جوى للانتاج الفني
الرئيسيةسر الصنعةالمكياج الدرامي والخدع والمؤثرات الخاصة

المكياج الدرامي والخدع والمؤثرات الخاصة

اللعب على حد السكين

منذ القِدم برزت أهمية المكياج في العمل الفني، ففي المسرح أعتُبر أحد أهم العناصر المُكملة للعمل الدرامي ومن شأنه إظهار ملامح الشخصيات على اختلافها، ومع مرور الزمن تزايد دوره وتطورت أدواته وبات عنصراً هاماً وأساسياً للإقناع. واليوم لا يمكن إغفال دوره الذي يصل حد المساهمة في إفشال أو إنجاح العمل الدرامي التلفزيوني أو السينمائي، كما لا يمكن إغفال دور المؤثرات الخاصة التي تحتاجها العديد من الشخصيات مانحة إياها خصوصيتها وأحياناً غرابتها.
ضمن هذا الإطار كانت لنا وقفة مع الماكيير أحمد حيدر ومصمم الشخصيات والمؤثرات الخاصة أحمد روماني، لتلمس أسرار المهنة والدور الذي يلعبه كل منهما في تكريس الحالة الدرامية من خلال ما يمكن إضفائه على الشخصية المؤداة وإعطائها شرعيتها أمام المُشاهد.

احمد-حيدر
احمد-حيدر

 

مكياج درامي

تحدث الماكيير أحمد حيدر، بداية، عن الحدود الفاصلة بين المكياج الدرامي والمكياج التجميلي، قال:
الفرق بينهما كبير، فعندما نضع طبقة من “الفون” على بشرة الممثل يكون الهدف منها انكسار زاوية الإضاءة على البشرة أكثر من كونها تجميلية، كما قد تختلف أحياناً درجة اللون التي نضعها على وجه الممثل بين خد وآخر وإن بفارق طفيف مراعاة لزاوية الإضاءة ليظهر الوجه بشكل صحيح على الشاشة، ويمكن القول أن الهدف من المكياج الدرامي إلغاء أو إظهار العيوب في الشكل وفقاً للحالة المطلوبة.

في أية مرحلة يبدأ دور الماكيير ضمن العمل الدرامي؟

بداية نقرأ النص ونفرّغ كل شخصية لوحدها خاصة إن كانت هناك مراحل عمرية متعددة أو تغييرات ستطرأ عليها، ويتم الحوار مع المخرج وتُقدّم المقترحات للذهاب نحو الأفضل، وبعد الوصول إلى الشكل المطلوب نجتمع مع مصممي الملابس والشعر للاتفاق على صيغة مشتركة فالعلاقة بيننا مترابطة، ونبدأ العمل على أرض الواقع للخروج بالشكل النهائي للشخصية.

ـ ما مدى ارتباط عملك بمصمم الملابس وبما يقدمه من لون ونوع وشكل للملابس؟

هي علاقة متكاملة، وكثيرة هي المرات التي جعلتهم يغيرون لون الملابس، وبالمقابل قمت في العديد من المرات بتغيير درجة لون “الفون” تماشياً مع الملابس، خاصة إن كان هناك كركتر معين، فقد يحتاج الممثل ارتداء اللون الأبيض كأن يكون في “مشهد حلم”، وهناك مشكلة مع هذا اللون في كاميرات الفيديو لأنه يؤثر على درجة لون “الفون” فألجأ إلى تفتيحه قليلاً.
ـ إلى أي مدى تخضع حالة المكياج إلى التجريب للوصول إلى الصيغة النهائية؟
نستمر في التجريب لنصل إلى النتيجة الأفضل، خاصة في حالة الكركتر، فعلى سبيل المثال في مسلسل “زقاق الجن” اضطر الفنان سعد مينه للقدوم عدة مرات إلى موقع التصوير دون أن يكون لديه تصوير لإجراء تجارب على الشخصية، وذهبنا معاً إلى معمل العدسات للحصول على عدسات بدرجة بياض عينه، فلتركيب عدسة يكون فيها “بؤبؤ العين” غير واضح ينبغي الحصول على درجة البياض نفسها.

ـ كيف تتم دراسة مكياج الشخصيات التاريخية؟

الشخصيات نوعان “موثقة وغير موثقة”، الشخصيات غير الموثقة مرتبطة بخيال المصمم، أما الموثقة فهي نوعان “تاريخية معاصرة وتاريخية قديمة”، فالتاريخ المعاصر يكون حاضراً في ذهن المشاهد وتنفيذه أسهل عبر انتقاء الممثل الأكثر شبهاً من الكركتر المطلوب، وعند وجود صورة نحاول تنفيذ المكياج أقرب ما يكون إليها، وأذكر في مسلسل “الشتات” عندما جسد الفنان تيسير إدريس شخصية “تيودور هرتزل” قمنا بتكبير صورة الشخصية الحقيقية فجاء تنفيذها أسهل من تنفيذ شخصيات أخرى، أما في الشخصيات التاريخية غير الموثقة فتوضع خطوط رئيسية نعمل على أساسها.

ـ قد تفرض طبيعة العمل خدعاً بالمكياج (تكبير، تصغير، تشوهات، تنكر..) فكيف يتم تحقيق المصداقية في تنفيذها؟

لتنجح هذه الأعمال ينبغي أن يكون المشتغلون فيها أسرة واحدة كل منهم يقدم اقتراحه، وبعد إنجاز التصميم يأتي موضوع الحرفية وتكنيك التنفيذ الذي يحتاج إلى ماكيير فنان، ويلعب نوع المواد المستخدمة دوراً هاماً. كما يرتبط الأمر بالممثل أيضاً، فتنفيذ الحروق، مثلاً، قد يحتاج إلى وقت، فتجد فناناً يتفهم الأمر وآخر “ينق” مما يخلق حالة من التوتر، وإضافة لذلك فالحروق نوعان، فإن كان الحرق “راكور” ينبغي أن يُنجز له قالب، وإن كنا سنراه خلال فترات قادمة فسيتغير على مستوى اللون والشكل والحجم. أما إن كان سيظهر لمرة واحدة فيتم نحته، الأمر الذي يحتاج إلى وقت.
وفي حالة تكبير أو تصغير شخصية ينبغي أن يكون الماكيير مع المخرج لاختيار الممثل، فهناك ممثلون فيزيولوجية وجوههم يمكن تكبيرها أو تصغيرها، في حين تجد ممثلين وجوههم لا تحقق هذا الشرط، حتى أن هناك ممثلات لا يمكن تكبيرهن لأن وجوههن مليئة بالسيليكون.

ـ ماذا عن أسرار الخدع عن طريق المكياج؟

في مسلسل “سايكو” كان لدى الفنانة أمل عرفة خمس شخصيات تؤديها، كل منها مختلفة عن الأخرى، ومما قمت به تغيير شكل الأسنان بين شخصية وأخرى، فظهرت أسنانها كما هي في شخصيات معينة، وبالغنا بلونها عبر شخصية المطربة، وفي شخصيتي المعلمة والعجوز فضلت أن أصنع لهما أسناناً بشكل خاص، وتم تأجيل التصوير 13 يوماً لتحقيق ذلك.

تصميم شخصيات ومؤثرات خاصة

أحمد روماني نحات ومصمم شخصيات ومؤثرات خاصة، يؤكد أن للمؤثرات عالمها الخاص. حول آلية عمله يقول:
البداية تكون من معرفة المدة الزمنية المُعطاة لمصمم المؤثرات الخاصة وإن كانت كافية لإنجاز عمله، وبعد قراءة النص أسأل عن الميزانية لأن المواد المٌستخدمة مكلفة، وأسأل عن الشخصيات التي تحتاج الشغل عليها، رغم أن هذا الأمر من المفترض أن أقترحه أنا كمصمم، وتتم دراسة الشخصيات وتحديد من منها يحتاج إلى تصميم مؤثرات ويجري النقاش مع المخرج حولها، وتتلاءم فترة التصميم مع عدد الشخصيات وعدد أيام تصوير لكل منها، لأننا في كل يوم تصوير نحتاج إلى “ماسك” جديد.
ولا بد من الإشارة إلى أهمية اختيار النوعية المناسبة من المواد، فعلى سبيل المثال ينبغي أن يتمتع “السيليكون” بدرجة طراوة عالية من أجل الحركة، فعند تطبيقه على وجه أو جسم الممثل ينبغي أن يتحرك مع العضلة بشكل واقعي ولا يكون مصطنعاً.

ـ على أي أساس تضع التصميم المناسب لكل شخصية؟

وفق نمط النص، فإن كان خيالاً علمياً أسرح في الخيال إلى أبعد حد، ولكن أغلب ما يتم اقتراحه في سورية من شخصيات يتجه نحو التكبير، وفي هذه الحالة أحلل النص وأدرس الشخصية وتاريخها وأبعادها وتأثيرها على الشخصيات الأخرى، وعلى هذا الأساس يتم بناء الكركتر، فأضع التفاصيل الخاصة بناءً على الذاكرة البصرية وربطها مع النص للخروج بكركتر مميز، وبعد انتهاء التصميم أتناقش مع المخرج حول الفكرة التي أنجزتها عبر تقديم دراسة ورقية أو “ماكيت مصغّر” عن التصميم.

ـ ما حدود علاقتك مع العناصر القنية الأخرى، وخاصة الملابس؟

العمل جماعي ضمن إطار “السينوغرافيا”، وينبغي أن يكون كل الفنانين البصريين يداً واحدة، وعندما أكون مسؤولاً عن “الماسكات” من المهم متابعة تصميم الزي في حال لم أكن أنا من أنجزه، فأرى علاقة الألوان مع بعضها البعض لتأتي الشخصية روحاً واحدة، لذلك يُفضل أن يشتغل مصمم الكركتر الشخصية كاملة، ويكون معه مساعدين مختصين بالملابس، كما لا بد من مراعاة موضوع الديكور وألوان الجدران وبيئة المكان.

ـ ما تأثير الإضاءة على إبراز أو إفشال عملك؟

يمكنها إبراز العمل أو إفشاله بالكامل، فشدتها قد تؤثر على اللون الذي وضعته للشخصية أو على ملامحها فتنقلب الحالة من الحزن إلى الفرح، أو من وحش إلى شخص مسالم، وتلعب زوايا الإضاءة دوراً في ذلك، فإن كانت الزاوية خطأ لن تعبّر عن الشخصية.

ـ كيف يتم العمل مع الممثل لتطبيق التصميم على أرض الواقع؟

عند الاتفاق حول كركتر يأتي الممثل إلى المرسم، نصوره ونأخذ أبعاد وجهه وجسمه لإجراء طبعة كاملة له، ثم نبدأ مرحلة نحت الشخصية وبعدها مرحلة الصب والقولبة. وإن أردنا صنع “ماسك” واقعي ننجزه من السيليكون، أما إن أردنا إنجاز “وحش” فالأمر يحتاج إلى أحجام كبيرة، وعندها نختار مادة “الفوم” لأنها لا تشكل ثقلاً على الممثل، ندخلها للفرن وقد تبقى يوماً كاملاً فيه.

ـ هل يأتي “الماسك” جزءاً واحداً أم مجموعة أجزاء؟

نشتغله جزءاً واحداً ثم نقطعه إلى أجزاء. الجبهة لوحدها، والأذنان، والذقن، والخدان الأيمن والأيسر.. والسبب في ذلك لتأتي حركة وجه الممثل واقعية، فعندما نضعه كاملاً كجزء واحد يأتي جامداً.

ـ ما ضرورة اللجوء إلى “الماسك” في تصميم الشخصية مع وجود الغرافيك وبرامج التصميم على الكمبيوتر؟

يتشارك الغرافيك مع المؤثرات في بعض الأعمال وفقاً للضرورة وتبعاً لعدة معطيات (الوقت، التكاليف الانتاج، توفر المواد..)، وأحياناً تتطلب شخصية مشاركة الاختصاصين معاً، فعلى سبيل المثال في شخصية نصفها آلي ونصفها وحش قد يُصمم الجزء الآلي عبر الكومبيوتر لتسهيل تحريك الجزء الآلي وتخفيف الثقل على الممثل وتوفير الجهد والوقت والمال.
واليوم نستطيع بناء شخصية كاملة عن طريق برامج التصميم، لكن الفرق بين الاختصاصين أن المؤثرات الخاصة أكثر واقعية وتساعد الممثل على التعايش مع الشخصية والاستمتاع في أدائها، أما بناء الشخصية عبر الكومبيوتر بوجود الذكاء الصناعي وبرامج التصميم فمن الممكن أن يلغي الممثل، وفي النهاية تبقى الروح الفنية مطلوبة في العمل.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة