مرح الحصني
شهد رمضان هذا العام موسما دراميا حافلا بالأعمال التي جذبت المشاهدين بشدة وكانت حديث الشارع بشكل يومي.
وفيما كانت الأعمال المطروحة زاخرة بالأحداث والصراعات والتصعيد الدرامي والوجوه الشابة ونجوم الصف الأول، ومع عودة حدوتة الشارع السوري لتتصدر الواجهة بعد غياب دام لعدة سنوات،
كان هناك ظاهرة ملفتة لابد من التوقف عندها.
حيث حفلت الأعمال المطروحة لهذا العام بالكثير من اللازمات اللفظية،
المرتبطة بضرورات درامية أحيانا، لكنها كانت غالبا ما كانت بغرض ركوب موجة الترند.
من أهم قواعد الدراما ألا يمر مشهد أو جملة أو كلمة أو حدث بالمجان،
أي دون أن يكون موظفا ضمن سياقاته المخصصة له ودون أن يكون له دور كبير في خدمة الشخصية
فهل كانت اللازمات اللفظية ضمن الأعمال وفية لهذا المبدأ؟
وللإجابة على هذا السؤال سنمر على معظم اللازمات اللفظية التي تكررت هذا الموسم الدرامي، وسنتوقف عندها لنحللها بالتفصيل ونجد مدى مناسبتها للسياق والشخصية والعمل بشكل عام.
في مسلسل “ولاد بديعة”، لكاتبيه علي وجيه ويامن الحجلي ومخرجته رشا شربتجي،
كرر ياسين عارف الدباغ (يامن الحجلي) جملته الشهيرة:
“شر مالك يفتح الله عليك”
وهي جملة لا ترجع للموروث اللغوي السوري إنما ترجع إلى موروث الكويت، الأمر الذي يمكن تبريره بعمله في النقل.
كان ياسين يستخدمها في سياق التنصل من الحديث والهروب من الإجابة عن الأشياء التي تسبب الإحراج له أو في الوقت الذي يريد أن ينهي الحديث على مزاجه.
كانت هذه اللازمة تقال مع لغة جسد مثيرة للضحك تكسر جمود المشهد الذي تمر به مهما كان، ويحمد للحجلي أنه استخدم لازمته بتأن وتوازن وفي سياقاتها المناسبة.
أما عن رامز الأسود الذي خلع عن نفسه رداء شخصية أزعر الحارة وأتقن دور المغني الشعبي “الوفا الشامي”، والذي قيل أنه يتقمص في دوره هذا شخصية المغني الشعبي ابن ريف دمشق (أبو نعيم القابوني)،
وكان للأسود لازمة لفظية أحدثت صدى جيدا بين المشاهدين وهي:
“كتر سكاكينك يا سبع البراري”
وقد ظهر سبع البراري بكراكتر محبوك من الداخل والخارج وتميز بطريقة لفظ مبتكرة، ويحمد للأسود أنه استخدم متكأه اللفظي بذكاء وحنكة في أماكنة المناسبة .
أما فادي صبيح بدور عارف الدباغ، وكما اعتاد عليه المشاهد في كل موسم درامي، فقد اعتمد لازمة لفظية تكون علامة مميزة له خلال المشاهد التي يظهر بها. في هذا الموسم كرر قائلا:
“ساعة من ساعاتو”.
وكان يكمل جملته في بعض الأحيان لتصبح “ساعة من ساعاتو … بتقضي كل حاجاتو”.
جاءت هذه اللازمة اللفظية التي رافقت شخصية عارف مناسبة جدا لهذا الرجل المتدين الذي يرمي جميع أغلاطه على عاتق الأقدار ومشيئة الله.
وفي ظل العنف الذي خيم على مشاهد هذا العمل جاء اللطف والحنان على لسان أم جمعة التي كانت أما لجميع العاملين في الدباغات فقد كانت تخاطب الجميع بقولها:
“يا عيوني”.
ظهرت أم جمعة (نادين خوري) سائقة الطرطيرة الأم الحنونة لجميع الدباغين بدور متفرد ومميز من العسير على غيرها القيام به بهذه السلاسة والبساطة والقرب من المشاهد.
كان لأم جمعة لازمة لفظية تنم عن حنان الأمهات، حيث كررت وبعفوية كبيرة “يا عيوني” وهي تخاطب الشباب والفتيات الذين تتعاطى معهم أثناء عملها بالدباغات.
ليس من الغريب على خوري، (أم جمعة وزهور) أن تكرر لازمتها اللفظية “يا عيوني” بانسابية دون أن يشعر المشاهد بأن كلمتها مقحمة وغريبة عن السياق، على العكس تماما كانت “يا عيوني” تتكرر بمواضعها الطبيعة دون زيادة أو تكلف.
وفي ظل الضياع والشتات الذي يسيطر على الجو العام للشخصيات كانت سكر (سلافة معمار) التي تجرعت كأس المرار في كل مشهد من مشاهدها تعاند الحياة وتتمرد عليها قائلة: ما بيشغلني”.
حيث جاءت هذه اللازمة اللفظية مناسبة جدا لشخصية سكر فمن الطبيعي لتلك الفتاة الأنانية مجهولة النسب التي ولدت في الشارع وقضت فيه فترة طفولتها وشبابها.. من الطبيعي ألا تشغلها مصائب الحياة الصغيرة منها والكبيرة.
أما عن أبو الهول الذي كان هولا كبيرا لسكر وياسين وأضفى نفحة كوميدية رغم الشر الذي كانت تضج به الشخصية فقد كرر جملة أصبحت التريند الأول في الشارع السوري:
“أنا زبون دويم بسوق..“. وكان السوق يختلف حسب سياق الحديث الذي يتكلم فيه.
زبون دويم بسوق (الأبضايات، التارات، المخبا، الرجال، الأتوات، …) وتطول وتتوسع قائمة الأسواق التي يدوام بها أبو الهول.
جاءت هذه اللازمة اللفظية مناسبة لشخصية أبو الهول البلطجي رجل العصابات والنصب والاحتيال، ومن الملاحظ أنه لم يبالغ في استخدام جملته بحيث جاءت بعدد مرات متوازن ومناسب للسياق، وكان لها وقع جيد وقبول كبير من قبل المشاهد.
أما برنس الموسم الدرامي لهذا العام فقد كان وسام رضا السيكي (وسام رضا) الذي ظهر بطريقة مبهرة، جعلت طريقة كلامه ولغة جسده تطغى على مساحة الدور الذي يؤديه.
حيث كرر لازمته اللفظية التي أصبحت تريند منذ الظهور الأول له في العمل قائلا “يا برنس” مع صفير في نهاية الكلمة، وقد كان من العسير على المشاهد تقيلد السيكي بالنطق والصفير معا ما جعل منه قنبلة الموسم الدرامي.
ورغم التكرار الكبير لهذا المتكأ اللفظي، إلا أنه ظل مقبولا ومحببا للمشاهد فقد طغت خفة وظرافة الشخصية على سلبياتها.
حيث يحسب لوسام رضا هذه الرشقة بعيدة المدى رغم صغر مساحة الدور الملقى على عاتقه.
مسلسل تاج
أما النجم تيم حسن فقد ظهر بعدة لازمات لفظية كررها في عمل واحد، حيث جاء مسلسل “تاج” ليلقي الضوء على أهم معلم في سورية، نصب ساحة المرجة، ولفت نظرنا إلى ما لم ننتبه له يوما الجملة المكتوبة على النصب: “شوكتلو مهابتلو”..
لازمة لفظية كررها تاج في مسلسله حملت معها نفحة كوميدية لطيفة، وشوكتلو هي كلمة تركية تعني الشوكة، ومهابتلو تعني صاحب الهيبة وهي ألقاب أصحاب السلاطين، وقد كان تيم حسن يرفق لازمته بلغة جسد توحي بالتودد والتقرب من صاحب المنصب بطريقة مناسبة جدا للموقف والسياق.
ولم يكتف تاج بشوكتلو هيبتلو إنما أغرق عمله بالمتكآت اللفظية وكان منها: “يستر على شيتاتك”. وهي جملة صعبة التفسر الحرفي، ويمكننا القول أنها جملة عامية تخص الشارع ربما من العصي على غير المشاهد السوري فهم المعنى المقصود منها.
إلا أنها جاءت مناسبة لطبيعة الشخصية المتمردة القادمة من الشارع الحاملة لهمومه.
من الملاحظ أن سياق استخدام هذه الجملة كان متفاوتا ومتباينا ما بين المواقف الإيجابية وتلك السلبية.
اللازمة الثالثة التي اختارها تاج لنفسه فقد كانت: “كرز”، والتي كانت تأتي بمعنى “جيد أو جميل”، وعلى عكس باقي الإيفيهات التي مرت مع تاج في مسلسله جاءت “كرز” بشكل متوازن وغير مبالغ به وضمن سياقاتها المنطقية.
مسلسل : ع أمل
وبالابتعاد قليلا عن الدراما السورية الصرفة إلى الدراما المشتركة والتي تتحدث عن مكان خاص في الريف اللبناني، فقد احتضن مسلسل “ع أمل” الكثير من المفاهيم التي يجب أن نتوفف عندها ونرفع لها القبعة، حيث ظهر في العمل ممثلة لبنانية كررت كلمة طريفة وهي: “هرولي“.
ظهرت صفاء “إلسا زغيب” في مسلسل “ع أمل” بعدة لازمات لفظية كررتها بطرافة
وهي (هرولي، آه يا كلي، أتوجعنيش، والمصحف، وأبقش تستطردي)
ولكن أكثر الكلمات التي أحدثت صدى لدى متابعي المسلسل كانت “هرولي“.
إلسا التي أتقنت لهجة الضيعة ولباسها وعاداتها وتقاليدها، وكانت ضرة حقيقية لضحى مواطتنها “كارول عبود” استطاعت أن تلفت نظر المشاهدين إليها وخاصة أنها برعت في إظهار البساطة والفطرة الطيبة لنساء الريف.
يحمد لزغيب أنها كررت “هرولي” بطرافة وعفوية وضمن السياقات المخصصة لها بطريقة غير مفروضة قسرا على الشخصية مما منحها قبول كبير لدى المتابعين.
نقطة انتهى
ومن بين جيل الشباب الصاعد برز تيم عزيز بقوله: “بلبمب وسلملم“.
حيث ظهر مروان (تيم عزيز) الصبي السوري في الحي اللبناني بكل ما يعانيه سكان هذا الحي من مشاكل تبدأ بالعنصرية وتنتهي بجرائم القتل في مسلسل (نقطة انتهى) بخفة وبراعة جيدة بالنسبة لشاب تجاوز مرحلة الطفولة بقليل ولا يزال غير أكاديمي في مجال الفن.
يحاول مروان في “نقطة انتهى” أن يحلق خارج بوتقة “أبيه المخرج محمد عبد العزيز” ويصنع لنفسه طابعا خاصا في محاولة لترك بصمة،
وفي هذا الإطار دأب مروان على استخدام كلمة “بلبمب” وهي كلمة لا معنى لها تستخدم في سياق إنهاء الحديث،
بالإضافة لاستخدامه كلمة “سلملم” بمعنى سلام وأيضا في نفس سياق استخدام الكلمة السابقة، لكنه أفرط في استخدامهما.
مال القبان
أما عن مسلسل “مال القبان” لكاتبيه علي وجيه ويامن الحجلي ولمخرجه سيف الدين سبيعي،
والذي لفت نظر المشاهدين له فقد حفل باللازمات اللفظية التي جاءت على لسان شخصياته المختلفة وكان أبرزها على لسان سليمان رزق الذي ظهر بكراكتر مميز جدا لهذا العام، أبو الرموش،
الذي يكرر قائلا: “أنا ورجالي تحت صرمايتك معلم“..
بشخصية متفردة محبوكة بتأن ابتداء بالشكل (الذي يشمل تركيبة الأسنان المختلفة،
وتسريحة الشعر، والملابس الخاصة) وانتهاء بلغة الجسد وطريقة الكلام المناسبة لصبي سوق الهال.
قام رزق بتكرار “أنا ورجالي تحت صرمايتك معلم” جاءت هذه الجملة مناسبة لشاب يتلون ويتغير بما يتناسب مع مصلحته، وذلك كان مبررا له في صراع البقاء الذي كان يعيشه بين حيتان السوق.
لم يكن غريبا على رزق الذي ينحدر من عائلة فنية وتشرب الفن منذ نعومة أظفاره أن يحسن استخدام لازمته اللفظية بشكل متوازن وضمن سياقاتها المناسبة دون زيادة أو مبالغة.
أما يامن الحجلي فقد كرر قائلا: “سنترلي”، بمعنى “ركز”،
كان من الملاحظ ألا سياق واضحا ومحددا لاستخدم هذه اللازمة، حيث جاءت في لحظات الغضب والتهديد وحتى في سياق الحوارات العادية.
أما عن الراحل محمد قنوع فقد حضر بيننا هذا العام بدور مياس، صاحب كشك المياس، واليد اليمنى لخير (يامن الحجلي).
استخدم مياس لدوره المميز والمختلف عما قدمه من قبل في مشواره الفني، لازمة لفظية “أسياد المال” والتي جاءت مناسبة وبشدة لشخصية المساعد المحب للمال الوفي لشريكه المستعد لفعل أي شيء في سبيل تحصيل المال له.
يحمد للراحل قنوع أنه لم يستخدم الكلمة بشكل كبير ومجاني، بل جاءت بشكل عفوي مناسبة للسياق.