جوى للانتاج الفني
الرئيسيةخارج القوسما الضحك الذي يقدمه أول فريق "ستاند آب كوميدي" في سورية؟

ما الضحك الذي يقدمه أول فريق “ستاند آب كوميدي” في سورية؟

هند علي

خلال موجة الصقيع الحالية التي تؤثر في تدني درجات الحرارة بشكل كبير، لا سيما ليلاً في دمشق، قد يكون من الجنون مغادرة المنزل إلا لغرضٍ ضروري، ولكن ثمة ركن صغير في منطقة ساحة عرنوس بالعاصمة دمشق، تكدس فيه أكثر من 60 شخصاً متلحفين بمعاطفهم، يضحكون ملء أفواههم لمدة ساعتين أمام أكثر من عشرة مؤدين في عرض كوميدي آخر لـ “Styria” ، أول فريق ستاند آب كوميدي في سورية.

كان المارة يحملون مظلاتهم مسرعين للاحتماء من المطر الغزير، يقفون للحظات وهم يحدقون بنا مشدوهين من خارج البلور الزجاجي للمحل. لربما كانوا يتساءلون: “ما الذي يُضحِك هؤلاء؟”

ينظم الفريق عروضه منذ أكثر من عام لجمهور لا يتجاوز عدده خمسين شخصاً. هذه العروض تشهد كثافةً وإقبالاً متزايدين باستمرار، ولكن الفريق يقيد عدد الحضور لاعتبارات عديدة، منها مساحة أماكن التجمع الضيقة، والخبرة البسيطة لعدد كبير منهم لناحية الوقوف أمام حضور بأعداد أكبر باحترافية.

التقيتُ بـ شريف حمصي – مؤسس الفريق – وهو شاب جامعي ترك العمل في مجال دراسته لأنه يحب الكوميديا ويريد أن يستثمر ذلك في عمل حقيقي وهادف.

أدرك شريف أن تحقيق ذلك يتطلب تأسيس فريق يخطو معه نحو حبه، خطوةً عملية. تواصل مع مجموعة من أصدقائه وبدأوا بدراسة فكرة جريئة وغير مسبوقة: تأسيس أول فريق ستاند آب كوميدي في سورية. يعود ذلك لما يتجاوز العام.

أما بالنسبة لسبب تسمية فريقهم بـ “STYRIA”، فقد اُختير الاسم بالتوافق بين أعضاء الفريق الذين كان يبلغ عددهم في البداية خمسة أو ستة أشخاص، وهو مصطلح يدمج ما بين كلمتي سورية، وهستيريا. تلاعب لفظي ساخر حامل لرسالة الفريق.

الانطلاقة كانت من الأساس الأكاديمي لاكتساب الأدوات والمهارات في المجال.
نظم الفريق الورشات المُغلقة أو عن طريق الـ Online لأسابيع طويلة قبيل الانتقال لمرحلة الأداء أمام الجمهور. خفة الدم – بحسب قولهم – قد تُكتسب بالاجتهاد والتعلم والتدرب على صناعة وكتابة النكتة وكيفية التعبير عنها.

بعد ذلك انطلقت عروضهم الحية أمام الجمهور، كانت لديهم الثقة آنذاك أنهم اجتهدوا بحق في إعداد أفكارهم ونكاتهم، ولكنهم لم يتمكنوا من التنبؤ بمدى إقبال الجمهور أو حبهم لهذه الفكرة.

اليوم، بعد أكثر من عام على انطلاق “STYRIA”، أخبرنا الفريق أن الأصداء الإيجابية قد فاقت التوقعات، وتمكنوا من الوصول إلى جمهور خارج العاصمة دمشق، حيث حققت جولاتهم نجاحاً كبيراً، لا سيما في حلب واللاذقية، كما اتسع عدد أعضاء الفريق ليصل اليوم إلى أكثر من 20 مؤدياً.

يمسك شريف حمصي في كل عرض “أوبن مايك” ، عرض مجاني يقوم فيه المؤدون بتجربة عروضهم، دفترَ ملاحظات، ويسجل عليه الأخطاء والعثرات اللي يجب تلافيها في العروض المباشرة. يستدير نصف استدارة ليراقب ردود فعل الحاضرين من على كرسيه في الصف الأمامي للحضور، ويدون ملاحظاته.

هذه الملاحظات تُنقل فيما بعد لورشات عمل الفريق خلال الأسبوع لإعادة تنقيح الأفكار، يخبرنا شريف أنه قد يتم العمل من قبل المؤدي على إعداد أكثر من 20 دقيقة، ليحصل في النهاية على أربع دقائق فقط قابلة للعرض. لذلك، توفر لهم عروض “الأوبن مايك” فرصة لتجربة أدائهم أمام الجمهور، والتطوير على الأفكار التي قاموا بإعدادها وكتابتها.

خلال العرض قدم 11 كوميدياً عروضهم لمدة لا تتجاوز عشر دقائق حول موضوع رئيسي: المسلسلات والأفلام. مواضيع بسيطة بلا شك ويمكن استثمارها في صنع نكات جيدة.

تفاعل الحضور مع النكات حول هذا الموضوع بشكل كبير، ولكن بقدر أقل من تلك التي ارتجلها المؤدون حول نكات عن الجنس، أو في حين إطلاق شتائم ضمن سياق النكتة.

يقول شريف إنه من غير الضروري التطرق لما يعرف بالـ “تابو الثلاثي”: (الدين، الجنس، السياسة)، لصنع كوميديا، ويوضح: “نحن لا نستند إلى تلك الأشياء كثيراً في عروضنا، نقدم الكوميديا البسيطة القريبة منا كأفراد ومجتمعات”، مضيفاً: “قدمنا أكثر من 50 عرضاً حتى الآن في مواضيع مختلفة نعيشها يومياً مثل وضع الكهربا أو أزمة المرور، أو الصور النمطية المكررة، أو حتى سلوكياتنا خلال الأعياد مثل عيد الأم”.

ولكن عروضهم لا تخلو من الممنوعات الثلاث تلك بالطبع، ربما السبب هو ما يريده الجمهور فعلاً. إذا كان الفريق يستند إلى ردود فعل الجماهير، فإن الأشياء التي تضحك الجمهور بشدة – بحسب ما لاحظته – هي تلك بالتحديد.

يقول شريف: “نحرص ألا نسيء لأي شخص أو مكان أو طائفة أو كيان، ولعل اختلافاتنا أنفسنا كأعضاء فريق لناحية المعتقدات والبيئات والثقافات ومنهجية التفكير تؤكد أن أي نكتة ساخرة هدفها الضحك فقط ولا شيء آخر”، ويضيف: “على الرغم من الاختلافات، وجدنا أن أولئك القادرين على الضحك مع بعضهم، بإمكانهم العيش مع بعضهم بسلام”.

هذا صحيح، من السهل جداً أن تسمع عدة لهجات من أفواه المؤدين، كما من الواضح اختلاف ثقافاتهم. من بينهم مؤد من السودان أدى عرضاً بسيطاً وطريفاً وأضحكنا جميعاً بتوصيف مقاربات ما بين الحياة في السودان والحياة في سورية. مدهش كيف يمكن للنكتة أن تمد جسور تواصل ما بين الثقافات والجنسيات وحتى الاختلافات، بهذا الشكل.

كانت هنالك سخرية بالطبع، من مناطق بعينها، أو جماعات بعينها – دون أي تطرق للسياسة –  ولكن بطريقة ما، لا يمكنك التعاطي مع تلك السخرية على أنها إساءة، أنهم يوظفونها بذكاء شديد، وبطريقة إيجابية تخدم هدفهم الوحيد: الإضحاك والضحك.

على الرغم من أن مزحة قد دمرت حياة شخصية روائية كتبها ميلان كونديرا في روايته الشهيرة “المزحة”، ولكن ربما كان خطأ تلك الشخصية المدمر هو اختيارها للجمهور غير المناسب. يرجح العديد أن هذا السبب هو الذي يجعل فن الستاند آب، فن الأماكن المغلقة، لأنك بذلك تحدد جمهورك الذي هو واع لما هو مقبل على سماعه، وقد اختار تلقيه بنفسه.

يوجه الفريق بعض الرسائل للحضور قبل بداية كل عرض، مثل التأكيد على عدم وجود أي نية لدى أي مؤد في الإساءة، ولو كانت هنالك إيحاءات، وأن الهدف الوحيد للتجمع هو الضحك، إضافة إلى التأكيد على حظر تسجيل مقاطع فيديو تتجاوز 10 ثوان من العروض. السبب في ذلك لا يتعلق بالخوف من تسريب عروضهم لجمهور خارج الأبواب المغلقة لا يفهم النكتة، أو يعدها مسيئة بطريقة ما، بل لكون الفريق حالياً في مرحلة يضطر فيها لتكرار مواضيعه في أكثر من عرض ولأكثر من جمهور، وبالتالي فإن نشر تسجيلات حية من العروض قد يتسبب بحرق الفكرة ويهدد استمراريتهم.

يؤكد الفريق حرصه على عدم تجاوز الخطوط الحمراء في المجتمع، وأن يقدم فنه بطريقة محترمة يتقبلها الجمهور ويضحك من خلالها. سيكون هنالك نشر للعروض في المستقبل القريب عبر الإنترنت – بحسب قولهم – ولكن وفق مواضيع محددة تناسب كافة شرائح الجمهور.

على سبيل المثال، لو تم نشر بعض النكات التي سمعناها من الفتاة الوحيدة ضمن الفريق على الإنترنت، والتي ضحكنا عليها ملء أفواهنا ضمن المساحة المغلقة في منطقة ساحة عرنوس، لكان من المحتمل ورود تعليقات مسيئة. نعرف تماماً الاختلاف الكبير في طبيعة المجتمع السوري ذاته، وأن ما هو ممنوع عند أحدهم، قد لا يكون بالضرورة كذلك عند آخر.

خلال العرض، كان هنالك زوجان شابان يحضران عروض “STYRIA” لأول مرة، حرصت على التوجه إلى أولئك الذين لم يسبق لهم حضور عرض للفريق قبل ذلك، وسألتهم عن تجربتهم الأولى.

ستيريا
ستيريا

تقول غريس ايشوع – 33 عاماً – إنها استمتعت كثيراً خلال العرض، ولم تكن تدرك أن هنالك مستوىً رفيعاً من الكوميديا بإمكانه الظهور والانتشار في سورية بهذه الطريقة، أما زوجها داني خردق –34 عاماً – فقد كانت لديه مشكلة بفهم بعض النكات، ولكنه إجمالاً يصف العرض بـ “الجيد”، مؤكداً أنه سيكرر تجربة حضور العروض التي يقدمها الفريق، بحماس.

لم أعثر على آراء سلبية أو مسيئة داخل الزاوية التي تكدسنا فيها للضحك، ولكن الفريق حصد بعضاً منها في تعليقات على منصاته. يقول شريف: “لا يوجد إجماع في العالم حول أي شيء، لذلك من الطبيعي أن يكون هنالك من لا يحب ما نقدمه”.

تخصص “Styria” منصة لاستقبال الملاحظات وردود الأفعال على عروضهم، وهي تساعدهم على تطوير محتواهم أو التخلي عن بعض النكات التي تسببت بأثر سلبي لدى البعض.

ما تزال “Styria” صغيرة، إنها تكبر بفعل التجربة والعمل والجهد الذي يبذله الفريق للظهور أمام جمهورهم. لقد بدأت الفرص تفتح أمامهم للخوض في مجالات أخرى ذات صلة. يؤكد شريف حمصي أن معظم فناني الستاند آب كوميدي، انتقلوا لكتابة المسلسلات والأفلام والإعلانات، بل منهم عدد من أعظم ممثلي الكوميديا في العالم. بالنسبة للفريق حالياً، بدأوا بتلقي العروض لكتابة الإعلانات بطريقتهم.

تغذي ستيريا نفسها من خلال ريع بطاقات العروض المباشرة، لا مصدر للتمويل لديها حتى الآن، ويطمح الفريق لتمثيل سورية خارجياً، لقد بدأ هذا الفن بدق مساميره بقوة في الوطن العربي لا سيما في الأردن ومصر ولبنان، وهم يريدون أن يكون لهم من تلك المسامير حصة.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة