جوى للانتاج الفني
الرئيسيةتايم لاينجورج وسوف .. خمس حكايات عن الإنسان

جورج وسوف .. خمس حكايات عن الإنسان

فراس القاضي

المتتبع لحياة الفنان الاستثنائي جورج وسوف منذ انطلاقته في سبعينيات القرن الماضي،
سيدرك أن هذا الرجل لم يكن يوماً فناناً عادياً أو حتى شخصاً عادياً،
ولم يمر بفترة الغياب أو النسيان التي مر بها كل معاصريه تقريباً،
وظل حاضراً حتى عندما غاب لدواعٍ صحية، ومن هذه الناحية،
نستطيع تصنيفه مع أساطين الطرب والفن؛ كأم كلثوم وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وكبار ذاك الجيل الذين مر على رحيلهم عقود وما يزالون حاضرين بيننا حتى اللحظة.

أبو وديع كان استثناءً في كل شيء؛ بدءاً من ظهوره المبكر جداً، مروراً بالنمط الغنائي الذي بدأ به مسيرته وهو فتى بالكاد تجاوز عقده الأول، وهذه وحدها حكاية،
إذ أن بداياته كانت مع أغنيات أم كلثوم وعبد الوهاب وغيرهما من الكبار بكل ما يحمله هذا النوع من صعوبة وإمكانيات صوتية معينة واجب توفرها في من سيجرؤ على غنائه،
وصعوبة أخرى لا تقل عن الأولى، وهو أنه كان يغني هذا اللون في الفترة التي كان الناس فيها متمسكين أكثر بمفهوم أن الغناء يعني الطرب الثقيل ولا شيء غيره، وانتهاء بخامته الصوتية النادرة،
وهي حكاية ثانية، فخامته التي جمعت القوة والنعومة في ذات الوقت، أغرت الملحنين بتقديم ألحان يعلمون جيداً أنه الصوت الرجالي الوحيد القادر على أدائها.

الـ “صابر وراضي” مرت عليه كل أنواع الضغوط والمصاعب، وكما هو نادر، أصابه مرض نادر،
لحقه واحد آخر، ثم آخر، لكن صبره – وهو حكاية ثالثة – كان نادراً أيضاً،
فبقي جورج ذاته، المؤمن بأن الله سيساعده حتماً كما يصرح دوماً، وكان يساعده، فيرد الجميل،
ويزرع الفرح في قلوب متابعيه في كل الكوكب.

الحكاية الرابعة هي أن كل ما ذكر سابقاً، لا بد وأن أحداً ذكره بطريقة ما، لكن ما لا يذكر كثيراً عن أبو وديع هو أنه معلم حقيقي، كيف؟

جورج وسوف يمتلك شخصية مؤثرة جداً، شخصية مُتابعة من الكبار والصغار،
عشرات المطربين والمؤدين حاولوا تقليد طريقة غنائه، وصوته، ومشيته وحركاته على المسرح،
لذا، وربما دون أن يقصد، كان في كثير من المرات سبباً مباشراً لتعريف أجيال بأجيال، وبلدان بمطربين ما كانوا يعرفون عنهم إلا القليل،
وبزيادة مبيعات مطربين راحلين، فمثلاً: عندما عاد جورج لغناء الكلثوميات مرة أخرى في تسعينيات القرن الماضي، تعرّف جيل كامل على أم كلثوم بسبب “سيرة الحب” التي غنى منها مقطع “فات من عمري سنين” وانتشر بشكل هائل،
فقرروا التعرف على أرشيفها،
وربما تغيرت وجهة نظرهم كاملة بموضوع الفن والغناء.
كذلك حين غنى في مهرجان المحبة عام 1992 أغنية عنوانها: “سلمتك بيد الله”، تساءل الكثير من السوريين – باستثناء أبناء المنطقة الشرقية الذين تربطهم بالفن العراقي علاقة وثيقة – مَن صاحب هذه الأغنية؟
فتعرفوا على كاظم الساهر وتابعوه،
وكذلك الأمر مع أغنيات عبد الحليم حافظ وخاصة “جانا الهوا” التي غناها أيضاً بداية التسعينيات،
و”أي دمعة حزن لا لا” وغيرهم من المطربين القدماء أيضاً.

جورج-وسوف
جورج-وسوف

أما جورج الإنسان فهي الحكاية الخامسة، مئات الحالات التي تبناها وأنفق عليها،
مئات قدم لهم المساعدة المادية والمعنوية، ولقد أظهر الريبورتاج، الذي أجرته إحدى المنصات في قريته الكفرون يوم وفاة نجله الأكبر وديع،
محبة الناس الكبيرة لهذا الرجل ليس لأنه فنان معروف،
بل لأن كل الذين التقوا بهم في الشارع ذكروا مساعدة قدمها لهم في يوم من الأيام،
فردوا له الجميل دموعاً وحزناً على حزنه وفقده الكبير.

باختصار، جورج وسوف ليس مطرباً فقط، ليس فناناً فقط، ليس حكاية واحدة، جورج وسوف حالة،
حالة من الصعب أن تتكرر، وإلا ما الذي يفسر أن مطرباً بالكاد تتعرف على صوته القديم العظيم،
يركض الآلاف من الناس لحضوره أينما حل، داخل البلاد وخارجها،
بأغنيات جديدة أو قديمة، بصوت واضح أو حتى شبه صوت؟ المهم أن يقف أمامهم على المسرح.

جورج وسوف باختصار هو النموذج الأمثل للإنسان الذي يحب الحياة ولا يستسلم ولا ينكسر،
وها هو أمام أعظم ابتلاء في الحياة، يدفن ابنه الأكبر الأغلى، يمسح دموعه، وينعيه بأغنية.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة