رواد ابراهيم
أغرتني طروحات العمل الاجتماعية في مسلسل زوجة واحدة لا تكفي وخصوصاً فيما يخص المرأة، لكتابة هذا المقال، فهي المخدوعة، وهي المأزومة نفسياً، وهي ضحية الشرف، وهي الأم الفاشلة وهي العاشقة الضعيفة، وهي المستسلمة للعنف الزوجي في بيتها، الخ…في إطار حكائي جذاب صاغته الكاتبة هبة مشاري حمادة.
الثقة.. بداية خادعة
“الخيانة مو فعل، الخيانة ردة فعل”.
“سر خيانة الرجال لنسائهم، النساء أنفسهن”.
“من يجد دلالاً في بيته لا ينظر إلى امرأة أخرى”.
هذه العبارات كانت مدخلاً لمسلسل زوجة واحدة لا تكفي، رددتها هيلة (هدى حسين)، وهي تستمتع بدلال زوجها رشيد.
على خلفية هذه الأحكام التقليدية المطلقة نتابع مشاهد لزوجات رشيد (ماجد المصري) الثلاث السريات: البطة البلدي، زنود الست، البقلاوة، (كاميليا ونازك ويارا ) كما يسميهن رشيد، وهذه التسميات تعطي مدلولاتها حين يختلين برشيد، حيث يتبارين في تدليله وكل على طريقتها: الشامية واللبنانية والمصرية.
ثلاث زوجات بالسر، والسر فقط على زوجته الأولى هيلة أم بناته الثلاثة، زينة وشروق وعليا، اللواتي تقبلن الوضع وأبقينه طين الكتمان، مقابل الحصول على المال.
العائلة بخطوطها الدرامية المتنوعة تشكل الهيكل الأساسي للعمل، حيث الجميع يعمل في مدرسة تمتلكها وتديرها هيلة، التي تعمل جاهدة لتكون مدرستها نموذجية ناجحة، فهي تشرف بنفسها على كل نشاطات وفعاليات المدرسين والطلاب، وتتابع كل المشكلات التي تقع بين جميع الأطراف، داخل المدرسة وخارجها.
ولثقتها الكبيرة بزوجها رشيد منحته وكالة عامة تؤهله لتسيير أمور المدرسة المادية وعقد الصفقات المتعلقة بكل ما يخص مشتريات المدرسة، إضافة إلى كونه رئيس مجلس إدارتها.
كل واحدة من بناتها الثلاث تدير قسما في المدرسة، مما يتيح لهن التواجد الدائم وبالتالي اشباع فضولهن تجاه ما يحدث في المدرسة.
تشكل بنات هيلة نماذج لعينات مجتمعية تبدو طبيعية في حياتها لكنها تحمل في مضمونها عقدا نفسية تظهر في السلوك والانفعالات.
زينة التي تزوجت 6 مرات وأنجبت ثلاثة أطفال، لكنها لا تنتمي لأي منهم: لا إلى الأزواج ولا للأولاد، فهي منجبة وليست أم كما تقول، ولا يعنيها من أمر أبنائها شيء، بل تصرخ في وجوههم بأنها لا تشعر بعاطفة الأمومة اتجاه أي منهم.
شخصيتها مثال للأنانية المفرطة التي تبدو أنها مرضها النفسي غير المعلن، وهذا ما بدا واضحاً عند زينة التي لا تكترث بما يحصل حولها حين يتضارب مع مصالحها حتى لو كانت المتضررة أمها.
شروق الأبنة الثانية: متزوجة من تامر الذي اشتراه والدها، دون أن نعرف المبررات التي دفعت الأب لفعل ذلك. ولديها ابنها محمد وابنتها قوت القلوب.
محمد يعاني من التوحد، الحالة التي لم تأخذ حقها في المعالجة الدرامية، حيث ظل بناؤها ومعالجتها ناقصين، على الرغم من أهمية تسليط الضوء على مثل هذه الحالات ودور الأهل في التعامل معها.
قوت القلوب ابنتها، تلميذة مستهترة، لا تبالي بتحصيلها المدرسي، وترفض التعاون مع ما تقدمه والدتها أو جدتها من نصائح وإرشادات.
علياء الأبنة الثالثة لهيلة: متزوجة بالسر من حلمي الذي يعمل مراسلاً في المدرسة، تتخلص من جنينها بعد تلقيها خبر حادث وفاة حلمي.
حكايتها تأخذ حيزاً صغيراً من اهتمام والدها، وتتابع حياتها دون عوائق تذكر.
هذه النماذج تدل على أن شخصية هيلة بما تتميز بها من القوة والسطوة، إنما هي شكل دون مضمون، أي بعيدة كل البعد عما يجب أن يفرضه دورها كأم حريصة وعالمة بكل كبيرة وصغيرة.
تعدد القضايا الاجتماعية وفقر المعالجة
مجموعة من المشكلات والقضايا الاجتماعية يحشدها عمل زوجة واحدة لا تكفي وبكثافة، لكن الإشارات سريعة وغير كافية للوصول إلى تحليل كاف ومعالجة مقنعة لتلك القضايا:
كالتنمر بين الطلاب في حالة الطالب قتيبة ، الذي أقدم على الانتحار بمسدس والده بعد إن عنفه الأخير على ضعفه أمام زملائه بدل أن يختويه ويدافع عنه.
وينسحب الأمر نفسه على الطالبة بدرية التي قتلها والدها دون أن يشعر بأي ذنب، لمجرد شكه بأنها حامل، بينما يبقى الفاعل دون أي محاسبة أو تنبيه. صحيح أن ازدواجية المعايير في التعامل مع الذكور والإناث واضحة، لكن الموضوع كان يحتاج إلى عناية أكبر.
فساد النظام التعليمي بكوادره الإدارية وجهازه التدريسي.
العلاقات الزوجية وما يكتنفها من عنف وتقبل الزوجة له، كحالة شروق وحميدة.
كل هذه الخطوط لم تأخذ حفها في المعالجة والتحليل مما جعلها تبدو مقحمة للوصول بالعمل إلى ثلاثين حلقة، في الوقت الذي كان يمكن اختصارها عدديا، مقابل تعميق البحث في مدلولاتها وسيرورتها ونتائجها.
صدمة النهاية
تتوافر المعطيات والظروف لتضع هيلة في مواجهة الحقيقة، الحقيقة التي أدت إلى صدمة كبيرة، ليس فقط باكتشاف خيانة رشيد ، إنما أيضاُ في خيبتها في بناتها ومن حولها من أصدقاء تستروا على الحقيقة حماية لمصالحهم.
شعرت بالخديعة والتآمر والخذلان، فجأت ردة فعلها عنيفة ومدمرة، حيث كان مصير زينة ابتها السجن، وسجن رشيد في المكان الذي كان ملاذه للاختلاء بزوجاته. مكان لا أحد يعرفه إلّا هي.
وإذا كان انتقامها من رشيد مفهوماً، إلا أنه كان صادما في نديته تجاه زينة كما لو أنهما مجرد امراتين لا أم وابنتها. انتقام يطرح تساؤلاً: هل يمكن للأم أن تفقد أو تتخلى هي عن مشاعرها كأم مهما أخطأ أولادها؟ ربما أرادت الكاتبة أن تعاقب زينة بما يوازي أفعالها وهي التي تخلت عن كل القيم وابتزت أمها وكأنها لا تمت لها بأي صلة.
جدل خدم العمل
أثار عمل زوجة واحدة لا تكفي كثيراً من الآراء حوله بين راض متقبل وبين رافض رفضاُ قاطعاً لدرجة إيقاف عرضه في الكويت ومنع التعامل مع صناع العمل.
وجاء هذا في صالح العمل (فكل ممنوع مرغوب) إضافة إلى الأسلوب الكوميدي التشويقي الذي اختارته المؤلفة.
هذا الخيار (الكوميدي) الذي جعل الأحداث الدرامية تتصاعد بوتيرة جذابة ومحببة، على الرغم من جدية القضايا الاجتماعية الحساسة والخطيرة التي تتطلب المواربة في طريقة طرحها ربما بما يسمى(الكوميديا السوداء) التي يمكن أن تساعد الكاتب في قول رأيه دون أن يقع في دائرة المسؤولية.
يوازي هذا الخط مجموعة من الخطوط التي تسلط الضوء على بعض القضايا الاجتماعية الحساسة، التي يمكن اسقاطها على أي مجتمع عربي لأن إشكالاتها ومعضلاتها تتشابه ولو اختلف المكان.
مفارقة
هذه المفارقة بين قناعة الزوجة بإخلاص زوجها الذي ترى فيه كل الإخلاص والحب، وبين شخصيته المناقضة لهذه القناعة، حين يمارس عليها سحره بكلمات يستعيرها من معجم الحب والعشق، محاولاً إقناعها بأن وجودها معه هو السعادة بعينها، بينما يعيش حياته بشهوات نسائية لا تنتهي.
فهو يبدل الزوجات كما يبدل قطعة من ملابسه. يستمر الوضع على هذه الحال حتى الحلقات الأخيرة من المسلسل.
رشيد الزوج المثالي كما يبدو، اختار أن يجرب حظوظه في الزواج الشرعي، فهو لا يؤمن بإقامة علاقات غير شرعية… وزيادة في جرعة الكوميديا التي اختارتها الكاتبة ، بتنوع جنسيات النساء: زوجة سورية وأخرى مصرية وثالثة لبنانية.
تعدد الزوجات أحد الخطوط الرئيسية في المسلسل، وعليه تُبنى مجموعة من الخطوط الهامة، إلى جانب خطوط أخرى لا تقل أهمية عنه توازيه في الأهمية من حيث تمثيلها مجموعة من القضايا الاجتماعية الحساسة.