جوى للانتاج الفني
الرئيسيةنقد تلفزيونيشوغن .. عندما يلبي عمل درامي كل احتياجات المتفرج

شوغن .. عندما يلبي عمل درامي كل احتياجات المتفرج

ديانا جبور

ما الذي يمكن أن تبحث عنه وتنشد التقاطه في عمل فني ولا تجده في مسلس “شوغن” الياباني رغم أن عدد حلقاته لم يتجاوز العشرة؟

فضول معرفي وتجربة ثقافية مختلفة؟

أداء تمثيلي رفيع، مقتصد لكنه بليغ التأثير؟

حوارات حياتية مرتبطة ببيئتها، لكنها في الآن نفسه،عميقة وشعرية وموحية؟

جماليات بصرية، وغنى لوني، وتشكيلات حركية تحيل الصورة المقدمة إلى لوحة فنية؟

أفكار عميقة لكنها لا تثقل كاهل الدراما ولا تحولها إلى حصة مدرسية؟

تشويق لا يعطل العقل والتفكير، لكنه ينجح في زيادة جرعة الشغف؟

مسلسل شوغن
مسلسل شوغن

إن كنت تبحث عن هذا، أو ما هو أكثر فقد تجد ضالتك في مسلسل شوغان بنسخته الثانية (أنجزت الأولى عام 1980، من خمس حلقات)، عن رواية صدرت العام 1975 لجيمس كلافيل.

بعض من شاهد العمل قارنه ب”صراع العروش”،
ففي كلاهما ثيمة الصراع على السلطة، بكل ما يحمله هذا الصراع من “مرونة” أخلاقية،
ومكائد ومؤامرات ومعارك..
لكننا سنجد في “شوغن” تيمات أخرى لا تقل أهمية وتأثيرا على الشخصيات الرئيسة،
سواء كانت تقف على ضفة واحدة أو على ضفتين متناقضتين.

 

يحضر الموت في المسلسل كظل للحياة، لكنه الظل الذي يسابق الأصل، ويسبقه أحيانا

يتناول العمل مستويات متعددة للصراع، فهناك صراع الحضارات والثقافات وصولا إلى صراع الأديان،
والصراع على الموارد، بدايات القرن السابع عشر،
في ظل توسع انفجاري للاستعماري الأوربي،
تجاه مصادر ثروة جديدة،
وهناك بالطبع علاقات الحب بين العشاق،
وضمن الأسرة الواحدة،
وكل ذلك في إطار حكائي ممتع.

يبدأ العمل بخطين متوازيين ياباني وأوربي، والأخير،
يدشن مع جنوح سفينة القبطان الانكليزي البروتستانسي جون،
بمهمة مزدوجة: وقف تمدد الكنيسة الكاثوليكية وبعثاتها التبشيرية في الشرق الأقصى،
ووضع حد لاحتكار البرتغال للملاحة البحرية مع اليابان بثرواتها الفائقة.

مسلسل شوغن
مسلسل شوغن

يابانيا يبدأ العمل مع انعطافتين كبيرتين متناقضتين للقائد تاراناجا،
فبين تسيده المشهد السياسي عندما عينه الامبراطور قبل وفاته وصيا على ابنه القاصر،
إلى تحالف مندوبي الأقاليم ضده واحتجازه مع زوجاته رهينة حتى يقبل بالتخلي عن سلطاته.

لن يستسلم تاراناجا، سيقف وحده في وجه الأغلبية مسلحا بدهائه ،
فيستخدم مختلف الوسائل المتاحة ومنها جون..يتحالفان مع أن كلاهما ينظر إلى الآخر كهمجي بسبب اختلافهما الحضاري، لكنهما شيئا فشيئا سيكتشفان الميزات الإنسانية والحضارية لكل منهما،
بما يتيح لنا كمتلقين أن نطل عن كثب وبمشهدية عالية، على تقاليد يابانية عريقة في القتال والحكم والعلاقات العاطفية والفلسفة والأكل ومقهوم العار والموت الذي يحضر بكامل بهائه كظل للحياة،
لكنه الظل الذي يسابق الأصل، ويسبقه أحيانا،
فالموت في وجدان اليابانيين أقرب لأن يكون علم جمال قائم بذاته،
يتفننون في دراسة وممارسة تنويعاته، وأسماها ميتة الشرف، عقابا للذات، أو إنقاذا للمجموعة..

مسلسل شوغن
مسلسل شوغن

ألفة الموت لا تعني أن الحياة كئيبة، أو باهتة رمادية، بل حافلة بمتع دنيوية قصوى،
لكنها تظهر على الدوام بغلاف أنيق ينتشلها من الابتذال ويرفعها من اللذة العابرة إلى السعادة العميقة،
ما يصيب جون بالذهول، كما الحال عندما تطلب إليه ماريكو، مترجمته التي اعتنقت المسيحية،
أن يجد لنفسه امرأة ستتكفل بإخراجه من حالته البركانية الجاهزة للانفجار،
فلاشي يضاهي تجربة الابحار بين الغيوم والابتلال بالمطر والاصغاء لصوت الرعد..
أوصاف وصور شعرية باذخة لممارسة حميمة كان يختصرهه الانكليزي بكلمة وفعل فاحشين..

رويدا رويدا، سيتورط البحار في حب ماريكو، واليابان، ويتوحد معهما،
حتى أنه كان سيقدم على محاولة انتحار الشرف،
مدعيا ذنبا لم يقترفه لإنقاذ سكان القرية التي احتمى بها، في اختبار أخير لولائه ..
هذا الاختبار الذي يجعله يلاقي الموت، بعد أن كان يهرب منه ويتلافاه،
يجعله أيضا يعيد ترتيب الأولويات حسب جوهرها، لا أهميتها الراهنة،
فلا ينجح فقط في تحييد الدين عن صراعات امبراطوريات استعمارية جعلت منه بيدقا متحمسا وأخرق،
بل إنه استطاع أن يصل إلى الجذر الروحي للأديان،
عندما يرمي بصليبه مع رفات زوج وابن الارملة التي قرر أن يقترن بها، في أعماق البحر،
في إشارة إلى أنه لا  يريد أن تطفو إلى السطح من جديد اختلافاتهما الشكلية والطقوسية تجاه الأديان.

دم كثير.. والمعركة في مكان آخر

تاراناجو، المرصود للمجد وللزعامة بروح قتالية راسخة،
تستخف به الأقدار وهي أحد اللاعبين الأساسيين في المسلسل، فترمي به بين أحد نقيضين،
إما حاكما مهابا، أو ذليلا مستسلما، وفي الحالتين على أتباعه أن يسبروا على خطاه،
ولو بدا الموت محققا إن استسلم..
لكنه يصر على الاستسلام لأنه يريد أن يجنب اليابان حروبا وأنهار دم من السهل أن تبدأ ومن المتعذر أن تتوقف،
لكنه في سبيل هذا الهدف السامي،
سيضحي ليس فقط بمن يخالفه الرأي، بل أيضا بالخلص والأوفياء فيرسل ماريكو لموت ثمنه فضح خسة “ايشيدو” خصمه اللدود..
لكنك كمتفرج ستقدر عاليا قسوة تاراناجو، وقد أثبت جدارته كشوغن، أي كقائد، محارب وحكيم، في الوقت نفسه

الخاص في مشاهد الدم،
رغم عزارة تدفقه، أنه لا يصيب المتفرج بالهلع،
بقدر ما يحرض   الأسئلة والتأمل خاصة وأنها تأتي بعد طقوس وفنون أداء عالية المستوى..
كما أنه يأتي بعد صراع لن يستطيع معه المتابع أن ينحاز دوما إلى أحد الطرفين،
بالتالي لا يتماهى مع العنف الذي أراق الدم، بل يعمل التفكير بالدوافع .

الموت في المسلسل لا يأتي صادما، يثير الخوف أو القرف،
بل تتم التهيئة له بحوارات ومشهديات تحرض الحواس والملكات ..
فأي سحر في نركيب تناقضات لا تتآلف.

مسلسل شوغن
مسلسل شوغن

أسلوبية واحدة لعدة مخرجين

تناوب على إخراج الحلقات عدة مخرجين،دون فوارق تذكر،
كما لو أن تغييرهم كان بهدف الحفاظ على الشغف، بدل أن تصيب المخرج، إن كان واحدا، ألفة كسولة.

وحدة الأسلوبية وجدناها أيضا في أداء الممثلين،
الذين بدوا وكأنهم في في رحلة شيقة عبر تاريخ عريق لا يسمح لهم بالإقراط أو المبالغة.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة