جوى للانتاج الفني
الرئيسيةتايم لاينمارلين مونرو ... السحر والأنوثة الخالدان

مارلين مونرو … السحر والأنوثة الخالدان

عـــقبـــة زيـــدان

أَجبر أوديسيوس رجالَه على أن يسدوا آذانهم بالشمع وهم يعبرون بسفينتهم جزيرة السيرينات، وطلب منهم أن يوثقوه في عمود السفينة، لأن لا أحد يمكنه أن يقاوم صوت عرائس البحر وهنّ يغنين.
بينما لم تتمكن أعمدة البيت الأبيض الضخمة من تثبيت جون كينيدي، ولم يصمد هذا الرئيس الوسيم – لا هو ولا أخوه روبرت- أمام سحر السيرينة الأكثر إبهاراً في كل العصور؛ مارلين مونرو.
لقد انهار البيت الأبيض بمن فيه؛ وانهارت جاكلين خريجة هارفارد والمتيمة بالسلطة والجاه، أمام الفتاة التي تربّت في ملجأ أيتام، وهي تغني في عيد ميلاد الرئيس.
انهارت أيضاً فكرة آينشتاين التي تنفي الجاذبية كقوة، أمام أول ظهور لمارلين مونرو على الشاشة الكبيرة،
ولم ينجُ أحد من موجة الطاقة الهائلة على الكوكب بأكمله، حتى آينشتاين نفسه.
وقالت مونرو ذات يوم مؤكدة قوتها الهائلة: «أنا أتحدى الجاذبية»، في إشارة إلى أنها لا تخضع لقوانين البشر العادية.
في السادس من تشرين الثاني من عام 1962، وفي الساعة الثالثة والنصف صباحاً، اقتحم طبيب نفسي غرفة مارلين مونرو، هذه الجميلة التي فشلت في العثور على السعادة، ووجدها ميتة.
كانت قد ماتت قبل ساعات.
لقد اتُّهمت المخدرات -البريئة ربما- أو جرعة زائدة من عقار النيمبوتال بالجريمة.
ولكن من كانوا قد تواصلوا معها في اليوم السابق، أعلنوا أنها كانت في أحسن حال، وكانت ترتب مواعيد لأيام تالية.
وأعلنت مدبرة منزل مونرو، يونيس موراي، أن روبرت كينيدي زار مارلين ليلة وفاتها وتشاجر معها.
ورغم ذلك تبقى الأدوية المهدئة هي المتهم بارتكاب الجريمة!
ثناء حوار قصير بيني وبين الصديق الروائي علي بدر، الذي يعدّ كتاباً عن مونرو،
قال لي إنها كانت تشكل خطراً؛ إذ إنها أصبحت قريبة من الشيوعيين في هوليوود،
وأُخضعت لتهديدات لجنة مكارثي،
وأن السينما صنعت منها رمزاً جنسياً على غير حقيقتها،
فيما هي فتاة حزينة وعندها نوع من التقزز من الجنس.
وهذا فعلاً ما قالته مونرو سابقاً: «رمز الجنس يتحول إلى شيء. أنا فقط أكره أن أكون شيئاً».
رغم كل القدرة الأمنية الأمريكية، إلا أن موت مونرو، الأسطورة رقم واحد في تاريخ أمريكا، بقي سراً، أو أُبقي سراً.

الخروج من بيت الأيتام
ولدت نورما جين مورتنسون – مارلين مونرو في لوس أنجلس في الأول من حزيران عام 1926.
كانت والدتها تعاني من اضطراب عاطفي، وكثيراً ما كانت محتجزة في ملجأ،
لذلك نشأت نورما جين على يد مجموعة من الآباء بالتبني وفي دار للأيتام.
في سن السادسة عشرة، تزوجت من عامل في مصنع طائرات،
لكنهما انفصلا بعد سنوات قليلة.
بدأت العمل كعارضة أزياء في عام 1944،
وفي عام 1946 وقعت عقداً قصير الأمد مع شركة فوكس،
متخذة اسمها على الشاشة مارلين مونرو. لعبت بعض الأدوار الثانوية،
ثم عادت إلى عرض الأزياء.
اشتهرت بالظهور عارية في تقويم عام 1949.
بدأت تجذب الانتباه كممثلة في عام 1950 بعد ظهورها في أدوار ثانوية، لاسيما في «غابة الأسفلت»، و»كل شيء عن حواء».
على الرغم من أنها ظهرت على الشاشة لفترة وجيزة فقط كعشيقة في كلا الفيلمين،
إلا أن الجمهور لاحظ القنبلة الشقراء، وفازت بعقد جديد مع فوكس.
انطلقت مسيرتها التمثيلية في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي بأفلام: «عش الحب» 1951، و»أعمال مشبوهة» 1952، و»نياغارا» 1953.
اشتهرت بجاذبيتها وسحرها الهائل،
وفازت بشهرة عالمية لأدوارها الرمزية الجنسية في فيلم «السادة يفضلون الشقراوات» 1953، و»كيف تتزوجين مليونيراً» 1953، و»ليس هناك مثل عرض الأعمال» 1954.
وقد عرض فيلم «حكة السبع سنوات» 1955، مواهبها الكوميدية،
واشتهرت بالمشهد الكلاسيكي حيث تقف فوق شبكة مترو الأنفاق وقد ارتفعت تنورتها البيضاء بفعل الريح من قطار عابر.
في عام 1954، تزوجت من لاعب البيسبول الشهير جو ديماجيو، لكنهما انفصلا بعد ثمانية أشهر. في عام 1955،
درست مع لي ستراسبيرغ في استوديو الممثلين في مدينة نيويورك،
وبعد ذلك قدمت أداءً قوياً كفنانة سيئة الحظ في «موقف الحافلات» 1956.
في عام 1956 تزوجت من الكاتب المسرحي آرثر ميلر. لقد صنعت فيلم «الأمير وفتاة الاستعراض» – الذي فشل نقدياً وتجارياً – مع لورنس أوليفيه في عام 1957، ولكن في عام 1959 قدمت أداءً عالياً في الكوميديا الناجحة «البعض يفضلونها ساخنة». آخر دور لها كان في فيلم «غير الأسوياء» 1961، من إخراج جون هيوستن وكتبه ميلر، الذي انفصلت عنه قبل أسبوع واحد فقط من افتتاح الفيلم.
بحلول عام 1961، كانت مونرو، التي تعاني من الاكتئاب، تخضع للرعاية المستمرة من قبل طبيب نفسي.
أصبحت مشتتة بشكل متزايد في الأشهر الأخيرة من حياتها،
وعاشت منعزلة فعلياً في منزلها في برينتوود، لوس أنجلس.

الوحيدة، الوحيدة دائماً
مونرو من بين أكثر النساء اللواتي ظلمن وتم تشويه سيرتهن.
لقد اختصروا شخصيتها الفريدة بالإغواء والجنس،
فيما هي كانت تعي أن ما يقومون به ليس سوى هوس بجمع المال من هذا الجسد.
قالت مرة: «أنا إنسانة. الممثلة ليست آلة، لكنهم يعاملونك كآلة. آلة مال».
ولأن منتجي هوليوود لم يروها سوى آلة مال لا تشعر،
فقد دفعوها – بغبائهم- إلى أن تصبح وحيدة، «أنا وحيدة؛ أنا دائماً وحيدة مهما حدث».
ورغم عزلتها وذكائها،
فقد استطاعت هوليوود تصديرها كدمية جنسية فقط، بمساعدة الإعلام، ولم يسمحوا بغير ذلك.
حين سئلت عن هوليوود، قالت: «هوليوود هو المكان الذي سيدفعون لك فيه ألف دولار مقابل قبلة، وخمسين سنتاً مقابل روحك».
كانت تعي أن كل ما يرونه فيها هو هذا الجسد المتناسق،
وهي لم تكن تريد ذلك؛ كانت تريد أن يرى العالم أجمع روحها المتقدة المحبة.
إنها تقاوم من أجل حريتها في التفكير وفي الحلم. لذلك فقد وعيت باكراً ذاتها وبأنها «إحدى أكثر الناس وعياً بذواتهم في العالم»،
هذا العالم القاتل، المصرّ على جعلها رمزاً للجنس، فيما هي ترى في هذا الرمز شيئاً، وهي لا تريد أن تصبح شيئاً، بل تريد أن تكون إنسانة، وليست مثيرة للشهوة.

الشقراء
لم تكن هذه الفتاة الشقراء غبية كما روجوا عنها،
فقد كانت قارئة ومعجبة بتولستوي، ودوستويفسكي، وجورج برنارد شو، وجيروم سالينجر، وإرنست هيمنغواي، ومارك توين، وآخرين؛
وقد أعلنت ذات مرة: «أنا لا أعتبر نفسي مثقفة، وهذا ليس أحد أهدافي. لكني معجبة بالأشخاص المثقفين».
وهذا الانتقاء الدقيق، هو ما جعلها مميزة عن نجمات العصور كلها،
وساعدها على أن تتحول إلى حورية تغوي من يلامس روحها،
وليس من يعجب بجمال جسدها كما فعل آرثر ميلر،
الذي قالت عنه: «لم يكن آرثر ميلر ليتزوجني، لو لم أكن سوى شقراء غبية».

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة