جوى للانتاج الفني
الرئيسيةفي الصالاتفيلم "حسن المصري" خطوة إلى الأمام أم خطوات إلى الوراء؟

فيلم “حسن المصري” خطوة إلى الأمام أم خطوات إلى الوراء؟

عمرو علي

انطلقت في دور العرض المصرية والعربية مطلع الشهر الماضي العروض التجارية لفيلم “حسن المصري” مصحوباً بحملة إعلانية كبيرة، وهو من تأليف نورا لبيب وسمير طاهر وإخراج سمير حبشي، وإنتاج “أفلام مصر العالمية”، وهو واحد من التجارب النادرة في السينما المصرية لناحية الاستعانة بمخرج عربي في إنتاجاتها المحلية وهو هذه المرة لبناني الجنسية سبق وأن خاض مواطنه سعيد الماروق تجربة مماثلة في فيلم بعنوان “360 يوم سعادة” قبل حوالي عقد من الزمن.

الملفت في هذا الفيلم هو خلفية مخرجه القادم من السينما اللبنانية وتاريخ شركة الإنتاج التي عرفت طيلة عقود بإنتاجاتها النوعية منذ أن أسسها المخرج الراحل يوسف شاهين وحتى إدارة كل من جابي وماريان خوري لها بعد رحيله، إضافة إلى وقوع أحداث الفيلم في لبنان،
وهذه أيضاً تجربة جديدة في سجل السينما المصرية حيث تدور الأحداث هذه المرة خارج البيئة المحلية وبعيداً عن أحيائها ومعالمها الرئيسية، إلا أن خيبة أمل المرء ستتأتى سريعاً كنتيجة مباشرة للأسباب سابقة الذكر، حيث يتجلى بوضوح عجز هذه العناصر عن إنجاز تجربة جديدة بكل معنى الكلمة تليق بحجم الآمال التي قد تعقد سلفاً.

تدور قصة الفيلم حول رجل الحراسات الأمنية حسن المصري (أحمد حاتم) الذي يهرب من ذكرى وفاة شقيقته الصغيرة مريم (آيسل رمزي) في انفجار كان يستهدفه شخصياً،
ويقرر السفر للإقامة في لبنان عند صديقة له (دياموند بوعبود) تمتلك شركة لتأجير السيارات حيث يعمل حسن سائقاً لديها
ويتولى مسؤولية مرافقة ابنة تاجر سلاح مصري (لينا بن حمان) لتتطور العلاقة سريعاً بين حسن والفتاة التي يجد أنها تشبه أخته المتوفاة كثيراً
ولكن الأمور تتعقد مع إقدام عصابة لبنانية على اختطاف الفتاة من ملهى ليلي ومطالبة والدها بتحويل مسار صفقة سلاح تابعة له من ليبيا إلى سوريا ليعود حسن إلى مهاراته القديمة في الاقتحامات وإطلاق النار وينجح بتحرير الفتاة وإعادتها إلى أهلها.

حسن-المصري
حسن-المصري

بهذه البساطة يمكن اختصار قصة الفيلم التي تصلح بلا شك لشباك التذاكر رغم افتقارها للأصالة والتميز ومشابهتها إلى درجة التطابق لأفلام عربية وأجنبية كثيرة،
وإن غض النظر عن هذه الملاحظات الأولية فإنه لا يمكن تجاوز الاستسهال والهفوات التي اعترت المعالجة وأفقدت السيناريو قدرته على الإدهاش وحتى التشويق،
فالتفاصيل الإنسانية تبدو غائبة كلياً لصالح استنزاف العواطف بمشاهد فلاش باك كثيرة مترافقة بموسيقى ميلودرامية لحادث موت شقيقة حسن واستعراض لطبيعة العلاقة الخاصة التي كانت تجمعه بها لعلها تكون بذلك مبرراً من وجهة نظر صناع الفيلم لتطور العلاقة السريع بين حسن وابنة تاجر السلاح،
أما علاقة حسن بصديقته اللبنانية مالكة شركة السيارات فتبدو منذ البداية متلبسة وبلا إطار واضح حيث يرفض حسن بحسم قطع أشواط أوسع على صعيد هذه العلاقة رغم أنه يقيم في منزل الفتاة في جبل لبنان ويلجأ إليها كي تساعده حالما يصاب بنوبات الهلع الليلية التي تسببها كوابيسه الدائمة حول مقتل أخته ورغم أنه يعمل عند الفتاة في الشركة،
وليس بالتأكيد لهذا الرفض مسوغ منطقي بينما يبدو الرجل مستقراً في لبنان ومندمجاً كلياً في حياته الجديدة هناك، أما الفتاة اللبنانية فإنها تصمم بدون مبرر درامي أو حتى منطقي على المضي قدماً في قصة حبها التي من طرف واحد مع السائق المصري رغم مكانتها الاجتماعية المرموقة،
وتبقى المشكلة الأكبر كامنة في الاستهسال الشديد في طريقة تحرير حسن للفتاة المختطفة حيث تتذلل العقبات الدرامية التي قد تعيق البطل عن تحقيق هدفه سريعاً وبلا جهد تقريباً أو حتى محاولة لتعقيد الدراما في لحظات تشويقية يفترض بها أن تحبس الأنفاس،
ولعل قمة هذا الاستسهال تتجلى في مشهد أخذ الفتاة كرهينة والتهديد بقتلها حيث ينجح حسن المصري خلال ثوان معدودة في الانقضاض على الخاطف وقتل آخر ليقضي بذلك على الذروة الدرامية وهي لا تزال في مهدها،
هذا عدا عن استعانته قبل المشهد المذكور بلحظات
وبمساعدة مرافقته اللبنانية (جينفر عزار) بطائرة درون سيكون لها مفعول المعجزة حين تنقذه بقذائفها من حصار أفراد العصابة له في المعمل المهجور حيث تتواجد الفتاة.

ويبدو أن بطل الفيلم وكاتبيه قد تخففوا بهذا الحل السحري من عناء البحث عن حلول درامية أكثر إبداعاً كما سبق وأن تخففوا من أعباء البحث عن معالجة فنية مختلفة على صعيد السرد
بدلاً من الاعتماد على البناء التقليدي في تقديم حكاية مكررة لعشرات المرات،
وهذا ما كان يمكن أن يشكل فارقاً ولو من حيث الشكل على الأقل، مع انحسار واضح على صعيد الصورة والتقنية والتي لم تستطع مجاراة النتائج التي تحققها الأفلام المصرية في هذا المجال
رغم الاستعانة بمدير التصوير اللبناني ميلاد طوق،
ورغم تميز معظم مدراء التصوير اللبنانيين من ناحية الصورة نظراً لخبرتهم الطويلة في الإعلانات التلفزيونية والفيديو كليب.

صرح المنتج جابي خوري، في معرض إجابته عن تساؤل يتعلق بأسباب إسناد الفيلم للمخرج اللبناني سمير حبشي،
بتبني الشركة ومؤسسها الراحل يوسف شاهين لتجارب هذا المخرج في السينما اللبنانية وأبرزها فيلمه الشهير (دخان بلا نار)،
ويحق لنا الآن وبعد صدور الفيلم أن نتساءل عن القيمة المضافة التي حققتها هذه التجربة في سياق السينما المصرية
خاصة وأن مخرجها قد اختار العمل في مضمار له أساتذته ومبدعوه من السينمائيين المصريين مثل طارق العريان وعمرو عرفة وساندرا نشأت وأحمد علاء
واللذين حققوا في نوعية الأكشن والإثارة أفلاماً شديدة التميز من بينها “الشبح” و”مسجون ترانزيت” و”الحفلة” و”الخلية”.. وغيرها،
وهي أفلام سبقت فيلمنا هذا بأشواط رغم أن بعضها قد تم إنتاجه قبل أكثر من عقد من الزمن.

فيلم-حسن-المصري
فيلم-حسن-المصري

والحقيقة أنه لا يمكن للمرء أن ينظر في النتيجة إلى هذا الفيلم سوى باعتباره إشهاراً واضحاً من طرف شركة “أفلام مصر العالمية”
لقطيعتها مع توجهاتها السابقة في إنتاج الأفلام المختلفة والنوعية لصالح اندماجها الكلي في سياق الإنتاجات التجارية،
وهذا توجه بدأت إرهاصاته منذ سنوات مع بداية شراكاتها الإنتاجية لكيانات مثل “سينرجي” و”آروما”،
ولكنها تطمس صراحةً عبر تجربتها الأخيرة هذه ملامح عهدها القديم كما تطيح بقدرة مخرجها الوافد من إنتاجات أكثر أهمية على التميز والاختلاف
وسط الاستسلام للرغبة في إنتاج فيلم تجاري تقليدي اعتماداً على سيناريو متوسط الجودة يؤدي في المحصلة لإنجاز فيلم باهت على صعيد الشكل والمضمون لا يرقى إلى مستوى الحملة الإعلانية المرافقة.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة