جوى للانتاج الفني
الرئيسيةسر الصنعةانطوانيت عازرية.. المونتاج إخراج ثانِ للفيلم السينمائي

انطوانيت عازرية.. المونتاج إخراج ثانِ للفيلم السينمائي

فؤاد مسعد

كثيرة هي الأسرار التي تحملها عملية مونتاج العمل الدرامي، حتى أطلق على المونتاج تسمية “الإخراج الثاني” لما يحمل من أهمية في مسيرة إنجاز العمل الفني وبث الروح فيه، ومن أبرز المبدعين في هذا المجال المونتيرة انطوانيت عازرية التي ظهر أسمها كعلامة فارقة وتركت بصمة راسخة عبر الكثير من الافلام السينمائية السورية الهامة، بكل ما تملكه من شغف وحب لمهنة أعطتها من روحها وقلبها الكثير، فما الأسرار التي تحملها هذه المهنة وما هي رؤية انطوانيت عازرية لها؟..

انطوانيت-عازرية
انطوانيت-عازرية

 

   نالت انطوانيت عازرية شهادة البكالوريوس من المعهد العالي للسينما في القاهرة عام 1976 قسم المونتاج السينمائي،
وعملت في المؤسسة العامة للسينما، ومن الأعمال التي قامت بمونتاجها “الترحال، ليالي ابن آوى، اللعبة، دواليك، الدجاج..”،
وحصلت خلال مسيرتها الإبداعية على جوائز من العديد من المهرجانات،
بما فيها مهرجان القاهرة ومهرجان قرطاج ومهرجان الاسكندرية،
وحصلت على ميدالية مهرجان دمشق السينمائي عام 1995 وعلى ميدالية نقابة الفنانين عام 1999،
كما كُرّمت عام 2005 في مهرجان روتردام كمونتيرة، وشاركت في عضوية العديد من لجان التحكيم
.

  وأنجزت عام 2006 فيلمها الثاني “سمعان العمودي” سيناريو وإخراج، وانتجته على حسابها الخاص وحصل على جائزة أفضل فيلم في مهرجان نيويورك للأفلام المستقلة،
وفي عام 2007 انجزت فيلمها الثالث “شاميات” سيناريو وإخراج، لصالح احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية عام 2008.
وحالياً تقوم بتدريس مادة “جماليات السينما” في المعهد العالي للسينما
.

انطوانيت-عازرية
انطوانيت-عازرية

ـ إلى أي مدى يمكن اعتبار المونتاج عملية خلق وإخراج ثانٍ للعمل الدرامي؟ أم أن دوره محصور بترتيب اللقطات “كما يراه البعض؟

كنا مجموعة من الأكاديميين نعمل في المؤسسة العامة للسينما، يأخذ كل منا السيناريو (مدير التصوير ومصمم الملابس والمونتير..) فنتناقش ونبدي رأينا حوله، وبالإضافة إلى نقاش السيناريو كنت أحضر عمليات تصوير الفيلم،
وبما أن التصوير يحدث خارج دمشق،
كنت كل عشرة أيام آخذ المادة المصورة وأتجه إلى دمشق لأشاهدها.

عادة نصور في المكان الواحد كل اللقطات الموجودة ضمنه كي لا نتنقل كثيراً أثناء التصوير،
فأعطي المساعد الثاني للمونتير اللقطات ليضعها وراء بعضها البعض بالترتيب،
ثم أراها مع المخرج بعين دقيقة لنأخذ خلال تركيب المادة الأفضل منها والمتناسبة مع الاضاءة والاكسسوارات والديكور.. وننتقل إلى اللقطة التالية،
ولم يكن هاجسنا وضع اللقطة البعيدة بعد اللقطة القريبة وإنما أن يكون هناك دراما،
ويحدث أن نجد بعد تركيب المادة خطاً كاملاً يمكن حذفه،
وهو أمر جرى معنا في أحد الأفلام حيث صورنا لممثل مدة عشرين يوماً ومن ثم رأينا أن خطه ليس ضرورياً فتم حذفه.

يأتي بعد ذلك دور ضبط الإيقاع ثم تركيب الصوت بشكل يتناسب مع حركة الشفاه ونُدخل المؤثرات الصوتية لإنجاز شريط واحد، وأضع في المكساج مخططاً لمهندس الصوت،
متى يرفع أو يخفض صوت الحوار أو الموسيقا أو المؤثرات.
وقد نعدّل الكثير من اللقطات، لا بل قد نقلب الفيلم تماماً ونختار أن نبدأه من حدث معين ليكون المدخل أقوى.
وأتبع في ذلك كله على ما تراه العين،
كما أن إيقاع اللقطات ينبغي أن يكون له علاقة باللون فعندما آخذ لقطة بالأسود والأبيض تكون أقصر من الملونة،
والأمر نفسه إن كان لديك شخص واحد في الصورة فإيقاعه سيكون مختلفاً في حال وجود شخصين أو اكثر،
فالإيقاع هو التزامن في الفيلم، وكلها أمور ينبغي أن تتم دراستها بدقة،
لذلك يُسمى المونتاج بالإخراج الثاني، كما أن أندريه بازان الناقد السينمائي الأهم يقول إن “المونتاج إخراج ثانٍ”.

ـ ما أهمية تواجد المونتير في مراحل إنجاز الفيلم كلها، من ألف الفيلم إلى يائه؟

لندع هنا جانباً موضوع الأكاديمية، فالأمر مرتبط بما لدي من شغف في العمل،
وعندما تمتلك مجموعة العمل كلها الشغف نفسه تكون حريصة على كل تفصيل،
ولدى قراءتي للسيناريو وحضوري عمليات التصوير أذهب إلى المونتاج وبين يدي المادة كلها وأعرف كيف سيتم فكفكتها ووصلها واختيار اللقطات الأهم منها.

ـ إلى أي مدى يكون المونتير معنياً بمتابعة كامل العناصر الفنية التي تشكل العمل الدرامي من “إضاءة، تصوير، ديكور، ملابس، مكياج..”؟

إنني معنية بها إلى درجة كبيرة لأنني هاوية وشغوفة،
وحتى الآن أقول أنني هاوية للسينما، ومن المهم أن يكون لدى المونتير إلمام بذلك كله.
وإن لم يكن هذا الشغف موجوداً عنده فالتقنية ليس لها أية أهمية،
وما يقوم به من قص ولصق يسمى وصل لقطات وليس مونتاجاً.

هذه المهنة تحتاج إلى ثقافة، وأذكر أن أستاذنا في الفن التشكيلي الممثل كمال الشناوي “وهو فنان تشكيلي”،
طلب أن نقدم اسكيتش رسم فقلت له أنني لا أعرف كيف أرسم،
فأكد أنه ليس هناك أحد لا يعرف كيف يرسم،
وبعد أن رسمت الاسكيتش للفكرة المطلوبة أخذ رسمتي أمام الطلاب وقال أنني أنجزت تفاصيل دقيقة لسيناريو يراه في الصورة ويشعر به.

ـ ما شكل العلاقة الإبداعية التكاملية بين المخرج والمونتير؟ وإلى أي مدى يكون الانسجام بينهما ضرورياً لإنجاح العمل؟

مما لا شك فيه أن المخرج هو قائد الأوركسترا ولكن لديه مجموعة يديرها ولكل شخص منها تفرده في مجال عمله،
ورغم أن أغلب المخرجين لديهم (الأنا) واضحة إلا انه يتم النقاش حول المشاهد وعندما نصل إلى طريق مسدودة أقول له أن لكل منا رأيه المختلف عن الآخر فلنجرب الطريقتين ونرى أيهما أصلح،
لأن كل منا يحترم عمل الآخر، وأذكر في فيلم “اللجاة”  للمخرج الراحل رياض شيا ،
أنه قال لي عندما أتينا للمونتاج “أنا أنجزت عملي والمونتاج عملك” فكان يحترم عمله ويحترم من أمامه.

ـ هل حدث إشكال بينك وبين مخرج ولم تكملي العمل معه؟

حدث ذلك مرتين، في الفيلم الأول اختلفنا حول المطمطة فيه وكثرة الحوارات فلم نكمل معاً،
رغم أن مدير الإنتاج قال أن الحق معي ولكني لم أقبل الاستمرار لأن التفاهم أمر أساسي في العمل،
وهناك فيلم ثانٍ اشتغلت جزءاً كبيراً منه ولكن وصلت مع المخرج إلى مكان لم نستطع التفاهم فيه وبما أنه قائد الأوركسترا وأنا إحدى العازفات فانسحبت.

ـ أين تتجلى قمة المتعة لديك خلال المونتاج؟

عندما أضع المادة أمامي وأمسك الفيلم بين يدي وأرى شكل الكادر وأشعر بالإيقاع،
فمتعتي في إمساك الفيلم بيدي وأن أضع بالقلم علامة وأقصها وأقص ما بعدها وأصل بينهما،
هذه الحسية مع المشاعر الأخرى المرتبطة بالنظر والسمع واللمس كلها تعمل معاً هنا.

ـ ما سبب رفضك العمل في المونتاج التلفزيوني؟

ليس فيه متعة، فالتلفزيون خاضع لعدة عوامل، وعلى سبيل المثال ينبغي أن يتناسب طول اللقطة مع الزمن،
ولكن بما أن الانتاج فيه تجاري فترى الكثير من المطمطة وتجد الموسيقا أعلى من الحوار،
أضف إلى ذلك أنني لا أستطيع احتمال منتج يقول لي هذا نريده وذاك لا نريده،
وبالنسبة إلي فإنني لا أرى مسلسلات تلفزيونية أبداً لأنها تعطل أذني وعيني.

ـ الأكاديمي بدون شغف هل يحقق منتجاً ابداعياً؟

هناك أمور لا تٌعلّم إلا من خلال الثقافة، ومبادئ نبغي العمل على أساسها،
كمبدأ المعرفة والثقافة ومبدأ الأخلاق والشرف.

ـ ما الذي تحرصين على تكرسيه من مفاهيم لدى طلابك؟

أن يصبح لديهم شغف فبدونه لا يمكن أن يقدموا شيئاً، أشجعهم على أن يكون لديهم شغف وحب للقراءة وأدفعهم لرؤية معارض وسماع الموسيقا،
ولا أشجعهم على التلفزيون، والمهم من ذلك كله أن أستفز الشغف داخلهم.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة