جوى للانتاج الفني
الرئيسيةنقد تلفزيونيالنظام .. مسلسل عن الاستبداد في أوربا هذه المرة وتحت قيادة امرأة...

النظام .. مسلسل عن الاستبداد في أوربا هذه المرة وتحت قيادة امرأة تؤديها كيت وينسليت

أحمد السح

طرحت منصة HBO في شهر آذارال/ مارس الفائت مسلسلاً بعنوان (The Regime) من بطولة النجمة الهوليودية كيت وينسليت،
الذي عرض على ست حلقات، وهي ليست المرة الأولى التي تتبنى هذه المنصة قضية الاستبداد وتطرحها،
وخاصة أن هناك أفلاماً ومسلسلات عدة تحدثت عن حكم المستبدين وطريقة استبدادهم،
ولكن اللافت في هذا المسلسل برز على صعيدين:
أولهما أن دولة الاستبداد المزعومة في المسلسل تقع وسط أوربا، وليست في الشرق الأوسط أو أفريقيا كما اعتادت الفنون الغربية تقديمه من قبل،
والنقطة الثانية في أن المستبد في هذا العمل هو أنثى، وهي أنثى عرفت على الشاشة أنها في غاية الجمال ولطالما كسبت جمهوراً خاصاً بسبب حضورها الفني وجمالها الخاص،
رغم أنها – كيت وينسليت- حجزت لنفسها مكانة مرموقة كممثلة من طراز خاص كبرت أمام عيون الجمهور ولم تحاول إقناعه كما تفعل كثيرات في العالم العربي على الأقل في ادعائهن الدائم بأنهن ما زلن عشرينيات وهن تجاوزن الخمسينات.

الأنظمة المستبدة تخفي العفن في جدران قصورها الفارهة

يمكن الوقوف عند عدة تفاصيل في أسس بناء الحكاية فالكاتب ويل تريسي Will Tracy ذهب إلى خيارات نافرة في ابتكار الحكاية،
فالمستبدة متزوجة من رجل تافه فرنسي الجنسية يعمل في مجال الموضة والأزياء،
ولديها ابن يعاني من مرض الصرع وهو ابن شريك مع مدبرة المنزل لأن المتسبدة قد استأجرت رحم المستبدة لانجاب الطفل كونها تعاني من تقوس في الرحم ولا تستطيع الانجاب،
كما أنها محاطة بمجموعة شخصيات لإدارة شؤون البلاد هي نفسها لا تطيقهم ورغم ذلك تحافظ عليها كجزء من تركيبة النظام أمام الناس،
الذين لا نراهم في العمل لأن معظم أحداث المسلسل تتمركز بين زوايا القصر الفاره،
الذي أول ما نتعرف إليه نتعرف إليه وهو يعاني من العفن والربط هنا يبدو ذكياً،
الأنظمة المستبدة تخفي العفن في جدران قصورها الفارهة دون أن تعرف السبب، وهذا العفن هو الشرارة الأولى الذي أدى لاستدعاء بطل الحكاية هربرت زوباك،
وهو مجرد عريف مغمور متهم بارتكاب جريمة إنسانية،
تختاره المستشارة المستبدة ليكون مسؤولاً عن حمل جهاز قياس نسبة العفونة في الأماكن التي تدخلها حتى لا يتأزم وضعها الصحي، بينما تحتاج محاربة العفن سنوات.

مسلسل النظام
مسلسل النظام

بركات السلطة الدينية والحكّام:

خلال متابعة الحلقات الست يمكن أن نلاحظ تغيرات وانقلابات متعددة في الأحداث،
فلا يوجد ثبات من حيث بناء الشخصيات ومواقفها من الأحداث والحلول المطروحة،
ولكن العمل يعالج بطريقة هزلية في كثير من الأوقات موقف الأبطال من الأحداث التي يتسببون بها،
وخاصة الشخصية البطلة التي تلعبها كيت وينسليت،
والتي قد تبدو بشكل أو بآخر بمنتهى السذاجة والغباء بينما هي تشغل أعلى منصب رسمي في دولة،
فهل كان القصد من هذا الطرح بأن المتسلطين في العالم هم أساساً شخصيات فارغة من أي قيم أو محتوى في أعماقها، أم أنه تعويم للشعبوية التي تغزو العالم بدءاً من رواد وسائل التواصل وصولاً إلى نجوم الفن والرياضة والاقتصاد وحتى حكام الدول،
والغريب أن شخصية المستشارة لا تخفي سذاجتها لا عن الوسط المحيط بها ولا عن شعبها، فهي تظهر لهم وهي تغني بصوتها النشاز وتجبرهم على سماع خطبها الغبية التي تلونها بالكثير من الإطناب الديني لتعطي لنفسها بركة إلهية، وهذا وإن كان يبدو غريباً بعض الشيء ولكنه في حقيقة الأمر متكرر في عالمنا، فكم مرة سمعنا رؤساء أميركيين يقولون علناً أنهم مباركون من الله وأنهم حملة رسائل دينية، وتبشيرية وليس مجرد رؤساء لدولة عظمى.

مستوحى من رواية 1984

في كثير من تفاصيل المسلسل تظهر مؤشرات إلى أنه مستمد بشكل أو بآخر من رواية 1984 لجورج أورويل،
وخاصة في المشاهد التي تظهر فيها خطب المستشارة وهي تبث لتصدع رؤوس شعبها وسجنائها طوال أربع وعشرين ساعة دون أي شيء آخر،
وآلية تعاملها مع المستشار الذي انقلبت عليه بعد أن اتهمته بكافة الاتهامات السيئة وجعلت منه مشجباً تعلق عليه كل المشكلات التي تقع فيها البلاد،
وهي تدعي أنه موجود في مكان ما ليتآمر عليها، لنفاجأ أنها قد رمت هذا الشخص الذي يبدو هادئاً وحكيماً في سجن تحت الأرض وليس لديه أية صلة مع الناس للتحريض على أي شيء،
وهو بالكاد يأكل ويتعرض للضرب من قبل سجانيه،
ولكن رغم كل هذه الادعاءات والتوريات والتآمرات والمناكفات بين هذه المستشارة والولايات المتحدة من جهة،
وشعبها ومن يعملون معها من جهة أخرى إلا أن الأمور تصل إلى مكان لا يمكن التراجع عنه وسط إنكار غريب ومثير للجدل لكل ما يحدث رغم أن أصوات القصف بدأت تسمع في محيط القصر الذي تقيم فيه المستشارة دون أن تحاول ولو لمرة تغيير توجهها والإصغاء للانقلابات التي تحدث معها.

مسلسل النظام
مسلسل النظام

تعاون على إخراج هذا العمل كل من المخرجين ستيفين فريرز والمخرجة جيسيكا هوبز،
اللذين أقدما على مسلسل فيه الكثير من الكوميديا السوداء والدراما،
والكثير من الأحزان والاضطرابات النفسية التي أحاطت ببطلة العمل المستشارة إيلينا فيرنهام التي بقيت حبيسة قصرها حتى باتت تظن أن العالم هو هذا القصر لا أكثر ولكن حين تضطر في النهاية للخروج إلى الحياة سوف ترى أنها لا تملك أي معرفة بالحياة مما يؤدي إلى إيقاع نفسها بنفسها بسبب سذاجتها التي لم تطل أكثر من سبع سنوات ولكنها في النهاية أوصلت بلادها إلى مكان لا تحمد عقباه، كما فعل قبلها الكثير من المستبدين قليلي الخبرة في الحياة الاجتماعية والسياسية.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة