جوى للانتاج الفني
الرئيسيةنقد تلفزيونيمتى يكون النص الدرامي جيداً؟

متى يكون النص الدرامي جيداً؟

العمق، التنوع، الجدة.. ومواصفات أخرى

عامر فؤاد عامر

لا شك أن متانة النص هي احدى أهم ركائز نجاح المسلسل الدرامي التلفزيوني، ولكثر ما لفت النقاد والمهتمون إلى وجوب الانتباه لتنفيذ نصوص درامية جيدة، تتناسب وخصوصية المرحلة الحالية التي تمر بها البلاد. ولا يخفى على أحد أن هناك ضعفاً في النصوص المنفذة، وبالكاد ينجو في كل موسم درامي نص واحد أو اثنان على الأكثر، لذلك لا بد من التأكيد على استعراض أهم ميزات النص الدرامي الجيد، بحيث لو توفرت هذه الميزات لوصلنا إلى دراما سورية أفضل.

يتميز النص الدرامي الجيد بعدة مواصفات، ومن أهمها:

1ــ أن يتميز المكتوب بالقدرة على إثارة الاهتمام، إذ يتحتم توفر العنصر الجاذب واللافت للمتلقي، والقادر على إثارة الأسئلة في ذهنه، وتحفيزه للتوقع بأن هناك أحداثاً تستحق المتابعة فعلاً.. وربما كان مسلسل “التغريبة الفلسطينية” مثالاً جيداً على ذلك، حيث أن الشخصيات في العمل استطاعت منح المشاهد الإعجاب اللازم، مع وجود صراعات داخلية وخارجية تحترم عقل المشاهد.

2ــ التشويق والإثارة، فالنص الدرامي يجب أن يتمكن من قدرته على إثارة الشك والترقب عبر تصاعد الأحداث المنطقي من دون افتعال، هو ما يجب أن يكتنفه هذا العنصر، فلا مجانية، ولا استعراض بهدف لفت النظر، ونجد هذه الصفة مثلاً في الجزء الأول من “مقابلة مع السيد آدم” في حين لم يحافظ عليها الجزء الثاني إلى حد كبير.

3ـ  الشخصيات الجيدة، والمقصود هنا اقتراب شخصيات النص من الواقع قدر الإمكان، والمحافظة على تقنية الأبعاد المتعددة للشخصية، فلا تبدو كرتونية الوصف، بالإضافة إلى تطوير كل شخصية، بشكل كافٍ، ومتكامل، ومتناسق مع السياق الزماني والمكاني للعمل الدرامي، وهذا ينطبق تماماً على شخصيات “الغفران”. فيما أخفق، بالمقابل، مسلسل “مربى العز” إذ كانت شخصياته محكومة ببُعد واحد.

4ـ  الحوارات المضبوطة والمتقنة، بحيث تكون واقعية، متناغمة مع شخصيات العمل الدرامي، بعيداً عن الثرثرة والحشو، مع الانتباه بأن منطوق كل شخصية لا يتشابه مع شخصية أخرى، نرى هذا الكلام إلى حد جيد في مسلسل “النار بالنار”، فالشخصيات متمايزة عن بعضها وحواراتها خاصة، في حين يخلط عدد كبير من الكتاب في حواراتهم بين منطوق البطل ومنطوق الممثل المساند له، فكل الألسن في حالٍ واحد، وهذا من أكبر العيوب التي لاحظناها في الآونة الأخيرة في أعمال البيئة الشامية، فالأزعر يهدد ويرعد ويزبد كما الشخصية الإيجابية التي تحمل هماً تدافع عنه.

5ـ  العمق والمغزى.. فمهما كان النص بسيطاً يجب ألا يتخلى عن جوهره وفلسفته، بل يمكن أن يكون العمل البسيط أقوى في إيصال المقولة أكثر من العمل ذي الدلالات والقضايا الكبيرة. هنا لا بد من لفت الانتباه لفكرة النبل التي يجب أن يتبناها النص الدرامي، وأضرب “زمن العار” مثالاً هنا. والإشارة إلى النبل، من أجل غرسه في أجيالنا، بعيداً عما زرعته مسلسلات الموجة الأخيرة من قتلٍ ودم وذبح وخيانات وقيم رديئة.. “كسر عضم” واحد من أعمال هذه الموجة.

6ــ  التنوع. يجب أن يحتوي النص الدرامي على تنوع في الأحداث، والشخصيات، والموضوعات، وأن يتم تناول مواضيع مختلفة، ومتنوعة وذات صلة بالواقع والحياة اليومية، كما في “رسائل الحب والحرب”، والدراما التي تبحث عن التنوع ستجد نفسها أقرب للتحدث عن الإنسان السوري ومشاكله وقضاياه، وهذا ما افتقدته الكثير من نصوص المرحلة الأخيرة، فـ “العربجي” و”زقاق الجن” بعيدان جداً عن التنوع ولا يقومان على الجديد المبتكر بل المكرور والمرسخ.

7ــ  الإيقاع الذي يجب أن يكون مناسباً ومتوافقاً مع الأحداث، والتصاعدات، والتوترات، وأن يتم التحكم فيه بشكل جيد، ليحافظ على اهتمام الجمهور، ويثير توقعاتهم، ويبقيهم مشدوهين، مترقبين للجديد الذي سيحمله، هذا ما نراه جلياً في مسلسلات “العبابيد”، “الثريا”، “عصي الدمع”، “الزير سالم”.

8 ــ التركيز على الصراعات الداخلية والخارجية والمشكلات التي تواجه الشخصيات والمجتمع، وأن يتم التعامل معها بشكل واقعي وملائم، لا خيالي ولا تبعاً لمزاج الكاتب، وخير مثال هنا مسلسل “الندم”.

قد تكون النقاط السابقة من صلب اهتمام الكاتب وضميره الحي على الورق، لكن أيضاً هناك مواصفات أخرى يتشارك فيها الكاتب مع المنتج والمخرج وكادر العمل:

9 ــ يمكن استخدام الإيماءات والرموز في النص الدرامي، ولو في مرحلة التنفيذ، لتوصيل المعاني والأفكار بشكل أكثر فعالية، ولإبراز العلاقات، والتناقضات بين الشخصيات والأحداث، مثل: “قلم حمرة”، “دقيقة صمت”.

10 ــ  إن وجود عنصر الموسيقى والصوت المؤدى بإتقان، يساهم في تعزيز التأثير الدرامي للحكاية، وتوصيل الأجواء والمشاعر بشكل أفضل، كموسيقى مسلسل “أيام شامية”، من دون الاتكاء على الموسيقى على حساب المضمون، كما في النسخ المتعددة من “باب الحارة”.

11 ــ  قدرة النص على إثارة عواطف ومشاعر الجمهور والحفاظ عليها، كأعمال الراحل حاتم علي، فنرى أنه لا استباحة للحالة العاطفية عبر الاستعطاف والمكابرة، كما حصل في مسلسل “على صفيح ساخن”، أو “عناية مشددة”، لأن الذهاب بالنص إلى هذه الزاوية يحكم عليه بالدهشة السريعة وزوالها السريع.

12 ــ يمكن للنص الدرامي أن يكون إيجابياً وملهماً، ويوصل رسائل الأمل والتفاؤل للجمهور، وهذه ميزة النص الجيد الذي يبتعد عن قتل أبطاله؛ بطريقة غير مبررة، كما رأينا في “العربجي”، بل يغرس من خلالهم تنويراً، وقيماً، لأنه يناجي الوجدان الداخلي والضمير الجمعي، (“الفصول الأربعة” على سبيل المثال)، أما الاتجاه نحو فكرة المتعة فقط، فهذا ما يتجه بالكاتب لتغييب هذه السمة المهمة جداً (كما حدث في مسلسل “الهيبة”) والتنازل عنها من دون أن يدري الكاتب أن للكلمة قوتها سواء في الإيجاب أو السلب.

13 ــ يمكن استخدام الصدمة والمفاجأة في النص الدرامي، في البناء الحكائي، لجذب الانتباه، وبهدف ترك انطباع قوي لدى المشاهدين، وللتعبير عن الواقعية من جانب والتعقيدات التي تواجه الشخصيات والمجتمع من جانب آخر.. (مسلسلات “الانتظار”، “غداً نلتقي”، “أحلام كبيرة” كأمثلة).

14 ــ أن يكون النص المكتوب قادراً على إيضاح وتفسير الأحداث، وتوصيف الشخصيات والمواقف، (كمسلسل “فوضى”)، حيث كان من السهل على الجمهور فهمها وتفهمها، من دون الحاجة إلى شرح وتفسير من جديد كما رأينا في مسلسل “جوقة عزيزة”.

15 ــ لا ضرورة لأن تكون هناك قوالب جاهزة وجامدة، يشتغل عليها الكاتب حتى يصل لنص جيد، كـ”الجوارح”، لكن السعي للتجديد كعنصر رابح، يعني الوقوع في الاستعراض، كـ”البواسل” مثلاً، وعلى حساب النص والحكاية ككل، لذلك ينساه الناس تدريجياً.

في الختام، ثمة إمكانيات كبيرة في متناول الدراما السورية، تلك التي يوفرها الفن الروائي، وتستطيع المسلسلات التلفزيونية أن تنقذ نفسها من مطب التكرار والابتذال والسطحية.. عبر اللجوء إلى روايات سورية وعربية وعالمية، فهنا عوالم غنية، وأراض بكر، وشخصيات مدهشة.. باختصار: مواد خصبة من أجل دراما أكثر متعة وإقناعاً.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة