جوى للانتاج الفني
الرئيسيةفي الصالاتفيلم «نابليون» ريدلي سكوت: أنا لا أقدم درساً في التاريخ

فيلم «نابليون» ريدلي سكوت: أنا لا أقدم درساً في التاريخ

عمار أحمد حامد

يُعيد المخرج  ريدلي سكوت كتابة تاريخ الامبراطور الفرنسي نابليون بونابرت بما يخدم رؤاه الإخراجية،
حيث قال في رد على الهجوم الذي استقبل به الجمهور الفرنسي الفيلم: «أنا لا أقدم مادة تاريخية، بل أقدم رؤية سينمائية من وجهة نظري كمخرج سينمائي».
والفيلم لا يقدم درساً في التاريخ، فعلاً.

أراد سكوت أن يقدم ملحمة سينمائية تحمل الكثير من الإبهار البصري،
كما رأينا في تصوير معركة «أوسترلينز» (حين جعل البحيرة المتجمدة مقبرة للعدو التي تحولت إلى اللون الأحمر بفعل دماء الجنود الروس الذين قتلوا في هذه المعركة)
وأيضاً كما نرى في مشهد حرق موسكو، وفي معركة «واترلو».

أراد سكوت أن يقدم ملحمة سينمائية دون أي تدخل للتكنولوجيا أو الخدع البصرية فالأحصنة التي رأيناها في المعارك حقيقية، وكذا الجنود، وكذا الأسلحة.
فقد تم استخدام 11 كاميرا، و500 كومبارس كجنود و150 حصانا،
وعدد كبير من المدافع.
فهنا المخرج لا ينتصر لشخصية فيلمه قدر ما ينتصر للسينما التي سيقدمها.
أراد سكوت أن يقدم شخصية نابليون بما يخدم رؤاه البصرية.

    يبدو نابليون في عيني سكوت رجلاً مهزوماً من الداخل،يريد أن يصنع مجداً له وحده.
ويقع في حب جوزافين (فانيسا كيري) التي تستطيع أن تحوله إلى طفل وتجعله رجلاً وزوجا عادياً، رغم كل بطولاته التي يقوم بها خارج قصره،
ففي أحد المشاهد تقول له بصيغة أمر: «قل لي إنك تحبني، وإنك لا تستطيع العيش دوني» ويردد نابليون على مسامعها ما أمرت بأن يقوله!

فيلم-نابليون
فيلم-نابليون

   خلال ساعتين ونصف تقريباً، هي مدة الفيلم، لم ينتصر نابليون سوى في معركتين، واحدة هي معركته التي راهن بها على مستقبله العسكري والسياسي، معركة الاستيلاء على القلعة من أيدي البريطانيين،
حيث قاده انتصاره في هذه المعركة إلى أن يترقى في الجيش فأسندت إليه مهمة قيادة الجيش لغزو مصر.
ورغم انتصاره في غزوه لمصر وفتحه لها (بسبب ضعف المقاومة من الجانب المصري) إلا أن سكوت أراده يهزمه في أهم رمز من رموز مصر التاريخية ومعقل فخرهم وتاريخهم: فرعون.

   نرى أولاً كيف وصل نابليون إلى مصر ووقف عند الأهرامات وقصفها،
(هذا لم يحدث أبداً. نابليون أحب الحضارة المصرية جداً ولم يهدم أي معلم أثري فيها، فكيف بالأهرامات ليقصفها) هذا ما قاله بعض المؤرخين في مصر وخارجها.
لكن سكوت أراد أن يظهر لنا شخصية نابليون المُدمرة حيث يقول: «لا أعلم إن كان قد فعل ذلك. لكن المشهد كان وسيلة لأقول إنه احتل مصر».
وقف نابليون أمام تابوت، وعندما كشف الغطاء عنه، وجد نفسه أمام مومياء فرعون، وراعه أنه أقصر من الفرعون، فاستعان بدرجة خشبية حتى يبلغ طوله، ثم خلع قبعته ووضعها فوق التابوت في دلالة أراد منها المخرج أن يقول إن فرنسا صارت فوق مصر وفوق تاريخها،
وعندما يحاول نابليون أن يلمس المومياء ينحي فرعون رأسه بعيداً عن اليد الممتدة (أمام استغراب نابليون والجميع من حوله)، كأنه لا يريد أن يتدنس بيد هذا الفاتح القادم من ظلام التاريخ، محتلاً لأرضه.

   لا يبتعد سكوت مع كاتب السيناريو ديفيد سكاربا عن ملامسة الواقع المعاصر. فعندما يدخل نابليون موسكو محتلاً لها يجدها خاوية على عروشها. ويتساءل: «أين ذهب الجميع»! ويدخل قصر قيصر، فيجد كرسيه الذهبي فيجلس عليه،
كأن المخرج هنا في هذا المشهد يستعيد ذكرى احتلال أمريكا للعراق ودخول الجند إلى قصر صدام، حيث يقوم أحد الجنود بالجلوس على كرسي صدام الذهبي.

والامبراطور الفرنسي لا يجد حرجاً، وهو يحتل مصر،
في أن يعود إلى فرنسا لأن هناك من قال له إن زوجته تخونه مع أحد جنوده،
وعندما يصل إلى فرنسا/ باريس ويراها يصرخ بها ويعنفها،
ثم لا يلبث أن يتحول إلى طفل ذليل بين يديها،
كانت جوزافين تطوع قائد فرنسا العسكري وامبراطورها.
رغم أن علاقتهما الجسدية لم تكن تصل إلى حميميتها أبداً،
ففعل الحب بينهما كان يتم بأسلوب عسكري خال من أي مشاعر،
ما يلبث أن ينتهي منها هذا القائد ويستلقي كأنه انتصر في معركة كبيرة. كل هذا نتج عنه  حب عقيم،
لم يثمر بأي ذرية فيضطر، بتدبير من والدته، أن ينام مع فتاة ذات ثمانية عشر ربيعا لتحمل منه وتنجب له ولي العهد، وأيضاً يؤدي هذا العقم إلى طلاق بين نابليون وجوزافين تفرضه عليه القوانين.

  ورغم طلاقه منها إلا أن حبه لها لا ينطفئ، فهو يرى فيها كل شيء، هي المعادل  الحميمي لحياته العسكرية والسياسية،
فهو يحب حالة الطفولة التي يشعر بها وهو معها.
تتحول جوزافين في حياة نابليون إلى حبيبة وصديقة لا ينفك عن مراسلتها باستمرار،
كأنها الوعاء الإنساني العاطفي الذي يفرغ في داخله همومه وآلامه وأحزانه، وهزائمه وانتصاراته.
وحتى عندما تموت بذات الرئة لا تنقطع رسائله إليها،
فهي غابت بجسدها، لكنها لازالت باقية بحبه لها.
ومع ذلك لا يرى سكوت أن شخصيته الإمبراطورية قد انتصرت، في الحب أو في الحرب.

 من وجهة نظر سكوت لم يكن نابليون يتمتع بأي شخصية دبلوماسية،
فهو عندما يحاور سفراء الدول، وقادتها،
يفتقد إلى أدنى الأخلاق النبيلة كما كانوا يقولون بعدما يجتمعون به.
وهذا مرده إلى أنه شعر بأنه شخصية هامة منذ أن كان جندياً في الجيش،
وصوره المخرج  متكبراً، مغروراً، صاحب كبرياء، ووقفته، ومشيته،
وجلسته فيها الكثير من العنفوان حتى أمام خصومه كان يفعل ذلك.

  وسكوت غير العابئ بالتفاصيل التاريخية بحذافيرها، يصور نابليون في المشاهد الأولى من الفيلم شاهداً على إعدام الملكة ماري انطوانيت بحد المقصلة، بعد الثورة الفرنسية والقضاء على الملكية.
ويرى كيف يرفع الثوار رأس الملكة بعد قطعه.
ينظر نابليون إلى هذا المشهد بنظرات ذات معنى، (كأننا نرى نبوءة بمصير هذه الشخصية)، ففي نهاية الفيلم / المشهد الأخير/ وبلقطة shoulder off يصور لنا المخرج موت نابليون مرتدياً لقبعته ويميل إلى جنبه ويختفي عن المشهد. كتعبير عن سقوطه،
لم يمت مرفوع الرأس، كما أبقت الملكة أنطوانيت رأسها مرفوعاً حتى وهي على حد المقصلة رأسها.

 أراد سكوت أن يكرس لنا أن نابليون لم يحقق أي انتصار عسكري أو سياسي،
فهو قد نفي من بلده مرتين،
وتوفي في منفاه الثاني والأخير، وخاض 61 معركة خسر فيها كلها،
وسبب وفاة آلاف الجنود الذين كانوا يقاتلون معه.
كأن سكوت يريد أن يقول: «إن نابليون كذبة كبرى»! شخصية مهزومة،
حتى أنه لم ينتصر في علاقة حبه مع جوزافين.
رغم أن نابليون جعلها من ثلاثة أمور عظيمة كرس لها حياته: «فرنسا، الجيش، جوزافين».

   ريدلي سكوت قدم لنا ملحمة سينمائية حضر لها طويلاً جداً وأنهاها بوقت قياسي: تم تصوير الفيلم بزمن وصل إلى 61 يوماً فقط. وسيبقى الفيلم في ذاكرة عشاق السينما وفي ذاكرة السينما طويلاً.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة