جوى للانتاج الفني
الرئيسيةفي الصالاتفيلم الحارة: هدف ضائع في مرمى السينما الأردنية..

فيلم الحارة: هدف ضائع في مرمى السينما الأردنية..

عمرو علي

آمال كثيرة عُقِدَت على الفيلم الأردني الحارة لأسباب مُتعدّدة أولها أنه من تأليف و إخراج باسل الغندور في تجربته الإخراجية الأولى
بعد مُشاركته في كتابة الفيلم الشهير ذيب (2014) من إخراج ناجي أبو نوار و الذي صُنِّف باعتباره واحداً من أهم الأفلام الأردنية خلال السنوات الأخيرة،
و ليس أخر هذه الأسباب مشاركات الفيلم الكثيرة في مهرجانات دولية مرموقة أهمها مهرجان لوكارنو و حصوله على العديد من منح الدعم و الإنتاج من صناديق و مؤسسات سينمائية عربية مستقلة
منها الهيئة الملكية الأردنية للأفلام و مؤسسة الدوحة للأفلام وشركاء ملتقى القاهرة السينمائي،
عدا عن مشاركة شركة إنتاج مصرية مستقلة في إنتاج الفيلم و إقدامها لاحقاً على توزيعه في مصر في سابقة لم يحظَ بها فيلم أردني من قبل،
و نادرة الحدوث بالنسبة للإنتاجات العربية ككل،
و إن كانت الأسباب السابقة مُوجبة بالتأكيد لمشاهدة الفيلم و الاهتمام بهذه التجربة و الاحتفاء بها،
إلا أنها سرعان ما ستفتح الأبواب في وجه أسئلة تتعلّق بأحقية الأفلام التي تحظى بدعم صناديق و مؤسسات السينما المستقلة،
طالما أن فيلم الحارة لا يمكن تصنيفه في النتيجة النهائية،
بالنسبة إلينا على الأقل، سوى في خانة السينما التجارية،
و لكنها تلك السينما التجارية جيّدة الصنعة و التي لا نتخذ منها موقفاً بطبيعة الحال و إنما ننظر إليها باعتبارها ضرورة ضمن السوق السينمائي العربي و إن كان لها بالتأكيد مقام مختلف عن مقام فيلم الحارة،
خاصّة عندما نشهد فجاجة الثغرات الدرامية التي يزخر بها الفيلم.

تدور قصّة الفيلم حول شاب اسمه علي (عماد عزمي) يعيش علاقة غرامية سرّية مع فتاة من حارته اسمها نورا (ليان كتخدا)،
لكنهما سرعان ما يقعان ضحية مُتشّرد ينجح بتصويرهما معاً بكاميرا موبايله عبر نافذة غرفة الفتاة المُطلّة على الشارع،
و يسعى لابتزاز والدة الفتاة و هي السيّدة المُحافظة أسيل (نادرة عمران) التي تمتلك صالوناً للتجميل النسائي في الحارة،
فتذهب أسيل إلى بلطجي الحارة و مُتزعم عصابة الإجرام عباس (منذر رياحنة) من أجل أن يُخلّصها من هذا الابتزاز فيوافق الأخير بصدر رحب مقابل أن تقوم أسيل بتجميل فتيات ليل يرسلهن إليها قبل أن انطلاقهن إلى العمل في الدعارة تحت إشرافه و إشراف أعضاء عصابته
و من بينهم فتاة غريبة الأطوار اسمها هنادي (ميساء عبد الهادي).

فيلم الحارة
فيلم الحارة

يقوم عباس بتهديد علي من أجل ترك نورا و نسيانها نهائياً و يُقدم على ضربه،
فيقرّر الأخير الفرار من الحارة برفقة نورا بعد أن ينتقم من عباس بدموية و يُقدم على سرقته و قطع لسانه،
و لكن نورا سرعان ما تكتشف في الشقّة الفندقية التي يلجأان إليها أن علي يمتلك مسدّساً
و تشكّ بالتالي بكونه متورّطاً في أنشطة إجرامية فتُقرّر العودة إلى الحارة،
و عندما يلحق بها علي إلى منزلها تضبطه أسيل مُتسلّسلاً على سلالم البناء و تخوض معه شجاراً ينتهي بغرز سكينتها في رقبته أثناء تدحرجهما معاً على السلالم،
و تسعى الأم التي تورّطت بجريمة قتل إلى دفن جثّة علي و إخفائها،
و تتجه أنظار عائلة علي و أهالي الحارة،
و منهم جدّه و صديقه المُقرّب الذي يعمل حلاَّقاً،
نحو عباس و عصابته باعتبارهم الجناة،
و لكن سرعان ما يعود المُتشرّد إلى إبتزاز الأم بفيديو جديد نجح بتصويره لها خلال إخفائها لجثّة علي،
فتنصب أسيل لهذا المُتشرّد كميناً بإستخدام ابنتها كطعم له عندما تطلب منها خلع بعض ملابسها و الوقوف على النافذة بطريقة مفضوحة لتفتح شهية ذلك المُتشرّد لتصويرها مُجدداً،
و تنجح الأم نتيجة هذه الخدعة السحرية بإلقاء القبض على المُتشرّد و تجري مكاشفة بينها و بينه على مسامع نورا التي لحقت بأمها لتُنصت إلى الحوار من خلف الباب،
و تعلم أن والدتها هي من أقدم على قتل علي،
و تُقرّر جرّاء ذلك مُغادرة الحارة نهائياً و بلا رجعة، بينما يُقدم صديق علي على قتل عباس و ترتيب بعض الأدّلة،
و منها حقيبة علي المليئة بالنقود المسروقة من عباس أصلاً،
لإيهام جدّ علي أن حفيده كان متواجداً بالفعل للعمل في إسطنبول كما ادّعى،
و أنه قد فارق الحياة نتيجة حادث سير، و ذلك بهدف الحفاظ على سمعة صديقه و عائلته،
و ينجح بخداع الشرطة و المُحقّقين عبر فبركة الأدّلة لإيهامهم بهذه الحقيقة المُزّيفة أيضاً،
و تتحوّل هنادي بعد مقتل عباس إلى زعيمة جديدة للعصابة لتستمر في تحصيل الأتاوات من أصحاب الكابريهات و النوادي الليلة في الحارة بمُساعدة أعوانها من المُجرمين أعضاء العصابة.

يسعى الفيلم نظرياً إلى تقديم رؤية تتعلّق بواقع المجتمع الأردني اليوم،
بل نزعم أنه كان يطمح إلى تشريح هذا المجتمع بأزماته و بعلاقات أفراده،
عبر التطرّق إلى جملة من التناقضات و المثنويات المتنافرة،
و لعلّ المثال الأبرز على ذلك يتجلّى في شخصية الأم أسيل و هي المرأة المُحجبّة و المُحافظة و التي تمتلك،
و يا للمفارقة، صالوناً للتجميل النسائي،
و كذلك عبر الإشارة إلى بعض الأزمات الماثلة في الواقع كالبطالة و الزيف الاجتماعي،
و هذه قضايا تستأهل كل واحدة منها على حدة أن تكون موضوعاً لفيلم سينمائي،
لو أنها تجيء وفق معالجة فنّية حقيقية لا تجنح نحو تركيب و فبركة الواقع على مقاس صنَّاع الفيلم طالما أنهم قد وضعونا في شرط واقعي محض منذ الأساس،
و بعيداً عن المُنكّهات التجارية التي نقلت الفيلم من وصفه فيلماً مُستقلاً،
كما يُفتَرض، لتجعله تدشيناً للإنتاجات التجارية في سينما ناشئة هي السينما الأردنية،
فالحقيقة أنه كان يمكن بالنسبة إلينا التفاعل مع أحداث الفيلم لو أنه تمَّ إنتاجه بوصفه فيلماً تجارياً يسعى لإستلهام التجارب العربية الناجحة في هذا الإطار مثل إبراهيم الأبيض و أولاد رزق بأجزائه المُختلفة،
أو حتى مسلسلات الأكشن العربية الحديثة المُنتجة في مصر و لبنان،
حيث كان يمكن النظر إلى كلّ هذا التركيب الذي يزخر به السيناريو بوصفه جهداً إبداعياً مشكوراً طالما أنه يُقَدَّم تحت عناوين التسلية و الترفيه التي اعتدنا في إطارها على القفز فوق الفجوات،
و نحن في هذا الصدد لا ننضم بالتأكيد إلى جوقة المُعترضين على الفيلم من أعضاء مجلس النواب الأردني الذين طالبوا بمنع عرض الفيلم نظراً لتشويهه لصورة المجتمع الأردني و تقديمه صورة خيالية تُجافي الواقع،
و ذلك كي لا نُتَهَم بمُناصرة نظرية المؤامرة التي تستهدف معظم الإنتاجات العربية التي تعرضها منصّة البثّ التدفقي العالمية نتفليكس،
و لكننا نُعيد طرح بعض الأسئلة المشروعة حول سبب هذا الغياب التام للسلطة الأمنية في هذه الحارة الأردنية المُتخَيلة حيث يسود قانون الغاب و يسرح و يمرح عباس و رجال عصابته لتحصيل الأتاوات و كأنهم يعيشون في حارات شيكاجو، دون أن تنجح اللهجة أو كثرة الشتائم بأن تسربل الفيلم بلبوس المحلّية طالما أن حكايته تدور نظرياً في الأردن دون أن تفقد من قيمتها شيئاً إن تمَّ نقلها حرفياً إلى أيّة بقعة أخرى من العالم،
و إن كان البعض قد يعتبر ذلك ميّزة تنقل الفيلم إلى مستوى العالمية فلا بدَّ من التذكير بأن العالمية الحقيقية لا بدَّ من أن تنبع أولاً من خصوصية البيئة المحلّية،
و لنا في أفلام مُستقلة كثيرة نجحت في تحقيق هذه المعادلة خير مثال،
أما تلك الثغرات الدرامية الفجّة، و أبرزها طريقة تصوير المُتشرّد لغرفة نوم نورا،
و عودة الأخيرة المُفاجئة إلى الحارة بعد اكتشاف وجود المسدّس لدى علي رغم قرارها المصيري بالفرار برفقته،
و طريقة مقتل علي الساذجة، و أسلوب اصطياد الأم للمُتشرّد و موافقة نورا على التحّول لطُعم مكشوف أمام أهل الحارة، و طريقة معرفتها بحقيقة قتل والدتها لعلي عبر مصادفة بحتة،
و الانقلابات النفسية الغير مُبرّرة في سلوك الشخصيات مثل تحّول علي إلى قاتل دموي بعد تقديمه لنا بوصفه شخصية مُسالمة و حالمة خفيفة الظلّ،
و كذلك الأمر بالنسبة إلى الأم التي تقتل بدّم بارد دون أن يهتزّ لها جفن،
فهذه كلّها أسئلة نضعها برسم الجهات و المؤسسات التي آثرت دعم هذا الفيلم بوصفه فيلماً مستقلاً و بديلاً،
و يُحّق لنا أن نسأل هنا عن ماهية اختلاف و استقلالية هذا الفيلم؟
و هل يكفي أن تُقدّم السينمات العربية محدودة الإنتاج كالسينما الأردنية فيلماً لا على التعيين حتى يستأهل الحصول على التمويل اللازم مهما بلغت درجة مُجافاته للواقع و افتقاره للمنطق؟

عمرو علي

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة