفيلما “الاعتراف” و”سوريون” للمخرج باسل الخطيب.. هذه حصيلة حضورك في السينما. هل توفر السينما حضورا مختلفا للممثل؟

وهناك أيضاً فيلم “المخاض”، وهو فيلم قصير، وكان من إخراج الصديق السدير مسعود.

بالحديث عن الأفلام التي ذكرتها كانت تجارب ممتعة، وكل فيلم فيها كان له حضوره الخاص إن كان على مستوى عرضه في سورية أو في مهرجانات عربية ودولية.

في الحقيقة السينما عالم آخر، لها سحرها الخاص، وبالتالي لا بد للسينما من أن توفر حضوراً مختلفاً للممثل، وتزيد من رصيده، وللأسف فإن الحضور السينمائي في سورية بخيل جداً لحساب الحضور التلفزيوني.

برأيك، هل يحقق الحضور السينمائي انتشارا أكبر للممثل؟

لا يمكن أن يحقق الممثل انتشاراً من خلال السينما إلا اذا تحولت إلى صناعة متكاملة وقوية، قادرةً على أن تفرض شروطها، وللأسف نحن لا نملك هذه الصناعة ولا شروط تحقيقها التي تبدأ بالخروج من عباءة الإنتاجات المحدودة في المؤسسة العامة للسينما، إلى تطوير دور العرض وإعادة افتتاحها من جديد. بالطبع نحتاج إلى عوامل كثيرة أخرى أيضاً، وإلى خطوات أكبر للنهوض بالسينما ودعمها، وأتمنى حدوث هذا لنرى السينما السورية حاضرةً بشكل فعال أكثر.

مبتعد عن المسرح بإرادتك، أم أنك لا تملك وقتا كافيا للحضور على الخشبة؟

للأسف فإن الشروط المتوفرة على الساحة الفنية كلها شروط تلفزيونية، من الشرط الاجتماعي والفني إلى المادي. نحن لا نملك حالة تبن للتجربة المسرحية كي تكون بديلا للممثل في تحقيق النجاح، هي شرط مختلف تماما.

من وقت إلى آخر أحب أن أقوم بتجربة مسرحية، فالمسرح يعيد لك توازنك مع نفسك، وهذا التماس المباشر مع الناس أمر مغر وصعب أيضا.

تجربتك المسرحية الأخيرة كانت تحت إدارة الفنان غسان مسعود. هل كان الدور يحتاج لمحمود نصر، أم انه كان استثمارا في نجوميته التلفزيونية لصالح المسرح؟

بالنسبة لي، المسرح غير مشروط بتسميات النجومية التلفزيونية وغيرها.

في المسرح يعيد الممثل اكتشاف ذاته، والتعامل مع أدواته بشكل حي ومباشر حتى أنه قد يكتشف نقاط ضعف فيها ويعيد ترميمها، ناهيك عن فترة التحضير التي يمر فيها الممثل بالعديد من البروڤات والقراءات. اختبار جميل هذا التماس المباشر مع المتلقي الذي يجعل من تجربة الممثل في المسرح حالة خاصة لا مثيل لها. هذا كان دافعي الأساسي من خوض هذه التجربة خصوصا أنها كانت مع الأستاذ القدير غسان مسعود، استاذ له تاريخ وتجارب مهمة في المسرح وقد تعلمت منه الكثير على صعيد التمثيل، وعلى الصعيد الشخصي.

هل خطر لك أن تقوم بتجربة إخراجية مسرحية؟

حقيقة لم تخطر في بالي، ولاحقا لا أدري إن كنت سأقوم فيها أم لا.

 التدريس؟

بعد تخرجي كنت معيدا في المعهد العالي للفنون المسرحية، ولم أجد نفسي في هذا المكان وهنا أقصد بطبيعة الحال التدريس.

هل يدفع الممثل ثمن وسامته في بعض الأحيان، أم أن الوسامة رصيد إضافي للممثل؟

قلت هذا كثيرا في السابق والآن سوف أعيده الآن.

الشكل الخارجي، أو حتى الحظ الجيد بوابة ضيقة جدا سوف تنغلق بعد فترة قصيرة من الزمن.

كم من الوقت سوف تبقى ترى شكل الممثل أو الممثلة التي أمامك وكم سيخدمهم الحظ!

ربما يخدمهم الشكل والحظ مرة أو مرتين أو عشرة. أنا أرى أنه على الممثل عند قراءته للدور أن يرمي كل هذه التفاصيل وراء ظهره ويفكر ما الذي يجب عمله.

ولا تزعجني فكرة أن يقوم مخرج باختياري لدور ما بدافع الوسامة، وهنا يبقى على الممثل أن يتحمل نتيجة طريقة تقديمه لنفسه بشكل جيد.

الطبيعة لا توزع بالتساوي، فأنا اليوم شكلي يختلف عن شكل الآخر، نحن أناس مختلفون بالكثير من الأشياء مثل الصوت والشكل والطباع، فإذا كان الممثل جامعا للهبة الربانية المتعلقة بالوسامة وبين اجتهاده وقدرته على تجسيد الأدوار، فهذا أمر مميز جدا لأي ممثل.

هل لديك استعداد للتشوه على مستوى الشكل إن كان الدور يتطلب ذلك؟

طبعا أنا على استعداد لذلك. لماذا سوف يخاف الممثل من لعب دور شخصية قبيحة؟ ولماذا سوف يخاف من انطباع صورته لدى الناس؟

المسلسل أو العمل الفني سينتهي وسيراه المشاهد في أعمال أخرى، وبالتالي سوف ينسى عينه المقلوعة أو تشوه وجهه، وأنا أرى هذا الشيء ميزة يجب على الممثل استغلالها إن قام بهذه النوعية من الأدوار، وهي فرصة له لتقديم نفسه بطريقة مختلفة. أنا هنا لا أحصر المفهوم بالشكل فقط بل بطريقة كتابة الشخصية التي ستحمل عمقا معينا يحمل ارتداد الشكل نفسيا على طريقة بناء الشخصية دراميا، ومع وجود وسائل التواصل الاجتماعي في هذا الوقت تستطيع أن تكون حاضرا دائما بصورتك الحقيقية، وإن أردت أن ترى شكل شخص ما فببساطة تستطيع الدخول إلى حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي لتكتشف ذلك.

الاستقرار الاجتماعي يلعب دورا في الإبداع أم أنه عائق بشكل أو بآخر؟

لا أعتقد أنه يلعب دوراً بأن يكون حافزاً، وفي الوقت نفسه لا أراه عائقاً، فهي تجارب شخصية قد تجعل منه عائقاً أو حافزاً، وقد تختلف من شخص لآخر.

استطيع القول أن الأسرة مؤسسة راقية جداً، ومن المفترض أن تكون حافزاً للتقدم والتطور حتى لو تخللتها بعض الصعوبات.

يحمل التأخر في الزواج سلبيات؟

لا أفكر بهذه الطريقة وأشعر أن الشخص خين يكون قادرا على تحمل هذه المسؤولية فيجب أن يقدم عليها.

هل تحب الأطفال؟

لم أختبر هذا الشعور إلا من خلال وجود أولاد إخوتي وبصفتي كسفير للنوايا الحسنة لدى قرى الأطفال.

كما قلت فأنت سفير للنوايا الحسنة لقرى الاطفال. هل تعتبر العمل الإنساني واجبا على الممثل دون الحاجة لتكليف رسمي أو دون إطلاق الألقاب عليه؟

لا أعرف إن كان يصح القول بأنه واجب ونبدأ من هذا المنطلق بإعطاء نصائح للناس. هو منطلق فردي، وكل شخص منا إن بحث داخل نفسه يمكن أن يرى هذا الضوء المتعلق بالخير، فإن استطاع ترجمته بأية طريقة وفي أي مكان فمرحبا به.

أنا اليوم من مكاني كسفير للنوايا الحسنة لجمعية قرى الأطفال أقوم بما أستطيع كي أوصل صوت الأطفال للناس كي يتبرعوا لهم حتى نستطيع تأمين الرعاية الأسرية المطلوبة كونهم فاقدين لها، ويمكن لغيري أن يقوم بالتبرع في جمعيات أخرى كثيرة موجودة.

أتحدث دائما عن جمعية “بسمة” التي تعنى بالأطفال المصابين بالسرطان، وأدعو كل الناس القادرين على فعل الخير بالتبرع لهذه الجمعية ولقرى الأطفال. وأنا أتمنى، بغض النظر عن كوني ممثلا أو فنانا، أن تتحول ثقافة التبرع إلى موروث نحمله من طفولتنا ونربي أطفالنا عليه، وأن نعلم الأطفال في المدارس على أهميته وضرورته، بتلك الطريقة يمكن لنا أن نصل إلى مرحلة تكافل اجتماعي، ونحد بشكل ما من التفاوت الطبقي ونصل إلى الناس المحرومة والمحتاجة.

قمت ببناء صداقات مع الأطفال؟

لا شك، أحبهم كثيرا وهم أيضا يبادلونني الشعور نفسه، وأقوم بزيارتهم دائما، وألتقي فيهم فهم يهبونك إحساسا غريبا بالسعادة والرضا لا أعرف دافعه، وهنالك شيء غريب داخلك يحدث عندما تقوم بهذا الواجب.

قبل أن ندخل في الحديث عن بطولتك في “مربى العز” مؤخرا أريد أن أسألك: هل ترى أن شخصيات البيئة الشامية محدودة على مستوى بناء الشخصية؟

أعمال البيئة الشامية غالباً ما تطغى عليها الحكايا الشعبية البسيطة، والتي تحمل قيماً أخلاقيةً وموروثاً اجتماعياً خيراً، والذي يتجسد في أغلب الأحيان بوجود البطل الشعبي القوي النبيل. هي حكايا تشبه حكايا الجدات التي تبدأ بــ (كان يا ما كان في قديم الزمان)، ولا تستطيع أن تحملها أكثر من ذلك، وإن أردنا يمكن أن نطلق عليها ـ إن جاز التعبير ـ فنتازيا شامية عوضاً عن البيئة الشامية.

برأيي أي شخصية درامية يجب أن يكون لها دوافعها، تاريخها، ومنطقها بغض النظر عن نوع العمل. أنا أراها شخصيةً ضمن شرطها في الحكاية، قد تكون الحكاية بسيطةً نعم، لكن لا أنظر للشخصية على أنها محدودة، وحتى لو كانت حكاية هذه الشخصية بسيطةً، فإن المهم هو تقديمها بعيداً عن المحدودية وبأكبر قدر ممكن من الإقناع لتؤثر هذه القيم في الناس إيجاباً.

هل تعتبر “حدث في دمشق” بيئة شامية خاصة وأنك قدمت فيه شيئا مختلفا؟

من أحب الاعمال إلى قلبي، وهو العمل الأول مع الأستاذ باسل الخطيب، والصديقة الغالية سلاف فواخرجي كممثل بعد العمل تحت إدارتها كمخرجة في فيلم “رسائل الكرز”.

كان العمل تجربةً ممتعةً جداً، ودعنا نفصله عن أعمال الفنتازيا الشامية إن اتفقنا على تسميتها هكذا.

“حدث في دمشق” عمل تدور أحداثه في مرحلة زمنية معينة، موثقة تاريخياً، مطعّم بشخصيات درامية مختلقة لتخدم ما يريد النص إيصاله للمشاهد، كما أن الشخصيات فيه تحمل قضايا ومفاهيم كبيرة، كالوطن، الأرض، والانتماء.

كيف تصف علاقتك وطريقتك في التعاطي مع وسائل التواصل الاجتماعي؟

متوسطة وأقرب ما تكون إلى الضعيفة، وهذا طبعا من منطق ما نراه منها، ولكن من الجيد أن يرى الممثل نتيجة عمله وتأثيره على الناس وانطباعاتهم من خلالها، وهنالك أشخاص يساعدوني على إدارة حساباتي بتوجيه مني.

تفاعل الناس مع شخصية “مناع” في مسلسل “مربى العز” وأحبوها، وهذا ما لمسته لدى المتابعين للمسلسل. ما الذي جعل هذه الشخصية قريبة من الجمهور؟

وجود البطل النبيل المعقم شخصية مغرية لدى الناس، فهم يحبونها ويتعلقون بها، لأن هذا البطل يحقق لهم كل القيم المثالية التي يحبون أن تتواجد فيهم. يحب الناس رؤية بطل شعبي يحب الخير ويدافع عن الناس المظلومين وعن أهله وعائلته، هذا الشخص المسؤول الشجاع الذي يأخذ حقه بيده ويسترجع حقوق الناس المسلوبة.

قدمت شخصية “الأبضاي” بكثرة في الأعمال الشامية. هل يزعجك أن يقحمك الآخرون في مقارنة ما؟

لماذا يقوم الناس بالمقارنة أصلا؟ هذه شخصية وتلك شخصية، وهذا ممثل وذاك ممثل.

أنا لا أفكر مسبقا بما سيحدث، ولكني أفكر مسبقا في كيفية تحويل المكتوب على الورق إلى لحم ودم، وأن أكون أقرب ما يكون إلى الإقناع، وبالتالي أن أخلق هذا الرابط الشعوري بيني وبين المشاهد، ولا يجب أن نفكر بالمقارنات مسبقا لأنه أمر يعيق عملنا، وعلينا خلال التحضير لأي عمل ألا نفكر بالصعوبات قبل التفكير بالحلول.

هل هناك عمل قادم في الأفق؟

لا، أنا الآن في استراحة.

في نهاية لقائنا اقترب شاب كان موجودا في المكان نفسه الذي أجرينا فيه المقابلة، ليطلب بخجل شديد أن يتكلم مع الفنان محمود نصر. أحضر هذا الشاب معه ورقة وقلما، وطلب من محمود أن يكتب له شيئا ما لحبيبته بخط شخصية “عروة” من مسلسل “الندم”، قائلاً إن حبيبته متعلقة، مثل سوريين كثيرين، بهذه الشخصية، وهنا سأله محمود عن اسمها، وعرفنا من الشاب أنهما سيتزوجان قريبا، وفعلا كتب محمود لحبيبة الشاب بخطه الجميل أبياتا شعرية صوفية لرابعة العدوية، وقام بتذييل ما كتبه باسم “عروة” وبتوقيعه.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة