جوى للانتاج الفني
الرئيسيةفي الصالاتفيلم «باربي».. تظاهرة وردية لن تقود إلى ثورة نسوية

فيلم «باربي».. تظاهرة وردية لن تقود إلى ثورة نسوية

امنية عادل

تشير الأساطير الأولى للبشرية إلى أن العالم كان يسير وفقا لقواعد المجتمع الأمومي قبل أن يسيطر المجتمع الأبوي على مفاصله من خلال استخدام القوة والسلطة والهيمنة عن طريق الحروب، مراحل مرت بها البشرية، وما بين الرفض والقبول والوقف والاستمرار تسير البشرية حتى اللحظة الراهنة في جدلية لا تنتهي حول ما هي الأدوار التي على الرجل والمرأة أن يلعباها أو يتقاسماها سويا..

تعد تلك الأفكار جزءا أصيلا بل محركا لأغلب أفلام المخرجة الأمريكية جريتا جروينج التي كتبت وأخرجت عددا من الأفلام شكلت فيها النساء نقطة الانطلاق ورمز القوة الخفية، كما هو الحال في فيلم «باربي» إنتاج 2023، لكن وعلى مدار تجربة مشاهدة فيلم «باربي» سيحضر سؤال مُلح: هل هو فيلم سينمائي بالفعل؟.

يمتاز الفيلم بجودة بصرية وتمكن إخراجي واضح وتوظيف للعناصر البصرية وقدرة على خلق عوالم مختلفة ما بين «باربي لاند» والعالم الواقعي، وتوضيح التباينات فيما بينهما، مع هذا يتكرر التساؤل هل هو فيلم سينمائي أم خطبة مباشرة متكررة الفقرات؟

باربي
باربي

تستهل المخرجة جريتا جروينج حكاية باربي التي ترويها بتحية للفيلم الملحمي للمخرج ستانلي كوبريك 2001: A Space Odyssey إنتاج 1968، في استلهام وتقارب ما بين اكتشاف الإنسان البدائي لحقب التقدم والتغيير واكتشاف الفتيات لدمية باربي التي رسمت ملامح جديدة لعالم الفتيات وفرضت أساليب خاصة لقواعد اللعب بالدمى.

سريعا ما انطلق الشريط الفيلمي إلى عالم باربي الذي يضم الكثير من الباربيهات المختلفة كل منها في مكان مرموق داخل هذه التراتبية المجتمعية لعالم باربي لاند، تلك التراتبية التي لا تضم الرجل «كين» في أي من المهام الحيوية أو المؤثرة في مجتمع باربي لاند، حيث ينحصر حضور الرجل «كين» في كونه مجرد تكمله للمظهر الاجتماعي دون تأثير، إذ تتربع المرأة باربي على عرش القيادة وتتولى كافة الوظائف والمهام الحيوية، بل وتحدد ملامح ومظاهر الحياة، حيث يهيمن على عالم باربي لاند تصور معكوس عن ملامح العالم الحقيقي الذي يتولى فيه الرجال غالبية المناصب بل ويغرق الوعي الجمعي في الهيمنة الذكورية الأبوية، كما يوضح لسان حال الفيلم.

باربي
باربي

ارتباك

ربما يتمتع الفيلم بصورة براقة وأخاذة على مداره لاسيما مع استخدام الإضاءة المعبرة عن انفعالات وتقلبات الشخصيات، لكن يظل فيلم «باربي» فيلما مربكا ومرتبكا في الآن نفسه، حيث ينطلق في بدايته من عالم باربي التي لا نعرف هل هي تعيش بملء إرادتها أم أنها تخضع لهيمنة البشر / الفتاة التي تلعب بها، هذا الارتباك يرافق الشخصية، لاسيما في مشهد «تحديد المصير» خلال لقاء باربي وروث هاندلر مصممة العروسة باربي عام 1959، فهل هي حرة أم مجرد دمية تحت سلطة شخص آخر، ارتباك تواريه هيمنة الخطابية والحنجورية التي لا تنتهي إلا بنهاية الفيلم.

تتسم أفلام المخرجة جريتا جروينج، وزوجها المخرج والكاتب نواه بومباك، في الأفلام التي تشاركا في صناعتها أو كتاباتها سويا، بغلبة الخطابية والاستلهام من الحوار المكثف للتعبير عن الشخصيات وأزماتها، وهو النوع الذي عادة ما تظهر به أفلامهما، ربما يعود ذلك إلى غلبة الخطابية والمعايير الصوابية بمختلفها والتي باتت حاضرة في السينما الأميركية بصورة فجة أحيانا، ما يجعل الأفلام كمحاضرة حنجورية ما تلبث أن تبدأ ويتشتت الصانع والمشاهد حول الغرض من صناعة الشريط الفيلمي وتتحول السينما إلى منصة لإلقاء الخطابات لا أكثر.

وهو ما انعكس على رسم الشخصيات التي ظهر بشكل أحادي كاريكاتيري، استفاد من كونه يقدم شخصيات دمى لكنه وقع في فخ الارتباك حينما أضفى عليها ملامح إنسانية في بعض المواقف، لتكون الشخصيات في النهاية، سواء القادمة من عالم باربي لاند أو العالم الحقيقي، هزلية وبلا عمق وجداني كما كان يأمل الفيلم في تحقيق ذلك من ارتباط وتعاطف مع هذا النموذج النمطي من باربي التي تنتبه في لحظة ما إلى أنها سئمت من حياة الدمى حينما اكتشفت أن عليها الكفاح للاستحقاق.

انجذاب بصري

رغم كل المشكلات التي سيطرت على سيناريو وحوار فيلم باربي لكن هناك بعض العلامات المضيئة في الفيلم، حيث أنه فيلم مسل على مداره وهي نقطة تحسب للتنفيذ البصري، وكذلك مونتاج الفيلم لـ نك هوي، وكذلك تصوير رودريجو برييتو، حيث أن صناعة الصورة والتكوين خلال مشاهد الفيلم كانت ملفتة وجذابة وعبرت عن عالم الدمى الملون المزركش وكذلك حالة التباين بين عالم باربي لاند والواقع الحقيقي المعتم الرمادي.

باربي
باربي

منذ ظهور مارجو روبي كممثلة وحضورها في فيلم The Wolf of Wall Street وتقديمها واحدا من أفضل الأداءات بعد ذلك في فيلم Tonya، حضرت كممثلة قادرة على التنوع بصورة كبيرة، وهو ما حدث في فيلم «باربي» الذي تشارك في إنتاجه. أداء روبي عبر عن الدمية باربي وتباين حالتها والانتقالات التي مرت بها ما بين عالمها المغلق داخل عالم باربي لاند أو الصدام الذي حدث بعد حضورها إلى العالم الواقعي، الحال أيضا مع الممثل ريان جوسلينغ الذي قدم أداء عبر عن «كين» الدمية التي تبحث عن كينونتها وسط ازدواج العوالم المختلفة.

شهد العقد الأول والثاني من القرن العشرين استغلالا للسينما للتوجيه واستثمار هذه الصناعة الجديدة لاستقطاب العقول من خلال تقديم الأفكار على الشاشة الكبيرة. أفلام مثل «ولادة أمة»، الصادر 1915 وكذلك السينما السوفيتية فيما بعد مثل فيلم «المدرعة بوتمكين» إنتاج 1925 وكذلك السينما التعبيرية الألمانية وفيلم «كابينة الدكتور كاليجاري» إنتاج 1920.. جميعها وغيرها من الأفلام في تلك الفترة ارتبطت بالتوجيه والتعبير عن أيديولوجيات متنوعة مستخدمة السينما.. وربما ونحن على أعتاب نهاية الربع الأول من القرن الحادي والعشرين نمر بنفس المرحلة، مع استمرار هيمنة حرب الأفكار والاستقطابات.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة