جوى للانتاج الفني
الرئيسيةنقد تلفزيوني ديستوبيا  "ولاد بديعة" 

 ديستوبيا  “ولاد بديعة” 

  نور الأتاسي

أثار مسلسل (ولاد بديعة) للمخرجة رشا شربتجي والكاتبين علي وجيه ويامن حجلي ردود أفعال متباينة منذ بداية عرض حلقاته في رمضان 2024.

وتتنوع ردود الأفعال حتى اليوم بين إعجابٍ شديدٍ بالعمل أو نفورٍ منه لكثرة مشاهد العنف والقسوة. رغم ذلك، حقق العمل نجاحاً كبيراً على مستوى العالم العربي، كما احتل المرتبة الأولى من حيث نسبة المتابعة في أكثر من دولةٍ عربية على منصة “شاهد”.

بينما تدور الأحداث في (ولاد بديعة) في الزمن الحاضر، تتكشّف على مدى حلقات العمل الثلاثين جذور هذه الأحداث المتجذرة في الماضي التي بدأت صراعاً على ميراث (عارف الدباغ).

تحتدم الخلافات بين (مختار) الابن الشرعي لشيخ كار دباغة الجلود، مع أخويه غير الشقيقين التوأم (ياسين وشاهين)، وهما ولدا (بديعة) التي عاش معها (أبو مختار) علاقةً سرية غير شرعية حتى وفاة هذه المرأة البسيطة والمتخلفة عقلياً. أما ثالث أطراف الصراع على الميراث فهي (سكر) ابنة بديعة من رجل غير معروف. فتتعقد الخطوط وتتشابك ليزخر بسلسلةٍ طويلة من الأفعال الانتقامية والسلوكيات الإجرامية والأحداث العنيفة الدموية.

ولاد بديعة
ولاد بديعة

دور المكان في الدراما!

قسمٌ كبير من حكاية (ولاد بديعة) تدور أحداثه في منطقة الدباغات، الواقعة على أطراف مدينة دمشق، التي اعتبرها البعض نقطة قوةٍ تُحسب للمؤلفين؛ لجهة تناولهما لوكيشنات/مواقع تصوير جديدة لم تتطرق إليها الدراما السورية سابقاً. ورغم صحة ما سبق نسبياً، فالدراما السورية تناولت الحياة في مناطق العشوائيات والأحياء الفقيرة مراراً عبر أعمالٍ عديدة في الماضي، بل وجعلت منها جزءاً لا يتجزأ من صلب الحكاية، الأمر الذي لم ينجح (ولاد بديعة) في تحقيقه تماماً، إذ طهرت الدباغات كخلفية ديكورية للحكاية دون أن تلعب دوراً فاعلاً كمكان في مجريات الأحداث، فبدت كقطعة ديكور تزيينية على خشبة مسرح لا مبرر درامي لاستخدامها. وبمعىً آخر، لو أخذنا الحدوتة ذاتها لتدور في موقعٍ آخر فالأحداث وبنية الحكاية لن تتأثر.

العنف والقسوة 

قدم (ولاد بديعة) واقعاً قاسياً يعجّ بالفساد والعنف والأفعال الإجرامية ترتكبها الشخصيات السلبية الوصولية التي يحركها الأنا والمصلحة الشخصية ومشاعر الحقد والشر، فيخلو العمل من وجود أيّ شخصيةٍ إيجابيّةٍ خارج السياق السابق، أو من أيّ خطٍ رومنسيٍّ يكسر جلافة العنف.

وعن هذا الجانب بالذات تحدث الفنان ومؤلف العمل يامن حجلي في أحد اللقاءات عن مشروعه مع شريكه في الكتابة علي وجيه، والذي يعتمد على “تقديم دراما قاسية كتنبيهٍ للمشاهد حول الواقع الذي يعيشه..”، وكأنّ المشاهد العربي عموماً والسوري تحديداً مغيّبٌ عن واقعه المضني، والظروف الصعبة التي تمرُّ بها المجتمعات العربية.

ولاد-بديعة
ولاد-بديعة

الخلطة السحرية

يُعتبر أداء الممثلين من العوامل الأساسية لنجاح أي عمل درامي، وهذه إحدى أهم نقاط قوّة المخرجة رشا شربتجي. فاهتمامها بالعمل مع الممثلين لتقديم أداءٍ متمكن يتكامل مع اهتمامها بتقديم صورةٍ جميلة.

في (ولاد بديعة) يظهر جهد الممثلين واضحاً لتقديم أدوارهم ببراعةٍ وبغض النظر عن مساحة وحجم الدور في العمل.
تُحسن (شربتجي) اختيار الممثلين لكلّ دور، فيلعب بعضهم أدواراً لم تسبق لنا مشاهدتهم يقومون بتأدية ما يماثلها سابقاً، فنجحت في إخراجهم
من قوالب كانوا حبيسين فيها لسنوات. (أم سليم) التي لعبت دورها الفنانة (لينا حوارنة) ببراعة مثالٌ واضحٌ على ذلك. كذلك الأمر بالنسبة لـ(نادين الخوري) التي قدمت شخصية (أم جمعة)،
(وضاح حلوم) في دور (عزت)، وأخيراً الممثلة (إمارات رزق) التي نالت استحسان الكثيرين في تجسيدها شخصية (بديعة).

بلا استثناء، برع الممثلون أداءً مما جذب الجمهور للمتابعة رغم قسوة الواقع المقدّم وسوداويته. فتعاطف مع أبطال العمل وحكاياتهم رغم أنانيتهم وأفعالهم الإجرامية.

أما (سلافة معمار) العائدة من القالب التركي المُعرب إلى واقعية الدراما السورية،
فبرزت في شخصية (سكر) لينتصر الدور والشخصيّة على أية اعتباراتٍ أخرى تتعلّق بالشكل.
(معمار) بذلت جهداً واضحاً في (ولاد بديعة) يستحق الوقوف عنده.

ولا بدّ من الإشادة بنجاح طاقم الممثلين في تقديم أداءٍ قويٍّ ساخرٍ وكوميدي فيما يتعلّق بالجزئية التي تتحدث عن شركة الياسين للإنتاج الفني.
(يامن حجلي) في شخصية (ياسين) بانكساراته وانتصاراته وخفة ظله، و(وسام رضا) الذي برع في شخصية (السيكي)،
(الوفا الشامي) رامز أسود، (مروة) لين غرة وأيضاً (أبو جمال) مغيث صقر.
أداءٌ يُذكرنا بجودة الأعمال الكوميدية السورية الساخرة التي غابت عن الشاشات نهائياً في السنوات الأخيرة.

ولاد-بديعة
ولاد-بديعة

حكايات متشابكة، حكايات مشتتة

في حين يشكّل صراع الأخوة غير الأشقاء على الميراث الخط الرئيسي والحامل للأحداث في مسلسل (ولاد بديعة)،
إلا أنّ خطوطاً ثانوية كثيرة تداخلت معها.
وفي حين ترابط بعضها وتقاطع مع مسار الشخصيات،
إلا أن بعضها الآخر لم يكن مبرّراً أو مفهوماً، كخطّ “الصوفيّة” واجتماع معظم شخصيات العمل في مقام الأربعين يوم المولد النبوي، ووفاة (أبو الوفا) بطريقةٍ بدت كأنها معجزة!

ربما كان من الأجدى الابتعاد عن هذه الكثافة في الأحداث الثانوية التي لا تؤثر في صلب الحكاية، والاستعاضة عنها بمعالجةٍ أعمق للخطوط الرئيسيّة وتحقيق زخم أكبر.

ولاد بديعة
ولاد بديعة

دمشق ولاد بديعة

(ولاد بديعة) دون شكّ رمزٌ للوصولية والفساد، يرتكبون أفعالهم دون الخشية من حسيب أو رقيب،
حتى أننا كمشاهدين لا نلمح ولو شرطيّ سيرٍ في حلقات المسلسل الأولى،
ولا شهود على أبشع الجرائم والفظائع من قتلٍ وسرقةٍ وخطفٍ وتعذيب التي ترتكبها الشخصيات!
فـ(شاهين) حوّل دباغته إلى وكرٍ لتنفيذ عمليات التعذيب،
وينهبُ المساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الدولية ليحقق الثراء. أما (ياسين) التي تقوم أعماله على تهريب البنزين والذهب فلا يتوانى عن محاولة قتل (أبو الهول) وأخيه (دراعي) من أجل حماية نفسه و(سكر) من انتقام (أبو الهول).
أما (سكر) فتستولي على بيوت المغتربين وتقوم ببيعها، كما تقوم بقتل زوجها وحماتها ومن ثم (أبو الهول) برمي قنبلةٍ في سيارته وهو يقودها في شارع مأهول!

هذا الغياب الغريب لأي تواجدٍ أمنيّ لا ينتهي سوى في الحلقة الأخيرة. فيتعاون ثلاثيّ المجرمين مع الأجهزة الأمنية لإلقاء القبض على أخطر مهرّبٍ للآثار، (شوال) الذي لعب دوره القدير (عبد الهادي الصباغ).

وعلى الرغم من عدم تطابق هذه النهاية مع كلّ أفعال الشخصيات الشائنة التي تابعناها، فإنها أيضاً تطرح الكثير من التساؤلات عن واقع مدينة دمشق اليوم. فهل باتت مسرحاً للعصابات والانتهاكات؟ وهل سيكون أبطال المرحلة القادمة على شاكلة ولاد بديعة؟!

لا إدانة للجريمة، ولا تجريم لأصحابها؟ هل من الناجع حقاً اليوم أن نعمل على تكريس العنف في الدراما كأسلوب حياةٍ في مجتمعٍ عانى لسنواتٍ من الحرب، ويعاني إلى الآن من آثارها؟

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة