هيام حموي
كان يا ما كان… وأروي الحكاية هذه المرة وكلّي خوف وتوجّس من لعنة قد تحلّ بي من حيث لا أدري، إذ أن في تفاصيلها تطاولا على محترفي مهنة متعددة الأوجه، قد يتعاركون فيما بينهم، لكنهم جميعا قادرون على أن يهبّوا هبّة رجل واحد للانتقام من مذيعة مسكينة لا حول لها ولا قوة، والذنب الوحيد الذي اقترفته هو أنها حاولت إنقاذ صبية يافعة من براثن الجهل، فدفعت بها إلى أنوار العلم والمنطق والنضوج، بعيدا عن مصير شديد التكرار كان لبنات جنسها في زمن سابق، وزمن الحكاية منتصف سنوات السبعينات من القرن الماضي…وإليكم التفاصيل…
قد يعرف البعض، أو ربما لا يعرفون، أنه قبل زمن انتشار الفضائيات المرئية، كانت هنالك ظاهرة “الإذاعات التجارية”، التي ازدهرت لمنافسة الإذاعات الحكومية الرسمية الملتزمة، وهذه “التجارية” كانت تبث من بلدان بعيدة عن أماكن تواجد المستمعين المستهدفين، مثلا من جزيرة في البحر المتوسط، أو باخرة مختبئة في زاوية بحرية لا يمكن لأي كان الوصول إليها، وطبعا دول كبرى هي التي كانت تموّل هذه المؤسسات لتنفيذ أجندة محددة تحت ستار من الترفيه، فتقوي بثّها الذي كان يمكن التقاطه على الموجات القصيرة أو المتوسطة، قبل حلول زمن موجات الإف إم المريحة للسمع والأعصاب والغرائز!!! المهم أن هذه الإذاعات كانت في الواقع أداة بيد حكومات تعرف تماما ماذا تريد من كل فئة من المستمعين، لذا كانت تعمل على تقديم ما لا تقدمه الإذاعات الرسمية في بلداننا آنذاك، وعلى سبيل المثال “فقرة الأبراج اليومية”!!
المذيعة الشابة التي تعرفون.. كانت قد تقدمت نسبيا في المسيرة المهنية التي كانت تعتبرها مسؤولية تثقيفية وتربوية تهدف إلى الارتقاء بذائقة المستمع وثقافته، مستندة في ذلك على دراساتها الأدبية الموازية، وإذ بنجمة الإذاعة المتألقة في المؤسسة الإعلامية التجارية آنذاك تتقدّم باستقالتها وتنسحب عائدة إلى بلادها لتسلّم منصب هام، فتقرر إدارة الإذاعة التجارية تكليف المذيعة الناشئة بتسلّم فقرات الإذاعية المستقيلة، منها فقرة “توقعات الأبراج اليومية”!! فقرة لا تتعدى العشر دقائق… كلمة لطيفة لكل برج كما هو معروف وانتهى الأمر…
الواقع أنه ما انتهى الأمر، فالمذيعة الناشئة التي لا علاقة لها بعلوم الفلك والأبراج والتبصير طلبت من الإدارة السماح لها بأن تقول في التعريف: (“اوروسكوب”… من إعداد فلكي الإذاعة وتقديم “فلانة”) متحجّجة بأن المصداقية تتطلب بأن يكون هنالك خبير يُعدّ الفقرة حتى وإن كانت هي التي تترجمها من مجلتها النسائية الفرنسية المفضلة… الإدارة لم تجد ما يمنع تنفيذ الاقتراح، وهكذا كان… ثم …
لم يطل الوقت حتى أتى أحد الزملاء “الشطّار” وأعلم المذيعة بأن هناك فلكيا شهيرا ومعروفا على المستوى العربي، قرر أن يعطيها التوقعات اليومية شريطة أن تذكر اسمه… ولكم ضحكت مذيعتنا وهي تشرح الموقف لمديرها على طريقة المسرحية الرحبانية “بياع الخواتم” في الموقف بين فيروز ونصري شمس الدين: يا خالي اخترعنا الكذبة.. ولازم نقبل لحتى تضل الكذبة كذبة!!!
وتوكلنا.. وكشفنا عن اسم الفلكي، ثم تطوّر الأمر وتمت الموافقة على أن تُضاف فقرة أسبوعية يُجيب الفلكي من خلالها عن أسئلة المستمعين ويقدّم لهم المشورة… وطبعا انهالت الرسائل الورقية التي يطلب أصحابها النصح من الخبير…لكن حدث ما لم يكن في الحسبان.. فبعد عدة أسابيع حان موعد الحلقة الأسبوعية للرد على الاستفسارات، ولم يأتِ الفلكي الموعود!! اتصلنا به، تبيّن أنه اضطر للتواري عن الأنظار بعد أن تقدّم أحد المتنفذين بشكوى ضده بدعوى أنه خدعه!!!
عاتبته المذيعة: كيف تتركني في موقف كهذا؟ قال لها.. انتِ شاطرة بتعرفي تتصرفي…
فعلا، شاطرة وتصرفت… وردا على رسالة من إحدى الصبايا تسأل الفلكي: “أهلي يريدون تزويجي من شخص لا أحبه، وأنا أتمنى أن أكمل دراستي الجامعية، ما الحل؟
وردا على السؤال، قالت المذيعة: حسب تاريخ ميلادك وطالع برجك فلكيا.. أوصاني الفلكي الدكتور (.. ) خبرك إنه نصيبك الأنسب سيكون بعد سنة من حصولك على الشهادة الجامعية، والأفضل أن تتريثي!!
خلاصة الحكاية: بعد عدة سنوات، وصلت رسالة من الصبية المذكورة للمذيعة “الشاطرة” تقول: شكرا للنصيحة الفلكية، فعلا حدث ما توقعه الخبير، وجاء نصيبي تماما بعد سنة من تخرّجي… سلمي لي عليه..