جوى للانتاج الفني
الرئيسيةعلى الخشبةتمثيل – وقائع عالم ممسرح

تمثيل – وقائع عالم ممسرح

أسئلة الروح والوجع والعدالة

ضمن مشروع دعم مسرح الشباب، قدمت مديرية المسارح والموسيقى عرض (تمثيل ــ وقائع عالم مُمسرح) على مسرح القباني، كتابة وإخراج فوّاز حسّون، واستشارة درامية رزان السيد.

العرض مقتبس عن فيلم “الموت شنقاً”(Death by Hanging) للمخرج الياباني ناغيسا أوشيما (1932- 2013) أحد روّاد السينما اليابانية الطليعية،
وأخرج أكثر من عشرين فيلماً بين عامي 1959و 1999 وضعت اسمه على خارطة السينما في العالم.
وصف أوشيما بأنه “محطم التابوات”،
إذ ركّز على المثلية الجنسية والمنبوذين ورجال العصابات والقتلة والمهمشين سياسياً.
من أهم أفلامه “حكايات شبابية قاسية”  1960، “امبراطورية الحواس” 1976، “فوريو” 1983، “المحرّمات” 1999،
وأثارت أفلامه جدلاً كبيراً في الأوساط السينمائية والثقافية والاجتماعية،
وكانت كفيلة بشن حملة عنيفة ضده انتهت بانتصار السينما وبتأكيد مكانته كمخرج مبدع
.

 دراماتورجيا العرض

يحكي فيلم “الموت شنقاً”، 1968،
عن عقوبة الإعدام لرجل كوري متهم بقتل واغتصاب فتاتين يابانيتين،
لكنه ينجو من الموت لأسباب لا يمكن تفسيرها، مما يُصيب السلطات بالذعر بشأن ما يجب فعله.
فيلم سوريالي تأملي عن الظلم الاجتماعي، وصرخة ضد العنصرية.

عمد الكاتب والمخرج فواز حسون إلى اقتباس الخط الأساسي للفيلم المتعلق بعقوبة الإعدام،
وبنى نص العرض بالتركيز على المتهم، وفكرة الإعدام كعقوبة وإعادة النظر ببعض الثوابت،
دون التطرّق للخطوط الأخرى في الفيلم،
كما اقتصرت الشخصيات في النص على المتهم؛ مدير السجن؛ الجلاد؛ محامي الدفاع؛ الطبيب؛ وحذف الكاتب شخصيتي القس والراوي وما يتعلق بمشاهد الفلاش باك.
كما حرّر الحكاية من مرجعياتها المكانية والزمانية، ليكون العرض مفتوحاً على أفق إنساني واسع.

تمثيل
تمثيل

أجواء طقسية

بدأ العرض، المبني من برولوغ وأربع لوحات، مع دخول الجمهور إلى الصالة. خشبة مضاءة،
المتهم على منصة الإعدام، مؤثرات صوتية لها وقعها،
تتكرّر على مدى ثمانية دقائق، كانت كفيلة بدخول الجمهور في حال من الغموض والقلق والترقب،
ارتبطت هذه المؤثرات (تصميم لارا الحلبي) بالمشهد المرئي،
كما عمّقت من الطابع المأساوي للحدث، وخلقت جواً طقسياً يشي بموت قادم.
ليبدأ برولوغ المتهم: “لم أقتل.. لم أقصد القتل من سيُصدق قصتي هذه”،
وليدخل المتفرّج هنا إلى الحيّز الاجتماعي للمتهم، وما يعانيه من بؤس.
يبدأ من ثم طقس الإعدام المتكرّر، فالمتهم لا يموت، وتقرّر إدارة السجن إعادة تنفيذ الإعدام،
لكن المتهم  يفقد الوعي، لذلك يعملون جاهدين ليعيدوه إلى وعيه،
وبعد أن يستعيد وعيه يبدو أنه نسي كل شيء عن جريمته وعن نفسه،
ومن أجل جعله يتذكر من هو يشرعون في تمثيل جريمته.
يتكرّر هذا الطقس أو فعل الإعدام أربع مرّات، فالجسد يرفض الإعدام في حالة غريبة وفريدة من نوعها،
في خضم إصرار مدير السجن ومساعديه على قتل الرجل،
من خلال اللعب بإجراءات عقوبة الإعدام، ليتحوّل جسد المتهم في المرة الرابعة والأخيرة إلى جثة هامدة،
يحملها السجّانون بكفن أبيض إلى خارج الخشبة على وقع موسيقى جنائزية.

لعبة المسرح داخل المسرح

اعتمد العرض تقنية المسرح داخل المسرح من خلال قصة ممثلين يحضرون لتقديم مسرحية يتدرّب عليها أعضاء الفرقة، المسرحية الأولى هي مجرّد إطار لتقديم المسرحية الأساسية.
هذه البنية المرّكبة ستؤدي إلى تحقيق نوع من القطع الدرامي في لحظة معينة من الحدث الأساسي للمسرحية،
كما تخرق علاقة الفرجة التقليدية التي تبنى على الإيهام،
وعلى معايشة الممثل للشخصية، وعلى الفصل بين الممثل والمتفرّج،
وبالتالي فإن الإعلان عن أن ما يقدّم في المسرحية الأساسية (إعدام المتهم) هو مسرح،
يؤدي إلى التغريب وكسر الإبهام، ويجعل من التلقي عملية واعية وليس انفعالاً.
وهكذا فإن متفرّج العرض الأصلي يرى أمامه على المسرح صورة لوضعه أو لواقعه الاجتماعي ولجوهر العلاقة المسرحية.
هذه البنية المركبة تدفع المتفرج لطرح تساؤلات حول العلاقة بين المسرح والحياة،وبين الوهم والحقيقة…
يتواتر السرد والتمثيل في العرض ضمن صيغة تغريبية،
وتبلغ المسرحة ذروتها في التمثيل المشهدي للجريمة الذي أخذ طابعاً كوميدياً ساخراً،
والمفارقة أن الممثلين هم من كادر السجن كمحاولة لتذكير المتهم ليس إلا، والضباط يتحولون إلى شخصيات مؤثرة في الجريمة بقصد التوضيح.
يتحوّل تمثيل الضابط أو إصراره على تمثيل الجريمة، وبدقة، إلى حدث فعلي،
وكأن المشهد هنا ينقلب من ماض إلى حقيقة، والضابط هو من سيقوم بهذه الجريمة بينما ينظر إليه المتهم باستغراب في إشارة إلى المجرم الحقيقي…
وهنا تكمن ـ برأيي ـ رسالة العرض، عبر التداخل الحاصل بين الواقع والخيال، بين التمثيل والحقيقة.

الفضاء المسرحي

تجري الأحداث في فضاء متقشّف، مؤسلب ، خشبة شبه فارغة،
ثلاث درجات تؤدي إلى منصة الإعدام، طاولة الطبيب،
الكواليس المفتوحة (غرفة الماكياج)، مما يُعزّز كسر الإيهام.
الإضاءة (نور درة) عامة وحيادية بمعنى “بريشت”،
تتحول إلى حمراء في مشاهد التعذيب، Spot light في مشاهد الإعدام وفي المشهد الأخير،
حيث ينسحب الجميع،
وتظل المشنقة المعلّقة في فضاء الخشبة مضاءة، كتكثيف رمزي للموت (الإعدام) بكل المعاني.

الأزياء (إنجي سلامة) بسيطة وكأنها لممثلين في بروفة،
توزعت على ثلاثة ألوان، الأسود لرجال السجن وكأنهم متماهون مع الظلمة المخيّمة على الخشبة معظم الوقت،
والأبيض للطبيب الذي يهرع إلى مساندة المتهم وإسعافه، وكأنه فسحة البياض والأمل ضمن السواد الحالك، والبرتقالي (لا الأحمر) للمحكوم بالإعدام، مما زاد من تغريب الشخصية.

تمثيل
تمثيل

الممثل هو الركيزة الأساسية في الفضاء المسرحي المتقشّف. حاول سيمون حناوي (المتهم) نقل أحاسيس الشخصية وقلقها وخوفها وانفعالاتها،
أما أداء زين خولي (الطبيب) فكان تلقائياً مدروساً نابعاً من فهمه لطبيعة الشخصية وتفاصيلها.
لكن الملاحظ أن المخرج لم يراع ضرورة اختلاف أداء الممثلين في مشاهد المسرح داخل المسرح في لحظات القطع الدرامي،
عنه في مشاهد المسرحية الأساسية. كما اتسم الأداء بالمبالغة دون مبرّر،
والإلقاء (مونوتون) لدى شخصيات إدارة السجن (فايز أبو شكر ومينار الحيناني)،
ليقترب الأداء من مطب المباشرة والخطابية، إن لم يكن قد وقع فيه بالفعل!

على الرغم من بعض الهنات، إلا أن التجربة تستحق التشجيع، فالعرض كسر المألوف على صعيدي الشكل والمضمون، وفتح باب الأسئلة المتعلقة بالجسد والروح، كما بالتعذيب والوجع الذاتي والعدالة.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة