جوى للانتاج الفني
الرئيسيةقضيةعن الثقافة والهوية الوطنية السورية .. متى نغني بالسورية؟؟!

عن الثقافة والهوية الوطنية السورية .. متى نغني بالسورية؟؟!

زيدون الزعبي و عمر عبد العزيز حلاج

 

نستيقظ صباحاً على صوت فيروز بلجهتها اللبنانية،
وننتفض فخراً وهي تغني للشام.
نسهر مع صوت أم كلثوم بلهجتها المصرية،
وننتفض فخراً مع عبد الحليم وهو يطالبنا بأن يظل السلاح صاحياً.
نزهو بسورية فريد الأطرش وأسمهان وجورج وسوف وأصالة متجاهلين أنهم يغنون باللهجة المصرية في غالب أعمالهم، إن لم يكن كلها.

أسمهان
أسمهان

نغني حلمنا العربي بلهجة مصرية!

نقدم للفصحى سعد الله ونوس ونزار قباني وأدونيس وممدوح عدوان وسنيّة صالح وسواهم،
وليس لدينا شاعر باللهجة السورية، باستثناءات ترتبط باللهجات المحلية كعمر الفرا وسواه.

سعدالله ونوس
سعدالله ونوس

نكاد نخجل حين نقول: أغنية باللهجة السورية.
يشعر كثر منا بالانقباض حين نقول: غنت فلانة أو فلان باللهجة السورية،
بل ونسمع كلاماً من قبيل أن لجهتنا السورية لا تصلح للغناء، على عكس المصرية والخليجية!

ليست في نشيدنا الوطني كلمة «سوريا» واحدة!
نفتخر بمطبخ شامي وحلبي، ونرفع حاجبينا إذا قلنا: مطبخ سوري!

كيف يكون لنا غناء بلجهتنا؟
من نحن ليكون لنا غناؤنا؟
كيف يكون لنا ثقافتنا وهويتنا وتراثنا؟ هل نحن أمة؟!!

صباح فخري
صباح فخري

نُحلق مع صباح فخري وصبري مدلل بلهجة أهل حلب، وفهد بلان بلجهة الجبل،
نطرب لأهازيج الجزيرة، وللأصوات الجبلية،
لكننا لا نجد أغنية واحدة بلهجة سورية بيضاء!
إلى درجة أصبحت معها أغنية أصالة «صندوق» حدثاً لافتاً يتداوله الناس في العالم الافتراضي.

لماذا؟ ربما لأن الفن انعكاس للسياسة، والسياسة لم ترد لنا أن نصبح «أمة تامة» بعد! وتحارُ هل تسمينا وطناً؟
أم دولة؟ أم قُطراً!

ما زلنا نخشى كلمة «أمّة»! نعتبر الحديث عن أمة سورية أو أمة عراقية خيانة لقضايانا،
وجعَلنا كل الهويات الفرعية الإثنية والدينية والطائفية نقيضاً لهويتنا القومية.

نغص حين نسمع أحمد فؤاد نجم يقول إنه يغني باللغة المصرية بدل اللهجة المصرية،
ولكن ننسى ولا نفكر في أن النشيد «القومي» المصري مكتوب باللهجة المصرية «العامية».
قد نبتسم باستخفاف عندما نقرأ «مجلس الأمّة الكويتي»!
لكننا لا نناقش كيف أن البلجيكيين أمة، والأميركيين أمة، والكنديين أمة،
ولكن للروس والسويسرين والصينين وطن مشكل من أمم كثيرة!

في حقيقة الأمر..
استيقظنا يوم الاستقلال عن السلطنة العثمانية على أمة منقوصة تسعى إلى بناء ذاتها وتشكيل هويتها المكتملة،
غير أن الفرنسيين انقضوا على حلم الأمة السورية،
وأجهزنا نحن عليه!
حاولنا منذ استقلالنا عن فرنسا، إضعاف الكينونة السورية لصالح العربية.
لم نكد نستقل عن فرنسا حتى هرعنا إلى مصر نلتجئ إليها لنشكل معها الجمهورية العربية المتحدة،
فقفزنا من هوياتنا المحلية إلى هوية عربية عامة،

مارين مروراً عابراً على الهوية السورية، فصار لنا غناء حلبي، وآخر بالفصحى، وشعر بلهجة الجزيرة، وآخر بالفصحى، ولم يتشكل لدينا غناء بلهجة سورية، ولا شعر بلهجة محكية سورية، ولا مطبخ سوري،
ولن تسمع عبارة «تراثنا السوري»،

فهناك تراث حلبي وآخر عربي، وتراث دمشقي وآخر عربي، أما سوريا فليس لها تراث!
وعندما بدأت الحكومة بتنظيم المسابقة المعمارية لإنشاء المتحف السوري وقعنا في مطب تعريف سوريّةِ التراث! فأبجدية أوغاريت، تؤكد أن الفينيقية لهجة عربية وليست سورية،
واسم زنوبيا يؤكد أنها عربية وليست سورية،
وهل هناك أوضح من لاحقة العربي بفيليب ليصبح فوق سوري!
وماذا عن مناطق كانت في الحيز الثقافي السوري وصارت اليوم خارج سوريا؟

بنينا الطابق الأرضي، المحلي بطبيعته،..
وانتقلنا إلى بناء الطابق الثالث، بل وربما الرابع،
دون أن نبني الطابق الأول الوطني…

ألبسنا هوياتنا المحلية لبوساً عربية دون المرور بهوية سورية جامعة،
فصرنا في نهاية المطاف بلا هوية وطنية جامعة، ودون اعتراف بسوريتنا،
ولم نعط عروبتنا المفترضة جذوراً حقيقية فبقيت بعيدة عن حياة الناس المعاشة.
صار التنوع مدعاة للتغني والتخفي.
تكلمنا عن الفسيفساء السورية وركزنا على ألوان أحجارها، ولم نتكلم عن شكل لوحة الفسيفساء النهائي.

نحن متنوعون،..
لكن لا أحد يعرف تنوعنا.
لا نسمع أغنية بلهجة سورية فكيف لنا أن نسمع غناء كردياً، أو سريانياً، أو آرامياً؟!
لا نعرف حكاياتنا وأساطيرنا، وليس لنا تراث خاص. ولكننا وضعنا الهوية السورية كنقيض للهوية العربية،
فصار الكردي والسرياني والآرامي نقيضاً للهوية  العربية.

لكن هل نحن أمة حقيقة؟
نعم نحن أعضاء في الأمم المتحدة، وبحسب لغة الأمم المتحدة وقوانينها نحن أمة،
وسيقف جهابذتها حيارى إذا قلنا لهم:
نحن جزء من شعب وجزء من أمة وقطر صغير في وطن حلم به أجدادنا وضعنا نحن في غياهب هذا الحلم.
لسنا أمة فنحن جماعة مؤقتة، نمر في فترة عابرة إلى أن يتحقق الحلم العربي ونصبح دولة عربية متحدة وواحدة.

طالبنا بالعروبة وكرسنا اقتصادتنا الوطنية منفصلة عنها.
ولكننا لم نبن اقتصادات وطنية وبقيت اقتصادات الأطراف أقرب إلى اقتصادات دول الجوار بدلاً من أن نبني سلاسل قيمة تجمعنا لأننا ننتظر الاقتصاد العربي الجامع. ومازلنا ننتظر….
وإلى أن يحين ذاك الوقت، نبقى نحن أسرى الوقتية، والظرفية، وكامل الشعور بالنقص !!!

لكن أليست الأمة جماعة سياسية، ذات مصالح مشتركة وتاريخ متخيل مشترك وحضارة مشتركة وأهداف مشتركة، ومؤسسات اجتماعية وسياسية واقتصادية،
وثقافة تنعكس في عاداتها وتقاليدها ورموزها الحضارية والبيئية والتاريخية؟
فما الذي ينقصنا من كل هذا؟
يستعمل أنطوني سميث، عالم السياسة المختص بالهوية الوطنية مصطلح «أمة من الأمم»،
عندما يتحدث عن إسبانيا وكياناتها السياسية غير السيادية الفرعية،
فهل يجب أن تكون سوريا أمة بدون سيادة ضمن الأمة عربية؟ أم أنها أمة ذات سيادة؟

أول تدوين موسيقي - أوغاريت
أول تدوين موسيقي – أوغاريت

إذا أقررنا أننا أمة ذات سيادة،
فلماذا نخشى أن نكون أمة ذات ثقافة؟!
لنا ثقافتنا السورية المميزة المتأثرة بمحيطها العربي والإسلامي،
تجيد التخاطب مع الغرب والشرق، وتؤثر وتتأثر بهما.
هويتنا السورية لا تلغي انتماءنا العربي ولا تخفي ارتباطنا بالعالم الإسلامي،ولا بتراث الإنسانية.
لهجتنا السورية جميلة كسائر اللهجات العربية،
لنا أن نغني بها ونكتب الشعر بلهجتها.
نفخر بفصحانا، كما نفخر بلهجاتنا كلها، وبلغاتنا كلها.
ليس تعصباً إن قال المصريون إنهم أمة.
ليس تعصباً إن تحدث أحدهم عن هوية مغاربية أو خليجية أو شآمية. وليس تعصباً أن نقول إننا أمة!

زيدون الزعبي
زيدون الزعبي
عمر عبد العزيز الحلاج
عمر عبد العزيز الحلاج

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة