جوى للانتاج الفني
الرئيسيةفي الصالاتحكاية شادية وأختها سحر” لـ أحمد فوزي صالح

حكاية شادية وأختها سحر” لـ أحمد فوزي صالح

أمنية عادل

نساء غاضبات.. رجال متخاذلون

منذ فيلمه التسجيلي القصير الأول “جلد حي”، (52 د، إنتاج 2011)، يعتمد أحمد فوزي صالح على حكايات من لا يملك صوتاً أو همساً في الحياة، وهو ما يظهر في فيلمه التسجيلي الطويل “حكاية شادية وأختها سحر”، (70 دقيقة، 2023)، حيث يسرد الفيلم حياة أختين وبناتهما واللواتي يعشن بلا رجال. لا تدعي الأختان البطولة بل تصرخان من قسوة الحياة وجفافها، تلك الحياة التي تتركهما على هامشها ولا تلتفت إلى معاناتهما.

على مدار سنوات بلور أحمد فوزي صالح فكرة فيلمه حتى وصل إلى تبني حكاية شادية وسحر وبناتهما، إلى جانب نماذج نسائية أخرى تحكي بدورها وتكمل الصورة التي تبدأها شادية وسحر. تبدأ أحداث الفيلم من الشارع الواسع حيث يجتمع خلق الله دون سابق معرفة لنصل إلى مستقر شخوص الفيلم حيث بيت “سحر”، الكائن في بيئة شعبية تنتمي لعالم فوزي صالح الذي يفضل رواية قصصه. يستقبل البيت شادية وابنتها أروى التي تهوى التمثيل وتسعى في طريق تحقيق حلم نجومية مجهولة بعد التخرج من الجامعة.

ثقل لابد منه

سرعان ما تتأزم العلاقة بين شادية وابنتي أختها سحر، حبيبة وزينب، ويشعر المشاهد أن هناك كارثة على وشك الحدوث، لكن يتضح فيما بعد أن العلاقات بين هؤلاء النسوة داخل بيوتهن قائمة على التشاحن والتصافي في لحظة واحدة، ويعود ذلك إلى افتقارهن إلى ملجأ آخر سواء كان مادياً أو معنوياً، حيث تشعر كل منهن بالثقل من علاقتها بالأخريات لكنهن لا يستطعن العيش بدون بعضهن البعض.. شيء من الثقل يحكم تلك العلاقات المعقدة في جوهرها، حيث تمثل شادية ثقلاً بالغا على أختها في حين تمثل أروى ثقلاً بالغاً على شادية الأم، وكأنها لعنة متوارثة تتناقلها هؤلاء النسوة، ما يدفع المشاهد إلى أن يتساءل: لماذا وصلن إلى هذا الحال؟.

خلال أحداث الفيلم تتحدث سحر مع زوجها، الذي هجرها هي وبناتها، سعياً خلف إنجاب طفل ذكر، وقد حقق هذه الأمنية الغالية. يظهر على ملامح سحر، وفي نبرتها، غضب مضمر ومرارة واضحة.. حالة من العداء المستتر تظهر في حديث وأسلوب وسلوك نساء فيلم فوزي صالح، وهو ما لا يقف عند شادية وسحر فقط ولا حتى بناتهن، بل يظهر في نماذج نسائية أخرى تعاني من تخاذل الرجال في حياتهن.

حكاية-شادية-وأختها-سحر
حكاية-شادية-وأختها-سحر

رجال متخفون داخل الحكايات

على مدار أحداث الفيلم لا يظهر أي نموذج للرجال الذين دائما ما تحضر ظلالهم الخفية خلال أحاديث البطلات، منهم من سافر إلى بلد آخر وتقتصر علاقته بعائلته على بعض الهدايا، وآخر يعتمد على زوجته في توفير سبل العيش..

يكشف الفيلم عن ملامح هؤلاء الرجال المتخفين وراء حكايات نسائهن، أنانية بالغة يمثلها هؤلاء الرجال ويتجلى ذلك في نموذج والد أروى الذي تركها هي ووالدتها وهي في عمر 8 أشهر ولم تعرف أنه على قيد الحياة إلا بعد أن تجاوزت العشرين من عمرها، لكن هذه المعرفة لم تكن إلا مأساة جديدة، إذا أن علاقتها بهذا الأب المكتشف حديثاً مشروطة من قبله، ففي مقابل حصولها على أمواله عليها أن تترك أمها شادية، التي تعاني جراء مرض السكر ووفرت لها كل سبل العيش الممكنة. ترفض أروى المساومة لكنها تزداد شحناً واقتراباً من حافة انفجار محتوم.

تثير أفلام أحمد فوزي صالح، رغم قلتها، العديد من التساؤلات حول نماذج النساء والرجال والعلاقات التي تجمعهم. في فيلم الروائي الأول “ورد مسموم”، (2018)، تتراوح علاقة الأخ وأخته بين الحب والاعتمادية والتملك، وفي فيلم “حكاية شادية أختها سحر” تمقت النساء الرجال وتتكرر كلمات مثل “أنا بكره.. كلمة بكره دي قليلة، أحنا مش محتاجينه ومش هنعتمد عليه خلاص، أنا مليش غير شغلي هعمل إيه بالجواز”، جمل تكرر على لسان بطلات الفيلم تُقال بنبرة تحد أحياناً وانكسار أحياناً أخرى، فلا سبيل إلا الصمود والوقوف وحيدات على عتبة المجهول، وهو ما يحول الصراع في حياتهن من صراعهن مع الرجال إلى صراعهن مع الحياة والظروف.

حكاية-شادية-وأختها-سحر
حكاية-شادية-وأختها-سحر

استعارات

في تحية واضحة للسينما التي قدمت كواليس عالم النساء وتعاطيهن مع الحياة القاسية، تشاهد شادية وسحر وبناتهن أفلام المخرج خيري بشارة حيث فيلم “يوم مر ويوم حلو” 1988 وفيلم “الطوق والإسورة”، يقدم الفيلمان نماذج نسائية متألمة من نماذج الذكورة التي تزيد من معاناتهن سواء بالتعدي كما في حالة عائشة في “يوم مر ويوم حلو” أو التخلي كما في حالة فهيمة / فرحانة في “الطوق والأسورة”.

عادة ما عبرت أغاني الشيخ إمام عن أناس يعيشون على هامش الحياة يحاولون التعبير عن أنفسهم وأخذ حقوقهم المسلوبة منهم، وهو ما جعل صوت الشيخ إمام هو المعادل السمعي لمضمون الفيلم ومغزى حكايته، صوت الشيخ إمام مع موسيقى مولوتوف الشهيرة بتوزيعها الحيوي المواكب لحالة الشارع المصري وأزقته الشعبية أضفت على الفيلم خصوصية خاصة بحكايات نساء مصريات وإن كانت لها صداها في بلاد أخرى قد تتماهى مع هذه المآسي، لكنها تمتاز بصفاتها الخاصة أيضا التي تجعلها تختلف عن القصص الأخرى.

واقع مروي

كان العرض الأول للفيلم في مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة، في دورته 24 التي عقدت في الفترة من 14 آذار / مارس وحتى 21 من الشهر نفسه. واكب عرض الفيلم احتفاء دورة المهرجان بالأفلام العابرة للنوع “الهايبرد”، تلك الأفلام التي تمزج بين العديد من الأنواع الفيلمية ويتداخل فيها التسجيلي والروائي والواقع والخيال، في بعض اللحظات يتشابك فيلم “حكاية شادية وأختها سحر” مع هذا النوع بل وربما ينتمي له بصورة ما، إذ توجد بعض ملامح السينما الروائية داخل الشريط الفيلمي المصنف أنه تسجيلي، مثل حضور رجل يعزف آلة الترومبيت يجوب الشوارع وكأنه يعلق على الأحداث من خلال موسيقاه المنتمية إلى منهجية الفيلم الروائي الذي يضيف المؤثرات الخارجية للتعبير عن شجون الفيلم.

كذلك هناك العديد من اللحظات في الفيلم التي يتضح منها أنها معدة للتصوير حتى تحقق غرضاً درامياً خاصاً، تتعامل الكاميرا مع الفيلم وشخوصه دون حواجز من خلال كاميرا محمولة متنقلة رغم حركتها التي تبدو عشوائية لكنها لا تخطيء ما تريد رصده والتعبير عنه، حيث ألف أصحاب البيت الكاميرا التي تلاحق تحركاتهم وانفعالاتهم، وإن كانت بالغة الحدة والخشونة.

“حكاية شادية وأختها سحر” فيلم يسرد حكاية أختين لا يطرق الرجال بابهما، هذا الباب المفتوح على مصرعيه لكل النسوة اللاتي تشتركن في حمل مصاعب الحياة على أكتافهن دون كلل، بل يسبقن الحياة بخطوة عن طريق سعيهن لتأمين المستقبل وتحقيق الحماية من غد لا تعرفن ماذا يحمل لهن.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة