جوى للانتاج الفني
الرئيسيةمساحة حرةحرب جديدة تطرح أسئلة قديمة .. من سينما الصراع إلى صراع السينما

حرب جديدة تطرح أسئلة قديمة .. من سينما الصراع إلى صراع السينما

فراس محمد

مع كل حرب جديدة يطفو سؤال السينما ،
والاستفسار حول اهميتها في منح ضحايا الحروب أرواحا وقصصا تتطور وتعاني وتُصارع لإثبات وجودها .
رافقت السينما أغلب الحروب الحديثة ، بل أنها نمت على انقاضها ،
والمبرر الحقيقي لذلك أنها قادرة على الرواية والسرد ،
وقادرة على منح شخصياتها بُعداً مرتبطا بالثقافة والتراث والراهن في الوقت الذي تحولت فيه الشخصيات ذاتها لمجرد أرقام في نشرات الاخبار والتقارير الاخبارية .

 على صعيد آخر ، كل حكاية من حكايات الحرب المروية سينمائياً ،
استطاعت حمل التأثير تجاه هؤلاء الضحايا وقضاياهم لثقافات اخرى واجيال اخرى ،
فمكمن اهمية السينما ليس فقط في توثيق الصورة من الناحية التاريخية،
بل في حمل الطاقة الشعورية والحسية لشخصيات المرحلة من جيل لجيل ، وبالتالي هناك شرارة موقدة تتناقلها سينما القضية زمنياً ،
وتتمكن من حمل المبررات الانسانية والمعاناة النفسية ،
والاهم انها قادرة على اقتحام جدران المنازل التي ستلتهمها الحرب لاحقاً ، وبالعموم ،
اقتحام الجدران والتعايش مع يوميات الشخصيات وزمنهم يحوّل ضحايا الحرب المجهولين،
إلى ذوات يملكون قصصا ومورثات وجينات وهرمونات ودماء وذكريات، وهذا ربما ما جعل قائداً لدولة عظمى كستالين يرى في السينما ضرورة .

“بالسينما تتحول الضحايا من أرقام إلى حكايات شعورية ووثائق تقاوم النسيان”

السينما الفلسطينية رافقت حركة الحياة الفلسطينية والصراع مع الكيان المحتل وتطوراته ،
وهذا افرز بدوره تغييرات عميقة في هذه السينما ذات الملامح السياسية،
لتصبح معرّضة لقراءة الواقع من وجهة نظر هذه التغيرات ، وهذا ما جعلها تمر بعدة مراحل :

تسجيل القضية :

يمكن اختصار هذه المرحلة بمحاولات لم تتجاوز عدة أفلام قصيرة لتسجيل ما يحدث وتوثيقه حتى قبل احتلال الضفة الغربية وانشاء منظمة التحرير الفلسطينية ,
وقد تكرست هذه النظرة للسينما مع إحداث أقسام خاصة بالسينما سواء ًبالمنظمة أو في الجبهات مثل الجبهة الشعبية وقدموا مجموعة افلام وثائقية ترصد النضال والاعمال الفدائية وتحضير الفدائيين وكانت سبباً في بروز عدة اسماء لمخرجين محترفين كان ابرزهم مصطفى أبو علي (١٩٤٠ – ٢٠٠٩ ) وغالب شعث وسلافة مرسال..
وضمت ايضاً انتاجات فلسطينية لمخرجين عرب كالعراقي قاسم حول ،
وساهمت هذه النشاطات السينمائية في ولادة ما يسمى بوحدة افلام فلسطين ( اصبح اسمها لاحقاً مؤسسة السينما الفلسطينية ) التابعة لحركة التحرير الوطني الفلسطيني
والتي أسست في سبعينات القرن الماضي ( جماعة السينما الفلسطينية ) تحديداً عام ١٩٧٣ وكان أهم انتاجاتها فيلم قصير من اخراج أبو علي مصطفى مدته لا تتجاوز ١٢ دقيقة بعنوان ( مشاهد من الاحتلال في غزة )
والذي يرصد وثائقياً واقع القطاع تحت الاحتلال ،
ويمكن اعتبار مصطفى أبو علي أبو السينما التسجيلية الفلسطينية وخصوصاً في فترة السبعينات التي شهدت انتاجاً مقبولاً لوثائقيات تتابع حركة التغييرات السياسية والعسكرية واثرها في فلسطين بأفلام مثل ( ليس لهم وجود ١٩٧٤ )، وفيلم ( حصار مضاد ١٩٧٨) للعراقي قيس الزبيدي .

سينما الصراع

روائي خارج الحدود :

في الوقت الذي كانت فيه علاقة القضية الفلسطينية مع السينما علاقة وثائقية بحتة ،
لم تتخللها الكثير من التجارب الروائية ، بل تكاد تكون غير موجودة ،
كانت السينما الروائية تغازلها من خارج الحدود ، وخصوصاً في السبعينات ،
فظهرت أفلام ك(المخدوعون) اقتباساً عن رواية (رجال تحت الشمس_ غسان كنفاني ) ومن اخراج المصري توفيق صالح ( ١٩٢٦- ٢٠١٣ ) عام ١٩٧٢ و فيلم (كفر قاسم) من اخراج اللبناني برهان علوية (١٩٤١-٢٠٢١) عام ١٩٧٤
وكلاهما من انتاج المؤسسة العامة للسينما في سوريا ..
الفيلمان وضعا المأساة الفلسطينية في عين الرواية السينمائية وكلاهما تعاملا مع الشخصيات ،
على اعتبار ان لديها ما تقوله وما تشعر به ،
بانكساراتها وتهيؤاتها وطموحاتها ومبررات نضالها وتاريخ علاقتها بالأرض وصعوبة خروجها او اقتلاعها منها.
كما أن هذه الافلام وضعت قواعد لشكل ومضمون علاقة القضية بالرواية والفن ونقل الشعور بالظلم والاحتلال ،
فتحول معها الفلسطيني لحامل شديد التأويل والترميز لقضية شعب له ماض ،
وراهن متأرجح ومستقبل مجهول ،ما يفسر نهاية فيلمي  (توفيق الصالح وبرهان علوية) اللذين انتهيا بموت الضحايا سواءً بالابتعاد الخادع عن الأرض ،أو بالبقاء ذي الضريبة المرتفعة وإن كان على شكل مجازر دموية.

هذه المعالجة لم تكتف فقط بنقل المعاناة ،
بل ذهبت نحو مخاطبة الضمير وتوسيع الزاوية التي رصدت تلك الشخصيات ،
باعتبارها من لحم ودم ، وليست فقط شخصيات تندرج تحت مسمى الفدائي أو المقاوم ،
وحتى انكساراته أخذت شكلا دراميا مؤثرا وقادرا على مخاطبة كل الثقافات وعلى تحريك الوجدان تجاه أي نوع من أنواع الظلم ،
فاستطاعت السينما الروائية بالعموم تحرير القضية من الحالة الريبورتاجية أو التقريرية ونقلتها لتكون جزءاً من سينما نالت انتشاراً واسع في الاتحاد السوفييتي ومصر ( فترة حكم جمال عبد الناصر ) والسينما السورية سبعينات وثمانينات القرن الماضي ، باعتبارها سينما قضية ،
وخصوصاً مع انتشار التعاطف العالمي مع القضية الفلسطينية ونمو التوجه اليساري في كثير من المجتمعات العربية وفي اميركا اللاتينية واوروبا ،
لاسيما ان السينما الروائية لم تكتفي بطرح القضية بل بحثت في مبررات هذا النضال وخصوصاً على الصعيد الاخلاقي ،
يُضاف لهذين الفيلمين الفيلم الروائي القصير ( أكليل الشوك ١٩٧٠ ) للسوري نبيل المالح ، حيث تناول شخصية من فلسطينيي الشتات .

الثمانينات الروائية :

مع بداية الثمانينات برز اسم ميشيل خليفي ( ١٩٥٠ ) ،
المخرج الذي درس السينما في بلجيكا منتصف السبعينات  وبدأ نتاجه السينمائي بفيلم وثائقي بعنوان ( الذاكرة الخصبة ) عام ١٩٨١ ،
قيمة هذا الفيلم انه ذهب لشخصيات تناضل ،
ولكن ليس لقضية سياسية رغم الزخم السياسي الموجود في خلفية الاحداث ،
بل تناضل من احل الحياة ، من اجل اثبات الذات في مجتمع واقع تحت الاحتلال ،
تناضل رغم الفارق الطبقي والثقافي لسيدتين ،
وكان من المرات القليلة التي تحتل الشخصيات النسائية واجهة الفيلم الفلسطيني ،
وهذا منح فيلم خليفي بُعداً نسوياً لا ينفصل فيه الصراع ضد الاحتلال عن الصراع ضد الذكورة ،
لكن ذروة سينما خليفي -الذي يمكن اعتباره المؤسس الفعلي للسينما الفلسطينية- كانت عام ١٩٨٧ بالفيلم الروائي ( عرس الجليل ) الفيلم الذي عُرض في مهرجان كان السينمائي ونال جائزة الفيبريسي .
حقق خليفي نقلة نوعية في هذا الفيلم من خلال تقديمه لعرس فتاة تصطدم عبره الأولويات الانسانية بسلطة جائرة تقتحم تقليدية هذا العرس وتمارس فلسفة الإلغاء ،
ليتحول العرس لفرصة رصد فيها خليفي العادات الفلسطينية كعامل خطر على مخطط التمدد الاسرائيلي داخل الأرض الفلسطينية ،
باعتبار العرس ليس فقط فرصة للفرح والاحتفال بالحياة ،
بل ايضاً كحاضن لتراث شديد العراقة والقدم ، عرس خليفي في ظل الاقتحام للمسؤول العسكري لسلطة الاحتلال بدا شكلاً من اشكال المقاومة رغم تحوله لما يشبه المأتم ،
نال الفيلم أيضاً جائزة التانيت الذهبي في أيام قرطاج السينمائية ،
وفي عام ١٩٩٥ قدم خليفي فيلمه حكاية الجواهر الثلاثة والذي تم ترميمه مؤخراً .

زواج-في-الجليل
زواج-في-الجليل

من جانب آخر قدم رشيد مشهراوي ( ١٩٦٢ ) ، المخرج القادم من عالم الفن التشكيلي ،
فيلمه الروائي الطويل الأول ( حتى اشعار آخر ١٩٩٣ ) وهو أول الانتاجات الروائية الطويلة لشركة الانتاج الذي قام مشهراوي نفسه بتأسيسها ( أيلول للانتاج السينمائي ) ،
وقدم بعدها مجموعة أفلام تؤمن بالتغيير عبر المقاومة من خلال طرح مجموعة من الشخصيات المنقسمة بين الهم العام والهم الخاص ، افلام مثل : حيفا ١٩٩٦ ، تذكرة إلى القدس ٢٠٠٢  ،
ثم شاركه الممثل والمخرج الفلسطيني محمد البكري بفيلمه الوثائقي ( جنين جنين ٢٠٠٢ ) الذي تناول المجزرة التي قام بها الجيش الاسرائيلي في جنين خلال عملية الدرع الواقي ٢٠٠٢ ،
الفيلم اثار جدلاً واسعاً في اسرائيل وتم حظر عرض الفيلم عالمياً ..
أعمال كانت سمتها العامة أنها قدمت سينما نضالية جادة.

وفي مقلب آخر ، بدأ اسم المخرج الفلسطيني ايليا سليمان ( ١٩٦٠ ) بالظهور ليس فقط كمخرج تناول القضية عبر افلامه بل كمخرج يملك ( ستايل ) بصري وسينمائي مختلف ،
ملامح هذه السينما بدأت مع فيلم ( سجل اختفاء ١٩٩٥ ) الذي باح بمخرج خاص ،
استعاض عن الثرثرة بالصمت ، وعن التراجيديا بالكوميديا السوداء ، وعن الاشتباك المباشر مع العدو بتصوير استحالة التعايش معه عبر التجربة ،
ملامح اجتماعية وسياسية عميقة التأثير توجت بفيلمه الشهير ( يد إلهية ٢٠٠٢ ) والذي نال من مهرجان كان السينمائي جائزة لجنة التحكيم بالإضافة لجائزة الفيبريسي .
فيلمه هذا متعدد المرجعيات، يُخاطب حب سنيفيليي السينما لهذا الفن وفي ذات الوقت يجادل ضميرهم الاخلاقي حول المعاناة الفلسطينية ،
فشخصياته كاريكتورية هرباً من المأساة ، جدية في لحظات فرحها ، فاقعة ومبالغة في لحظات كرهها وحزنها ، وتحمل ترميزها الخاص للحياة وللسياسة، ساخرة لحظات الألم.

ايليا-سليمان
ايليا-سليمان

 بنى سليمان تناقضات شخصياته برمتها على لحظاتهم الروتينية ،
في محاولة ليس فقط لاقتحام جدران منازل شخصياته المتناثرة بل للتعايش معهم في زمنهم الصامت ،
في أفعالهم غير الدرامية، فساهمت هذه المعالجة بتوضيح الأثر العميق الذي تركه الاحتلال في شخصياته وحياتهم ، وتكرس ذلك في فيلمه التالي ( الزمن المتبقي ٢٠٠٩ ) قبل ان يختتم فيلموغرافيته بفيلم ( ان شئت كما في السماء ) ولكن هذه المرة من خارج الأراضي المحتلة ، من فرنسا ، وشارك به في مهرجان كان أيضاً.

جيل جديد بدأ بإثبات ذاته من السينمائيين ،
معاصر في طريقة طرحه ، أكثر جدلية واشكالية في اختياره لزاوية الرؤية ،
تمرد هادئ بدأ به ايليا سليمان ، وتابعه هاني أبو اسعد ( ١٩٦١ ) الذي غرق في الجو المحلي عام ٢٠٠٢ بفيلمه ( عرس رنا )،
الذي طرح خيارات ضيقة لشخصيته التي اختارت الحب على السلطة والنفوذ ،
واختارت تحقيق الطموح في انتصار لفلسطينيتها وانوثتها على حد سيان ..
خيارات ضيقة تقف الحواجز الاسرائيلية في طريقها لتزيدها ضيقاً ،
كان ذلك فيلم أبو اسعد الأول الذي تناول فيه ثيمة ( الخيارات الضيقة للفلسطيني ) واستمر بمعالجتها على نحو أكثر اشكالية وحساسية بفيلمه الأشهر ( الجنة الآن ) عام ٢٠٠٥ الفيلم الذي نال غولدن غلوب افضل فيلم اجنبي وكان أول فيلم فلسطيني يُرشح لأوسكار افضل فيلم اجنبي مُحدثا جدلاً واسعا في الصفوف الاسرائيلية بتسميته تحت مسمى ( فلسطين ) ،
مما حدا بمجموعة من الداعمين للكيان المحتل للتظاهر في كاليفورنيا أولا ضد قرار الأكاديمية ترشيح الفيلم وثانياً لترشيحه باسم فلسطين ،
مما حدا بالأكاديمية لتغيير التسمية ليصبح مُرشح باسم السلطة الفلسطينية بدل أن يكون باسم فلسطين ،
وهذا ما وجد فيه أبو اسعد اهانة للهوية الفلسطينية .

هاني-ابو-اسعد
هاني-ابو-اسعد

الخيارات الضيقة ثيمة هاني أبو أسعد المفضلة ، ولكن في الجنة الآن ،
كانت تحاول اخراج الشخصيات من قوالبها ، شابان ، صديقان منذ أيام الطفولة ، وكلاهما مشروع فدائي ، يتجهان لتفجير نفسيهما في تل أبيب ، عبر هذا السرد ،
نكتشف ان أبو اسعد لا يعالج فقط الخيارات الضيقة لدى شخصياته، بل الخيار الوحيد للحياة، وهو الموت،
ويضع هذا الأمر موضع تساؤل اخلاقي ووجودي لدى شخصياته الفلسطينية،
وعما ورثوه ، وعن احلامهم وكيف ضاعت ، ولماذا اصبح خيار الحياة الوحيد، يمر عبر الموت،
فيلم يستنزف شخصياته بالأسئلة المرهقة ،
ويطرح الفدائي الفلسطيني بمنطق مختلف عما صورته السينما الفلسطينية منذ نشأتها.
أبو أسعد لا يصور الفدائي ليمجد فعله ، بل ليصدّر مأساته ويحولها لحفلة استفسارات لا منتهية ،
متشابكة ، بعض أسئلتها سياسي المنشأ ، وبعضها الآخر فلسفي ،والكثير منها اخلاقي ،
وبرأي كاتب هذا المقال ، فإن جرأة أبو أسعد في طرحه هذا أحدث انشقاقاً كبيراً في ثوابت السينما الفلسطينية ، وتركها عرضة للاستجواب الاخلاقي ، وفتح باباً كان مغلق لقداسة النضال ضد العدو ،
استثمره الكثير من المخرجين الفلسطينيين لاحقاً ،
نحن أمام فيلم عرف كيف يخلخل القواعد ليوصل نبرة عالية للآخر ،
وللخيارات الضيقة المتروكة للفلسطيني في حياة مهدورة ، لم يرغب أبو أسعد بالجواب على أسئلته ،
ففي صراع دام عقوداً ، اصبح من الواجب اعادة التقييم ،
ولا يمكن اعادته بالأجوبة ، بل بالأسئلة الشائكة ،
واستمر هاني أبو اسعد بدغدغتها عبر فيلمه ( عمر ٢٠١٣ ) ،
بتقديم ذات الحاجز الذي زرعه الكيان في عرس رنا ، ولكنه أصبح على شكل جدار للفصل العنصري .

كفر-قاسم
كفر-قاسم

ما بعد الجنة الآن :

بعد سبعة عقود على الصراع من أجل الأرض والحقوق ،
تراكمت التساؤلات لدى مخرجي الجيل الجديد في السينما الفلسطينية ،
وأفرز ذلك العديد من الأفلام التي تخلت نوعاً ما عن الذهنية القديمة في طرح موضوعة المقاومة ،
ذهنية اعادت طرح هذا المفهوم بأشكال اخرى ،
محافظةً على ذات التأثير وذات الانحياز لأصحاب الحقوق ، أبرزها فيلم ( خمس كاميرات مكسورة ٢٠١١ ) من اخراج عماد برناط ، هذا الوثائقي يعود لتصوير معوقات الحياة والتي كانت في هذا الفيلم على شكل كاميرات كسرها الجنود الاسرائيليون خلال مظاهرات سلمية للاحتجاج على جدار الفصل العنصري ، أسئلة واخزة طرحها الفيلم حول همجية الاحتلال ورفضه لمنطق التوثيق في الأساس .

صار النقاش في الفيلم الفلسطيني قائماً على تساؤل كبير ( لماذا يحدث بنا ما يحدث ؟ ) وأقترب الفلسطيني من كونه انساناً قبل كل شيء ، انسان يفرح ويحزن ، يتزوج ويسهر ويغني ويسافر قاطعا الحواجز، يدخن وينفث الدخان على مشاكله العامة والخاصة، ومن رحم هذا التصور، ولدت سينما آن ماري جاسر ( ١٩٧٤ ) بأفلام مثل ملح هذا البحر ٢٠٠٨، وواجب ٢٠١٧

على صعيد آخر برزت تجارب تقارب هذا المفهوم عن حياة الفلسطيني، كفيلم أمين نايفة ( ٢٠٠ متر عام ٢٠٢٠ ) حيث يفرق جدار الفصل بين أفراد عائلة واحدة ، وفيلم ( غزة مونامور ٢٠٢٠ ) اخراج الأخوين ناصر ويتناول الفترة الزمنية في قطاع غزة بين حرب وحرب ، يبحث فيها الفيلم عن المساحات الدافئة وعن الكوميديا والحياة ريثما تأتي حرب اخرى على الأخضر واليابس لتستعد شخصيات الفيلم للقيامة من جديد ، ايضاً فيلم ( التقارير حول سارة وسليم ٢٠١٩ ) حول المحاولات الفاشلة للتعايش مع الواقع، ليذهب الفيلم للمساحة التي سبق لكثير من الأفلام الفلسطينية تأكيدها حول استحالة التعايش مع الواقع المستمر منذ سبعة عقود..

غزة-مونامور
غزة-مونامور

 ولكن من بين كل تلك التجارب التي تحاكي القصص اليومية المتخمة بالدراما لشخصيات فلسطينية تحارب لتخطي يومها الشاق ، تطل برأسها تجارب تحمل حرارة الثورة ونوستالوجيتها كفيلم مهدي فليفل الوثائقي ( عالم ليس لنا ٢٠١٢ ) الذي تناول حياة اللاجئ الفلسطيني في مخيم عين الحلوة في لبنان ، فيلم يرسم صورة للفلسطيني اللاجئ شبيهة بالصورة التي سبق للموجة الحرة في بريطانيا ان قدمتها بأفلام ( إذا ١٩٦٩ – عداء المسافات الطويلة ١٩٦٥ ) ، شخصيات مليئة بالغضب وجاهزة دوماً للانفجار ولكنها مهددة بالانكسار في أية لحظة. لمهدي فليفيل فيلم وثائقي قصير يُعد تتمة لما بدأه بفيلم ( عالم ليس لنا ) يتتبع فيه ذات الشخصية التي رصدها ولكن بعد مرور ثمانية سنوات ، والفيلم بعنوان ( ثلاثة مخارج منطقية ٢٠٢٠ ) , ومن تلك الأفلام أيضا وثائقي ( اصطياد الأشباح 2017 ) لرائد انضوني الذي أعاد تمثيل فظائع الاعتقال في المعتقلات الإسرائيلية على نحو مشابه لتجربة جوشوا اوبنهايمر في تحفته الحائزة على الأوسكار ( فعل القتل 2013 ) , انضوني نال عن فلمه هذا جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان برلين السينمائي عام 2017 .

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة