رامه الشويكي
(اليوم أولد من جديد)..
بهذه العبارة وصف الفنان المسرحي العربي “غنام غنام” مشاعره أثناء التكريم في المعهد العالي للفنون المسرحية احتفاءً بتجربته الإبداعية الرائدة،
ومشروعه المسرحي في توثيق القضية الفلسطينية.
بعد قيامه بجولة على أقسام المعهد ومشاركة الطلاب عروضاً فنيةً،
وترحيبهم به بأغنية من التراث الفلسطيني،
انتقل إلى حوار مفتوح معهم تميز بالشفافية والوعي،
سرد فيه محطات من حياته منذ ولادته في أريحا عام 1955 وتهجيره من وطنه عام 1967 إلى الأردن ـ جرش حيث حمل من حارة “البيادر” الزاد والزواد الذي أعانه على تشكيل هويته المسرحية،
وبداياته في احتراف الفن المسرحي مع رائد المسرح “هاني صنوبر” في مسرحية “تغريبة ظريف الطول”،
مروراً بتأسيسه ثلاث فرق مسرحية وهي موال، مختبر موال المسرحي،
وفرقة المسرح الحر التي قدم من خلالها أعمالاً مسرحية عديدة صنعت مكانه الخاص في المشهد المسرحي العربي هو الممثل، المخرج،
والمؤلف لنصوص مسرحية عدة وأدبيات أخرى منها “موجز تاريخ المسرح الأردني” و”المختصر المفيد في المسرح العربي الجديد”، والعديد من الدراسات في المهرجانات والندوات.
في تصريح خاص لفن وناس عن تكريمه قال: سأحمل اليوم معي من “دمشق” نبض قلبي الذي استعدته بعد غياب 15 عاماً،
سأحمل الأمل الذي أراه في عيون الشباب والشابات من طلاب المعهد، سأحمل محبة واحتضان الناس.
أصل الحكاية
وحول أسلوب المسرح الدائري والفضاء المفتوح الذي يتبعه في عروضه المسرحية وآخرها “بأم عيني 1948” الذي قدمه في الثالث من حزيران على مسرح “فواز الساجر”
يقول: استوحيت الفكرة من أشكال الاحتفال الشعبي في حارتنا عندما كنا نضع الكراسي ونرش الأرض بالماء في حارة البيادر الشعبية ونبدأ الحفل البهيج بين الناس مع أربع مشخصاتية،
هنا أصل الحكاية، أردت أن أقدم الشكل الاحتفالي الشعبي وبالتالي يمكن تقديم العرض في دائرة، مربع،
في مسرح دائري، على الأسطح، عند بركة ماء،
في كل مكان لأنه يعتمد على التفاعل والعلاقة مع الجمهور،
لأنني أحب أن يشعر كل مشاهد أنني أمثل له وحده.
يكمن سر صناعة الفرجة المسرحية بالنسبة للفنان “غنام” الذي احترف العمل المسرحي منذ عام 1984 في الصدق والمعرفة العميقة التي استطاع أن يقدم من خلالها أعمالاً مسرحيةً عدة منها بدرانة،
كأنك با أبو زيد، حياة حياة، سأموت في المنفى، آخر منامات الوهراني،
يا مسافر وحدك، شهقة الطين وغيرها الكثير.
عبر منبر فن وناس يوجه المسرحي الكبير رسالته إلى الجيل الشاب
قائلاً: ثق بهويتك، بعمق معرفتك وثقافتك،
ثق بمشروعك وادعمه بالموقف الفكري والإيديولوجيا السياسية،
فلا بد أن يحدد الفنان موقفه من القضايا المختلفة.
حول ما يريده الجمهور من المسرح العربي يرى “غنام” أنه يحب أن يرى صورته، وجعه، أمله، صوته، مستقبله،
يريد هويته ما يشبهه في القادم وليس في الواقع،
ونخطأ إذا قدمنا له ما يعرفه فقط، فهو يريد أن يرتب معرفته من جديد،
ربما يقدم له المسرح معارف يدركها لكن مع ترتيب ألف بائها لإدراك ما التبس أمامه من مواضيع،
وبالتالي المسألة ليست مسألة تقنيات ولا وسائل حديثة كما يعتقد البعض.
استضافة الفنانين المسرحيين في ملتقى الإبداع بالمعهد العالي للفنون المسرحية بحسب عميده الدكتور “ثامر العربيد” تصب في اتجاه تقديم نصائح للإجابة عن أسئلة الطلاب باتجاه مستقبل وصعوبات العمل المسرحي.
فيقول: أحد مهام المعهد الأساسية بتخصصاته المختلفة توجيه الطلاب إلى العمل المسرحي عند تخرجهم،
من الضروري إعداد جيل يشتغل مسرح ويؤمن بهذا الفن بعيداً عن متطلبات أو ظروف سوق العمل التي لا نمتلك سطوة عليها لكن من واجبنا أن نعد الطالب ليكون فناناً مسرحياً.
من جهته د. “عجاج سليم” عضو الهيئة العربية للمسرح وصديق المسرحي الكبير “غنام غنام” تحدث عن أهمية تكريمه
قائلاً: وجوده على مسرحنا هو تكريم لنا، هو المسرحي العريق الذي حمل هاجس المسرح طوال حياته وآمن بدوره في حياة المجتمعات،
كما يشكل إشارة هامة لعودة المسرحيين العرب إلى “دمشق” وحراك مسرحي قادم،
ومن المتوقع أن يقام مهرجان “المسرح العربي” في مدينة دمشق عام 2025.
ويشير د.”عجاج” إلى أن استضافة المسرحيين الكبار في المعهد تشكل محرضاً للطلاب في إدراك أهمية عملهم،
دورهم والاختصاص الذي اختاروه لحياتهم، فمن ضروري أن يعمل الممثل في السينما والتلفزيون لكن يبقى المسرح هو المكان الحقيقي الذي يشكل نضوجه الفني والفكري والإنساني.
من الحضور التقينا “هنادة صباغ” فنانة متخصصة بمسرح العرائس تحدثنا عن تجربتها مع الفنان “غنام غنام”:
تعود معرفتي به إلى عام 2014 عندما التقيته في ملتقى العرائس بمصر،
وكانت تجربة أكثر من ممتعة، فهو الأب، الفنان، الصديق، سندباد المسرح،
فنان شامل عندما عمل في المسرح المدرسي أدرج صوراً من عروضي في المنهج المدرسي،
وهو على اطلاع دائم لكل ورشات العمل التي أقيمها، يعمل على تحفيز المسرحيين الشباب وتبني مشاريعهم الفنية،
ويحترم الفنان المتجدد الذي يبحث بشكل دائم لتطوير أدواته.
أثناء الحوار ورداً على سؤال الفنان “كفاح الخوص” حول تأصيل المسرح العربي
أشار “غنام” إلى أن كلمة تأصيل أخذت منحى سلبياً في السنوات السابقة لكنها تعني أن نجد معادلات للشكل المسرحي تجعل المشاهد يدرك تصنيفه منذ بداية العرض،
وأنها لا تتعارض مع التكوينات الأخرى في المسرحية بل مكملة لها فهي جزء من الهوية مبيناً أن غياب المسرح جاء نتيجة التخلف الاجتماعي والثقافي والسياسي في العالم العربي.
في الختام أعلن “غنام” عن مشروعه القادم بعنوان “فاطمة الهواري لا تصالح” وهي إحدى ضحايا الاحتلال الإسرائيلي عام 1948 واجهت الذي تسبب بإصابتها بالشلل،
وبالتالي يتحدث العمل المسرحي عن المواجهة بين الضحية والقاتل.
نذكر أنه تم تكريم الفنان المسرحي “غنام صابر غنام” بدرع جديد للملتقى من تصميم الفنان “علي فاضل”.