أعمالي تُقذف بالحجارة لأنها تحفر في مسائل مسكوت عنها
يحرص المخرج السوري محمد عبد العزيز على مناقشة منجزه قبل أن يفعل أي شخص آخر ذلك، وهو قلما يمنح رضاه لهذا المنجز، ذلك أن الرضا،
في عرفه، هو استكانة ونهاية للأسئلة المحفزة على الإبداع..
ولهذا نراه دائم اللهاث وراء الأسئلة في رحلة لا تنتهي من التجريب.
بيته الدمشقي،الذي يجاور الجامع الأموي، مترع بقطع الأنتيك ما جعله أشبه بمتحف صغير. هنا كان لنا معه حوار،
حرصنا ـ هو ونحن ـ على أن يكون صريحاً وكاشفاً.
ــ كمخرج سينمائي.. هل تخاف على السينما من فوران وسائل التواصل الاجتماعي، ومن الذكاء الصناعي الذي سيكون له، على ما يبدو، دور كبير في قادم الأيام؟
ـ لا أبداً، وأظن أن السينما ستجد وسائل تعبير جديدة في المستقبل القريب،
فمنذ فترة يتم التحدث عن الهولوغرام والسينما رباعية الأبعاد4D واندماج المتلقي مع أبعاد أخرى في الفيلم،
لذا أجد أنها ستجد لنفسها شكلاً ومساراً جديداً مع فوران وسائل التواصل الاجتماعي،
وأظن أن السينما تشبه الشعر فهو موجود في كل شيء، لذا لن يتأثر دورها،
ولكن وسائل التلقي هي التي ستتغير ربما، فنحن اليوم في الدراما نرى نوعاً من السينما المتلفزة..
وأظن أنه في كل حقبة سيكون هناك شكل جديد للتواصل البصري،
والسينما كوسيلة تواصل حملها كبير جداً حيث يمكنك تحميلها أكثر من معطى،
وفي كل فترة سوف تراها تجد لنفسها وسائل جديدة لكي تبقى حاضنة للجمهور.
– بما أنك أتيت على ذكر الشعر، أنت أصدرت ديواناً شعرياً عام 2005، بعنوان “نيكوتين”، فهل هجرت القصيدة اليوم، وانتقلت نهائياً إلى أداة تعبير أخرى هي الكاميرا؟
– لا يمكنني أن أسميها شعراً، أسميها نصوصاً لها شكل نثري وشعري، في تلك الفترة وجدتها تعبر عني،
ولكنني أثناءها كنت أصور أيضاً، فلم تكن الصورة المتحركة أو السينما بديلاً اتبعته بعد هذا المشروع،
ونص “نيكوتين” انتهى في ذلك الوقت، ولم أجرب بعدها، ولقد كتبت رواية أيضاً وإن وجدت فرصة قريبة فربما أنشرها.
– وماذا عن الرابط بين ديوان “نيكوتين” وفيلمك الأول “نصف ميللغرام نيكوتين”؟
– أجد أن “نيكوتين” نابع من المشاغبة فحسب، أو من الضد والتضاد،
ومن هنا كان عنواناً للنص وعنواناً للفيلم، فقد كان يعبر عني أثناء تلك الفترة..
وكأنني كنت أجده كفيروس أو مضاد لكل شيء، كأنني كنت أريد أن أقول (لا) في وقت كان الجميع يقول (نعم).
– لم يمر عمل لك بسلام ودون مشكلات، مع أنك على الصعيد الشخصي لا تميل إلى السجال.. ما تفسيرك لهذه المشكلات المثارة حولك بشكل دائم؟
– أظنها المادة الفنية بحد ذاتها. النصوص السينمائية كاملة، وحتى التي أنتجتها الدولة، مُنعت أو مورس عليها نوع من الرقابة، وكذلك النصوص التلفزيونية..
وأظن السبب أنك أمام مجتمع أو مؤسسات لديها يقينيات ثابتة،
وبالتالي فإن المس بهذه اليقينيات بمادة فنية تمتلك نزاهة السؤال والبحث، والحفر عميقاً حول مسائل مسكوت عنها، ربما جعل معظم نتاجي يتعرض للقذف بالحجارة.
– تقول إنك تعمل بطريقة المختبر الفني في موقع التصوير، وهذا ما يثير الاتهامات ضدك بأنك تحرف النصوص أثناء العمل، وكأنك تمارس ديكتاتورية تجاه النص بما فيها نصك أنت، مع أن التجريب الفني أقرب للديمقراطية، فكيف تفسر هذا التناقض والفارق بينهما؟
ـ أعجبني ما قلته عن التناقض، إنه يعبر عما لدى المرء من مخزون معرفي ليحافظ على التوازن، أو التناقض،
وتضاد الأشياء. هذا جزء من تكويني الوجداني والمعرفي والفلسفي،
وبالتالي فإن الجمع ما بين دكتاتورية المخرج في آلية صناعة الصورة، مع ديموقراطية الصورة أو المعرفة،
هو دفاع عن الحريات العامة، وما يندرج تحتها، هنا بالضبط يكمن المحك لمن يعمل في الحقل الإبداعي،
فأنا آت من هذه الذهنية،
وهذا التناقض أراه حسنة، وهذا النوع من الدكتاتورية أراه أيضاً حسنة،
فله أكثر من تعبير وأكثر من مستوى، إنه ليس دكتاتورية لأجل الدكتاتورية،
فهو ليس مركزاً اجتماعياً لتقول أنا دكتاتور،
فهي صيغة بحث، وبالتالي فإن العمل بذهنية المختبر المفتوح، تؤدي إلى نتائج أكثر رحابة بتصوري،
فالأسئلة تجاه مشروع ما لا تكون مغلقة على نفسها،
أما عن فكرة التحريف فلا أقف عندها كثيراً لأنني أظن أن من حسنات أي مبدع أنه حين يصل إلى أي نص أدبي فإنه يعيد صياغته،
ففي المجال البصري والصوري لا بد من إجراء تعديلات بذهنية المختبر على الشكل الأدبي للنص.
– نعرف أنك منقب في الأنتيك، وباحث عن الوثائق والمخطوطات والأدوات القديمة، وكأنك تقوم بمهمة تشكيل ذاكرة للمجتمع كله، وتنقلها عبر السينما والفن، فهل هو مشروع شخصي أدخلت إليه السينما، أم أنك تقوم بهذا الفعل لخدمة السينما؟
– في الحقيقة إنه ليس لخدمة السينما، ربما كان في البداية هاجساً يجعلني أقول أنه من خلال الأشياء والأدوات تستطيع القيام بسبر زمني لحقب معينة،
فأنا منذ فترة بعيدة مهتم بتاريخ المحيط الجغرافي الذي أعيش فيه.
والبلاد والمدن التي عشت فيها وبالتالي كان لدي رغبة في إيجاد أدوات تصنع مع قراءاتي نوعاً من التحليل للحقب الزمنية، وخاصة بعد التحرر من السلطة العثمانية..
فإن جزءاً كبيراً من تاريخنا المعاصر مغيب أو تم تغييبه،
لذا أنت بحاجة أن تحاول بهدوء سبر هذه الحقب لكي تشكل رأياً معتدلاً وصادقاً تجاهها، وإن أنجزت عملاً عنها فيمكن الاستناد إلى هذه التحليلات التي توصلت إليها.
– درست الثانوية الشرعية ومن ثم الاخراج في مصر وتركيا، ولديك ميول يسارية، إضافة إلى النفَس الصوفي الذي يظهر في الكثير من أعمالك، ثمة من يرى في هذه المعارف فرادة، فيما يراها آخرون تناقضاً..
– منذ طفولتي كان لدي قفزات في أكثر من اتجاه لحسن الحظ،
فأنا ولدت في عائلة تمتزج فيها مكونات دينية ومذهبية عديدة. كما يوجد اليساري والشيوعي والبعثي،
فلقد عشت ضمن هذا الفضاء المركب من كل الاتجاهات، فلذا لم أشعر أن هناك مساراً واحداً يمكن أن يعبر عني،
فلقد كنت مؤمناً جداً بالمبادئ الشيوعية، وبالعدالة الاجتماعية،
وحقيقة لا أعرف ما الذي دفعني لأدرس في “معهد الأسد للعلوم الشرعية”،
بقيت عاماً وقد تعرضت خلالها لأكثر من إنذارين، ثم طردت من المعهد في العام التالي،
ولكنها كانت فرصة جيدة لأتعرف بشكل منهجي على الجانب الروحي والديني وقد ساعدني هذا كثيراً،
أما الانتقال للمسارات الأخرى فهو من نفس السياق،
فهو للبحث الدائم والشائك عما يعبر عني وأظن هذا التراكم كان مفيداً لي ليتجلى في معظم الأعمال التي قمت بها، أظن أن الصوفية أو الماركسية اللينينية أو الماركسية الحديثة أو العرفانية..
هي في الجوهر من منبع واحد في حال أنها لم تؤدلج وبقيت جسراً للتعرف على الإنسان والمكان،
وعلى الموجودات والكون بحد ذاته.
– مشاريعك الحالية والقادمة تلفزيونية، ألا يخشى المتمرد السينمائي، الذي عرفناه فيك، من الخضوع لـ “المكنة” الإنتاجية المؤسساتية، التي تنجز مشاريعك معها اليوم؟
– أبداً، لأن لهذا علاقة بتكويني، فأنا قلت إنني منذ طفولتي شخص متمرد، وخارج إطار المؤسسة، ولطالما عملت خارج المسار، لطالما كنت مهتماً بالنبش وتجريب أشياء تتناقض كلياً مع تكويني المعرفي والروحي والفلسفي وبكل رحابة صدر، وحتى الآن أنا مستمر بذلك. وفي الحقيقة في كل الأعمال التلفزيونية التي قمت بها لم يفرض علي أي شيء، وكل شيء تم بالمشاركة والنقاش، وربما لحسن حظي عملت مع جهات كانت تعرف أني قادم من الخلفية والمنهجية السينمائية، فأعطتني المساحة الكاملة لأقوم بدوري كمخرج، أنا أتفهم أن للسوق التلفزيوني شروطاً، ربما في البدايات كان لدي بعض القلق، ولكنني حالياً أراه سوقاً ذهبت إليه وبخياري، لذا أشعر أنه لا يمكن أن يفرض عليك شروطاً قاهرة، فضمن هذا الشرط التلفزيوني الجماهيري تحاول أن تجد لنفسك فضاء أو مساحة تستخدم فيها أدواتك كمخرج.
– بعد المشكلة التي أثيرت تجاه مسلسل “النار بالنار”، هل ترى أن المشكلة لم يكن مقصوداً فيها العمل بذاته، بل أنت كمحمد عبد العزيز؟
– لم أفكر بذلك، ولا أحب ممارسة دور الشهيد أو الضحية، وبالنسبة للمشكلة أظن أن التصريح الأخير للأستاذ المنتج صادق الصباح قد أغلق الخطوط بمحبة وصدق وحرفية شديدة.
– بالعودة إلى طفولة محمد عبد العزيز مصطفى، وأنت الذي احتفظت باسم أبيك في توقيع كل أعمالك، مع أنك لم تره إذ رحل قبل ولادتك.. من زرع بذرة السينما في ذهن هذا الطفل الذي كان في قرية اسمها “خربة دلال”؟
– في طفولتي كنت أرغب أن أصير لاعب كرة قدم، وكنت مهووساً بالفريق البرازيلي ككثيرين على هذا الكوكب..
توفي والدي حين كانت أمي حاملاً بي في الشهر السابع، وحين توفي قررت أمي ألا تتزوج والبقاء معنا، نحن أربعة إخوة، ودعني أقل أنه من محاسن الغياب، أنه شكل حولي ما يشبه حلقة مغناطيسية لأمتلك شيئاً لا يمتلكه الآخرون، حتى وإن كان هذا الشيء مؤلماً، هذا الشيء خلق في داخلي ضوءاً خافتاً مع أنه نقص في الحقيقة، فأنت كطفل تشعر بنقص ما، وهذا النقص جعلني أرى الأشياء بطريقة مغايرة وخاصة أننا في مجتمع شرقي وذكوري، حيث يظهر فيه دور الأب أكثر وضوحاً مع أنني لم أشعر بهذا سوى أنه في المدرسة يأتي الأولاد بأولياء أمورهم، وهم الآباء، أما أنا فقد كانت تحضر أمي، مع أن النساء لم يكن يقمن بهذا الدور.
– على ما يبدو كانت تستدعى إلى المدرسة كثيراً؟
– (يضحك) أجل كانت تأتي كثيراً لأنني كنت مشاغباً، مع أنني الأول دراسياً على الصف، لذا أقول إن غياب الأب شكل لدي ما يمكن أن يجعلني أعبر عن نفسي بطريقة مغايرة، فمنذ طفولتي شغلتني الصورة، وأظن هذا بسبب غياب الأب فأنا لم أعرفه إلا في الصور الفوتوغرافية، فأبي لديه بضعة صور بالأبيض والأسود كنت أراها، ربما صورتان أوثلاثة لا أكثر، وفي منامي رأيته خلال كل حياتي مرتين أو ثلاثة، ومع هذا أحس برابط للتواصل معه.. كل هذا أنشأ حساسية غير مرئية تجاه محيطي، وهي تتراكم وتتطور، ربما لم يلعب دوراً في السينما، بل لعب دوراً أنه في كل فترة كنت أذهب إلى شكل تعبيري مختلف ليعبر عن مكنونات ما، وأوكسجينه المغذي هو غياب الأب.
– أنت رب أسرة وصاحب مشروع فني وإبداعي.. كيف توفق بين الدورين؟
– إنه يحتاج جهداً كبيرا، والقاعدة المعروفة: إما مخرج فاشل وأب وزوج ناجح، أو أب وزوج فاشل ومخرج ناجح.. المعادلة صعبة وأحاول التوفيق فيها، ولكن مسؤوليات البيت والعائلة تتحملها زوجتي الممثلة رنا ريشة، وككل الآباء أحاول أن أقوم بواجبي وأكون محباً وحاضراً.. وما أريد قوله هو أن لا أحد قدم شيئاً عظيماً على مستوى المنجز الإبداعي، ليراجع المرء مسؤولياته تجاه المنجز، ربما بضعة أسماء على مستوى الموسيقى، وأقل منها في السينما، لا تتجاوز أربعة إلى خمسة أفلام هامة، وأشعر أنه في الدارما التلفزيونية لا شيء مهم، وفي الأدب والرواية كذلك الأمر، لا يزال منجزنا الإبداعي السوري متواضعاً جداً.
– وماذا عن منجزك أنت؟ تبدو في نقاش دائم معه؟
– أي منجز تتحدث عنه؟! أقيّمه بأقل من واحد بالمئة، ما زلنا نجرب فقط، ففي فضاء العالم العربي بشكل عام، من الصعب أن تحقق الأشياء وتنجزها كما تريد، أنت لا تمتلك الحرية الكاملة للإنجاز، أنت دائماً مقيد بأدوات ومسارات وعقبات هائلة، ربما الوحيدون الذين تجاوزوا هذا هم الفنانون التشكيليون، فالتشكيليون السوريون لديهم تجربة قريبة من النضوج، وقريبة من هويتنا الوطنية، وأُنجزت بعمق شديد، وطبعاً الأقل نضوجاً هي الدراما التلفزيونية.
– ولكن حضور الناس لمعرض فن تشكيلي أقل بكثير من حضورهم لمسلسل تلفزيوني..
– ليس المحك هنا هو الجمهور، ربما أغنيات لـ “الأستاذة” هيفاء وهبي، تتجاوز مبيعاتها أغنيات أم كلثوم بملايين المرات، وهذا لا يعني أنها ألأفضل، ذكرتها كمثال مع احترامي لكل نتاجها، ولكنه لا يعني أنه أكثر أهمية من شيء آخر.
– وفي الإطار نفسه: منجز محمد عبد العزيز التلفزيوني معروف للناس أكثر من منتجه السينمائي، ألا يعكس هذا غيرة من السينمائي للتلفزيوني؟
– أبداً، أنا شخص متصالح جداً مع نفسي، لا أهتم بأن يكون لدي مركز اجتماعي بسبب المهنة، أو أن أمارس دور المخرج كسلطة عليا، أنا لا أرى الأمور هكذا، يمكنني فتح “بسطة” الآن بكل حب وقبول شديد، كأي مواطن آخر، وربما يحدث هذا في أية لحظة..
– سيقال حينها أنك تقوم بمختبر فني لمشروع سينمائي جديد
– (يضحك)
– سبق أن أخرجت الفيديو كليب، وثمة من اعتبرها مثلبة، مقابل عملك في الإخراج السينمائي أو التلفزيوني، ما الجاذب لديك في هذه التجربة؟
– إخراج الفيديو كليب كان ولا يزال مطلوباً، ليس لي فقط بل لغيري، كبار المخرجين في هوليود وغيرها أخرجوا فيديو كليب وإعلانات، ومنهم من أسس لاتجاهات سينمائية ولم يكونوا مخرجين فحسب، كان “ستانلي كوبرك “مهووساً بمتابعة الإعلانات التجارية، بحثاً عن التكثيف فيها، وكان يدرس ما فيها من تكثيف لساعات طويلة. بالنسبة لي كانت خياراً.. لا أعرف من قال إن الفيديو كليب نقيصة، لقد كان نافذة لأعرف كل ما يحدث في الصورة خارجياً، فكل الفيديوهات التي صورتها كانت تذهب إلى استنبول أو لندن أو بيروت للتحميض في استديوهات هامة، وهذا ما جعلني مطلعاً على أهم استديوهات ومخابر التحميض.
– يمكن أن تقدم مجدداً على إخراج فيديو كليب؟
– نعم من فترة لا تزيد عن ثلاث سنوات أخرجت فيديو كليب للفنان “بشار زرقان”، وحتى اليوم يعرض علي، أحياناً يكون لدي وقت وأحياناً لا، في الحقيقة أخرجت فيديوكليبات فنية جداً، واخرجت فيديو كليبات شعبية جداً وتحت المستوى العاشر.. لكن هذا كله كان هدفه التفكير بالتصالح مع الأشياء عن طريق تجريبها، مثلاً كان الفيديوكليب يعطيني ميزانيات كبيرة، وتستخدم أحدث الكاميرات بالعالم، وهذا لم يكن متاحاً في التلفزيون، بينما في السينما كانت الفرص قليلة جداً.. أيضاً أنا أنجزت إعلانات كثيرة، وهذا أفادني كثيراً في التجريب على مستوى التكنيك لأنك حر أكثر بحركة الكاميرا، وعلى مستوى تكثيف الذهنية، وعلى المستوى المادي فقد كنت من المخرجين ذوي الأجر العالي، بأجر فيديوكليبين كنت أتقاضى أجر مسلسل كامل.
– إليك هذه الوشاية: بدأت مشروع ورشة كتابة لعمل ما (قيل الفضاء والتاريخ) فنتج عنه “شارع شيكاجو”، ومن ثم اتضح أنه كان لديك بذرة مشروع مسلسل “البوابات السبع”.. هل تدخل ورش دون أي تخطيط؟
ـ هذا ليس صحيحاً، أنت شاعر وكاتب، ربما تكتب مخطط قصيدة أو مسرحية وأثناءها تكتب رواية وبعدها تعود إلى مسلسل تكتب فيه، والفنان التشكيلي أيضاً ربما يؤسس لشيء ما ويتركه وينتقل لإنجاز آخر.. مسلسل “البوابات السبع” هو فكرة لمشروع قديم، بدأت مخططاته ربما من عام 2009، أما “شارع سيكاجو” فكان فكرة مطروجة من قبل شركة الانتاج من حيث العنوان..
– البوابات السبع فيه بحث في الميثولوجيا السورية، وفيه أيضاً بحث في الخيال العلمي، وهو قابل للتجريب الفني والتقني هل هذا جذبك أكثر من فكرة البحث التاريخي؟
– هناك أكثر من مستوى ليكون هذا العمل جذاباً، كنوع فهو من صنف الخيال العلمي، لذا يشدك أنت كمخرج مع الفريق كله لتجرب أدواتك، ويجب أن لا ننسى أن هذا الصنف معاصر وقريب من الجيل الحديث، الجيل المتعلق بوسائل التواصل، وهو أيضاً الأكثر انتشاراً وإنتاجاً عالمياً، في الكثير من المنصات العالمية، وبالتالي فأنت تجرب أدواتك ضمن الظرف المتاح، لولا وجود الميثولوجيا السورية كان المشروع سيظهر أضعف، وبما أن الأحداث كلها تدور في دمشق ودمشق من المدن العظيمة، التي تحتمل أن تثير من خلالها ـ وخلالها موضوع الخيال العلمي، وهذه العوامل كلها مجتمعة لعبت دوراً لنذهب تجاه هذا المشروع.
– تعرضت لانتقادات حادة وصلت حد الشتائم، هل يزعجك الأمر وهل تقف عنده؟
– لا أبداً، أنا أحترم كل الناس سواء مدحوا أو شتموا. هذا طبيعي وهذه ديموقراطية المعرفة وديموقراطية التواصل، وأحاول تفهمها.. هناك من يشتم وهو ربما أقل وهناك من يشتم ويكون أهم مني تجربة، ولست الوحيد الذي يتعرض للشتيمة والتنمر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.. بالنسبة للمديح أحاول أن أتواصل مع من أعرفه وأشكره، كما أنني لست ناشطاً كثيراً على وسائل التواصل، أغيب أحياناً لأشهر وأنشط ربما لعشرين يوماً متواصلة، وطبعاً يصلني كل شيء..
– قبل عقود كان السينمائيون يصرخون بضرورة وجود صالات عرض في سوريا، هل يئسوا واستكانوا إلى الواقع السينمائي المتاح؟
– ليست فقط دور العرض، مشكلة السينما السورية كُتب الكثير عنها، وأظن أن هناك بيانات وقرارات كثيرة بهذا الصدد، ولكن الموضوع يرواح في مكانه، من الغريب جداً وجود ثلاث صالات عرض في جمهورية كاملة، هناك مدن ودول قريبة منا، ربما لا تتجاوز مساحتها مساحة دمشق، يوجد فيها عشرات الصالات، بينما عندنا يوجد صالة واحدة مهيأة بشكل فني جيد، أما الأخريان فهما غير جاهزتين حتى بالمعاييير الفنية الدولية، هذا يعطي مثالاً عن وضع السينما، ورغم هذا الوضع إلا أن البعض يحاولون القيام ببعض الخروقات، وأنا كنت من بينهم، وقد عملت مع المؤسسة العامة للسينما، أنجزنا فيلمين في ذروة الأزمة السورية وهناك زملاء قدموا الكثير من الأعمال الهامة، وحصلت على جوائز عالمية.. وضع السينما الحالي مؤشر محزن على ما وصل إليه المشهد الثقافي العام.