جوى للانتاج الفني
الرئيسيةمبدعونالمخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد

المخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد

جود سعيد

استطاع المخرج عبد اللطيف عبد الحميد أن يصنع لنفسه مدرسة خاصة في عالم السينما سميت “سينما عبد اللطيف عبد الحميد”، ومن خلالها قدم العديد من الأعمال التي أثارت الكثير من الجدل والنقاش، وحفرت عميقاً في ذاكرة السوريين ووجدانهم.

يحدث أحياناً، في حالات خاصة جداً، أن يلتقي مخرجان،
يأخذ أحدهما دور “النّباش” في سينما الآخر، ليسأله، ليذهب معه في رحلة نحو أماكن ربما كانت الصحافة الفنية لا تستطيع الوصول إليها..
ومن الممتع بالنسبة لي كمخرج أن أحاور مخرجاً قديراً هو عبد اللطيف عبد الحميد.

عبد-اللطيف-عبد-الحميد
عبد-اللطيف-عبد-الحميد

+ درست السينما في جامعة “فغيغ”. ماذا أضاف هذا المكان للغة السينمائية الخاصة بك؟

ـــ أثناء الدراسة كنا نتابع السينما السوفيتية الحديثة وتاريخها في كل الجمهوريات الموجودة فيها، وكنت مولعاً جداً بالسينما الجورجية على وجه الخصوص،
واعتبر أن فيلم “ليالي ابن آوى” يشبه الجو الخاص بهذه السينما،
وللعلم كل شيء قدمته أثناء دراستي للسينما لا علاقة له بالريف لا من قريب ولا من بعيد،
وكل المشاهد وأحداثها كانت في مدن مثل موسكو أو عوالم متخيلة،
وقد انبهر أستاذي بما قدمت وشعر بالحيرة عندما أراد اختيار واحد من مشاهدي التي قدمتها أثناء العام الدراسي من أجل الامتحان، لأنه ببساطة أعجب بأغلبها.

+ لماذا اتجه عبد اللطيف عبد الحميد إلى بيئة ريف الساحل السوري في فيلم “ليالي ابن آوى”؟

ـــ الموضوع له علاقة بتكويني الشخصي..
أنا فعلاً أعشق حياة الريف والطريقة التي يتحدثون بها والعفوية والتلقائية الموجودتين في الحياة الريفية.
تعود فكرة هذا الفيلم لجلسة مسائية قضيتها مع مجموعة شباب سوريين بالسنة الأولى من دراستي في موسكو،
والتي نتعلم فيها اللغة قبل دخولنا معهد السينما،
وكان كل منا يروي (حدوتة) خاصة به، إلى أن رويت أنا (حدوتة) الأب والأم (تبع الصفرة) عندما كان أبي يوقظ والدتي في الليل كي تصفِّر لتهرب بنات آوى،
وإذا بالجميع يضحكون بشدة، لتظل هذه الضحكة في ذهني سنوات متسائلاً لماذا ضحكوا.

+ ألا تعتقد أن هذه الضحكة هي التي بقيت في رأس عبد اللطيف عبد الحميد حتى تحول “ليالي ابن آوى” إلى سيناريو ورقي؟

ـــ لعلمك يوجد أشخاص يستغربون من أن التصفير يطرد ابن آوى بالفعل،
وطبعاً هذه (التيمة) تنسحب على أشياء أخرى في الفيلم فوجئ بها المشاهد السوري الذي لا يعرف تلك البيئة.

وبالفعل حاول هذا الفيلم أن يغير الصورة النمطية عن هذه البيئة،
وهي فكرة ظلت عالقة في ذهني فترة طويلة، إلى أن أنجزت النص وجعلتني الرقابة أعيد كتابته ثلاث مرات،
وحذفوا لي منه مشهد الأب عندما كان يدرب الفلاحين على آلية التعامل مع الطيران الإسرائيلي،
هذا المشهد بقي في الفيلم لكنه أخذ صبغة أخرى،
وأنا أعتبر أن المشهد كان أقوى بالصيغة الأولى التي حذفوها،
حيث أن الفكرة كانت تدور حول إحضار هؤلاء الفلاحين إلى الأرض،
وجعلهم يحصدون محصولها،
بينما من ادعى أنه يريد تعليمهم التعامل مع الطيران الإسرائيلي يضحك وهو جالس بالقرب منهم،
طبعاً الرقابة وقفت عند هذا المشهد واعترضت عليه معتبرة أنه استغباء للفلاحين.

أعتقد أن تعرية شخصيات الفيلم بمنتهى (الحنية) والحب والاحترام، هي السبب وراء نجاحه.

+ يحكى أن وزيرة الثقافة حينها، السيدة نجاح العطار، كان لها دور في عرض فيلم “ليالي ابن آوى”. أخبرنا عن هذه القصة؟ وبرأيك من يحمي السينما اليوم، ومن يساندها لكي تكون أفضل؟

ــ نعم بالفعل لم يعرض الفيلم إلا بعد أن حضره  الرئيس حافظ الأسد وبعدها سمح بعرضه،
وللأسف الشديد جوابي سيكون سلبياً عن سؤال من يحمي السينما السورية.
المؤسسة العامة للسينما خارج نطاق الاهتمام تماماً،
ولا أشعر أنه يوجد اهتمام بالسينما مطلقاً، وإن حصل اهتمام فهو روتيني،
وأنا لا ألتمس حماية هذه الجهة الثقافية لدينا أبداً، ولا أي طرف آخر،
رغم سعادتهم بالجوائز التي تحققها الأفلام السورية،
وبالفعل يوجد شيء غير طبيعي من ناحية الإنتاج، لأنه قليل بل وشحيح،
لذلك لا يوجد لدينا عجلة تقدم صناعة حقيقية وتفرز حركة سينمائية فعلية.

+ برأيك لماذا تم الاهتمام بالمؤسسة العامة للسينما أثناء الأزمة السورية في السنوات الماضية؟

ــ تم الاهتمام بها في الحرب بسبب تأثيرها الذي فوجئوا به،
وتساءلوا بشيء من الذهول: هل يعقل أن تصنع السينما كل هذا؟!
لا تنسى أنه وفي الوقت الذي يتعذر على وزير الخارجية السوري دخول أغلب البلدان،
كانت أفلامنا تطرق باب أي دولة وتدخل إليها، لكن اليوم انتهت الحرب وانتهت هذه الأفلام.

+ في فيلم “صعود المطر” تم حذف مشهد قيل حينها أنه تحدث عن وزير الدفاع  بطريقة مسيئة أخبرنا ما الذي حصل؟

ـــ الدكتورة نجاح العطار، وزيرة الثقافة حينها، كانت تقول لي إن خفة دمي قد أوجعت رأسها في كل أعمالي السينمائية، وخاصة بسبب سيناريو فيلم “صعود المطر”.
والذي حصل وقتها أن السيناريو كان يتحدث عن منصب ما، بشكل عام،
ولا يقصد منصباً محدداً، كما اعتقد وزير الدفاع حينها.
حيث أنه اعتبر ماورد في السيناريو إساءة شخصية له في المشهد الذي يتحدث ان ابنة المسؤول خطفت لأسباب جنسية فيحصل إنزال مظلي لإنقاذها،
وبالفعل تمت مناقشة هذه الفكرة في مجلس الوزراء،
ويومها طلبتني الوزيرة نجاح العطار وسألتني: “ماذا فعلت؟”
لأنها فوجئت في رئاسة مجلس الوزراء بالموضوع
وقالت لي: عليك أن تتصرف وتحل هذه المشكلة التي كان سببها الأساسي هو وصول هذه الفكرة والسيناريو لوزير الدفاع بشكل مسيء،
لكنني شرحت الموقف وسارت الأمور بسلاسة،
بدليل ان أحد المشاهد كان يتطلب تحريك مدرعات وآليات عسكرية ثقيلة من أجل إنقاذ ابنة الوزير وبالفعل جاء ضباط من أجل معاينة الموقع الخاص بالتصوير،
وكما نعلم تحريك أي قطعة عسكرية لا يتم الا بأمر من القائد العام،
وبالفعل حصلت على هذا الأمر من الرئيس حافظ الأسد وما زلت أحتفظ بهذه الوثيقة في منزلي.

+ ماذا أراد عبد اللطيف عبد الحميد من نهاية فيلم “صعود المطر”؟

ـــ نعم أخرجت الشخصية من القبر، لأنني أردتها أن تبني من جديد، وهذه الشخصية كان لها علاقة بي لأني وصلت في تلك المرحلة لهذه الدرجة،
كنت تحت الركام لأن الإبداع قتل في داخلي، ومع ذلك أصررت على الاستمرار والعمل،
بالرغم من أنني كنت أريد الانتحار في تلك الفترة لولا تواجد زوجتي بجانبي لأنني وصلت حقاً للحظة عصيبة من تعب الحياة ومشقتها عندما صنعت “صعود المطر”.

+ فيلم “رسائل شفهية” أعدت فيه التجربة بالتعاطي مع بيئة ريف الساحل السوري ولكنك ذهبت باتجاه أصعب أنواع الفنون وأشكالها تجسيداً في السينما وهو (الغروتيسك) على عكس واقعية فيلم “ليالي ابن آوى”. ما السبب وراء عودتك لهذه البيئة؟ هل هو لاستكمال نجاح فيلمك الأول؟

ـــ “رسائل شفهية” موجود في حاضنة تطرح أسئلة عن هزائمنا وعن حروبنا وهويتنا،
علما أنني عندما ذهبت لهذا العمل توقعت سؤالاً يقول: “ألا يصنع هذا المخرج غير أعمال ريفية؟”
وهو سؤال اتهامي،
ويضيف سائلوه بأن حكاية “رسائل شفهية” تبكيهم ولا تضحكهم،
أو يكتفون بالقول إن حكاية الفيلم ممتعة، مع أنني استخدمت قصة لا تحتمل في وقتها أبداً، لها علاقة بالتخطيط؛
وهي إلغاء بيارة الحمضيات الخاصة بأحدهم عن بكرة أبيها من أجل وضع خط القطار وسكته مكانها،
وبعدها بفترة يغيرون المكان بعدما دمروا أشجار البرتقال الخاصة به،
هذه الأمور التي حدثت في الفيلم كنت مهتماً بها حتى أني جعلت القطار يمر فوقهم في نهاية الفيلم وليس بجانبهم فقط،
حيث يعبر هذا الكلام عن اقتحام الحداثة لأبطال هذا الفيلم،
وكيف نزعت البراءة والتلقائية والعفوية منهم.
عدد قليل جداً من الناس استطاعوا قراءة “رسائل شفهية” بهذه الطريقة،
أما البقية فيعتبرونه _ كما أشرت_عملاً ممتعاً فقط.

+ ما هو سر عودة الشخصيات في أعمال عبد اللطيف عبد الحميد؟ ولماذا تتكرر على وجه الخصوص شخصية الأب القاسي في أفلامك؟

ـ دعني آخذ أبي كمثال؛ كل شخصيات الأب في أعمالي تتمثل بأبي فهو القاسي والحنون،
فأنا كنت أدهش بسبب التراوح الذي يحصل عنده بين أقسى القسوة وذروة الحنان،
هذا الأمر كان ذا أثر كبير عليّ، وكنت استمد منه كثيراً وأعتبره مهماً جداً درامياً،
وأعتقد على سبيل المثال أن الأب في فيلم “العاشق” يختلف قليلاً عن الأب في ليالي “ابن آوى” و”رسائل شفهية” لأنه شخص ينتمي إلى مكان يؤمن به بطريقة خاصة،
وبالفعل فأنت لفت انتباهي إلى أن الأب موجود دائماً في أفلامي ليس لإكمال العائلة ولكن لقول شيء محدد تجاهه.
أما سبب هذا الحضور المتكرر فقد يعود لأني شخصياً أكتب بما أحس، أو لأن الحياة بالفعل هي أب.

+ هل تعتقد أن السينمائي يصنع فيلماً ويدور حوله بعدها عدة مرات؟ ولماذا يقل حضور الأم عموماً في أفلام عبد اللطيف عبد الحميد؟

ــــ بما أنني أنا المؤلف لمعظم أعمالي، فلا بد أن تتقاطع نصوصي مع نفسها بأحد الأماكن،
وأؤكد أنني أعيد قراءة نفسي في كل فيلم أصنعه وتتواجد فيه شخصية أم،
والسبب وراء ذلك أنني منذ طفولتي ومنذ لحظة ولادتي كنت بعيداً عن والدتي، وكنت قريباً من والدي أكثر من والدتي التي كانت امرأة صلبة قاسية،
ومن النوع الذي يعاقب بقوة، ولهذا السبب فإن شخصيات الرجال في أفلامي تبحث عن الحنان والحب  أكثر من الجنس، وأنا كنت أسأل نفسي دائماً كم تحبني والدتي؟
ولم أستطع الاكتشاف،
بالرغم من جميع محاولاتي السينمائية لحين زيارتي لها أثناء (الكوما) التي تعرضت لها قبل وفاتها،
لتفتح والدتي عينيها وتسأل عني وتبتسم بشكل مميز بعد غيبوبة دامت ستة أيام،
وكأنها تقول لي: “تعلّم أيها السينمائي كيف تكثّف سنوات الحب بلحظات قليلة جداً”
لتتوفى بعدها والدتي قبل تصويري لفيلم “ليالي ابن آوى” بأسبوع.

+ عملت كممثل في فيلم “نجوم النهار” حيث أنك لعبت فيه شخصية سلبية وتعاطفت معها على حساب الشخصية التي تمثل الخير. كيف تحققت هذه الحالة؟

ـــ شخصيتي في هذا الفيلم شخصية طريفة وحقيقية، وهذه التجربة بالنسبة لي غريبة وعجيبة لأن المخرج أسامة محمد عاصرني بمعهد السينما وكان يسبقني بالدراسة ببضع سنوات،
فالذي حصل أنني كنت أصنع فيلمي الأول “تصبحون على خير” في موسكو،
وكانت توجد فيه شخصية لعبتها أنا كممثل، لاقت إعجاب الكثر بسبب الكوميديا الموجودة فيها،
ومنذ ذلك الوقت شعرت أن المخرج أسامة محمد وضع عينه عليّ،
وأصبح يتردد كثيراً على الاستديو الخاص بنا ليشاهدني،
حتى أتت اللحظة التي بدأ فيها بصنع “نجوم النهار” وعرض عليّ هذه الشخصية التي حققت نجاحاً ملفتاً.

+ كيف يختصر عبد اللطيف عبد الحميد تجربة فيلم “نسيم الروح” التي شغلت الناس وقتها؟ وما هو سر نجاحها جماهيرياً؟

ــ المشاعر الموجودة في هذا الفيلم هي التي كانت سبب نجاحه جماهيرياً،
وعندما عرض هذا العمل في دمشق حضره أشخاص لم يدخلوا السينما منذ نحو خمسة وثلاثين عاما،
وقال أحد أصحاب دور السينما لي: “شكراً لأنك جعلتني أشمّ رائحة عطر لم أشمّها في هذه الصالة منذ عشر سنوات”.

+ لماذا طغى الواقع في أفلام مثل “قمران وزيتونة” و”خارج التغطية” و”أيام الضجر” على شطط خيالك والعبثية التي تواجدت في الأعمال السابقة؟

ـــ أنا شخص لا أحب أن أركن لزاوية معينة ومحددة، عبد اللطيف يحب أن يحكي القصة لأنها تستهويه بغض النظر إذا ما كانت تحتوي على عبث أم لا،
وهذا يعود لفكرة أن الأشياء هي من تستولي عليّ في أعمالي، وعلى سبيل المثال فيلم “ما يطلبه المستمعون” لم يتوقع أحد أن أحداثه التي تدور في عام ٢٠٠٣ ستتحقق في عام ٢٠١١،
وبالفعل كان هذا الفيلم واقعياً وملامساً لمشاعر السوريين لدرجة أنه انتشر بشكل كبير على يوتيوب،
مما جعل الناس يعتقدون أن أحد مشاهده التي تقدم حرباً عسكرية هي فيديوهات مصورة على أرض الواقع.

+ في النهاية هل سيصنع عبد اللطيف عبد الحميد أفلاماً بعد “لاريسا عبد الحميد” بنفس الروح؟ أم أن غيابها سيكون له دور في الفيلم القادم؟
ـــ “لاريسا” كانت شريكة سينمائية في جميع أفلامي،
وحتى في الفيلم الأخير كانت موجودة، من المؤكد أن أعمالي لن تكون نفسها أبداً،
لأن هذا الموضوع آلمني جداً لدرجة أنه يوجد بعض الأشخاص ظنوا أنني تحدثت عن “لاريسا” في فيلم “الإفطار الأخير” الذي عملت معي فيه لكنهم مخطئون،
وبالطبع ستختلف علاقتي بالسينما بعد رحيل “لاريسا”.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة