جوى للانتاج الفني
الرئيسيةسر الصنعةتصميم الأزياء في الأعمال الدرامية

تصميم الأزياء في الأعمال الدرامية

فؤاد مسعد

عندما تتحول الكلمات إلى أقمشة ملونة

يأخذ “تصميم الأزياء” بعداً أعمق بكثير من كونه مجرد انتقاء ملابس أنيقة لشخصيات العمل الدرامي،
هو مهنة تحمل تحت عباءتها الكثير من العمل الدؤوب والجهد والبحث والدقة والثقافة والمعرفة في العديد من الأمور بما فيها التاريخ والفن التشكيلي ونوعية الأقمشة والألوان والتصاميم والزخارف..
وتطول القائمة التي يحملها مصمم الأزياء على عاتقه ليقدم الأزياء التي يرتديها الممثل بما يتناسب مع طبيعة الشخصية والمرحلة التاريخية والبيئة والمكان الذي تدور فيه الأحداث،
وكثيراً ما بدا “تصميم الأزياء” أحد الأبطال الرئيسيين في العمل الدرامي.

ولإلقاء الضوء على خفايا هذه المهنة ودورها في العمل الدرامي وقدرتها على تحقيق أكبر قدر من المصداقية والتأثير على المشاهد، كانت لنا وقفة مع كل من مصممة الأزياء رجاء مخلوف،
ومصممة الأزياء والستايلست ميرا جنيد.

ثقافة متكاملة

كثيرة هي الأعمال الهامة التي تركت فيها بصمتها المميزة، بما فيها “الزير سالم، الملك فاروق، نزار قباني، الظاهر بيبرس..” وتطول القائمة وصولاً إلى “الزند” الذي حقق نجاحاً كبيرا في رمضان الماضي.
إنها مصممة الأزياء رجاء مخلوف،

رجاء مخلوف
رجاء مخلوف


التي تحدثت بداية عن نقطة انطلاق عمل مصمم الأزياء، تقول:
تصميم الأزياء كأية مهنة إبداعية أخرى يحتاج إلى مستوى معين من الثقافة واتساع الأفق، لأن كلمة أزياء هي ثقافة كاملة، وينبغي أن يكون لدى مصمم الأزياء إلمام حقيقي بالتاريخ والأدب والشعر والفنون التشكيلية وبالجوانب اللونية للأشياء، وحتى بالهندسة المعمارية وصولاً إلى القراءات الفلسفية.
أبدأ في العمل الفني قبل قراءة السيناريو، فمجرد معرفة الفترة الزمنية التي يتطرق إليها العمل انطلق في عملية البحث التاريخي عنها، وأقرأ في مختلف المجالات، لأن أية نافذة يمكن أن تفتح لي أفقاً أكبر، وهذا الأمر يأخذ وقتاً طويلاً ولكنه يساعدني في إنجاز بناء هيكلي مبدأي لعملي.

ـ ما الخطوات الأولى التي يضع على أساسها مصمم الأزياء مخططاً لعمله؟

السيناريو هو الخطوة الأساسية الأولى، أقوم بقراءته وأفرغ الشخصيات وآخذ منه المفاتيح الهامة التي تفيدني في عملي، واطلع جيداً على المرحلة التاريخية والمكان الذي تجري فيه الأحداث،
خاصة أن المكان يختلف حتى ضمن المرحلة نفسها.
أرسم رسوماً مبدئية، هي ليست بمعنى التصاميم وإنما رسوم هيكلية فقط.

ـ كيف يمكن فهم علاقة التعشيق بين الفن التشكيلي وتصميم الأزياء انطلاقاً من رسم التصميم ومن ثم التنفيذ ووصولاً إلى ارتداء الممثل للملابس؟

التعشيق فكرة مهمة، إنه التعشيق بين الفن التشكيلي وتصميم الأزياء وجسد الممثل،
فهذه العناصر الثلاثة لا تنفصل عن بعضها البعض،
ولإنجاز أزياء جميلة أهم ما أراه في الممثل “الأكتاف” فهي من سيحمل رسالتي الصغيرة في العمل ومن سيحمل الزي الذي أنجزه.
بعد أن أضع مخططاً في ذهني تأتي الخطوة الرئيسية وتكون في السوق عندما أحتك بالقماش الذي يأخذني إلى التصميم، والقماش السوري كان دائماً غنياً ومتنوعاً وعريقاً،
وهناك الحرير والرسومات عليه وعلى البروكار، وهذا بحد ذاته منبع إيحاء كبير.
ومن المهم أن يكون القماش مطواعاً من كل الجوانب ليتجانس مع أكتاف الممثل ويتماهى مع الألوان التي أختارها، حتى أنني قد أصبغ القماش وأحياناً أطبع عليه ما أختاره من طبعات.

ـ كيف تتجلى حالة السعي لتحقيق التكامل بين جمال الأزياء ودورها في الحالة الدرامية؟

في هذه المرحلة أدخل بتفاصيل الشخصية وأضع نفسي مكانها وأفكر مثلها وأرى وضعها الاقتصادي والاجتماعي والفكري وطبيعة عملها،
كما ينبغي تخيّل ميولها النفسية،
وهذا طموحي ضمن عملي وأسعى لتحقيق أعلى درجة منه،
لأنني لا أستطيع الوصول إلى جمالية عالية في الزي دون أن يكون مناسباً للشخصية من النواحي كلها،
ومناسبا لجسد الممثل أو الممثلة.
وكثيراً ما لا يقبل الممثل ارتداء زي لأن هكذا شكله في التاريخ،
ولكن الفكرة ليست أن يقبلوا أو يرفضوا،
فأنا أستطيع تطويع الأزياء للوصول إلى جمالية معينة أقنع بها الممثل والجهة الإخراجية،
فالحوار مع المخرج والممثلين مهم، لنصل إلى المتلقي بأفضل صورة ممكنة.

ـ ما العلاقة التي تربط الأزياء بالعناصر الفنية الأخرى؟

هي علاقة مهمة جداً فاللون يأخذ عمقه من الضوء،
ويتكامل عملي مع الإضاءة والمكان الذي هو ألوان وديكورات ومكياج،
لذلك لا بد من أن أكون ملمة بالجوانب الأخرى في العمل الفني لأصل قدر الإمكان إلى أعلى مستوى في مهنتي، والحوار مهم لنصل كلنا معاً إلى الأفضل.

ـ كيف يتم البحث لإيجاد التصميم المناسب؟ وماذا إن قارب العمل الدرامي مرحلة تاريخية تعاني شحاً توثيقياً وقلة في المراجع؟

بالنسبة لأزيائنا العربية ليس لدينا مراجع كثيرة وإنما هناك وصف لها،
ومن بداية الثورة السورية الكبرى وقبلها بقليل إلى فترات ما بعد ذلك،
هناك من كتبوا مذكراتهم وكانت هناك صور أتت في غالبيتها بالأسود والأبيض،
وعلي البحث عن اللون الصحيح والمناسب للمرحلة التاريخية وللعمل نفسه،
لأن أي عمل نشتغله يكون له لونيته المميزة.
ولكن لدي مكتبتي الخاصة التي جمعتها منذ زمن كما أن هناك الأنترنيت، فأحياناً هناك صورة قد تفتح لي أفقاً كبيراً .
في الكثير من المرات أبني الكتابة أو وصف الأزياء في عمل تشكيلي فأحوّل الكلمات إلى قماش وألوان وطبعات. وكل مرة أنجز عملاً أبدأ البحث من جديد وإن كنت أعرف المرحلة التاريخية ، فالخيارات لا تنتهي ولا تنتهي فيها جماليات الأزياء.

اللعب على الألوان

شاركت الستايلست (stylist) ومصممة الأزياء ميرا جنيد في أعمال درامية هامة مع مخرجين سوريين وعرب،
من بينهم (الليث حجو ورامي حنا ومحمد عبد العزيز..)
ومع المخرجين المصريين كريم الشناوي ومحمد جمعة.
بداية الحديث معها كانت حول الفرق بين عمل الستايلست ومصمم أزياء للأعمال الدرامية، تقول:
كـل مـنهما مـختلف عن الآخـر في آلية العمل ومساحة الإبداع،
في الدراما النص هو الأساس ويشكّل نقطة انطلاق بناء لتصور الشخصيات، وأبدأ بتطوير شكل الشخصية من أزياء وشعر ومكياج بما ينسجم مع الرؤية الفنية للمخرج،
وأحياناً ربما يكون لدى الممثل رأي أو تصوّر حول الشكل يمكن أن يؤخذ به إن كان ضمن السياق الدرامي وبشكل متوافق مع المخرج،
ومن بعدها تبدأ مرحلة التحضيرات والتي تشمل البحث عن الأزياء المناسبة “والتي يتم شراء بعضها وتفصيل بعضها الآخر”،
لندخل في حيز جلسات القياس والتأكد من جاهزية الأمور،
وذلك كله يعتمد على النص واكتماله قبل البدء بمرحلة التصوير والتي تستغرق وقتاً وجهداً،
ويختلف الضغط حسب أجواء التصوير وتعاون الممثلين والمهنيين.
في المقابل اختصاصي كستايلست في مجال الموضة والأزياء عمل جماعي أيضاً ولكن على صعيد أصغر،
ويشمل العديد من الخطوط،
منها (مثلاً) الجلسات التصويرية الاحترافية سواء للمجلات أو المشاهير،
حيث التحضيرات مختلفة تماماً عن عالم المسلسلات،
وتبدأ بالـ (Concept) “المزاج من ناحية الألوان والأزياء والحالة العامة” والتي تتم مناقشتها مع المصور والعميل، لنصل إلى نتيجة مجموعة من الصور التي تحمل روحاً واحدة.
بالإضافة إلى تنسيق إطلالات (Red Carpet) والمناسبات،
وفي هذه الحالة مساحة الإبداع الخاصة بي لا ترتبط بمخرج أو بشخصيات النص أو بمصور الفوتوغراف،
بل بذهنية الفنان والطريقة التي يفضل الظهور بها،
ومن بعد المشاورات وجلسات القياس أحاول دائماً الوصول إلى أفضل النتائج باختيار إطلالة كاملة من شعر ومكياج وأزياء بالأسلوب الأنسب لشكل وقوام وذوق الفنان ليظهر بأفضل صورة تمثله شخصياً.

ـ ما أهمية تحقيق رؤيا مشتركة بين تصميم الأزياء وكل من المكياج والديكور والاكسسوار؟

يعتبر التنسيق مع (الآرت دايركتر) وقسم الديكور والاكسسوار من الأمور الأساسية والهامة جداً فترة التحضيرات، حيث يتم الاتفاق على لوحة الألوان المعتمدة والتفاصيل التي تساعد بتوضيح الشخصية،
حتى يظهر كل ما نراه في الصورة منسجماً ومتناغماً مع بعضه البعض، وبالطريقة المتوافقة مع رؤية المخرج. وكلما كان هناك وقت للتحضير كلما كان (الكونترول) أكبر والإنجاز أفضل.

ـ إن كان الدور لفنان وذهب إلى فنان ثانٍ في اللحظة الأخيرة، هل تختلف طبيعة الملابس وألوانها؟

من المُستبعد تغيير الألوان، ولكن قد يتم اعتماد قصات ملائمة أكثر،
وذلك كله يعتمد على من هو الممثل الآخر،
ومدى اختلاف شكله وقوامه،
فمن المهم أن يكون الممثل مرتاحاً في ظهوره،
لأنه يبقى لوقت طويل في كركتره ويعيشه.

ـ إلى أي مدى يمكن للون الزي وشكله أن يعكس طبيعة وسمات الشخصية وحالتها النفسية؟

اللون يساعد في تكوين الحالة المزاجية والنفسية للكركتر، ودائماً ما أحاول اللعب على الألوان لإظهار التغييرات الطارئة على نفسية شخصية مع مرور الوقت،
كما إن الإحساس بالقماش أمر أساسي وأقوم أحياناً بمزج العديد من الخامات لإعطاء حالة من العمق،
وأتجه أحياناً إلى السعي لتوجيه العين لنقطة معينة فأختار (مثلاً) الخطوط العمودية أو الأفقية في القماش.
وأحاول العمل على تفاصيل قد تساعد في إبراز صفة معينة أو إعطاء طابع ما عن الشخصية وحالتها النفسية، والعديد من هذه التفاصيل قد تكون مذكورة بالنص وإن لم تكن مذكورة أسأل الكاتب عن أمور تساعدني في بناء الشخصية (ما الوضع المعيشي لعائلتها قديماً، ما البيئة الأساسية التي خرجت منها؟..)
فالمهم أن يأتي المظهر بشكل حقيقي ومناسب للحالة النفسية إلا إن تطلب الكركتر غير ذلك.

ـ إن استفزّك كركتر، إلى أي مدى يمكن الذهاب إلى الحد الأقصى في تصميم الزي له؟

بشكل عام أميل دائماً إلى مراعاة الشكل الحقيقي والبعيد عن الافتعال أو المبالغة في تصميم الشخصيات، ولكن إن كانت رؤية المخرج تتطلب التقصّد في إظهار الكركتر بطريقة مستفزة بشكل واضح فلا أمانع من الذهاب إلى الحد الأقصى بطريقة منسجمة مع السياق الدرامي

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة