جوى للانتاج الفني
الرئيسيةفي الصالاتعزيزي القارئ.. احذر أن تكون من أشقاء ليلى

عزيزي القارئ.. احذر أن تكون من أشقاء ليلى

صفعة مدوية على وجه المجتمع الأبوي الذكوري

“إخوة ليلى”، صفعة مدوية من المخرج والكاتب السينمائي الإيراني، سعيد روستاى، على وجه الثقافة الذكورية السائدة في مجتمعه.

 في مشهد مفعم بالشحنات العاطفية التي كادت أن تلهب شاشة العرض ـــ لحظة درامية قد تم شحن الساعة ونصف التي سبقتها بأحداث رواية موجعة لا تخلو من الكوميديا ولكنها كوميديا سوداء كما نعرفها سينمائيا ـــ صفعت ليلي، الفتاة الأربعينية المثقلة بالهموم، الثقافة الأبوية كاملة وقد تمثلت في وجه والدها، هذا الرجل السفيه المسن الديكتاتور، بمنتهي العنف وسط حضور الأم والاشقاء الذكور الذين ثارت عروقهم الذكورية في وجه أختهم ليلي، بطلة الفيلم وبطلة كل المجتمعات الأبوية، تلك الفتاة التي تعمل في أحد المولات التجارية وتقضي جل وقتها في خدمة أبويها المسنين، بينما أشقاؤها الذكور ضحايا البطالة في مجتمع اعتاد أن يقمع الضعفاء وخاصة الذين ركنوا إلى شروطه ولا يملكون حتى القدرة على الحلم خارج الأطر الأبوية، والتي اعتادت أن تخنق بداخل الشباب أفق المستقبل ولا تمكنهم إلا بشيب الرؤوس، بينما ليلي فقط تحلم بحياة أفضل وتسهر الليالي تحث أخوتها على تبني هذا الحلم البسيط وهو أن يكون لديهم محل صغير يمتلكونه لإقامة تجارة تؤمن لهم جميعا الحد الأدنى من الحياة الكريمة.

بعد كثير من المعاناة يحاول الجميع حصر ما يملكون فتتكشف الحقائق، فكل الأخوة الذكور لا يملكون شيئاً، بل وراء كل منهم ورطة تنم عن قلة الحيلة وعدم التدبير. في مواجهة كل هذه الملابسات تضع ليلي كل ما تملك وينضم لها أخوها الأصغر بثمن سيارة متهالكة ليشتروا المحل الذي وجدته ليلي معروضا للبيع في توسعات المركز التجاري التي تعمل فيه، ولكن هذه الأموال لا تكفي فيلجؤون للأب الذي اختار طيلة حياته أن يحرم أبناءه في مقابل أن يدخر أموالا تمكنه من ارتقاء منصب كبير العشيرة، فهذا هو الحلم الذي عاش يدخر من أجله وقد آن أوان تحققه.. لقد مات كبير العشيرة وأصبح من حقه أن يحقق هذا الحلم السخيف الذي لن يضيف أي معنى إلى حياته أو حياة أبنائه، والحقيقة أن سخافته تكمن أيضاً في طريقة وشروط الوصول إليه، فهو لن يناله إلا بتقديم هدية قيمة، هي عبارة عن عدد من الجنيهات الذهبية  إلى حفيد كبير العشيرة السابق في حفل زفافه، وذلك مقابل أن يرفعه الوريث إلى كرسي خلافة والده، هو وزوجته (أم ليلي) ليصبحا من شيوخ العشيرة.

اعتبرت ليلي كل هذا بمثابة حماقة ولم تستطع التعاطف مع هذا الطموح بينما فرقت حماقة الوالد بينها وبين أخوتها الذكور الذين دافعوا عن حق والدهم في الوصول إلى هذه المكانة التي هي في الحقيقة لن تعود عليهم سوى بفقدان حلم الاستقرار وشراء المحل. ولكن حلم ليلي لم يواز بالنسبة لأخوتها أهمية إرضاء تلك الرغبة المحمومة عند والدهم في التسيد.

حلم زائف خير من واقع مؤلم

كان هذا اختيار الأغلبية، فقد استجابت ليلي لرغبة الأسرة في تحقيق حلم الوالد وارتدى الجميع ثيابا فاخرة وذهبوا معا إلى حفل الزفاف فرحين مهللين وتم تتويج الوالد بالصعود إلى كرسي الخلافة، وجلست الأم بجواره، أما الأخوة الذكور فأخذتهم سكرة الانتصار الزائف وكأنهم توحدوا في لحظة واحدة مع هذا الأب فأصابهم ما أصابه من نكران للواقع الأليم وعاشوا لحظات السيادة غائبين عن الوعي. ولكن ليلي كان لها شأن آخر، فقد اتخذت قرارها بأن تكشف لهم عن زيف هذا الانتصار وتجعلهم يستفيقون من سكرتهم على واقعهم فلا سيادة ولا احتفال بدون الذهب، فقد أخذت القطع الذهبية لتغير بها واقعهم ولم تكشف لأي منهم هذه الحقيقة إلا بعد أن تركتهم يستدرجون في أوهامهم. فرت هاربة من الحفل ومعها حلمها بعدما علم أخوها بعدم وجود الذهب في علبة الهدية، اختل توازن المشهد تماما فعرف الجميع أن هذا الشيخ الجديد لم يحضر الهدية فأنزلوه عن كرسي الخلافة ولم يعد كبيرهم، فتحطمت أحلامه كالطفل الذي كسرت لعبته، بينما ليلي تجري مسرعة هربا من مطاردة أخيها الذي ظل يطاردها إلى أن وصلت إلى المنزل فواجهته بالحقيقة التي كانت بمثابة الصفعة الأولى في هذا الفيلم.  

رضخ الأخوة لإرادة ليلي واشتروا المحل وأوشك الحلم على التحقق وكان هذا الطفل المهووس بالسلطة (الأب) الذي حبس نفسه في غرفته مستغلا ضعف أبنائه تجاه حالته الصحية التي بات يهددهم بها ويمارس عليهم ضغطاً جديداً ليردوا له الذهب مدعيا أنه قد رهن منزل الأسرة ليشتري به هذه الخلافة والآن يجب أن يفك الرهنية طالما هم حرموه من الخلافة.. فتنطلي الحيلة على الأبناء الذكور بينما ليلي ترفض ولكن في النهاية تستسلم لضغوط الذكور ويعيدون المحل إلى صاحبه ويستردون الأموال ولكن الأب يريد قطعه الذهبية.

تجد ليلي حجة البيت مخبأة في كرسي قد دسها الأب ليداري كذبه فتستشيط غضبا لضياع حلمها مقابل أكاذيب والدها الذي مازال متمسكا باسترداد الذهب. إذاً فهو مازال يطارد حلم سيادة العشيرة على حساب مستقبل أبنائه الذين أعيتهم محاولات استرداد الذهب لأن سعره قد ارتفع عما سبق فأصبحت الأموال التي في حوزتهم بلا قيمة، فقد ضاع المحل بلا سبب سوى أنانية وسفاهة هذا الأب، ولم يعد لليلي سوى أن تعيش بلا أمل، فكان مشهد المواجهة التي صفعت فيه أباها بمنتهي القسوة بعد أن طفح بها الكيل وكأنها تحمل على كاهلها أنين أجيال من النساء الضائعات في عالم أبوي يحكمه الكذب والزيف وضيق الأفق واستباحة المستقبل ليقدم قربانا إلى الماضي.

صدمت هذه الصفعة المجتمعات المحافظة عامة وليس فقط المجتمع الإيراني. تم اتهام مخرجه ومؤلفه سعيد روستاى بأنه يريد هدم القيم النبيلة والدين الإسلامي وخلخلة الترابط الأسري، ووصف بأنه يغازل الغرب وجوائزه ويقدم أفلاما سوداوية عن مجتمعه العريق للحصول على رضا المشاهد الغربي.. مع أن كل ذنبه أنه ناقش ببراعة سينمائية القيم الأبوية الذكورية التي هيمنت على مجتمعه.

محبة وتقدير مستحق

استطاع سعيد روستاي، ببراعة في الكتابة قبل الإخراج، أن يمتزج بواقعه الاجتماعي ويعيد إنتاجه على الشاشة في رواية تنبض بالحياة، بتجسيد أمين لأدق التفاصيل دون أن يقع للحظة في فخ الترميز أو ما شابه..  زخم التفاصيل اليومية وبراعة تعبيره عنها بدقة جعلا من الرواية تشي بما بين السطور، فهو فيلم يقدم أجمل الصياغات السينمائية، لم يكن مغلق المعنى ولم يتخذ من المباشرة طريقا ابدا، تلك البراعة السينمائية هي ما جعلته، وغيره من مخرجي السينما الإيرانية المتميزين، اصحاب حظوظ في الجوائز العالمية ولم تكن موضوعات أفلامهم فقط (الانحياز للمرأة والأطفال كضحايا للثقافة الذكورية) هي السبب كما يزعم البعض.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة