جوى للانتاج الفني
الرئيسيةمبدعونالمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد : رغم كل هذا الألم.. أنا متفائل

المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد : رغم كل هذا الألم.. أنا متفائل

فراس محمد

بينما تعتبر المشاركة بحد ذاتها في المهرجانات الدولية جائزة تقدير لصناع الأعمال الفنية،
استطاع المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد أن يصل إلى خط النهاية في هذه الماراثونات الدولية ويحصد أهم الجوائز من برلين وكان..

بعد أشهر على طوفان الأقصى، لا يزال صوت المخرج الشهير عالي النبرة.
لم يكتف صاحب «الجنة الآن» و»عرس رنا» بالصمت،
فمنذ حصوله على ترشيحه الأوسكاري الأول عام 2005 وهو في حالة اشتباك علنية مع الغرب،
مرة بالعناد ومرة بالمخاطبة الفنية.

بدأت حالة الاشتباك بترشيح فيلمه باسم فلسطين للمرة الأولى،
ولكن بعد ضغط من اللوبي اليهودي في هوليود،
الذي أراده ترشيحا إسرائيليا (وهو ما رفضه أبو اسعد بشدة)،أصبح ترشيحه باسم (السلطة الفلسطينية)،
الأمر الذي اعتبره أبو أسعد إهانة للهوية الفلسطينية.
ورغم عمله في هوليوود فقد عاد مؤخرا بفيلم فلسطيني أثار الجدل كالعادة بعنوان «صالون هدى»..

حوارنا التالي مع هاني أبو أسعد جاء بانورامياً حول علاقته بالقضية والسينما وعلاقة المخرج العربي بتفاصيل حياته السياسية والفنية:

– لطالما كانت (الخيارات الضيقة للفلسطيني) ثيمة المخرج هاني أبو أسعد، سواء في خيارات رنا في فيلم «عرس رنا» ٢٠٠٢، أو الفدائي الذي اقتحم تل أبيب في «الجنة الآن»، أو «عمر» الذي اصطدم بجدار الفصل العنصري.
هل ما زال أبو أسعد يجد في تلك المساحات الضيقة لشخصياته مادة غنية بالدراما،
في ظل انحسار تلك المساحات وانكماشها في الوضع الراهن،
وهل الخروج من تلك المساحات بالنسبة للفلسطيني بات على شكل ما يشبه طوفان الاقصى، هل هذه دراما مغرية بالنسبة لأبو أسعد، أم باتت بالنسبة له لا تصنع سوى سينما سياسية؟

بالنهاية أنا لست ضد السينما السياسية، على العكس،
ولا اسميها سينما سياسية، اسميها سينما المقاومة،
لأنه بما أننا موجودون تحت تهديد مشروع عنصري استعماري مثل المشروع الصهيوني فكفنان لا توجد لديك الكثير من الخيارات،  يجب ان تكون جزءا من حركة تحرر،
أنا لا أملك القدرة لأكون موجودا في أماكن أخرى أو منخرطا في سلك آخر بخلاف الفن،
الفن بالنسبة لي يُعتبر أداة للمقاومة، فانكماش المساحات يزيد من زخم الدراما،
المأزق المهم في الدراما هو ألا تكون للشخصيات خيارات كثيرة،
أو أن كل الخيارات سيئة بالنسبة لها، هذا يقوّي من الدراما.

ليس هنالك مشكلة في الدراما، المشكلة حالياً أن الوضع متأزم جدا وأنا غير قادر على تصور نفسي أعمل على أي شيء جديد، يوميا لدي هاجس حول ما الذي سيحدث فيتحول الفن لشيء ثانوي.

–  في «عمر» و»صالون هدى» شخصيات تورطت بالعمالة، لكن هاني أبو أسعد لم يحاكمها بقدر ما حاول فهمها.. لماذا؟، خاصة وأن هذا الخيار جلب ويجلب ردود أفعال غاضبة؟

الواقع شيء والدراما شيء آخر، والأفلام والفن عموما شيء آخر. الفن قي بعض الأحيان محاولة لمحاكاة الشيطان في الانسان والصراع معه،
هذا لا يعني تقبّل الشيطان أو تغيير نظرتك عنه،محاولة فهم الشيطان تسمح لك بأن تكسب منه في الواقع بشكل أفضل، هذا كان بالنسبة لي الجانب الهام، حتى تتمكن من التغلب على عدوك يجب أن تفهمه،
بالواقع أنا اعتبر أن الخائن خائن ولا أستطيع أن أهون المسألة،
ولكن في الفن يوجد دوماً مجال للشك تجاه هذه الأمور حتى اتمكن من فهمها بشكل أفضل.

فيلم-عمر-هاني-ابو-اسعد
فيلم-عمر-هاني-ابو-اسعد

ـ بالمقابل وجدنا إدانة للغوغائية في القصاص ممن تورط في الخيانة؟

في الفن هناك مجال للنقاش، هناك مجال للشك وهذا لا يعني أن الخائن يُعفى من القصاص،
ولكن هناك مجالا للنظر للخيانة كجريمة احتلال،
فهو يستغل ضعف الإنسان كي يعمل ضد مصالحه وهذه أيضا جرائم احتلال، هذا لا يعني ألا يُعاقب،
ولكن بتصوري أنه في الفن دائما يوجد مجال لوضع شكوك معينة ليس لتبرئة الجريمة بل للتعمق فيها حتى تصبح محاربتها ممكنة.

ـ أفلام هاني أبو اسعد غارقة في الواقع، وفي الأزمات ذات الطابع الذاتي وحتى ولو كانت حاملة لبعد سياسي، ما قيمة اقتحام الصراعات الخاصة لشخصيات اعتاد الناس متابعة تفاصيل حياتها عن طريق نشرات الاخبار؟

بنظري هذا خيار، الخيار كان بالنسبة لي أن أحاول التعمق في خيارات الانسان العادي ضمن ظروف غير عادية،
وهذا ما كان مثيرا بالنسبة لي كشاهد على العصر، أغلب الناس في العالم هم عاديون وضعوا في ظروف غير عادية لا سيما الشعب الفلسطيني والشعب العربي عموماً في هذا الزمن..
هم موجودون ضمن ظروف غير عادية، قاسية،يُمارس ضدهم مشروع إبادة،
وبالتالي الانسان العادي غير المُسيس كيف سيتصرف؟ هذا بالنسبة لي دوماً مثير،
ما هو واجبي وما هي تصرفاتي؟
فالأفلام التي أحاول صنعها بالنهاية هي شاهدة على عصر معين وشاهدة على الرجل أو المرأة العادية في ظروف غير عادية.

ـ بالعودة لفيلم «الجنة الآن»، هل استطاع هذا الفيلم برأيك أن يغيّر المعالجة الدرامية والقوالب الجاهزة لشخصيات اعتادت أن تحمل، في السينما الفلسطينية، الكثير من المُسلمات، وهل بعض التضاد بين ملحمية قضايا الشخصيات العامة أو الخاصة من جهة والسخرية القدرية المرافقة لها من جهة أخرى ساهم في رسم التجديد في هذه المعالجة، وفتح مجالا لسينمائيين فلسطينيين كان مغلقاً قبل «الجنة الآن»؟

هذا يحتاج إلى بحث، في حال كان هذا الفيلم مؤثرا في السينما الفلسطينية أم لا،
ولكن ما أعرفه أنه أثر في الكثير من الناس، وأثار جدلا مهما في المجتمع الفلسطيني تلك الفترة،
وهذا الجدل بالنسبة لي كان مفيدا، لأنه فتّح أعين الكثير من الجهات لقيمة الاستشهادي كإنسان مستعد للتضحية بحياته من أجل وطنه،
أليس من الأفضل أن تحافظ عليه قدر المستطاع كي يُنتج أكثر بدل ذهابه ليقتل أرخص ما لدى العدو ويقتل ذاته،
شعرت أن هذه المعطيات أفادت النقاش في جدوى العمليات الانتحارية أو الاستشهادية،
من المؤكد أني أعرف من الداخل عن كمية النقاش الحاصلة،
وهناك أشخاص ضليعون بالموضوع حدثوني عن مدى الفائدة التي قدمها الفيلم.

– فلسطينيو الداخل أمام معضلة التمويل الذي يواجه، عربيا، المقاطعة وتهمة التطبيع.. نود لو نعرف رأيك؟

هذه معضلة شائكة جدا، من المؤكد أنني مع المقاطعة ومع رفض استغلال الكيان الصهيوني قضية التمويل للترويج لكذبة أن هناك حريات وديموقراطيات داخل الكيان،
من جهة أخرى أفهم السينمائيين المبتدئين في الداخل الفلسطيني أنهم لا يملكون مجالا سوى ان يعيدوا جزءا من الضرائب التي يدفعونها،
هم بكل الأحوال يدفعون الضرائب، فهي اذن معضلة،
أنا مقتنع أنه حتى لو دفعنا الثمن فإن الأفلام الممولة من قبل الكيان وصناديق الكيان يجب أن تقاطع،
لا يوجد حرية دون دفع ثمن.
من جهة أنا أتفهم من يحاول أن يصنع أفلاما ولا يوجد لديهم طريقة ثانية إلا التمويل من صناديق الكيان، لكن الثمن الذي سيدفعونه هو وجود مقاطعة لأفلامهم وأيضا أنا اتفهم هذا الثمن.

– هل اعترضتك لوبيات حاولت عرقلة وصول أفلامك إلى المهرجانات الدولية؟

حدث ولا حرج، المشروع الصهيوني أذرعه في كل مكان وهو معتمد للآن على الفساد السياسي سواء بالإعلام او الثقافة والمهرجانات أو الأمم المتحدة.. أينما توجهت ستجدهم..
في هذا المجال ما زالوا مسيطرين وما زالوا يعاقبون كل شخص لديه رأي مساند لفلسطين علنا او من تحت الطاولة، وأنا أعرف من الناس التي تعمل بالموضوع من الداخل،
يقولون لي إن لديهم تعليمات بتحييد الأفلام الفلسطينية.
بكل الأحوال، مرة أخرى، لا يوجد نضال دون دفع ثمن وهذا ثمن يجب أن ندفعه.

ــ كانت لك تجربة في هوليوود بفيلم «الجبال بيننا»، ما الفارق الذي وجدته بين سينما صُنعت في فلسطين وأخرى بمعايير عالمية في هوليوود، ولا أقصد هنا الفوارق الانتاجية أو التقنية؟

الفارق ضخم جدا، السينما التي أصنعها في فلسطين هي سينما لي بينما في هوليود أنت «أجير» لدى أحد الاستديوهات الضخمة وهذا ليس عيباً،
كما لو أنك تعمل في مصنع كبير كي تفهم الصنعة بشكل أكبر وتطّلع على طريقتهم في العمل وما المعايير التي يستخدمونها ونقاط القوة بالنسبة لهم..
كانت تجربة مهمة بالنسبة لي، ولكن الفارق شاسع بين أن تعمل لذاتك ومشروعك وبين أن تعمل لشركات كبيرة.

ــ هل تكرر التجربة؟

أكيد، وأنا أعمل على هذا الموضوع رغم انه لا يوجد شيء واضح للآن، فكما ذكرت قبلاً،
الحرب في غزة تشغل معظم وقتي لذلك حالياً لا يوجد لدي مشاريع، ولكن بعد انتهاء الحرب سيكون لي دور أكبر في العالم العربي بالنسبة للسينما.

ــ جربت العمل عالميا هل تفكر بعمل عربي؟

أكيد أحب أن أصنع عملا عربيا، أحلم به وأعمل على الموضوع،
لا يوجد شيء واضح للآن، كما ذكرت قبلاً والحرب في غزة تأخذ معظم أوقاتي لذلك حاليا لا أملك مشاريع،
لكن بعد انتهاء الحرب سيكون لي دور أكبر في العالم العربي بالنسبة للسينما.

ـــ في «صالون هدى»، كان أبو أسعد أكثر جرأة في تقديم بعض المشاهد التي أحدثت لاحقاً جدلاً كبيراً، هل من السهل أن تكون جريئاً ومباشراً خلال تقديم فيلم بهوية عربية وناطق باللغة العربية، وما الذي يسمح لصانع الأفلام بامتلاك الجرأة ليكون حراً في عمل من المتوقع له إثارة الجدل، وهنا لا اتحدث عن الجدل الذي يصنعه المحتوى؟

لم يكن مقصودا أن توزع لقطة العري للدول العربية، طبعا عُرض الفيلم بالسعودية وتونس وكان موجودا على منصة شاهد قبل أن يُسبب الإشكال بدون هذه اللقطة حسب القانون الطبيعي لكل دولة،
فلكل دولة قوانينها ويجب احترامها،
لم يكن من المقصود ان يُحدث الفيلم هذه الإشكالية، كان الاتفاق منذ البداية مع الممثلة ان هناك نسخة للغرب تحتوي شيئا آخر،
فالغرب ينظر للعري بشكل مختلف، وانا اردت توثيق هذه الجريمة بكل حذافيرها،
وهذا أمر مشروع في العمل السينمائي، ما حدث أنه بعد توزيع الفيلم في الولايات المتحدة،
الصحافة كتبت عنه بشكل إيجابي،
وبالنهاية الفيلم يتحدث عن المخابرات الإسرائيلية واستغلالها بعض النساء الفلسطينيات للعمالة من خلال الابتزاز الجنسي،
هذا السطر الأخير من توصيف الفيلم اثار حفيظة المخابرات الإسرائيلية،
ما دفع_ حسب ظني_ بالوحدة 8200 الى سرقة الفيلم ونشره بشكل غير قانوني عبر الانترنت،
وهي من بدأت الحملة ضد الفيلم بالإضافة لوجود بعض الأشخاص الغاضبين فتوسعت الحملة،
ولكن لم يكن هذا الشيء مقصودا، فوظيفة هذه اللقطة أن تكون شاهدا على جريمة وأن يكون لها وقع وأثر بمكان آخر مختلف عن الشرق الأوسط.

بالنهاية من يعاند المشروع الصهيوني «حيشوف الويلات» ويتعرض لحملات تشويه واستغلال بعض الثغرات أو بعض العقليات لتشويه السمعة،
ما أصابني لا يقارن مع ما أصاب العالم العربي أو ما أصاب غزة ،
هذا المشروع لديه أذرع في كل مكان وليس من السهل معاداته ولكن بما أن القرار كان منذ صغري أن هذا المشروع ظالم ويجب محاربته فهذا ثمن يجب دفعه،
بالنسبة للآخرين فهم يدفعون اثمانا أغلى بكثير لا تقارن بما حدث معي.. ولكن «نحن لها».

ـــ ما هو موقف السينمائي من حرب اسرائيل على غزة وما هي مسؤوليته؟

أنا لا استطيع الحديث عن السينما ولا استطيع ان أزايد على أحد ولكن حاليا مسؤوليتي أن أساعد الناس الذين أعرفهم، أنا صورت في غزة فيلما وأعرف أناسا كثر،
هم منهمكون جدا بالتفاصيل اليومية والتي تستهلك طاقات كبيرة،
ولكن من الناحية الفنية أنا لا أقوم بشيء، وانتظر ما الذي سيحدث.
أنا متفائل، مع كل الألم الذي يعانونه، أنا متفائل.

ـــ كاميرا أبو أسعد زارت غزة في فيلم «ذا ايدول»، ما المثير في الشخصية التي اخترتها لتعبّر عن حب القطاع للحياة؟ بدا لي أن دوافع صناعة هذا الفيلم أخلاقية وعاطفية بالدرجة الأولى؟

هذا الفيلم هو فعلا رسالة حب لغزة. وأنا صغير، كان عمري تقريبا ثمانية أعوام،
كانت المرة الأولى التي أزور غزة فيها، والدي كان تاجراً،
كل يوم جمعة كنت أذهب برفقته إلى كل مكان في فلسطين،
دائما كنت أشعر أن غزة مختلفة، ومن علمني السينما هو الأستاذ رشيد مشهراوي أيضا من غزة،
لم يعلمني السينما فقط بل علمني الجرأة ،
كنت أشعر ان غزة مختلفة وسينطلق منها تحرير فلسطين أو ستكون العامل الأساسي في تحرير فلسطين،
كنت دائما أشعر ان الانفتاح الإبداعي والعطاء لدى ناسها كبير جدا،
لا استطيع القول إلا ان عشقي لغزة هو ما سمح لي بصنع هذا الفيلم.

ـــ في السنوات الأخيرة بدأت بعض الأفلام الفلسطينية بالتعامل مع الوجود الإسرائيلي كتحصيل حاصل، وعنصر يجب التأقلم مع وجوده كحل للأزمات.. كيف تقيم هذا التوجه؟

أنا أستطيع الحديث عن نفسي، أنا من المؤمنين أن هذا المشروع سينتهي،
عاجلاً أم آجلاً باعتباره مشروعا فاشلا، يرتكب الجرائم ولكن لا يحقق وجوده إلى ما لا نهاية،
هذا مستحيل،وأنا من المؤمنين بزواله عن قريب بعد طوفان الأقصى.

هاني-ابو-اسعد
هاني-ابو-اسعد

ــ أفلامك عادة مثيرة للجدل لدى المُشاهد العربي عامة والفلسطيني خاصة، هل تراهن على الزمن كي تتمكن هذا الأفلام من نيل القبول الجماهيري أم أن هذا الجدل أتى نتيجة مزاج شعبي يرفض طرح الأسئلة بدل الاجابة عنها؟

أنا أتفهم هذا الجدل، ففي بداية الطريق عندما تحتم علي الاختيار حول الأفلام التي استطيع صنعها،
وحينما كنت واعيا بأن السينما أداة للمقاومة،
كان لدي سؤال: هل أصنع سينما موجهة للداخل أو موجهة للخارج؟ أو محاولة إيجاد المساحة الضيقة بين الطرفين؟.

في بداية الطريق حاولت أن تكون سينما موجهة للخارج لأن ذلك ايضاً جزء من المعركة،
ولكنني استنتجت في بداية الطريق أن العالم الغربي منافق ولا جدوى فيه وهو أيضاً في طريقه للانحدار، فبدأت بالبحث عن المساحة الضيقة بين الداخل والخارج، حتى تكون شاهدا على العصر،  بعد زوال هذا المشروع وبعد سنين، كي يتحول هذا العمل للوحة تتحدث عن التاريخ، هذا ما أحاول أن أقوم به.

حالياً، أتفهم  إن لم ينل ذلك إعجاب الجماهير، لأني أملك الرغبة في أن تبقى هذه الأفلام متواجدة في التاريخ، وهذا له معايير مختلفة وبعيدة عن المزاج الشعبي، التاريخ يستطيع أن يحكم على نجاحي أم لا.

ــ هل تعتقد أن أفلامك ساهمت في تغيير التعاطي غربياً مع الشخصية الفلسطينية بصفتها شخصية إنسانية، وفي حال كانت قد ساهمت بذلك، هل يمكن اعتبار هذا الأمر غاية حقيقية للسينما الفلسطينية، أم انها معنية بمخاطبة الفلسطيني بالمقام الأول؟

كل رحلة بمثابة مسار وتطور وجدل، في البداية كنت مقتنعا بأنه من المهم تصحيح صورة الفلسطيني في الغرب، لكن اكتشفت أن الغرب أطلق الحكم عليك بشكل مسبق لأنه يمثل أيضا المشكلة، ليس فقط المشروع الصهيوني وهو بالنهاية نتاج المشروع الغربي، هذا المشروع الذي يبدو في الظاهر وكأنه مشروع حريات وديموقراطية، لكن في الواقع الخاص به هو مشروع هيمنة. أنا لست متفاجئا مما يحدث في غزة وسقوط القناع، هذا القناع الذي سقط منذ زمن بعيد، فأصبحت مخاطبة الغرب هي من خلال قدرتي على صناعة أفلام وفق معايير عالمية تستطيع إغاظة العدو وهذا أمر هام، بالنهاية مشروع العدو ان ينهينا كوجود وكشعب، أو تحويلك لشعب غير مُنتج، ومن أهم الأشياء التي يستطيع أي شعب أن ينتجها هو الفن، فإن تمكنت من صناعة فن عابر للمكان والزمان هذا سيُغيظ العدو، ستثبت عبر ذلك أنك شعب مُنتج والشعب المنتج من الصعب إلغاؤه. أما أن اقنع الغرب ، فهذا الأمر لا يهمني، هذه مشكلته، ونحن علينا أن نناضل وننتظر ما سيحدث، لكن أنا متفائل جدا، لأن السابع من أكتوبر أثبتت مع كل الأثمان التي سندفعها بالنهاية أن التحرير قادم.

هاني-ابو-اسعد
هاني-ابو-اسعد

ــ في ظل الأحداث الكبيرة كالتي تجري حالياً في قطاع غزة وما نجم عنها من استشهاد لما يزيد عن ٢٥ ألف فلسطيني للآن، كيف نبرر الصمت الذي ساد بين بعض الفنانين، ولاسيما الفلسطينيين الذين حظوا بشهرة وانتشار عالميين؟

أنا لا استطيع الحديث باسم غيري، لكن أستطيع التكلم باسمي، أولاً أنا لا أتعامل بالسوشال ميديا فلذلك لا أحد يسمع صوتي، وأنا لا أرى أن لي دورا في هذا المجال،
فهناك من يقوم به أفضل مني بكثير، ما أقوم به حالياً هو مساعدة الناس الذين أعرفهم على الأرض.

ومن جهة ثانية أجريت مقابلات عديدة مع صحف غربية فرنسية أو أميركية، لكنها لم تنشر، بذريعة أن مضمون الحوار يدعو للعنف..

حاليا نحن في زمن الحضارة الغربية، حضارة مهيمنة وهي التي تحدد الكثير من السياسات،
لكن هذه الحضارة في طريقها للانهيار، لعدة أسباب لا حاجة للخوض بها، لكن هذا سيخلق فراغا،
إذا نظرنا للتاريخ هناك حضارات تقوم ولكن حينما تنهار يرثها أجزاء أخرى من العالم ويطورها وهلم جرا، بنظري سيعود الثقل الحضاري للشرق الأوسط لعدة أسباب،
أولها أن الإرث الحضاري الموجود في منطقتنا غني،
منطقتنا تملك ستة آلاف سنة حضارة بالـ DNA الخاص بها،
والسبب الثاني أن الموارد الطبيعية الموجودة في الشرق الأوسط هائلة ويمكن أن تؤمن الاكتفاء، بل والوفرة،
والسبب الثالث هو الموارد الإنسانية الكبيرة في الشرق الأوسط،
لذلك أنا من المؤمنين بأن مركز الحضارة سيعود إلى منطقتنا،
ليس في القريب العاجل، ولكن هذه ديناميكية الأمور، هذا الفراغ الذي سيحدث من سيملأه؟
. من الممكن أن تكون الصين لكنها لا تمتلك كل المقومات،
ومن الممكن روسيا أيضاً،لكن بالنهاية للشرق الأوسط مقومات أكبر للأسباب التي تحدثت عنها.

ما دور المثقف في هذه الحالة ؟
لنأخذ نماذج من التاريخ، عندما وصلت أوروبا لقمة الإقطاع حدثت الثورة الفرنسية وبدأت بسقوط الباستيل،
بنظري غزة هي عبارة عن سقوط الباستيل وستتجلى من خلالها ضعف الحضارة الغربية،
وبدأت تتجلى، في الوقت الحالي هم فاشلون عسكريا، لا يستطيعون سوى ارتكاب الجرائم والكذب،
الشيء الوحيد القادرون على تقديمه للعالم هو الجرائم والكذب، وهذا الشيء أصبح واضحاً جداً،
لذلك هم في مرحلة السقوط.

المثقف العربي لديه دور مهم اليوم لكي يتمكن من خلق حركة جديدة ويُنتج قامة من نوعية جان جاك روسو،
أنا استطيع أن أساهم في إنتاج أرض خصبة لهذا الأمر وهذا ما أقوم به حالياً،
يجب في البداية كمثقفين عرب أن نؤمن بمشروع نهضوي، مشروع قادر على إعادة المركز الحضاري للشرق الأوسط،
هذا ما حدث في كل الحضارات،
أوروبا كانت قبل أن ترث الحضارة العربية متخمة بالأمية والتخلف،
لكن النخب كانت مؤمنة بنهضة أوروبا وكان هناك أرض خصبة بوجود أسماء كبيتهوفن وشيكسبير،
انتجت أرضا قادرة على انتاج شخص بأهمية جان جاك روسو استطاع أن يطور فكرا انسانيا قادرا على توجيه البشرية،
هذا ما نحاول حالياً أن نقوم به بهدوء، أن نخلق أرضا خصبة للإبداع في البداية،
ثم لإنتاج مفكرين قادرين على حل المعضلة الإنسانية الموجودين ضمنها اليوم،
والتي تسبّب الغرب بها، معضلات من قبيل ثقافة الاستهلاك.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة